بقلم مارك سيدرا , زميل اول , مركز الابتكار للحكم الدولي - نيسان 2010
إصلاح القطاع الأمني 101- استيعاب المفهوم , تخطيط الاتجاهات و تحديد التحديات

دراسة لمشروع الاصلاح الأمني المتكامل .. نقاط رئيسية
ترجمة واعداد لجنة التطوير في المجلس العسكري السوري
قائمة المحتويات :
- المقدمة
- أصول المفهوم
- تحطيم القطاع الأمني
- اهداف اصلاح القطاع الأمني
- القواعد والمبادئ الرئيسية لإصلاح القطاع الأمني
- الشروط المسبقة لإصلاح القطاع الأمني
- التنفيذ
أولا : المرحلة التحضيرية
أ. تقييم السلوك
ب. البناء المتفق عليه جماعيا و الاعداد
ج. إعداد الأساس لاستراتيجية الإصلاح
د. تصميم استراتيجية إصلاح قطاع الأمن
ثانيا : مرحلة التنفيذ الرئيسية
أ. المشتريات و تطوير القدرات
ب. إصلاحات المنطقة و القطاع الواسع
ثالثا : مرحلة توحيد الإصلاح
أ. تسهيل تنفيذ اصلاح القطاع الأمني
ب. اصلاح القطاع الأمني و عمليات نشر خبيرة
ج. اصلاح القطاع الأمني و التعليم و زيادة الوعي
– المناهج التطورية لإصلاح القطاع الأمني
– تحديات و عقبات التنفيذ
– الاتجاهات الحديثة في اصلاح القطاع الأمني
– الخاتمة
المقدمة :
تم طرح مصطلح إصلاح قطاع الأمن SSR لأول مرة في خطاب عام 1998 من قبل وزير الدولة البريطاني للتنمية الدولية كلير شورت . حيث كان الخطاب بشأن الحاجة إلى نهج شامل و متكامل إزاء قطاع الأمن في سياقات التنمية الذي لازال مستمرا منذ أوائل التسعينات ، و لكن خطاب شورت بالإضافة الى عدد من وثائق إدارة سياسات التنمية الدولية التي تلتها , كانوا سبباً في إبراز هذا المفهوم و ترسيخه في معجم السياسات .
يمكن التمييز بين إصلاح قطاع الأمن و أشكال المساعدة الأمنية التي تقدمها الحرب الباردة , من حيث أنها تركز على أمن الناس بدلا من الأنظمة . و كان ذلك نتاجا لزيادة الوعي بالصلة بين الامن و التنمية التي ظهرت في أعقاب الحرب الباردة ، مما وفر نقطة دخول للجهات الفاعلة في مجال التنمية إلى الساحة الأمنية ، و هو المجال كانت هذه الجهات تتجنبه حتى الان .
لن يستغرق تحديد ملامح نموذج إصلاح قطاع الأمن وقتًا طويلاً ، و هو ما أوضحته منظمة التعاون الاقتصادي و التنمية (OECD ) , و نشرت لجنة المساعدة الإنمائية ( DAC) و منظمة التعاون الاقتصادي مخططاً للنموذج في عام 2005 و كتيباً للممارسين في عام 2007 فأصبحوا بمثابة نقاط مرجعية مشتركة في هذا الميدان. و طبقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي و التنمية و لجنة المساعدة الإنمائية , فإن الهدف من إصلاح القطاع الأمني يتلخص في خلق بيئة آمنة تفضي إلى التنمية ، و الحد من الفقر، و الديمقراطية ـ ( منظمة التعاون الاقتصادي 2005: 16) . و من الممكن أن يعتبر هذا النهج الشمولي الذي يركز على الناس في التعامل مع الأمن , عنصراً أساسياً في التحولات التي أعقبت الحكم الاستبدادي ، و عمليات بناء السلام بعد الصراع ، و مشاريع بناء الدولة ( منظمة التعاون الاقتصادي 2005:58 ) .
ومن المدهش ان الارتفاع كان سريعا للنموذج في مجتمعات التنمية و الأمن , و لكن سجل التنفيذ كان ضعيفا بالمقابل. حيث أن الإطار المعياري للنموذج كان مطورا بشكل جيد و كان موضوعاً لمناقشة سياسية ثرية و مناقشات علمية لكن لم يكرس سوى قدر ضئيل من الاهتمام لسياقات الإصلاح ، مما يعزز ما أشار إليه أحد الباحثين بوصفه فجوة مفاهيمية – سياقية .
أصول المفهوم :
غذت ولادة مفهوم إصلاح قطاع الأمن التفكير الجديد بشأن الأمن في التسعينات ، مما حفز التحول الفكري من النهج التي تركز على الدولة إلى النهج التي تركز على الناس ، و التي يجسدها مصطلح الأمن البشري . أثناء الحرب الباردة ، كان صناع السياسات في البلدان النامية قد تصورا أن المعونة المقدمة للقطاعات الأمنية على أنها أداة من أدوات ( سياسات القوة ) . و عادة ما تتخذ هذه المساعدات شكلين ، هما تقديم المساعدة لقوات الأمن و المساعدات الاقتصادية المتصلة بالأمن ، حيث أنها تركز على نقل المهارات العسكرية أو مهام الشرطة و تسهيل بيع المعدات لقوات الأمن . و نادرا ما تنظر في الطريقة التي يحكم بها القطاع الأمني في البلد المتلقي .
لقد سمحت نهاية النظام العالمي الثنائي القطبية , بوجود تفكير جديد في الروابط بين الأمن و التنمية . بلورت الدراسة التي أجراها البنك الدولي تحت عنوان ( أصوات الفقراء ) ، و التي أجريت مسح لأكثر من 60 ألف رجل و امرأة فقير من 60 دولة ، هذا الارتباط ، حيث حدد المستجيبون انعدام الأمن باعتباره أحد العقبات الرئيسية أمام الهروب من الفقر. و قد ركز الوعي المتزايد بالصلة التي لا تنفصم بين التنمية و الأمن الاهتمام على كيفية إدارة قطاع الأمن . و قد سلمت إدارة التنمية الدولية في تقرير عام 2000 بأن الإنفاق الإنمائي في القطاعين الاجتماعي و الاقتصادي قد لا يؤتي ثماره ما لم يضطلع قطاع الأمن بمهامه المشروعة نسبيا بكفاءة و فعالية . إن نموذج إصلاح قطاع الأمن مبني على فكرة أن إنشاء قطاع أمني مسؤول و خاضع للمساءلة و فعال سيولد ظروفا تفضي إلى التنمية و الحد من الفقر والديمقراطية .
تفصيل القطاع الأمني :
و يمكن تعريف قطاع الأمن بأنه يشمل جميع الهيئات المأذون لها باستخدام القوة ، مثل القوات المسلحة والشرطة و وكالات الاستخبارات و أجهزة الأمن ؛ و هيئات الإدارة المدنية و المراقبة ، بما في ذلك وزارات الأمن التنفيذية و اللجان التشريعية و الهيئات الاستشارية للأمن الوطني ؛ هياكل قضائية و هياكل أمنية عامة مثل القضاء وأنظمة الإصلاحيات و لجان حقوق الإنسان ؛ و هيئات الأمن غير القانونية التي تضم شركات الأمن الخاصة و مجموعات الميليشيات ؛ و عناصر المجتمع المدني الفاعلة ، و لا سيما المنظمات غير الحكومية و وسائل الإعلام .
و وفقا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ، فإن هدف إصلاح قطاع الأمن هو تعزيز قدرة القطاع ككل , و كل جزء من أجزائه الفردية على توفير خدمة خاضعة للمساءلة ، و منصفة ، و فعالة ، و خدمات تحترم الحقوق . يتميز قطاع الأمن المثالي , بموظفين ذوي إدارة جيدة يعملون ضمن إطار مؤسسي فعال يحدده القانون . و بالتالي فإن القطاع الأمني غير المحترف و الذي يدار بشكل رديء سوف يمنع الدولة من توفير الضمان الأمني لشعبه و لن يؤدي هذا إلى اضعاف شرعية الحكومة فحسب ، بل إنه سوف يدفع السكان إلى طلب الأمن من مصادر أخرى ، و هذا من شأنه أن يؤدي إلى انتشار الأسلحة و قوات الأمن غير القانونية .
يشتمل إصلاح القطاع الأمني طبقاً ل Jane Chanaa على أربعة أبعاد : سياسية و مؤسسية و اقتصادية و مجتمعية .
يشمل البعد السياسي , تطوير آليات لإدارة القطاع الأمني . و ليس المقصود منها ضمان الحكم المدني فحسب بل و أيضاً ضمان السيطرة المدنية الديمقراطية الليبرالية .
يركز البعد المؤسسي على الإصلاح و بناء القدرات داخل المؤسسات الأمنية . و هي عملية احترافية تهدف إلى زيادة الفعالية التنفيذية ، و ترشيد الهياكل البيروقراطية ، و القضاء على الفساد ، و إضفاء الطابع المؤسسي على المعايير الدولية .
يتعلق البعد الاقتصادي باستهلاك قطاع الأمن للموارد ، مما يؤكد على استدامة الإصلاحات في الأمد البعيد و يعتبر تعزيز ممارسات الإدارة المالية العامة السليمة ، بما يتوافق مع المعايير المطبقة في جميع أنحاء القطاع العام ، أمرا محوريا لتلبية الاحتياجات من الموارد لقطاع أمني ذي حجم مناسب ومجهز.
و أخيرا، فإن البعد المجتمعي يعطي للمجتمع المدني دورا حيويا في المهام الامنية للدولة .وتعتبر المنظمات غير الحكومية المجتمعية و وسائط الإعلام و مؤسسات البحث و المناصرة المستقلة على انها تقوم بدور هام في مراقبة قطاع الأمن و ضمان الشفافية و المساءلة .
يتوقف ترجيح أو مستوى الأولوية الممنوحة لكل بُعد , في مختلف مراحل عملية الإصلاح على الظروف المجتمعية . فعلى سبيل المثال ، في الحالات التي تواجه مشاكل حادة تتعلق بانعدام الأمن ، يمكن إعطاء مزيد من الاهتمام للبعد الأمني في بداية العملية ، مع إيلاء مزيد من الاهتمام للجوانب المجتمعية في مراحلها الأكثر تقدما. و المهم هو أن تحظى جميع الأبعاد باهتمام متناسب في مجموعها .
اهداف اصلاح القطاع الأمني :
تسعى عمليات إصلاح قطاع الأمن، لا سيما في اوضاع الدولة الهشة و حالات ما بعد الصراع ، إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية:
- تعزيز قدرة مقدمي الخدمات ( الحكوميين و غير الحكوميين ) على تقديم الخدمات الأساسية بطريقة فعالة و عادلة و ميسرة و قابلة للمساءلة تحترم الحقوق . و يشمل ذلك تعزيز العلاقة بين مقدمي الخدمات من الحكومية و غير الحكومية و المستخدمين النهائيين لتلك الخدمات ( المواطنين ) .
- تعزيز الحكم الرشيد و ترشيد الهياكل التنظيمية و نظم الإدارة على الصعيدين الوطني و دون الوطني . و الهدف من ذلك هو تنمية قدرات الدولة على تطوير السياسات و إدارة المؤسسات و توفير الرقابة على قطاع الأمن على مختلف مستوياته ، بطريقة تتفق مع المعايير الديمقراطية الأساسية .
- إنشاء قطاع أمني مستدام ماليا و ملائم من حيث الحجم و الموارد لمواجهة التهديدات القائمة و المقبلة و تلبية الاحتياجات الأمنية للسكان . و ينبغي على المدى المتوسط إلى الطويل , إدماج هذا القطاع في الهيكل الأمني الإقليمي و العالمي ، مما يسمح له بالمساهمة في تخفيف التهديدات الأمنية ما بعد الوطنية.
المعايير والمبادئ الرئيسية لإصلاح القطاع الأمني :
إن نموذج إصلاح القطاع الأمني متأصل في العديد من المعايير و المبادئ الأساسية . نظرا الى أن النموذج قد تطور و نضج كذلك ، فإن منهجيته وأفضل ممارساته، ظلت ثابتة إلى حد كبير :
- محوره الشعب :
إن إصلاح قطاع الأمن مفهوم محوره الناس ، يؤكد على أمن المواطنين الأفراد بدلا من الحكومات أو الأنظمة. و يقر النموذج بأنه لا ينبغي لهذين الهدفين أن يستبعد أحدهما الآخر، و لكنهما مع ذلك ليسا متزامنان دائما. إن الإفراط في التركيز على حماية النظام يمكن أن يكون له أثر سلبي يتمثل في الحد من حرية و أمن المواطنين الخاضعين له.
- سيادة حكم القانون :
يؤكد نموذج إصلاح قطاع الأمن أن جميع الأشخاص و المؤسسات و الكيانات ، بما فيها الدولة ، مسؤولين عن القوانين التي تصدر علنا ، و يجب أن تُطبق على قدم المساواة و أن يتم الحكم فيها بشكل مستقل ، و أن تتوافق مع المعايير و القواعد الدولية لحقوق الإنسان .
- الشفافية :
يجب أن تكون المعلومات المتعلقة بالتخطيط و الموارد الأمنية متاحة على نطاق واسع ، سواء داخل الحكومة أو الشعب ، مع إدخال تعديلات على السرية بما يناسب الأمن القومي .
- المساءلة والرقابة الديمقراطية :
إن تحسين الحكم داخل قطاع الأمن و ضمان خضوعه للسلطة المدنية الديمقراطية هو الشاغل الرئيسي لنموذج إصلاح القطاع الأمني . و ينبغي أن تكون جميع الكيانات الأمنية , مسؤولة أمام السلطات المدنية المنتخبة ديمقراطيا ، و وكالات الرقابة المستقلة و المجتمع المدني . و ينبغي تشكيل آليات مؤسسية على مستوى العمل توفر رقابة مباشرة تتصل بقضايا معينة مثل حقوق الانسان و الادارة المالية .
- التنسيق الحكومي بأكمله :
يولي إصلاح قطاع الأمن الأولوية للآليات / الأنماط التي تشجع على التنسيق و التعاون بين الجهات الممثلة في مجال الأمن / العدالة ، و تضفي طابعها المؤسسي على ذلك، استنادا إلى أدوارها ومسؤولياتها الدستورية / القانونية .
- الفعالية التنفيذية :
يعتمد قطاع الأمن الذي يعمل بشكل جيد على إنشاء مؤسسات و وكالات أمنية و عدالة فعالة من الناحية التشغيلية . ومع ذلك , أنه لا ينبغي تعزيز الفعالية التنفيذية لقوات الامن و النظام القضائي على حساب آليات ضمان احترام حقوق الانسان، و كبح الفساد، و الحماية من تجاوزات السلطة .
- التنسيق والتسلسل و استجابات السياسات المتكاملة :
يصور نموذج إصلاح قطاع الأمن أن قطاع الأمن هو قطاع متكامل و مترابط بشكل عميق . و يمكن أن يؤدي الخلل الوظيفي أو انهيار أحد العناصر ، مثل المحاكم ، إلى تحفيز زعزعة استقرار القطاع أو حتى انهياره بأكمله. و بما يعكس هذا الواقع ، فإن مبدأ إصلاح قطاع الأمن يتطلب تسلسلا و تنسيقا دقيقا للإصلاحات التي تعتمد على أوجه التآزر بين القطاعات و المؤسسات . يتطلب النجاح في تنفيذ هذا النهج استجابات سياسية متكاملة من المانحين و الجهات الممثلة المحلية مثلما تقوم بتعبئة الموارد والخبرات في مختلف القطاعات الحكومية.
- المدنية :
تميل القطاعات الأمنية في مرحلة ما بعد الحكم الاستبدادي وما بعد الصراع الى العسكرة و التسليح أو إضفاء الطابع الأمني ، مظهرة غلبة بعدد الأفراد العسكريين في الأدوار المخصصة للجهات الممثلة المدنية. و بناء على ذلك فإن تمدين القطاع الأمني يشكل عنصراً أساسياً في أجندة إصلاح القطاع الأمني، حيث يعمل على إزالة فتيل ( العقلية العسكرية ) في القطاع، وهو غالبا ما يكون غير مؤات لإنشاء مراقبة و سيطرة مدنية ديمقراطية .
- مشاركة المجتمع المدني :
يقوم المجتمع المدني ، سواء كان وسائط الإعلام أو مجموعات المناصرة للدفاع عن حقوق الإنسان , أو منظمات المجتمع المحلي ، بدور حيوي في القطاع الأمني ، حيث انه يوفر فحصا و مراجعة خارجية للسياسة و الممارسة. كما أنه بمثابة قناة أو وسيلة هامة للاتصال و التفاعل بين الدولة و المجتمع . و بناء على ذلك ، ينبغي لبرامج إصلاح قطاع الأمن أن تعطي الأولوية للجهود المبذولة لتمكين المجتمع المدني من الانخراط في القضايا الأمنية و التفاعل مع المؤسسات الأمنية .
- عملية ونهج سياسي :
إن إصلاح القطاع الأمني هو في حد ذاته عملية سياسية ينبغي تصورها باعتبارها ثمرة للتحول السياسي الأوسع نطاقا. و في سياقات ما بعد الصراع ، ينبغي أن ترتكز العملية على اتفاقية السلام أو التسوية السياسية . ان بناء الاجماع السياسي الحاسم للآراء الذي يحيط باستراتيجية و برنامج إصلاح قطاع الأمن ، سواء بين الجهات الفاعلة المحلية أو أصحاب المصلحة الخارجيين ، ينطوي دائما على المساومة السياسية المعقدة . و على المدى الطويل ، يتمثل الهدف في إزالة الطابع السياسي عن القطاع ، و إضفاء الطابع البيروقراطي عليه ، و لكن عملية الإصلاح و لا سيما في مراحلها المبكرة من التكوين ، هي لعبة سياسية مثيرة للجدل إلى حد كبير.
- الملكية :
إن قابلية إصلاح القطاع الأمني للاستمرار على المدى البعيد تعتمد على رغبة و قدرة الجهات الفاعلة المحلية على امتلاك و توجيه و استيعاب العملية و مبادئها الأساسية . و لا ينبغي للملكية أن تكون حقاً مقصوراً على النخبة فحسب ؛ بل لابد أن تصل هذه العملية إلى الجماعات غير التابعة للدولة و المجتمع ككل لضمان قبولهم.
- الاستدامة :
إن الغرض من إصلاح قطاع الأمن هو بناء قطاع أمني مكتفي ذاتيا و ليس تبعي , قائم على الاعتماد الخارجي. و يتطلب تحقيق هذا الهدف من الإصلاحيين معايرة الإصلاحات بعناية لتعكس الواقع السياسي و المالي على المدى الطويل . و ينبغي لعملية إصلاح قطاع الأمن أن تسعى إلى الحجم المناسب و التمويل الصحيح لقطاع الأمن ، و تحقيق التوازن بين متطلبات التهديدات الحالية و المقبلة مع توقعات السعة على توليد الإيرادات للدولة.
- طويل الأمد :
إن إصلاح القطاع الأمني ، هو عملية تحول مؤسسي و هندسة مجتمعية ، و هو على الدوام مهمة طويلة الأمد. و يتطلب، على هذا النحو، توفر إرادة سياسية عالية المستوى من جانب أصحاب المصلحة الداخليين و الخارجيين و قاعدة موارد دائمة للنجاح . و يجب بذل الجهود لتوعية الشعب من المانحين و المتلقين على السواء بالطابع المطول للعملية ، و احتواء التوقعات الفورية . إن ظهور توقعات غير واقعية في ميدان الشعب يمكن أن يضعف عمليات إصلاح القطاع الأمني من قبل أن تبدأ حتى في استجماع قوة دفعها .
- محددة السياق :
بينما سعت منظمات مثل منظمة التعاون الاقتصادي و التنمية و الأمم المتحدة إلى وضع مخطط معياري لإصلاح قطاع الأمن ، فلا يوجد نموذج أو حلول جاهزة لإصلاح قطاع الأمن التي يمكن أن تطبق عالميا. إن إصلاح القطاع الأمني هو عملية محددة السياق إلى حد كبير، و يجب أن تتم معايرتها و تشكيلها بعناية لتعكس و تشترك في الظروف التاريخية و السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الأمنية السائدة في سياق إصلاح معين . و إن نقل برامج و مبادرات إصلاح القطاع الأمني مباشرة من بلد إلى آخر هو اقتراح فاشل .
ما هو التمويل الصحيح لإصلاح قطاع الأمن؟ |
التمويل الصحيح يدور حول :
· ضمان استدامة هياكل الأمن و العدالة . · ضمان أن يعكس حجم و هيكل القطاع الأمني الحقائق المالية و كذلك تحليل التهديدات الذي تأخذ في الاعتبار , كاحتياجات أمن الانسان . · اتخاذ القرارات و تحديد الأولويات ، ضمن إطار قيود الميزانية . · إنشاء نظم للمساءلة المالية تتماشى مع المعايير المطبقة في جميع قطاعات الخدمة العامة . · الاعتراف بأن الإصلاحات التي تفشل في النظر الى القدرة على توليد الإيرادات و القيود الطويلة الأجل في الميزانية يمكن أن تؤدي إلى انهيار قطاع الأمن و استئناف الصراع . · الحد من الفساد عن طريق إنشاء نظم شفافة في الميزانية و الإدارة . الهدف من التمويل الصحيح هو: · بناء إطار واضح للسياسة الأمنية ، يربط بين الأمن الوطني ، و القانون و النظام ، و العدالة و الأمن البشري ، على أن يتم دعمه و تسويغه من خلال عملية الميزانية الوطنية ـ و لكن أيضاً من خلال الأنظمة التقليدية ( غير الحكومية ) . · تعزيز الإطار المؤسسي لتقديم خدمات الأمن القائمة على أساس تحديد أهداف السياسة و أهداف تقديم الخدمات ، و قدرات مراقبة النتائج . · تعزيز قدرات الرقابة الداخلية و الخارجية ( البرلمانية و رقابة المجتمع المدني )، لا سيما في ما يتعلق بالموافقة على الميزانية . · موازنة بنية الإنفاق عبر الأجهزة الأمنية لتلبية كل من نتائج الأمن القومي و البشري . · بناء قدرات محسنة في إدارة الميزانية وتحديد الأولويات في قطاع الأمن، داخل الكيانات ومع مرور الوقت . |
اتفاقيات السلام و إصلاح القطاع الأمني |
في البلدان التي تمر بمرحلة ما بعد الصراع ، هناك حاجة إلى الاعتراف بوضوح , بفكرة إصلاح قطاع الأمن في اتفاق السلام , الذي أنهى الأعمال العدائية ، مع تحديد دوره في الانتقال من الحرب إلى السلام والأهداف الرئيسية للعملية . ويمكن أن يكون لذلك أثر في إرساء أساس قانوني و سياسي للعملية و ربط أطراف النزاع الرئيسية لتنفيذها. المراجع المتعلقة بإصلاح القطاع الأمني في اتفاق السلام لا ينبغي لها ولا يجب أن تحدد استراتيجية إصلاح قطاع الأمن أو تقيم جداول زمنية صارمة أو علامات معيارية . بل إنها تتعلق ببناء الإجماع السياسي المحلي الحيوي لأجندة إصلاح القطاع الأمني في مرحلة تكوينية في فترة ما بعد الصراع . يعتبر إصلاح القطاع الأمني بصفة عامة حجر الزاوية في إعادة التشكيل و عمليات بناء الدولة بعد انتهاء الصراع ، و هو مفتاح لتأسيس مستوى من الأمن و الاستقرار المفضي إلى التنمية . و رغم ذلك ، فقد كان التعامل مع عمليات اصلاح الشرطة على أنها قضية هامشية في اتفاقات السلام . و على سبيل المثال ، فان اصلاح القطاع الأمني كان مذكورا فقط في المرفق 11 من اتفاق دايتون للسلام , الذي أنهى الحرب في البوسنة و الهرسك ، رغم أنها ستصبح واحدة من أكبر البلدان المتلقية للمساعدة الدولية . و لم تتضمن اتفاقية بون في أفغانستان سوى إشارات مبهمة إلى إصلاح القطاع الأمني ، و هي العملية التي كان من المفترض أن يُنظَر إليها في السنوات اللاحقة لاعتبارها المحور المركزي لاستراتيجية بناء السلام و الاستقرار . و يجب إيلاء اهتمام أكبر لترسيخ إصلاح القطاع الأمني في صلب اتفاقات السلام المستقبلية في المجتمعات المعقدة التي تمر في مرحلة ما بعد الصراع . |
الشروط المسبقة لإصلاح القطاع الأمني
يمكن تصور أن إصلاح قطاع الأمن يعتمد على وجود عدد من الشروط المحددة :
- لابد من تصميم برامج إصلاح القطاع الأمني محلياً و تنفيذها و تقييمها محليا ، و ذلك لأنه ما قد يبدو أنه منتج من منظور المجتمع الدولي قد يكون له دلالات و تأثيرات مختلفة بشكل كبير عندما يحكم عليه من قِبَل جهات ممثلة محلية .
- إذا نجحت هذه العملية في ترسيخ هياكل أمنية رسمية ذات توجه غربي، فإن المواقف من تحتها أو من وراءها قد تظل متشبثة بشدة بالتقاليد . و بناء على هذا فلابد من التوفيق بين المبادئ و السياسات و القوانين و الهياكل التي تم تطويرها أثناء عملية الإصلاح و بين تاريخ البلاد الإصلاحي و ثقافتها و إطارها القانوني .
- يعتمد نجاح برامج الإصلاح في قطاع الأمن على وجود توافق في الآراء بين الجهات الممثلة المحلية على مبادئ برنامج الإصلاح في القطاع الأمني ، و على الرؤية الاستراتيجية التي يتضمنها البرنامج ، و على الأهداف المحددة التي يسعى البرنامج إلى تحقيقها . و كان هناك ميل بين الجهات الفاعلة الخارجية إلى الاعتماد على مجموعة ضيقة من النخب ذات التوجهات المماثلة للإشراف على الإصلاحات . و في حالات كثيرة ، كان اختيار الشركاء المحليين على أساس المنفعة أكثر من الحاجة إلى تعزيز عملية شاملة . إن تكوين علاقات عمل مع مجموعات عرقية معينة هي ممارسة شائعة بين الجهات الممثلة الخارجية ، مع تداعيات بعيدة المدى لإصلاح القطاع الأمني . و يشير روبن لوكهام الى المخاطر المترتبة على العملية عند التحيز الى نوع العرق بقوله : انه عندما تكون المناصرة العرقية مدمجة في البيروقراطيات العسكرية و البيروقراطية الأمنية ، فانها تفسدها ، و تضعف الانضباط ، و تعزز من الشعور بالإفلات من العقاب و تعزز من انعدام ثقة الشعب عامة ( وخاصة الأقلية ) في الدولة ذاتها .
- يتطلب وجود حد ادنى من الأمن للمضي قدما في العملية . حيث انه لا يمكن تنفيذ إصلاح القطاع الأمني في فراغ أمني فهو عملية طويلة الأجل تهدف إلى معالجة الأسباب الهيكلية لانعدام الأمن ، و ليس إلى مواجهة التهديدات المباشرة للأمن . فالبلدان التي تمر بمرحلة ما بعد الصراع تواجه دائما درجة عالية من انعدام الأمن المتبقي . إن نشر بعثة دعم السلام , يشكل وسيلة لتوفير حاجز أمني لهذه العملية و رفع التكاليف عن أصحاب المصلحة المحليين فيما يتعلق باختيار العنف بدلاً من الحوار والتسوية .
- ان تنفيذ الإصلاحات الشاملة التي تملكها وتوجهها الجهات الممثلة المحلية، تتطلب على الأقل ، أساسات المؤسسات المستقرة و القدرة البشرية . حيث انه في البلدان التي شهدت انهيار للدولة أو التي بدأت تتعافى من الصراعات الأهلية ، فان القدرة المؤسسية و البشرية دائما ما تكون محدودة . ومن الصعب للغاية تحديد نقطة انطلاق للعملية وكيفية لتسلسل الإصلاحات في مثل هذه السياقات .
- مع تعدد أصحاب المصلحة الخارجيين و المحليين المشاركين في العملية ، الذين لهم جميعا أهدافهم و مصالحهم الخاصة ، لذلك فانه من المهم إنشاء آليات لضمان تماسك العملية على مستويات التخطيط و التنفيذ . فالجهات المانحة بشكل خاص كثيراً ما تجلب معها مجموعة خاصة من المخاوف ، و هو ما تحذر منه ( شانا ) أنه من الممكن أن يعرض الرؤية الشاملة للأجندة للخطر الشديد .
- يجب على الجهات الممثلة الخارجية أن تدرك أن إصلاح القطاع الأمني هو عملية طويلة . وفي حين أن فترة ما بعد الصراع مباشرة , تمثل فترة تكوينية حيوية يلزم خلالها تركيز انتباه المانحين و دعمهم لبدء جهود الإصلاح و الإنعاش ، فإن إصلاح القطاع الأمني يمكن أن يستغرق ما يصل إلى عقد من الزمن , للوصول إلى ما يؤتي ثماره . ولا يوجد حل سريع لإصلاح القطاع الأمني ؛ فهو يتطلب نظرة طويل الأجل وإمدادات دائمة من الموارد لتحقيق النجاح .
التنفيذ
تشمل عمليات إصلاح قطاع الأمن ثلاث مراحل مترابطة:
- المرحلة التحضيرية
- مرحلة التنفيذ الرئيسية
- مرحلة دمج الإصلاح
تتضمن كل مرحلة عددًا من الخطوات أو المهام الأساسية . و يعتبر التسلسل المناسب لهذه الخطوات أمرا حاسما لنجاح العملية
- المرحلة التحضيرية :
اجراء التقييم : الخطوة الأولى في تصميم أجندة و استراتيجية سياسة إصلاح قطاع أمني لبلد معين , هي إجراء تقييم شامل . حيث ان التقييمات تقوم بتلبية احد المتطلبات الأساسية اللازمة لوضع برنامج فعال لإصلاح قطاع الأمن ، و فهم مفصل و دقيق للسياق المحلي . فهي تمكن من ترجمة النموذج المعياري لإصلاح قطاع الأمن إلى برنامج عملي . و تقوم التقييمات بتوجيه عملية تصميم استراتيجية لإصلاح قطاع الأمن ، و توفير بيانات أساسية للمراقبة و التقييم ، و تيسير التوصل إلى توافق سياسي في الآراء التي تخص أهداف عملية الإصلاح . و ينبغي أن تجمع بين التحليل على نطاق القطاع الواسع وبين الدراسات الخاصة بالمنطقة /المؤسسة لتقدم الصورة الكلية الشاملة لقطاع الأمن .
ينبغي إجراء التقييمات عن طريق شراكة بين حكومة السكان الاصليين و مجتمع المانحين . و يجب أن تكون شاملة و أن تشرك طائفة واسعة من الجهات الممثلة المجتمعية ، سواء الحكومية أو غير الحكومية .
في الماضي، كانت تقييمات إصلاح القطاع الأمني والأدوات التي استخدموها تميل إلى أن تكون مدفوعة بالمانحين و تميل لطبيعة الدولة . لذلك لكي تكون العملية مستدامة ، يجب أن تكون عملية التقييم مملوكة من قبل الحكومة الشريكة و أن تعكس حقائق القواعد الشعبية . و بعبارة أخرى ، ينبغي لها أن تسعى إلى تفكيك و تحليل كل من القطاعات الرسمية لأمن الدولة و نظائرها العرفية غير الرسمية ، و أن تجعل تصورات المواطنين تجاه الأمن ، و ليس اتجاه الدولة ، لتكون هي النقطة المحورية للتحليل .
من خلال تحليلها لقطاع الأمن ، يمكن لعملية التقييم أن تساعد في انشاء تسلسل هرمي للاحتياجات و تصميم استراتيجية تدريجية أو متسلسلة لتحقيقها . فعلى سبيل المثال ، الحالات التي تمثل فيها تهديدات الأمن الداخلي مثل الجريمة و النشاط الاقتصادي غير المشروع تشكل التهديد الأمني البارز، و قد يكون التركيز المبكر للعملية على تطوير قدرات الشرطة و القضاء . و بالمثل ، في الدول التي تكون فيها قوات الأمن متطورة و فعالة من الناحية التشغيلية ، و لكن مفهومة من قبل الشعب بالمقابل على انها قمعية و وحشية وفاسدة ، قد يكون محط تركيز عملية الاصلاح في مراحلها المبكرة هي تطوير ادارة قوية و تطوير هياكل مراقبة ديمقراطية وإعادة تشكيل مؤسسات خط الامن المباشر .
تسعى التقييمات إلى تنفيذ المهام التالية:
- تطوير فهم للسياق المحلي و للجهات الرئيسية الممثلة فيه
- إجراء رسم خرائط وتحليل مؤسسي
- تحديد الثغرات و الاحتياجات
- فحص العوائق و التحديدات التي تواجه تنفيذ البرنامج
- تقييم الاحتياجات مقابل الموارد المتاحة و وضع جداول زمنية قابلة للتنفيذ
- اقتراح خيارات استراتيجية و تصميم البرامج
- تحديد معايير التقييم
يتطلب دعم مثل هذا التقييم الواسع النطاق , تعبئة الخبرات من مختلف الإدارات و الوكالات الحكومية المانحة. و لضمان أن تأخذ التقييمات, الطابع المترابط و المتصل لقطاع الأمن في الاعتبار ، فمن الأهمية أن تقوم بها البعثات المتكاملة . و تصبح أطر الدعم الحكومية الكاملة هذه لإصلاح قطاع الأمن لا غنى عنها خلال مرحلة تنفيذ العملية .
البناء و التحضير المتفق عليه جماعيا :
إن الغرض من إصلاح قطاع الأمن ليس فرض أجندة الإصلاح الليبرالية الغربية . بل إنه يهدف بدلاً من ذلك إلى العمل مع الحكومات الشريكة و المجتمع المدني لتطوير قطاع أمني يعكس التاريخ و المعايير و التقاليد المحلية ؛ و مستدام اقتصادياً ؛ و فعّال من الناحية التشغيلية ؛ و يفي بالمعايير الديمقراطية الدولية الأساسية لإدارة قطاع الأمن . و يتطلب التوصل إلى توافق في الآراء بشأن جدول أعمال طموح كهذا إجراء مفاوضات دقيقة مع الأطراف الفاعلة الحكومية و غير الحكومية الشريكة ، و القيام بأنشطة توعوية مع السكان عامة .
أظهرت تجربة إصلاح قطاع الأمن أن المانحين لم يستثمروا دائما رأس المال السياسي اللازم في عمليات الإصلاح لضمان نجاحهم ، بل تعاملوا مع العمليات كقضية تقنية غير سياسية . و الحقيقة هي أن تحت سطح عملية إصلاح قطاع الأمن , مجموعة من المفاوضات الشديدة التعقيد و الميوعة التي يتعين على المانحين أن يكونوا على استعداد للمشاركة فيها إذا ما كان لهذه العملية أن تنجح . و يجب أن يكون المانحون على استعداد لاتخاذ نهج تصالحي من خلال تقديم الحوافز، و اتباع نهج مساومة شاق من خلال توظيف المثبطات و المشروطية .
إن تطوير الإجماع السياسي الذي يعزز عملية إصلاح قطاع الأمن في بيئة ما بعد الصراع أو أوضاع الدولة الهشة يبدأ باتفاق السلام الذي ينهي الأعمال العدائية أو الاتفاق على اطلاق عملية انتقال سياسية . إن التفاوض و المساومة لتعبئة الارادة السياسية خلف برنامج الإصلاح , أمران لا ينفصلان عن العملية السياسية الشاملة بل هما عنصر لا غنى عنه في هذا البرنامج . و بالتالي فإن تعزيز امتثال أصحاب المصلحة لاتفاق السلام أو العملية السياسية ، و الحوافز المرتبطة به ، يمكن الاستفادة منه من خلال خضوعهم لمبادئ إصلاح قطاع الأمن.
إن إصلاح قطاع الأمن هو عملية طويلة الأجل , لا يمكن التصرف فيها بشكل جيد باتخاذ نصف التدابير أو الحلول قصيرة الأجل . فهي تتطلب التزامات متينة بالموارد و المشاركة السياسية ، و التي ربما ينبغي قياسها بعقود بدلاً من آفاق زمنية تمتد لعامين أو أربع أعوام . فالجهات المانحة التي تسعى إلى إيجاد حلول سريعة عند تطبيق الإصلاحات قد تؤدي في بعض الحالات إلى إلحاق الضرر بها أكثر من نفعها. تماما كما أن تطوير الإرادة و الملكية السياسية المحلية هما شرط مسبق لنجاح عملية الإصلاح ، كذلك فإن توليد الإرادة السياسية لدى المانحين هو الذي سيحقق وصول العملية الى النهاية حتى تؤتي ثمارها . و لابد أن يكون الاستعداد لتقديم مثل هذا الالتزام الطويل الأجل العامل الرئيسي في تحديد القرار الذي يتخذه المانحون بشأن المشاركة في عملية إصلاح قطاع الأمن .
إن ازالة ثقافة الإفلات من العقاب من قطاع الأمن , و ازالة سمة مشتركة في المؤسسات الأمنية في مرحلة ما بعد الحرب او حتى ازالة الفساد المنتشر و ترسيخ المبادئ الديمقراطية , يتطلب تحولاً ثقافياً في المؤسسات الأمنية. و هذا سوف يكون من الصعب على أي دولة ان تقوم بهذا التحول ، ناهيك عن دولة تضررت بنيتها الأساسية و مؤسساتها بشدة بفعل الحرب ، كما أصيب سكانها بصدمات نفسية بسبب الفظائع التي ارتكبتها هذه الدولة و ما أحدثته من عدم استقرار . و مثلها كمثل أي عملية من عمليات التحول المؤسسي ، فإنها كثيراً ما تكون مخصصة لغرض ما ، استناداً إلى نظرية التجربة و الخطأ ، و متقدمة في اعدادها و بداياتها . و هي ليست عملية منظمة ، كما أنها ليست على استعداد تماما للمواعيد النهائية أو الجداول الزمنية للمانحين الزائفين.
اعداد الأساس لاستراتيجية الإصلاح :
خلال هذه المرحلة ، ينبغي أن تبدأ عملية إعادة بناء الهيكل المؤسسي و العمارة الهيكلية لعملية إصلاح قطاع الأمن. و يشمل ذلك تطوير الأطر القانونية و السياسية و المؤسسية اللازمة لإطلاق و دعم اجندة لإصلاح قطاع الأمن ، مثل القوانين التي تحدد دور قوات الأمن و تفويضها ، و السياسات الحكومية التي تنص على معايير إشراك مقدمي الأمن غير الحكوميين و المجتمع المدني ؛ و تشكيل هيئات مؤسسية مثل مجلس الامن القومي لتيسير اتخاذ القرارات الاستشارية . و من الضروري خلال هذه الفترة تحديد مصادر تمويل العملية المحلية منها و الخارجية . و يجب أن تستند استراتيجية إصلاح قطاع الأمن إلى تقديرات واقعية للموارد المتاحةو ينبغي تشكيل هياكل لتسهيل تسليم الاموال بطريقة تقلل إلى أدنى حد من احتمال حدوث مخالفات . و من الضروري وضع إطار للميزانية لقطاع الأمن ، مع التقيد بمعايير إدارة التمويل في القطاع العام ، إلى جانب تشكيل صناديق الاستئمان لتوفير قناة أمنة و موثوقة للتبرعات المقدمة من قبل المانحين .
تشمل مهام الإصلاح الأخرى التي يمكن إجراؤها خلال هذه الفترة ما يلي:
- تطوير قوائم الجرد ( تقييمات الاستقرار ) : و يشمل ذلك قوائم جرد لرأس مال البنية التحتية ، والقوانين ، والسياسات ، واللوائح الإدارية ، و مقدمي العدالة والأمن على الصعيد الوطني والمحلي .
- بدء الحوارات المتعلقة بالسياسة على عدة مستويات : عبر الحكومة ، بين الحكومة و مقدمي الأمن غير الحكوميين ، و بين الحكومة و المجتمع المدني .
- فحص افراد الأمن و العدالة
- تطوير آليات للربط بين مبادرات بناء السلام ذات الصلة , مثل بعثات دعم السلام ، أو نزع السلاح و التسريح و إعادة الإدماج ، أو العدالة الانتقالية ، أو الإجراءات المتعلقة بالألغام .
- دعم الحوار الأمني الإقليمي و تدابير بناء الثقة .
أدوات التقييم |
البحث / التحليل المكتبي : مسح المواد الأولية و الثانوية ( تقارير السياسة ، و المقالات الأكاديمية ، و التغطية الإعلامية ، و مصادر الويب و الوسائط المتعددة ، و الكتب ، و الوثائق الحكومية ) .
المقابلات: مع الخبراء و الممارسين و ممثلي الحكومة و المسؤولين المانحين و أفراد الأمن و الشعب . المشاورات متعددة الأطراف: مجموعات التركيز و ورش العمل و المؤتمرات . تحليل البيانات: رسم الخرائط الإحصائية و النوعية و توليفها (على سبيل المثال ، أرقام الجرائم ، و الحالات القضائية ، و نزلاء السجون ) . الاستطلاعات / الاقتراعات : استطلاعات الخبراء المحدودة ، و الاقتراعات على مستوى المجتمع المحلي و الأمة ، إلخ . التحليل المقارن: يتناقض مع حالات و سياقات إصلاح قطاع الأمن الأخرى . الأساليب التحليلية : نقاط القوة و الضعف و الفرص و المخاطر ؛ محركات التغيير تقييم الصراع الاستراتيجي. بناء السيناريو: المحاكاة و النمذجة . |
الحاجة الى نهج شامل للحكومة : |
هناك قبول واسع النطاق , في مجتمع المانحين الدوليين للحاجة إلى استجابات حكومية مشاركة للتحديات المتعددة الأوجه التي تفرضها الدول الهشة و الدول التي تمر في مرحلة ما بعد الصراع . و قد استجاب المانحون النشطون في هذا المجال ، مثل المملكة المتحدة و الولايات المتحدة و هولندا و كندا، من خلال إنشاء آليات مؤسسية جديدة لتسهيل عملية اتخاذ القرار و تعبئة الموارد . و مع ذلك لم يترجم هذا دائما إلى استراتيجيات موحدة في المجال . وقد أدى اختلاف الثقافات المؤسسية و المناهج و خطوط الإبلاغ المختلفة إلى إبطاء عملية تحقيق هدف الحكومة بأكملها . و مع ذلك ، فإنه أمر حاسم لتنفيذ برامج إصلاح قطاع الأمن . و كما يعتبر نموذج إصلاح قطاع الأمن , أن النظام الأمني متكامل تماما ، يجب أن تتقدم الإصلاحات بطريقة متكاملة لتحقيق النجاح أيضا .
إن مجرد تعقيد عمليات إصلاح قطاع الأمن يتطلب نهجاً حكومياً بالكامل . و اعتمادا على احتياجات بلد معين، يمكن أن ينطوي برنامج إصلاح قطاع الأمن على أنشطة متنوعة مثل , إجراء استعراض و مراجعة للدفاع ، و انشاء برنامج للشرطة المجتمعية ، و تحسين ظروف الاحتجاز قبل المحاكمة ، و توفير الدعم السياسي للجنة التشريعية . و من غير المحتمل أن تمتلك إدارة حكومية واحدة أو وكالة حكومية دولية واحدة النطاق الكامل من القدرات اللازمة لدعم هذه الأنشطة . حيث ان الخبرات اللازمة ستتبعثر بين العديد من الكيانات الحكومية و غير الحكومية ، مما يستلزم اتباع نهج منسق و متكامل . و قد اعترفت حكومة كندا بهذا الواقع و أطلقت عدة مبادرات لتطوير الهيكل المؤسسي لتسهيل تقدم الاستجابات الكاملة لسياسة الحكومة . و كانت أبرز هذه المبادرات تشكيل فرقة العمل المعنية بالاستقرار و التعمير( START ) في أيلول 2005 . و هي هيئة دائمة مقرها في إدارة الشؤون الخارجية و التجارة الدولية مكرسة لتعزيز تبادل المعلومات بين الإدارات ، و تنسيق السياسات و تعبئة الموارد بشأن القضايا المتعلقة باستقرار و إعادة بناء الدول الهشة و الدول الخارجة من الصراعات . لتمكين هذه الهيئة من الوفاء بتفويضاتها ، تم تكليفها بالإشراف على صندوق السلام و الأمن العالمي المنشأ حديثًا بميزانية قدرها 100 مليون دولار سنويًا . و يهدف الصندوق إلى التحايل على العوائق المالية و البيروقراطية التي تحول دون المشاركة السريعة للموارد و تعبئتها. لمواجهة التحديات الخاصة بتقدم عملية إصلاح نظام الأمن في الدول الخارجة من النزاعات و الدول الهشة ، أنشأت هيئة START مجموعة العمل المشتركة بين الإدارات , لإصلاح نظام الأمن في يونيو 2006.و من بين المسؤوليات المسندة للمجموعة ما يلي : مشاركة المعلومات ، و تحسين المعرفة بإصلاح نظام الأمن ، و تحسين القدرة عبر الحكومة ، و المساعدة في عمليات وضع القواعد و المعايير المتعددة الأطراف في منظمة التعاون و التنمية في الميدان الاقتصادي ، و الأمم المتحدة و مجموعة G8 ، و تطوير إطار عمل استراتيجي كندي لدعم مشاركة قطاع العدالة و الأمن في الدول الهشة . |
تصميم استراتيجية اصلاح قطاع الأمن
خلال هذه المرحلة ، تم تصميم استراتيجية شاملة لعملية إصلاح قطاع الأمن ، بناءً على تقييم الاحتياجات الكاملة ، و المشاورات الحكومية ، و التواصل التوعوي مع الشعب ، و تقديرات الموارد المتاحة . بالتوازي مع تصميم استراتيجية إصلاح قطاع الأمن ، فانه من المنصوح به للحكومة هو صياغة و نشر استراتيجية أمنية وطنية بشكل علني تعكس الأهداف و المبادئ المتعددة في استراتيجية إصلاح قطاع الأمن . يجب أن تتميز استراتيجية إصلاح قطاع الأمن بتسلسل واضح و ترتيب الأولويات للأهداف ، و تحديد المعايير و الأهداف المتعلقة بالوقت ، و إنشاء إطار عمل تنسيق و تقسيم مرن للعمل لجميع الجهات الممثلة المعنية .
التنسيق
تميل برامج إصلاح قطاع الأمن إلى أن تكون متعددة الأطراف ، حيث انها تشمل العديد من الهيئات الحكومية وغير الحكومية التي تجلب كل منها معها مصالحها و قدراتها و خبراتها و مناهجها . و كما أن النهج الحكومية بأكملها حاسمة لتنفيذ سياسة فعالة لإصلاح قطاع الأمن و البرمجة بالنسبة لكل دولة على حدة ، فإن تنسيق مجموعة متنوعة من الجهات الممثلة الخارجية المشاركة في سياق إصلاح قطاع الأمن لا غنى عنه لنجاح الإصلاحات . و ينبغي للتخطيط المتكامل، والتقييم المشترك، و تشكيل إطار رسمي للتنسيق و الاتصال ، و تجميع أصحاب المصلحة المحليين و الخارجيين على حد سواء ، أن يساعد في تعزيز رؤية مشتركة و توحيد للجهود.
حتى أفضل الهياكل التنسيقية تصميمًا ستواجه ضغوطًا شديدة , لتحقيق مزيد من التماسك لعملية إصلاح متعددة الأطراف إذا استمر تسليم الأموال و إنفاقها بطريقة مجزأة و مفصلة . إن حشد الأموال من الجهات المانحة لتحقيق الأهداف الأوسع للعملية يتطلب تكوين أدوات تمويل متعددة الأطراف . و الآلية التي يمكن أن تخدم هذا الغرض هي صندوق الاستئمان . بالإضافة إلى تحقيق أكبر قدر من التماسك في توزيع أموال المانحين ، توفر الصناديق الاستئمان وسيلة لتوجيه المساعدة من خلال المؤسسات الحكومية ، و بالتالي بناء قدراتها و شرعيتها العامة بطريقة تقلل من قلق المانحين الشرعيين بشأن القدرة الاستيعابية و الفساد . تشمل عيوب نظام الصناديق الاستئمان التأخيرات في تقديم التمويل بسبب إجراءات الترخيص و المحاسبة المرهقة و التكاليف العامة .
