حسين علي البسيس

محامي سوري – عضو المجلس التأسيسي لحزب بناة سوريا

توثيق الانتهاكات التي تحدث في سوريا طريق لمحاسبة المجرمين

                 

إن موضوع توثيق الانتهاكات التي تحدث وتحصل هو عملية مهمة جدا” وأيضا” متعبة بنفس الوقت لأنها تهتم بتدوين وتسجيل ما يجري من مخالفات وانتهاكات أثناء الحروب والنزاعات وكتابة جميع الأمور التي تخالف القانون الدولي وحقوق الإنسان سواء صدر الانتهاك من قبل حكومات أو مجموعات وجماعات بحق المواطنين.

فالتوثيق يعتبر مرحلة لتسجيل وكتابة كل التفاصيل والوقائع والأحداث بدقة متناهية وجمع الأدلة والبراهين وكل ما من شأنه يشكل مخالفة لأحكام وقواعد القانون الدولي الإنساني وحفظها من الضياع, وذلك لمساعدة المحاكم والقضاء على الفصل بتلك الانتهاكات .

وأن ما حدث في سوريا منذ اكثر من عقد من استخدام نظام الأسد شتى أساليب القمع ضد الشعب السوري هو مخالفة صريحة لكل القوانين الدولية ومنها اتفاقيات جنيف الأربعة التي تم إقرار الأخيرة منها عام 1949 فاستخدام الأسد لكل أنواع القتل والتدمير ضد الشعب السوري واستخدامه البراميل المتفجرة والصواريخ والطائرات و الكلور وغاز السارين وادخاله قوى أجنبية الى سورية مهمتها قتل الشعب السوري يعتبر انتهاكات يندى لها الجبين , وان ما قامت به المليشيات الإيرانية ومرتزقتها وما قامت به القوات الروسية وطائراتها من تدمير وقتل للمدنيين ولعدة أعوام من عمر الثورة السورية عار على الإنسانية , حيث تفنن النظام الاستبدادي  في أساليب القمع والإذلال للسوريين الذين خرجوا بمظاهراتهم ضد منظومة الاستبداد القمعي مطالبين باسترداد كرامتهم ولكن النظام استخدم أسلوب الأرض المحروقة وعمل على تهجير السكان الأصليين من قراهم وبلداتهم ومدنهم حتى اصبح نصف الشعب السوري بين نازح ولاجئ في كل أصقاع العالم .

ان جميع هذه الانتهاكات الكبيرة بحق السوريين تستوجب من جميع العاملين في الحقل القانوني والناشطين أن يعملوا على توثيق هذه الانتهاكات بشكل احترافي وبمنهجية علمية حقيقية وبطريقة قانونية صحيحة , وذلك من أجل تأمين الملاحقة القضائية لكل مرتكبي الجرائم في سوريا ليصار لتقديمهم للعدالة يوما” ما .

وعندما يحدث تغير في المناخ الدولي سيتم تقديم كافة المجرمين إلى محاكم دولية كمحكمة الجنايات الدولية وفق اتفاقية روما لعام 1998 أو لمحاكم مختلطة أو لمحاكم وطنية وذلك بعد تحقيق الانتقال السياسي الحقيقي في سوريا , لذلك فلا بد من عمل قانوني حقيقي لملاحقة الفاعلين وكل من أجرم بحق السوريين لمحاسبتهم من قبل القضاء العادل لكي تنعم سوريا بالاستقرار بشكل حقيقي .

وتكمن أهمية توثيق انتهاكات حقوق الانسان في سوريا من اجل تمكين الضحايا للوصول إلى العدالة ومكافحة وردع ثقافة الإفلات والتملص من العقاب وجعل طريق العدالة الانتقالي في سوريا مبني على أساس الحقيقة والإنصاف لأن التوثيق هو سبيل تحقيق العدالة والقصاص لعوائل الضحايا من شهداء ومعتقلين ومغيبين ومختفين قسريا” وذلك العمل والإجراء له ما يؤيده من مستند قانوني مكرس في القاعدة القانونية التي تنص على عدم سريان التقادم على جرائم الحرب والجرائم  ضد الإنسانية الذي تم العمل على اقراره باتفاقية دولية من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها رقم 2391(د-23) تاريخ تشرين الثاني 1968 لأن تلك الجرائم تعتبر من وجهة نظر قانونية من أخطر الجرائم في القانون الدولي وأن العقاب على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية يعتبر ذا أهمية كبيرة من اجل تفادي وقوع تلك الجرائم بشكل كبير وأيضا تكمن الأهمية في حماية حقوق الإنسان والحريات العامة وتكون عامل مهم في بناء الثقة والتعاون بين الشعوب , كما أن لها اثر فعال في ترسيخ وتعزيز السلم والأمن الدوليين .

ولا شك انه بعد كل هذه الفترة الطويلة على انطلاق الثورة السورية  وما مرت به من تحولات وإرهاصات ومحن قد خلق أيضا حالة من الإحباط لدى بعض العاملين بالشأن القانوني من المجتمع الدولي لأنهم على مدار فترة الثورة السورية وبشكل يومي يلاحظون مدى ارتباط مؤسسات العدالة الدولية  بالقرار السياسي للدول ذات الفاعلية الكبيرة ولعدم تحقيق شيء على أرض الواقع فبالتالي اصبح لديهم هاجس مفاده أن بدء المحاكمات للمجرمين ومساءلتهم عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية يبدو أمرا” في غاية الصعوبة حاليا” سيما ان روسيا والصين قد مارست حق النقض في مجلس الامن عدة مرات في مسائل تتعلق بحقوق الشعب السوري حيث تم استخدام حق النقض الفيتو ضد أي قرار يدين النظام الاستبدادي في سوريا .

 لكن إن عدم تحقيق العدالة في الوقت الحالي أو في الوقت المتوقع حصولها فيه لا يعني أن يتم اهمال هذا العمل القانوني الجبار, فالعمل التوثيقي مهم جدا حتى قبل الوصول إلى مرحلة المساءلة المرتبطة بعملية التسوية السياسية عند حدوثها , حيث يوجد حاليا نوافذ متاحة للسوريين لا بد من اٍستثمارها قبل تحقيق الانتقال السياسي منها قانون قيصر الذي اقره الكونجرس الأمريكي وأيضا” الاستفادة من مبدأ الولاية القضائية العالمية الشاملة في المحاكم الوطنية للدول الأوروبية الذي يسمح لهذه الدول الادعاء وملاحقة من يعتقد أنهم مسؤولين عن جرائم دولية خطيرة مثل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية حتى وإن ارتكبوا هذه الجرائم في أماكن خارج أراضي تلك الدول.

 وبالنتيجة نجد أن عملية توثيق الانتهاكات لها من القيمة العالية ما يمكن اعتبارها أساس حقيقي تبنى عليه عملية المحاسبة في المستقبل وإعادة الأمور القانونية إلى الوضع الطبيعي ولابد من الإشارة انه في حال البدء بتطبيق القرار الدولي 2254 والقرارات ذات الصلة بالملف السوري فسيكون هناك واجب كبير على عاتق المجلس العسكري الذي هو جزء من قيادة المرحلة الانتقالية في سوريا مفاده المساعدة بتقديم مجرمي الحرب ومرتكبي الجرائم ضد الإنسانية الى المحاكم لينالوا الجزاء العادل وفق ضمانات قانونية حقيقية للمتهمين وهذا العمل سيساهم بشكل كبير في ترسيخ الاستقرار المستدام في سوريا.

%d مدونون معجبون بهذه: