
المقدم محمد عبيد
مختص بالشؤون الأمنية
دراسة عن المدخل العام لمفهوم الأمن ضمن الاجتهادات المعرفية :
كثيراً ما تثار إشكالية في كيفية تناول موضوع الأمن ومختلف الإجتهادات المعرفية والتنظيرية المتعلقة به ، لاسيما في ظل التجاذبات النظرية الكثيرة التي طغت على ميدان الدراسات الأمنية سواء من حيث الاتفاق حول دلالات المفهوم أو انعكاساتها في شكل سياسات للدولة .
في الدول العربية نحن أمام أنظمة قائمة على المؤسسات الأمنية والعسكرية المؤسسات المدنية فيها ضعيفة جدا ، وهذه الدول تحت هذه الأنظمة كانت جزء من منظومة امنية ودولية تتجاوز الأمن الوطني وهي بنفسها تنظم الدولة والمجتمع والسيطرة على موارد الدولة كافة ، لذلك عندما انهارت هذه المؤسسات وجد المجتمع نفسه دون أمن هذه المنظومة رغم قمعها ، وهذا ما انعكس أيضاً على الدول المجاورة وخارج المنطقة التي وجدت نفسها معنية بالموضوع الأمني والعسكري لهذه البلدان ، لان هذه الدول توقف دورها كجزء من المنظومة الأمنية ، من حيث ضبط الامن والإستقرار والمجموعات الإرهابية وتدفق السكان الى الخارج كل ذلك اصبح مسائل أمنية بحتة .
انطلاقاً مما تقدم نجد أنفسنا أمام تحديات كبيرة أفرزتها مجموعة من الأحداث المتتالية والدامية والتي لم تشهد أي انحسار على مدى السنوات المنصرمة ، لا بل زاد تعقد المشهد السياسي والذي كانت نتيجة حتمية لتشابك العلاقات الدولية وتضارب مصالحها وهو ما يحفزنا لفهم طبيعة الفواعل وحجمها وصولا لتحديدها ومن ثم البناء عليها .
لقد كان لارتباط الأمن كمصطلح ببقاء الدولة واستمراريتها اضافةً لكونه أحد أهم محددات السياسة الخارجية بخياراتها كما هو في التكامل والإندماج الدولي أو في بناء النظم الدولية أو تشكيل الأحلاف الدولية انتهاءً بالحروب لذلك كان الأمن ولازال أحد الروافد الأساسية لموضوعات علم السياسة والعلاقات الدولية .
ومما جعله مصطلحاً أكثر مرونة تلك الحالة التي أنيطت به من حيث حماية كيان الدولة من الداخل ودفع العدوان من الخارج ، وهو ما يكفل الحياة المستقرة والمستمرة ، لقد شكل الأمن عبرا مراحل تاريخ تطور البشرية أحد أهم الدوافع المتحكمة في سلوك الأفراد والمجتمعات على حد سواء وهو أحد أسباب نشوء الجماعات البشرية حيث كانت هي الأخرى مقدمة لوجود أمن الجماعة .
كما لا يمكننا إغفال أن من أسباب الدوافع الأمنية إقامة العلاقات فيما بين الدول ، وكان ذلك بدوافع متعددة منها ما هو اقتصادي واجتماعي وثقافي أو بدافع هو دفع العدوان .
مما تقدم نجد أن مفهوم الأمن عند الكثيرين قد قسم إلى ” شعور و إجراء ” .
فالأمن كشعور : هو ما يتعلق بإشباع الدوافع العضوية والنفسية ، والإطمئنان إلى زوال ما يهدده .
وهو من حيث الإجراء : فهو كل ما يصدر عن الفرد والجماعة لتحقيق الحاجات الداخلية الرئيسية أو لرد العدوان على سيادتها وكيانها .
كما لم يقف تحديد مفهوم بشكله الضيق أمام تأمين حياة المواطنين وما يهدد أملاكهم داخل الدولة ضد الأخطار الداخلية ، بل تجاوزه بإجراءات تتخذها الدولة في مواجهة باقي الدول وذلك من خلال مجموعة من الإجراءات الوطنية الوقائية وتشكيل القوات المسلحة وعقد الأحلاف العسكرية وصولا لقيام الدولة بإجراءات إيجابية لتحقيق أمنها .
ولقد كان لإنهيار الإتحاد السوفياتي وحالة اللاأمن التي رافقته أهمية كبرى في دراسة ” المحددات الأمنية في السلوك الدولي وأنماط التحول والتكيف أو المواجهة ، كل ذلك كان بسبب بروز حالات أمنية جديدة ، وطفى على السطح مصادر وفواعل جديدة مهددة للأمن الوطني والدولي ، يضاف لذلك توسيع مفهوم الأمن الذي ظل حكراً على القطاع العسكري .
أما الجانب الأكاديمي فقد كانت له رؤيته الخاصة إنطلاقاً من تسعينات القرن الماضي التي اعتبرت محاولة لمواكبة التغيرات التي طرأت على طبيعة الحروب والنزاعات الدولية في ظل تلاشي قدرة المفاهيم التقليدية على التعاطي معها وقد كان لأحداث الحادي عشر من أيلول 2011 نقطة البدء بمرحلة جديدة حيث انتعشت بشكل ملحوظ الدراسات الأمنية والتي كانت نتيجة التبعات الاستراتيجية التي خلفتها تلك الهجمات ، وبات واضحا تنامي عدة ظواهر منها ما هو مهدد للأمن والاستقرار العالمي وتشابك أبعادها ، واختلاف الإستراتيجيات الدولية إزاءها ، وهو ما دفع الباحثين إلى الاهتمام بدراسة الأمن كظاهرة تستحق الوقوف عندها وأملها بإعتبارها كمادة فعالة في العلاقات ما بين الدول ، فأصبحت الدراسات الأمنية أحد أهم النقاشات القطاعية في العلاقات الدولية .