
العقيد الطيار اديب عليوي
محلل عسكري
جدلية العلاقة بين السياسة والعسكرة في سوريا ضمن المرحلة الاخيرة (2)

ثانياً: العلاقة بين الجيش والسياسة في ظل حكم حافظ الأسد
إن وصول حافظ الأسد إلى سدة الحكم عام 1970 وتوليه لمهام الرئاسة فقط قام بفرض نظام حكم يقوم على الدمج بين حزب البعث وبين القوات المسلحة من أجل السيطرة والهيمنة على مؤسسات الحكم المدني وذلك من خلال طغمة حاكمة يقف على رأسها حاكم فرد دكتاتور مطلق الصلاحيات عملياً.
وتنصاع لأوامره مؤسسات الدولة كلها على الرغم من بعض القيود الدستورية النظرية وبعض التوازنات الداخلية التي تم أخذها بالحسبان ولكنه صاحب القرار النهائي…فالقائد هو سيد الدولة وسيد البلاد ومصدر السلطات حيث انتقل النظام في ظل حافظ الأسد من سيادة الدولة إلى سيادة الرئيس.
ولم يحتاج بعدها حافظ الأسد وطغمته لبذل جهود كبيرة لبناء إصلاح يحقق التوازن بين فئات المجتمع وإنما قامت سياسته على الإرث الفرنسي المتمثل في حكومة مدنية ضعيفة وأحزاب سياسية لا تملك فكر وهي أقرب ما يكون إلى ديكورات وهي لا تملك نظرية سياسة ناضجة في مواجهة مؤسسة عسكرية وأمنية تبسط نفوذها على الحياة العامة واعتمد في ذلك على العنصر الطائفي والعشائري لأنه الأكثر ضماناً لتحقيق معادلة التوازن المعقدة داخل المؤسسة العسكرية والمؤسسات المدنية بعد ذلك تحول حكم حافظ الأسد من التحالف مع المدنيين إلى الاستبداد ثم الديكتاتورية والطغيان واستخدم الإفساد من جهة والقمع من جهة أخرى وبذلك تحولت المؤسسة العسكرية من أداة لتحديث المجتمع إلى أداة للقمع ومحاربة القوى الأكثر حداثة في المجتمع المدني وتحول الجيش من حاميها إلى حراميها بدلاً من أن يكون مؤسسة تنتج هوية وطنية فأصبح مؤسسة متخلفة فاسدة تكرس البنى الطائفية التقليدية وترسخها وتحول المجتمع إلى طبقات بين حاكم ومحكوم.
إن السيطرة الزائدة من قبل المؤسسة العسكرية والأمنة جعلها تهيمن على قواعد اللعبة السياسية وهذا أدى لإضعاف السلطة المدنية في الدولة.
ولم يقتصر تعاظم دور المؤسسة العسكرية والأمنية على الحياة السياسية فحسب إلا أنه تمدد ليشمل كافة نواحي الحياة واتضح ذلك في شعار حزب البعث القائد للدولة والمجتمع وشعار الجيش (الجيش للحرب والاعمار.
لقد تحولت سوريا إلى مزرعة يملكها حافظ الأسد بجناحيها السياسي (حزب البعث) والعسكري (سرايا الدفاع – سرايا الصراع – القوات الخاصة – الفرقة الثالثة – الفرقة الأولى) إضافة إلى الحرس الجمهوري والمؤسسات الأمنية (شعبة المخابرات – إدارة المخابرات الجوية – المخابرات العامة – إدارة الأمن السياسي).
وفي نهاية الثمانينات تحولت سوريا إلى دولة امنية بامتياز بحيث تتحكم في مفاصلها ادارت وفروع الأمن على كافة الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
ولهذه المواصفات أصبحت تسمى (سوريا الأسد) ثم انتقلت الدولة السورية لتصبح المملكة الجمهورية بعد عملية التوريث الهزيلة وتعديل وتفصيل الدستور حسب القياس المطلوب في سابقة لم تحدث في كل جمهوريات العالم.
ونستنتج مما سبق أن سوريا تم اختطافها منذ عام 1970 من قبل ديكتاتور حكم بالحديد والنار.