تميل آليات التنسيق فقط إلى أن تكون فعالة إذا كان لديها نقطة حيوية قادرة على ممارسة القيادة خلال العملية. الممثل الأفضل لوضع هذا الدور هو الفرع التنفيذي للحكومة الشريكة . سيساعد العمل في هذا الدور على تطوير سياستها و قدرتها الرقابية و يثبت بوضوح ملكيتها للعملية . يميل إنشاء جهات رئيسية مانحة في قطاعات معينة إلى إضفاء الطابع الإقليمي على العملية , راعية لحرب المانحين بدلاً من التعاون بينها ، كما يتبين من حالة أفغانستان .
بالتوازي مع تشكيل هيكل تنسيق على مستوى القطاع الواسع ، ينبغي إنشاء هيئات على مستوى العمل أيضا لضمان التماسك العمودي و الأفقي المناسب في الإصلاحات . كل مستوى من العملية ( السلطة التنفيذية / التشريعية أو الوزارية أو الوكالة ) يجب أن يخضع لطبقة من التنسيق . تحت مظلة استراتيجية إصلاح القطاع الأمني على مستوى القطاع ، و يجب وضع اللمسات الأخيرة على الاستراتيجيات و البرامج القائمة على المؤسسات الفردية في مجالات مثل الشرطة و النظام القضائي و التصحيحات .
من أجل إدارة التوقعات ، يجب أن تكون الأهداف المحددة في العملية واقعية و تعكس كلاً من الوضع التنموي للبلد و قيود قدراتها . دائمًا ما تواجه الدول الخارجة من الحرب أو انهيار الدولة , عجزًا كبيرًا في القدرات المؤسسية و البشرية و لا يمكن التغلب عليها بالأموال أو المساعدة الفنية . حيث أن معالجة هذه الثغرات في القدرات تتطلب عملية إصلاح تدريجية تقدم قدرات و مهارات إضافية . هذا النهج التكراري ضروري بسبب الموارد المحدودة . حتى لو كان من الممكن سياسياً و استراتيجياً القيام بكل شيء دفعة واحدة ، فإن قيود على الموارد لن تسمح بذلك . و مع ذلك ، في الدول الخارجة من الصراع ، حيث تكون الاحتياجات كبيرة جدًا ، من الشائع و المفهوم تصوره أن كل شيء يعتبر أولوية . تكمن المشكلة في أنه عندما يكون كل شيء أولوية ، فالحقيقة انه وقتها لا شيء يمثل أولوية . إن تحديد الأهداف و تحديد الأولويات أمر صعب و لكنه حاسم لنجاح العملية و قابليتها للبقاء .
المنظمات المتعددة الأطراف وإصلاح قطاع الأمن |
لعبت المنظمات المتعددة الأطراف دوراً رئيسياً في صياغة نموذج سياسة إصلاح قطاع الأمن و تطبيقه في الميدان . كانت منظمة التعاون و التنمية في الميدان الاقتصادي و لجنة المساعدة الإنمائية في الطليعة لتطوير الإطار المفاهيمي لإصلاح القطاع الأمني و تحديد أفضل الممارسات في التنفيذ . يُنظر بنطاق واسع إلى كتيب إصلاح قطاع الأمن على أنه النص المقياسي في هذا المجال .
لعبت الأمم المتحدة و وكالاتها المختلفة دوراً رئيسياً في تطوير سياسة إصلاح القطاع الأمني و التنفيذ العملي للمفهوم . حدد تقرير الأمين العام للأمم المتحدة لعام 2008 المبادئ الأساسية حول إصلاح قطاع الأمن التي توجه دعم الأمم المتحدة , لتنفيذ إصلاح القطاع الأمني و الأدوار ( المعيارية و التنفيذية ) التي يمكن أن تلعبها في مجال إصلاح قطاع الأمن ككل . و من بين الأدوار التي تم تحديدها ما يلي : وضع المقاييس و المعايير الدولية ؛ صياغة سياسات و مبادئ توجيهية لتنفيذ إصلاح قطاع الأمن ؛ تقييم الاحتياجات و التخطيط الاستراتيجي ؛ تسهيل الحوار الوطني ؛ و تقديم المشورة الفنية و بناء القدرات. و سعت المنظمات الإقليمية أيضا إلى تطوير أطر سياساتها الخاصة لإصلاح القطاع الأمني . كما طورت كل من أمانة المجلس الأوروبي والمفوضية الأوروبية مستندات المفهوم من اجل دعم الاتحاد الأوروبي لإصلاح قطاع الأمن ، كما أطلق الاتحاد الأوروبي عددًا من برامج إصلاح القطاع الأمني في السنوات الأخيرة في سياقات تتراوح من البلقان إلى أفغانستان. في كانون الثاني 2008 ، اعتمد مؤتمر الاتحاد الأفريقي مقرر الجمعية 177 X ، الذي يشجع المفوضية على تطوير إطار عمل شامل , لسياسة الاتحاد الأفريقي بشأن إصلاح قطاع الأمن ، ضمن سياق إطار عمل السياسة لإعادة الإعمار و التنمية بعد انتهاء الصراع الذي اعتمده المجلس التنفيذي في بانجول في حزيران 2006 . في الفترة من 23 إلى 25 اذار 2009 ، عقدت مفوضية الاتحاد الأفريقي و الأمانة العامة للأمم المتحدة ، ممثلة بإدارة الأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام ، حلقة عمل إقليمية أفريقية مشتركة حول إصلاح القطاع الأمني في مقر الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا ، و التي كانت بمثابة نقطة انطلاق لشراكة الأمم المتحدة و الاتحاد الأفريقي لتطوير إطار سياسة شامل بشأن إصلاح قطاع الأمن . و شاركت منظمات إقليمية أخرى مثل منظمة الدول الأمريكية ، و الهيئات المتعددة الأطراف ، مثل منظمة حلف شمال الأطلسي ، في أنشطة إصلاح قطاع الأمن لكنها لم تذهب إلى حد بعيد في وضع مناهج موحدة لسياسة إصلاح قطاع الأمن و تنفيذها . المصدر: تقرير الأمين العام للأمم المتحدة عن ضمان السلام و التنمية – دور الأمم المتحدة في دعم إصلاح القطاع الأمني ، الجمعية العامة للأمم المتحدة . |
المشاريع ذات التأثير السريع :
بالتزامن مع تطوير استراتيجية إصلاح القطاع الأمني ، يجب على الحكومة و الجهات المانحة البدء في تنفيذ المشاريع ذات الأثر السريع ، و التي تهدف إلى تلبية الاحتياجات الملحة في القطاع الأمني و إثبات أهمية و ضرورة الإصلاح للحكومة و السكان . إن إجراء أنشطة التوعية للشعب لا تعتبر أمرا كافياً لضمان شرعية العملية ، فمن الضروري تقديم توضيح ملموس لفائدة إصلاح قطاع الأمن . كما أن الاصلاح يوفر فرصة للأنشطة التجريبية للتحقق من صحة بعض الافتراضات التي تم إجراؤها أثناء عملية التقييم . يجب استهداف المناطق التي توجد فيها نقاط دخول واضحة للمساعدة و أنصار الإصلاح الحاليين لاقامة المشاريع ذات التأثير السريع . الغرض هو تحقيق انتصارات سريعة و واضحة للغاية . نوع المشاريع التي يمكن القيام بها تشمل إصلاح البنية التحتية ، و إنشاء لجان أو هيئات أمن مجتمعية للتواصل مع الحكومة ، و توفير المعدات الحيوية للجهات الأمنية و العدالة.
اليات تنسيق المانحين |
معظم عمليات إصلاح القطاع الأمني تكون متعددة الأطراف ، مع مشاركة مجموعة متنوعة من الجهات المانحة و الأطراف الخارجية الأخرى ، و لكل منها مصالحها و تفويضاتها و نهجها. من المهم القيام بإنشاء آليات التنسيق , لسد الفجوات بين الجهات المانحة و تأسيس مستوى من وحدة الجهد و الغرض . والا ، فإن الازدواجية و البرمجة المفككة و إرسال الإشارات المختلطة إلى الجهات الممثلة و المؤسسات المتلقية ستكون النتيجة الحتمية. فيما يلي بعض الأمثلة عن الهياكل و الاستراتيجيات التي يمكن أن تخفف من عجز التنسيق بين الجهات الخارجية و بين المانحين و أصحاب المصلحة المحليين :
اللجان المشتركة / مجموعات العمل تسهل التخطيط المشترك ، و لكن يمكن أن تصبح عضوية المجموعة كبيرة و غير عملية . البرامج المشتركة تضمن وحدة الجهد ، لكنها معقدة بسبب خطوط الإبلاغ المتعددة و هياكل المساءلة . التعاقدات تساعد في تأسيس المسؤوليات المزدوجة و المعايير على المانحين وبين المانحين و الجهات الممثلة المحلية ، و لكن يصعب على أصحاب المصلحة الالتزام بالتعهدات / الجداول الزمنية. التمويل المشترك / صناديق الاستئمان يسمح للحكومة المحلية بالوصول إلى الأموال و النفقات المشتركة ، ولكن إرشادات المراقبة و الانفاق يمكن أن تكون مرهقة. المسؤولون / و المتعهدون المدمجون يساعد التعيين المتبادل للمسؤولين / المتعهدين المانحين على بناء القدرات و تعزيز التعاون التشغيلي . كما يمكن حقن هؤلاء المسؤولين داخل المؤسسات المحلية ، و ممارسة كهذه يمكن أن تخلق حكومة موازية و تقوم بإضعاف الملكية و المبادرة المحلية . |
- مرحلة التنفيذ الرئيسية
التحصيل و تنمية القدرات :
مع اكتمال تقييم الاحتياجات و وضع استراتيجية الإصلاح ، تصبح متطلبات الموارد و المساعدة التقنية واضحة. تنطوي هذه المرحلة على تعبئة و نشر الموارد اللازمة ، سواء كانت قدرة بشرية , على شكل مدربين أو مستشارين أو موجهين أو مديري برامج , أو قدرات اخرى كمعدات أو أموال . وضع الأنظمة ضروري لرصد وتقييم كل من صرف الأموال وفعالية المساعدة التقنية. وقد أظهرت التجربة أن المساعدة التقنية يمكن أن تكون ذات جودة متغيرة ، لا سيما في البيئات غير الآمنة في فترات ما بعد الصراع حيث يكون تعيين الموظفين المؤهلين أكثر صعوبة . كما ان هناك ميل إلى نشر المساعدة التقنية بطريقة تكرر المهام الحكومية بدلاً من تحسين قدرة الإدارة الحالية. وهذا لا يفعل الا القليل لبناء القدرات على المدى الطويل ويمكن أن يضعف شرعية مؤسسات الدولة .
إصلاحات على مستوى المجال و القطاع الواسع :
خلال مرحلة التنفيذ الرئيسية ، يجب تكريس اهتمام خاص لربط عملية إصلاح القطاع الأمني , بأنشطة بناء السلام الموازية و أنشطة بناء الدولة ، بما في ذلك برامج نزع السلاح و التسريح و إعادة الإدماج ، و استراتيجيات الحد من الفقر ، و مبادرات العدالة الانتقالية . ليس من المهم فقط تطوير الروابط عبر عملية إصلاح القطاع الأمني ، و لكن يجب أن تندرج العملية نفسها في إطار بناء الدولة الأوسع . و يتطلب القيام بذلك , إقامة إطار تنسيق قويً قادر على تنسيق المصالح و النهج المتنوعة عبر مجتمع المانحين و بين الجهات الممثلة الحكومية و غير الحكومية المحلية . من المهم أن نتذكر أن كل مانح يقوم بجلب معايير و تقاليد معينة إلى طاولة الإصلاح ، والتي يمكن أن تتصادم ، وان تقوم بإرسال رسائل متناقضة إلى الحكومة الشريكة. يمكن لاستراتيجية إصلاح متماسكة يتم تنفيذها من خلال هيئات التنسيق أن تساعد في منع مثل هذه التناقضات الضارة .
خلال المرحلة الرئيسية من العملية ، من المهم إعادة تقييم الاستراتيجيات على مستوى المجال و القطاع الواسع بشكل دوري على أساس المعلومات المدخلة من عملية الرصد و التقييم الجارية . يجب أن تكون استراتيجيات إصلاح قطاع الأمن مرنة لاستيعاب التغيرات التي تحصل على الظروف السياسية أو الاقتصادية أو الأمنية . في كثير من النواحي ، يمكن وصف النهج المتبع خلال مرحلة التنفيذ الرئيسية جزئيا على أساس التجربة و الخطأ. و الهدف هو التأكد من أن العملية تسير على الطريق الصحيح عندما تدخل في مرحلة الدمج النهائية.
رابطة نزع السلاح و التسريح و إعادة الإدماج – و القطاع الأمني |
في أعقاب النزاعات المسلحة ، كان أحد أول البرامج التي تم تنفيذها بشكل مميز تحت رعاية عمليات إعادة الإعمار التي تتم برعاية دولية هو نزع سلاح المقاتلين السابقين و تسريحهم و إعادة إدماجهم . تهدف برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج و تفكيك الوحدات العسكرية و جمع و / أو تدمير أسلحتها كرمز لنهاية العنف و لتيسير الانتقال من مرحلة الحرب إلى مرحلة السلام . و من المسلم به الآن على نطاق واسع أن برامج نزع السلاح و التسريح و إعادة الإدماج و برامج إصلاح قطاع الأمن ليست مترابطة بشكل معقد فحسب و لكنها معتمدة على بعضها البعض بالتبادل .
إن تنفيذ مبادرات نزع السلاح و التسريح و إعادة الإدماج في معظم السياقات شرط مسبق لإصلاح قطاع الأمن. من دون نزع السلاح و التسريح و إعادة الإدماج ، يمكن أن تواجه برامج إصلاح القطاع الأمني معضلة أمنية على شكل جهات ممثلة مسلحة تسليحا جيدا غير حكومية يمكنها أن تجعل من الجهود المبذولة لتحقيق الهدف الأساسي الضمني لإصلاح قطاع الأمن ، و استثمار الدولة في احتكار استخدام القوة الشرعية وفقا للمبادئ الديمقراطية ، صعب أو حتى من المستحيل تحقيقه . و العكس صحيح أيضًا ، حيث إن برامج نزع السلاح والتسريح و إعادة الإدماج ستضغط بقوة من اجل النجاح الى ان يشعر السكان المحليون بالأمان ، و الثقة في أن قوات الأمن كفؤة و تعمل لصالحهم ، و لهم حق اللجوء القانوني إذا كانت حقوقهم تنتهك ( الأهداف الأساسية لإصلاح قطاع الأمن ). في حين أن معظم أطر السياسات القائمة بشأن إصلاح قطاع الأمن و نزع السلاح و التسريح و إعادة الإدماج تعترف بالصلات بين المبادرتين ، فإن هذا الاعتراف لا يترجم في كثير من الأحيان إلى برمجة متكاملة على أرض الواقع. و في محاولة لمعالجة هذه الثغرة ، أنشأت الأمم المتحدة ، كجزء من معاييرها المتكاملة لنزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج ( التي توفر التوجيه لبعثات الأمم المتحدة بشأن تخطيط و إدارة و تنفيذ عمليات نزع السلاح و التسريح و إعادة الإدماج ) نموذجًا بشأن العلاقة بين نزع السلاح و التسريح و إعادة الإدماج و إصلاح قطاع الأمن . |
- مرحلة دمج الإصلاح :
و كما يوحي اسمها ، فإن محور هذه المرحلة هو الدمج الطويل الأمد لإنجازات الإصلاح التي تحققت خلال مرحلة التنفيذ الرئيسية . إن إصلاح القطاع الأمني هي عملية طويلة الأمد بطبيعتها . حتى إذا كانت العملية متجذرة في القيم والمعايير والتقاليد المحلية ، كما تملي أفضل ممارسات إصلاح قطاع الأمن ، إلا أنها لا تزال تنطوي على درجة عالية من الهندسة المؤسسية وتتطلب تحولًا شاملًا في المواقف داخل الحكومة الشريكة . قد يكون من المناسب قياس هذا التحول على مدى عقود أو حتى على مدى أجيال .
تسهيل تنفيذ إصلاح قطاع الأمن :
بالإضافة إلى ضرورة وضع سياسات و مهام متكاملة لإصلاح قطاع الأمن ، يمكن للجهات المانحة اتخاذ عدد من الخطوات لتعزيز قدرتها على تقديم الدعم الفعال لبرامج إصلاح قطاع الأمن . و هناك مجالان مرتبطان ارتباطًا وثيقًا بالقدرة البشرية و هما ملحان و مهمان بشكل خاص :
عمليات نشر خبراء إصلاح قطاع الأمن :
هناك حاجة لفئتين من موظفي الجهات مانحين لدعم إصلاح قطاع الأمن :
- الخبراء التقنيون: هم أفراد يتمتعون بخبرة متخصصة مثل ضباط الشرطة أو مسؤولي السجن الذين يمكنهم تقديم المشورة التقنية المباشرة في قطاعات معينة . و من بين مهام الإصلاح التي يشاركون فيها هي تقديم المشورة التقنية و التدريب و التوجيه و التقييم و إعداد التقارير.
- خبراء العمليات: لديهم فهم دقيق لنموذج إصلاح قطاع الأمن الشامل و مبادئه الرئيسية بالإضافة إلى الوعي بالسياق المحلي. و هم يشاركون في الأبعاد السياسية للعملية ، و قضايا التنسيق ، و المراقبة و التقييم على نطاق القطاع الواسع .
غالبًا ما يكون هناك اعتماد مفرط على خبراء القطاع التقني ، مما يؤدي إلى إنشاء استراتيجيات غير سياسية لا تتوافق مع السياق المحلي ، مع أخذ نظرة تكتيكية بدلاً من استراتيجية. كلتا المجموعتين من الموظفين تعتبر مهمة لنجاح برنامج إصلاح قطاع الأمن .
تعليم اصلاح القطاع الأمني و رفع الوعي :
في حين أن نموذج إصلاح قطاع الأمن قد حظي على اعتراف واسع النطاق على مدى السنوات الخمس الماضية فإنه لا يزال غير مفهوم بشكل جيد من قبل شريحة كبيرة من مجتمع السياسة الدولية . حيث ان الكثير يتصورها على أنها شكل لا يمكن تمييزه عن غيره من أشكال المساعدة الأمنية في الحرب الباردة ، التي تركزت على قوات الأمن و تم تصنيفها من خلال برنامج التدريب و التجهيز الكلاسيكية . علاوة على ذلك ، مع اتساع ضرورة اتباع نهج الحكومة الكاملة ، فقد تضاعف عدد الجهات الممثلة العاملة في قضايا إصلاح قطاع الأمن ، و التي كان لدى العديد منها ملفات داخلية محلية بحتة ، فانخفض المستوى العام لمعرفة و فهم إصلاح قطاع الأمن . هناك حاجة إلى برامج تدريبية و تثقيفية في مجال إصلاح قطاع الأمن عبر الحكومات . و ينبغي أن يحتوي هذا البرنامج على أربع وحدات:
- قواعد ومبادئ إصلاح قطاع الأمن : يجب أن تفكك هذه الوحدة نموذج إصلاح قطاع الأمن ، و أن تدرس تطوره و معاييره و مبادئه الأساسية .
- دراسات حالات إصلاح قطاع الأمن : ينبغي دراسة تطبيق إصلاح قطاع الأمن في مختلف البيئات المختلفة. و ينبغي التركيز على الأشكال المختلفة التي تتخذها العملية اعتمادًا على السياق . على سبيل المثال ، سيبدو إصلاح قطاع الأمن في دولة ما بعد حكم استبدادي مختلفًا تمامًا عن سياق إصلاح قطاع أمني في بلد ما بعد الصراع .
- التخصص في المجال: هذه الوحدة مخصصة للخبراء التقنيين . على الرغم من أن لديهم خبرة عملية واسعة في مجال تخصصهم ، قد تكون تجربتهم الدولية في دعم عملية الإصلاح في البيئات غير المستقرة تكون محدودة. و يهدف التدريب إلى تقديم بعض الإرشادات العملية حول قطاعهم كما هو واقع في مجموعة من سياقات الإصلاح . على سبيل المثال ، قد يتلقى خبراء الشرطة تدريبا على التحديات الخاصة بإصلاح الشرطة في بيئات ما بعد الصراع و قد تكون مختلفة مقارنة بالدول في مرحلة ما بعد الحكم الاستبدادي .
- الدراسة القُطرية: الغرض من هذا النموذج هو أن يكون جزءًا من التدريب الفوري قبل النشر و سيركز على حالات دول معينة . الغرض منه هو تزويد الحضور بفهم شامل للأبعاد السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الأمنية لبلد معين ، مع تحليل محدد لقطاع الأمن. و هذا التدريب حيوي بشكل خاص لخبراء العملية الذين يجب عليهم المشاركة في العملية على الصعيد السياسي .
المناهج التطورية لإصلاح قطاع الأمن :
يبدو أن نموذج إصلاح قطاع الأمن التقليدي ، الموضح في وثائق معينة مثل دليل منظمة التعاون و التنمية في الميدان الاقتصادي و لجنة المساعدة الإنمائية بشأن إصلاح قطاع الأمن ، يشير إلى أن برامج إصلاح قطاع الأمن الناجحة تحتاج إلى تكون متأصلة منذ بدايتها إلى استراتيجية أو مخطط واضح . و مع ذلك ، بدأ عدد متزايد من العلماء و الممارسين في التشكيك في هذه العقيدة ، مجادلين فيها بدلاً من اتباع نهج تطوري يتجنب مخططات الإصلاح الشاملة , و التركيز لصالح العمليات التكرارية و المتدرجة التي تسمح بمرونة أكبر ، و المزيد من المناهج المخصصة و التطوير التدريجي للاستراتيجيات بمرور الوقت . الأساس المنطقي وراء هذه الطريقة , هو أنه من غير المجدي أن يكون هناك الزامية مفرطة في المراحل المبكرة من عملية إصلاح قطاع الأمن ، لا سيما في البيئات التي تكون فيها الإرادة السياسية المحلية و القدرة على تنفيذ الإصلاحات ضعيفة . علاوة على ذلك ، أظهرت التجربة أن المانحين يجب أن يتوخوا الحذر من وضع استراتيجية في بيئة مرنة و معقدة اذا لم يكن لديهم وقت كاف لفهمها بالكامل . من خلال تحديد أهداف متواضعة في مجالات جاهزة للإصلاح ، و عندما تكون كلها مبنية على حوار متعمد مع الجهات الممثلة المحلية ، فمن الممكن ان تحقق النهج التطورية مكاسب سريعة قادرة على بناء القوة الدافعة اللازمة للعملية و شراء الوقت للتوصل الى الاجماع السياسي و القدرة على التطور.
وفقا لمناصريها ، فإن النهج التطوري هو أكثر انسجاما مع تمكين و تقوية الملكية المحلية ، لأنه يقوم على الحوار بين وكلاء التغيير المحليين و المصلحين الخارجيين . و يهدف إلى تلبية الضرورات الملحة الأمنية محليًا و احتياجات الإصلاح بدلاً من تلك الاحتياجات المفروضة خارجيا . يتم وصف النهج بأنه أكثر واقعية لأنه يركز على تحقيق ما هو ممكن في ظل الظروف القائمة بدلاً من ما هو مرغوب فيه في الظروف المثالية .
من الواضح أن استراتيجيات إصلاح قطاع الأمن الصارمة في البيئات المعقدة يمكن أن تؤدي الى ربط المانحين و المستفيدين بمواعيد نهائية و نهج اعتباطية يمكن أن تستند إلى افتراضات أولية خاطئة ، و بالتالي هذا سيضع العملية في سياق يقود الى الفشل . و لكن ، أحيانا يكون للنهج التطوري تشعبات في السياقات مثل سيراليون ، حيث أن المملكة المتحدة هي المانح الأساسي لها فقد قامت بتقديم التزام ثابت و طويل الأمد للإصلاح ، أو في بوروندي حيث التزمت هولندا ببرنامج إصلاح مدته ثماني سنوات و هذا قد يكون أقل استحسانًا و أقل قابلية للتطبيق في الحالات التي يكون فيها العديد من الجهات المانحة و المصالح التي تحتاج إلى التوفيق بينها و بالتالي ستكون أقل التزاما بتمويلها الدائم . في حالات إصلاح قطاع الأمن المعقدة و المتعددة الأطراف مثل أفغانستان و البوسنة والهرسك ، كان من الممكن أن تساعد استراتيجية إصلاح قطاع الأمن المتماسكة و المرنة التي تم تطويرها في المراحل الأولى من فترة ما بعد النزاع ، على ترشيد ما كان في بعض الأحيان مساعدة للجهات المانحة المفككة ، و اعانتهم على تعزيز وحدة الجهد . المفتاح هو المرونة و القدرة على التكيف . يجب أن تكون الاستراتيجية الفعالة قادرة على التغيير ديناميكيًا بمرور الوقت استجابة للظروف المتطورة على أرض الواقع ، مما يزيد من أهمية آليات المراقبة و التقييم المتطورة . كل هذا يشير مرة أخرى إلى أهمية السياق . في بعض الحالات ، قد تشير الظروف المحلية و كذلك اهتمامات و أهداف المانحين إلى الحاجة إلى نهج تطوري ، في حين أن سياقات أخرى قد تتطلب استراتيجية مخطط أكثر ألفة و تقليدية .
تحديات و معوقات التنفيذ :
1-التسلسل :
من التحديات الرئيسية التي تواجه برامج إصلاح قطاع الأمن هي كيفية ترتيب الإصلاحات بشكل ملائم . و رغم من أن إصلاح القطاع الأمني هو عملية طويلة الأمد بطبيعتها ، إلا أنه من الضروري أن يحفز بعض التغيير على المدى القصير و المتوسط لإثبات شرعية هذه العملية و فائدتها في نظر السكان المحليين و الحكومة الشريكة . و من المهم أيضًا أن يرى المانحون ثمار جهودهم من أجل بناء الثقة و مواصلة العزم . تتطلب العملية بالفعل درجة عالية من التزامن في أن الإصلاحات في مؤسسات اخرى مثل الشرطة حيث انها تعتمد على تغيير متوازي في المؤسسات أخرى ايضا مثل النظام القانوني ؛ و مع ذلك ، لا يمكن للجهات المانحة أن تكون في كل مكان و أن تفعل كل شيء دفعة واحدة . سيكون من الصعب تنفيذ مجموعة واسعة من الإصلاحات في أجندة إصلاح قطاع الأمن في الديمقراطيات الغربية المتقدمة , ناهيك عن الدول الهشة التي تكون في مرحلة ما بعد الصراع . ان عجز الموارد و القدرات يتطلب تتابع و تسلسل في الإصلاحات على مراحل . ينبغي أن يستند ترتيب الإصلاحات إلى تحليل دقيق للأمن المحلي و السياق السياسي .
2-التنسيق :
يتم التنسيق على مختلف المستويات بين الجهات المانحة مع بعضها , بين الحكومة والجهات المانحة , بين المجتمع المدني و الجهات المانحة , بين المجتمع المدني والحكومة وكان هذا مسببا للمشاكل في العملية , و ينبع هذا من الافتقار إلى استراتيجية شاملة للإصلاح و اختلاف المصالح و نهج الإصلاح لدى أصحاب المصلحة . هناك العديد من المصالح كعدد الجهات الممثلة التي تعمل على إصلاح قطاع الأمن في أي سياق .
3-الملكية المحلية :
من البديهي في بناء الدولة أن تكون الإصلاحات مملوكة محلياً لتكون ناجحة و مستدامة . و لا يختلف الأمر في قطاع الأمن . ومع ذلك ، فإن تحديد مستوى الدعم المحلي الذي يشكل الملكية أو ابتكار استراتيجيات حول كيفية توليدها يمكن أن يكون مسببا للمشاكل و مبهم ايضا . و مما يزيد من تعقيد هذه المشكلة هو الثغرات الثابتة في القدرات البشرية و المؤسسية الموجودة في الدول الهشة أو التي تكون في مرحلة ما بعد الصراع . غالبًا ما تفتقر الحكومات الشريكة إلى تطوير السياسات و القدرة الإدارية لتأكيد الملكية بشكل كافٍ لعمليات إصلاح القطاع الأمني.
4-اشراك المجتمع المدني :
تتمثل إحدى المبادئ الأساسية لنموذج إصلاح قطاع الأمن في أن إشراك الجهات الفاعلة في المجتمع المدني في قطاع الأمن أمر بالغ الأهمية لصحته على المدى الطويل . و مع ذلك ، نادرا ما تم تحقيق البرمجة الفعالة لتحقيق هذا الهدف في سياقات الإصلاح . تكمن المشكلة الرئيسية في حقيقة أن المجتمع المدني في البيئات الهشة الخارجة من الصراع ، مثل هياكل الدولة ، أنها تميل إلى الضعف و التفتت. علاوة على ذلك ، غالبًا ما تتلاشى العلاقة بين المجتمع المدني و الدولة و كما انها أيضا تتسم بالشك المتبادل . هناك معضلة تعريف : من هو المجتمع المدني بالضبط و من من بينهم الذي يجب أن يشارك في عملية إصلاح قطاع الأمن ؟ أخيرًا ، كيف ينبغي إشراك الجهات الفاعلة في المجتمع المدني – كمزود للرقابة الخارجية ، كوسيلة لزيادة الوعي العام بأهداف العملية ، أو كأداة لتعزيز تنمية القدرات في الخدمات الأمنية ( مثل غرس الإنسان معايير الحقوق ) ؟ أثبتت هذه الأسئلة صعوبة في الإجابة عنها في سياقات إصلاح قطاع الأمن .
5-العجز في القدرات :
في أعقاب الحرب أو انهيار الدولة ، فإن القدرة البشرية و المؤسسية للدولة تكون محدودة للغاية . و يبدو أن تصميم العديد من برامج إصلاح قطاع الأمن , تأخذ على عاتقها مستوى من القدرة على التنفيذ بين الحكومات الشريكة و هو أمر غير موجود ببساطة . و كثيراً ما كان رد فعل المانحين على مثل هذه العجوزات هو استبدال القدرات المحلية بمقاولين دوليين ، و خلق شكل من أشكال الإدارة المتوازية . و بدلاً من بناء قدرات الجهات الفاعلة المحلية ببطء ، يقوم المانحون فقط بالعمل لصالح الشريك المحلي ، و هي ظاهرة مدفوعة بالرغبة في إظهار نتائج سريعة . لسوء الحظ ، هذه الممارسات ليست فقط غير مناسبة و لكنها تبني ثقافة مدمرة للتبعية في النظام . من الأهمية أن يعترف المانحون بحدود القدرات و أن يركزوا مساعدتهم على بناء القدرات المستدامة بدلاً من استبدال القدرات .
6-المفسدين :
إن أي عملية سياسية أو مسعى لبناء الدولة لا بد أن يخلق رابحين و خاسرين . قد يتم إقناع بعض هؤلاء الخاسرين بالتعاون مع العملية من خلال مجموعة من الحوافز و المثبطات ، بينما يرفض الآخرون دائمًا مثل هذه الجهود و يقاومون التغيير. يجب أن تكون لعملية إصلاح قطاع الأمن القدرة على مقاومة المخربين ، و التي يمكن أن تأتي في أشكال عديدة ، مثل أمراء الحرب و المتمردين و الإرهابيين و المقاتلين . يجب على المجتمع الدولي تطوير مجموعة من الأدوات لمواجهة المفسدين ، من الحوافز السياسية و الاقتصادية لإعادة الإدماج السياسي و الاجتماعي إلى الآليات القسرية . و بما أن قوات الأمن المحلية غالبًا ما تكون في مرحلة ناشئة في تطورها ، فإن الدور الأخير غالبًا ما يقع على عاتق قوات الأمن الدولية . توفر بعثات دعم السلام حاجزًا أمنيًا حيويًا لتطوير مؤسسات أمن الدولة . لقد أظهرت سياقات مثل العراق و أفغانستان تحديات إنشاء قوات الأمن و استخدامها في القتال في نفس الوقت . و كما لاحظ الجنرال الأمريكي ديفيد بتريوس عندما كان يقود القوات الأمريكية في العراق ، فإن القيام بذلك يشبه بناء طائرة أثناء التحليق ، وأثناء طيرانها يتم إطلاق النار عليها .
7-التمويل الدائم و جدارة المساعدة الإنمائية الرسمية :
هناك بعض الغموض المحيط بما إذا كانت نفقات إصلاح قطاع الأمن مؤهلة كمساعدة إنمائية رسمية ، و هو الأمر الذي كان بمثابة مثبط للاستثمار في هذه العملية ، لا سيما بين المانحين ذوي الملفات الصغيرة من المساعدات الخارجية . و من المهم أيضًا ملاحظة أن العديد من المانحين فرضوا قيودًا خاصة بهم على المساعدة الاقتصادية المتعلقة بالأمن . على سبيل المثال ، تفرض العديد من الجهات المانحة حظرًا ذاتيًا على تخصيص الأموال لدعم أنظمة العقوبات الأجنبية . و قد كان الدافع وراء ذلك هو القلق من أن مثل هذه الأموال يمكن استخدامها في سجن المعارضين و المدنيين الأبرياء أو حتى قمعهم . و كانت النتيجة هي الضغط على عمليات الإصلاح الجنائي للأموال التي تشتد الحاجة إليها ، تاركة الآلاف من السجناء في هذه السياقات عرضة لظروف غير إنسانية . هناك حاجة إلى إرشادات تمويل أكثر مرونة تشجع على الاستثمار في المجالات ذات الأولوية لإصلاح قطاع الأمن بدلاً من تثبيطها .
8-المراقبة والتقييم :
إن أحد أهم التحديات التي تواجه عملية إصلاح قطاع الأمن هو كيفية قياس النجاح . غالبًا ما يتم استخدام المؤشرات الكمية ، مثل عدد قوات الأمن المدربة أو كمية الموارد التي تم تخصيصها لتطوير البنية التحتية . و مع ذلك ، فإن مثل هذه المقاييس تذكر القليل عن كيفية إدارة القطاع أو التصورات العامة لقوات الأمن . تميل الأرقام المستخدمة إلى قياس مدخلات الجهات المانحة بدلاً من مخرجات الإصلاح . هناك حاجة إلى أدوات و مؤشرات و مقاييس فعالية جديدة ، كمية ونوعية ، لتقييم أثر برامج إصلاح قطاع الأمن ، ليس فقط بعد اختتام العملية ، و لكن أثناء التنفيذ لتمكين تعديل المسار . و هذا يتطلب بيانات و مؤشرات أساسية قوية يجب تطويرها خلال المرحلة التحضيرية للعملية بما يتماشى مع تقييم الاحتياجات . من بين الأدوات التحليلية التي ينبغي استخدامها هي الاستطلاعات و مجموعات التركيز لتحديد مواقف المواطنين تجاه الأمن والقطاع الأمني و عملية الإصلاح . بصفتها المستخدم النهائي لقطاع الأمن ، فإن تصوراتهم هي المفتاح لفهم فعالية إصلاح قطاع الأمن .
9-الأبعاد الإقليمية :
تميل معظم النزاعات المعاصرة إلى أن تكون ذات طابع إقليمي . لم يعد من المناسب التحدث فقط عن ديناميكيات الصراع داخل الدول ، و لكن تشكيلات الصراع الإقليمية و مناطق عدم الاستقرار . من منطقة البحيرات الكبرى في أريكا إلى آسيا الوسطى ، الظواهر الإقليمية مثل الاتجار بالأسلحة و المخدرات و الأحجار الكريمة و غيرها من السلع غير المشروعة ؛ الزبائنية العرقية عبر الحدود ؛ و ندرة الموارد البيئية ، قامت بتغذية الصراع و عدم الاستقرار. مثلما يجب أن تعالج عمليات بناء السلام و بناء الدولة هذا البعد الإقليمي للصراع ، كذلك يجب أن تعالج برامج إصلاح القطاع الأمني . و ينبغي أن تركز المبادرات الإقليمية على معالجة قضايا مثل إدارة الحدود ، و احتواء التجارة غير المشروعة ، و مكافحة الإرهاب ، على المستوى الإقليمي ، و تشجيع التعاون الأمني الإقليمي. و مع ذلك ، نادراً ما يتم تفعيل هذا التركيز الإقليمي عمليًا . يمكن أن يعزى ذلك إلى التنافسات السياسية و المخاوف بشأن السيادة بين الدول الشريكة و كذلك طبيعة مهام المساعدة المعاصرة ، و التي تميل إلى أن تكون خاصة بالدولة القومية بدلاً من الطابع الإقليمي .
10- الاستدامة المالية :
الغرض من إصلاح قطاع الأمن هو بناء قطاع أمني مكتفي ذاتيا ، و ليس تبعية خارجية . يتطلب القيام بذلك أن يكون المانحون و المستفيدون على حد سواء منسجمين بشكل وثيق مع استدامة برامج الإصلاح منذ بدايتها . لا فائدة من بناء قوات أمنية لا تستطيع الحكومة الشريكة أن تحافظ عليها بمواردها الخاصة بمجرد تراجع دعم المانحين الدوليين . و الواقع أن القيام بذلك يمكن أن يحفز انهيار القطاع الأمني و الدولة . يجب أن يكون تصميم عملية إصلاح قطاع الأمن مستنيرًا من خلال تحليل التهديدات و القدرات الحالية و التوقعات بعيدة المدى , للقدرة المدرة لدخل للدولة . من المحتم أن تعتمد الحكومات الشريكة على تمويل المانحين الدوليين في فترة ما بعد الصراع أو فترة الانهيار مباشرة ، ليس فقط لتغطية التكاليف الرأسمالية لاستعادة عمل قطاع الأمن و لكن للحفاظ على التكاليف المتكررة . و مع ذلك ، يجب أن يكون هناك فهم واضح بأن هذا الوضع مؤقت و أن الخطط الموضوعة لنقل مسؤولية التمويل بشكل متدرج من مجتمع المانحين إلى الحكومة الشريكة أمر وارد . يجب أن يتضمن هذا التخطيط إنشاء نظام موازنة سليم ، و الالتزام بنفس المبادئ مثل التزام بقية الخدمات العامة ، و تحديد أهداف قوة أمنية متأصلة في الحقائق المالية و كذلك التهديدات المتصورة .
إصلاح قطاع الأمن والقطاع الخاص |
ازداد دور الجهات الفاعلة في القطاع الخاص في إصلاح القطاع الأمني بشكل طردي في السنوات الأخيرة. هناك أربعة أنواع من الجهات الفاعلة في القطاع الخاص تشارك عادة في إصلاح قطاع الأمن :
1- استشارات صغيرة تركز بشكل خاص على إصلاح قطاع الأمن . 2- شركات الاستشارات التنموية التي تجاوزت نطاق اختصاصاتها الأساسية في مجالات مثل الصحة و التعليم للمشاركة بشكل أكبر في قضايا الحكم و إصلاح قطاع الأمن . 3- شركات الاستشارات الإدارية الكبيرة التي تم التعاقد معها عادة للقيام بمشاريع واسعة النطاق في مجالات التنمية والحكم . 4- الشركات الأمنية الخاصة التي شاركت بشكل مميز في تنفيذ برامج تدريب و تجهيز قوات الأمن تحت عنوان إصلاح قطاع الأمن . يمكن للجهات الفاعلة في القطاع الخاص أن تلعب دوراً هاماً في تقديم المساعدة التقنية و تيسير الإصلاحات و سد الثغرات في برمجة المانحين . و مع ذلك ، هناك عدد من المشاكل و التحديات التي تطرحها زيادة مشاركة القطاع الخاص . أولاً ، هناك خطر يتمثل في أن زيادة الاستعانة بمصادر خارجية لتنفيذ إصلاحات قطاع الأمن لشركات القطاع الخاص يمكن أن تؤدي إلى الانسحاب التدريجي للجهات المانحة من العملية ، مما يحرمها من التوجه السياسي الذي لا غنى عنه . ثانياً ، حقيقة أن الجهات الفاعلة في القطاع الخاص الأكثر نشاطاً في إصلاح قطاع الأمن هي شركات الأمن الخاصة و العسكرية تثير مخاوف بشأن استغلال أو عسكرة برامج إصلاح قطاع الأمن . و أخيرًا ، هناك نقص واضح في هياكل الرؤية و المساءلة الراسخة و الفعالة للجهات الفاعلة في القطاع الخاص في أوضاع ما بعد النزاع و الهشاشة . و ستزداد الحاجة إلى الخبرة التقنية القابلة للنشر السريع لإصلاح قطاع الأمن في السنوات المقبلة فقط ، و الشركات الخاصة ، و لا سيما الشركات الأمنية الخاصة ، في وضع فريد يمكنها من معالجة هذه الفجوة ؛ و مع ذلك ، من الواضح أن هناك حاجة لمزيد من الوضوح في الولايات عند التعامل مع هذه الجهات الفاعلة و آليات إشراف و رقابة أقوى . |
الاتجاهات الحديثة في إصلاح قطاع الأمن
على الرغم من بعض الاختلافات في الأسماء المنسوبة إلى نموذج إصلاح قطاع الأمن – وقد تمت الإشارة إليه على أنه إصلاح نظام الأمن ، وتحويل القطاع الأمني ، وإصلاح العدالة وإصلاح قطاع الأمن – إلا أن هناك إجماعًا واسع النطاق على فائدته و المخطط العام له و إطاره المعياري . و مع ذلك ، فإن مستوى قبول النموذج بين الفاعلين الدوليين و المحليين لم يكن متكافئًا ، فقد أدركت منظمة التعاون و التنمية في الميدان الاقتصادي أن مفهوم و مصطلحات إصلاح قطاع الأمن الأساسي يختلفان اختلافًا كبيرًا بين المانحين ، و كذلك النهج ، وفقًا للولايات المؤسسية و الأولويات المختلفة . و القيود . علاوة على ذلك ، توسعت أجندة إصلاح قطاع الأمن تدريجياً في السنوات الأخيرة حيث قامت جهات فاعلة مختلفة بدمج أدوات و ممارسات الإصلاح الجديدة تحت سقفها المفاهيمي . و قد ساهمت هذه الاختلافات في تفسير المفهوم في حدوث انفصال كبير بين السياسة و الممارسة . و بينما يجري تنفيذ العديد من الأنشطة في مجموعة واسعة من السياقات تحت عنوان إصلاح قطاع الأمن ، فإن القليل منها يتوافق مع النموذج المعياري . في كثير من الحالات ، تم إعادة تسمية برامج الأمن التقليدية على أنها إصلاح قطاع الأمن ، و لم يتم تطبيق نموذج إصلاح قطاع الأمن بالكامل إلا في حالات قليلة ، مثل سيراليون و أفغانستان ؛ يمكن وصف غالبية مبادرات إصلاح القطاع الأمني على أفضل نحو بأنها ( برامج جزئية ) تتناول بعض مكونات نموذج إصلاح القطاع الأمني ، مثل إصلاح الشرطة أو الجيش ، لكنها تفشل في تحقيق رؤيتها الشاملة .
كان أحد أسباب تنوع النهج المتبعة في إصلاح قطاع الأمن بين الجهات المانحة في التنمية هو صعوبة تعميم المفهوم ضمن الحكومات المانحة . و بحسب بول وهيندريكسون ، ( لم تنجح أي من الدول الأعضاء في لجنة المساعدة الإنمائية حتى الآن في تعميم إصلاح قطاع الأمن ، سواء في أعمال التطوير أو في الأنشطة المتعلقة بالأمن. ) ان بناء مفهوم إصلاح قطاع الأمن يستدعي تغييراً جذرياً في السياسة و الممارسة بين المانحين . و فوق كل شيء ، يتطلب الأمر تنسيقًا وثيقًا بين الحكومات ، و نهجًا من الحكومة بأكملها . و كما يقول ليلي و آخرون ( ينطوي إصلاح قطاع الأمن في بعض النواحي على العديد من التغييرات في ممارسات المانحين من حيث التحسينات في التماسك و التنسيق كما هو الحال في البلدان المتلقية للمساعدة) .
الفجوة السياقية المفاهيمية :
في حين أن قلة من الذين يجادلون في المبادئ الأساسية التي يقوم عليها نموذج إصلاح قطاع الأمن ، فإن تصميمه بطرق عديدة لا يفضي إلى التنفيذ المثالي . أجندتها طموحة للغاية . و لكي تكون العملية فعالة ، يجب أن تقوم بأكثر من إصلاح للمؤسسات ، و لكنها ايضا عملية تحويل لعقليات و سلوك و ثقافة الأمن للبلد المتلقي . يسعى النموذج إلى إدخال القواعد و المبادئ الديمقراطية الغربية لإدارة قطاع الأمن إلى السياقات الغير مستقرة و المتنازع عليها و يمكن أن تكون هياكلها و ممارساتها الحالية مناقضة لتلك المعايير . على حد قول تشاي وبيك ، ( قد يكون من الأفضل أن تكون أقل , من أن تكون أكثر طموحًا من أجل تحقيق نتائج إصلاح فعالة و قابلة للقياس لصالح مستفيد محدد ).
يتم تنفيذ برامج إصلاح قطاع الأمن بشكل مميز مع فهم ضعيف للتحليلات السياسية و الأمنية و الاجتماعية الاقتصادية المحلية . توصلت دراسة استقصائية أجرتها منظمة التعاون و التنمية في الميدان الاقتصادي لتصورات البلدان غير الأعضاء في منظمة التعاون و التنمية في الميدان الاقتصادي بشأن إصلاح قطاع الأمن , إلى أن الجهات المانحة كثيراً ما تفتقر إلى الفهم الكافي للبلد الذي تشارك فيه ، و لا سيما فيما يتعلق بكيفية فهم طبيعة البلدان وتحديد التهديدات الأمنية لها ، و كيفية عمل المؤسسات الأمنية ، و مخاوف الحكومة الإصلاحية . و النتيجة الحتمية هي عملية مدفوعة من الجهات المانحة غير متزامنة مع الاحتياجات المحلية .
تعتبر الملكية المحلية لأجندة إصلاح قطاع الأمن الشرط الأساسي لنجاحها . و بحسب منظمة التعاون الاقتصادي و التنمية ، فإن المهمة الأكثر أهمية التي تواجه الدول التي تبدأ في عمليات إصلاح قطاع الأمن هي بناء رؤية أمنية مملوكة وطنياً و قيادة للأمن . و مع ذلك ، وهذا نادرا ما تم تحقيقه في الممارسة . يبدو أن النموذج يتجاهل ديناميكيات السلطة في البلدان المتلقية ، حيث تكون الإصلاحات سياسية دائمًا ، و تنتج رابحين و خاسرين .و بناءً على حساب القوة هذا ، من المرجح أن يقاوم الخاسرون الإصلاحات ، معتبرين أنها بناء خارجي مدفوع بالمصالح الأجنبية . لتلبية متطلبات الملكية ، يميل المانحون إلى الاعتماد على طبقة ضيقة من النخب المتشابهة التفكير ، و غالبا ما يكون التكنوقراط من التوجه الغربي ، الذين تكون دائرتهم في الحكومة و المجتمع الأوسع محفوفة بالمخاطر. و هذا بالكاد يلبي معيار الملكية الذي تتوخاه منظمة التعاون الاقتصادي و التنمية ، مما يعني ضمناً , إجماع واسع النطاق على الإصلاحات .
ومن الجوانب الأخرى الأكثر تميزا لنموذج إصلاح قطاع الأمن مقارنة بسلفه في حقبة الحرب الباردة ، تأكيده على إشراك المجتمع المدني . تدعو منظمة التعاون الاقتصادي و التنمية إلى تعزيز ( الحوار بين المجتمع المدني و الجهات الفاعلة في النظام الأمني ) كوسيلة لتشجيع فهم أوسع لمبادئ و أهداف إصلاح قطاع الأمن . يمكن للجهات الممثلة في المجتمع المدني أيضًا أن تلعب دورًا إشرافيًا مهمًا لقطاع الأمن . و مع ذلك ، كما يلاحظ (تشي وبيك) ( لا يوجد تعريف واحد ملائم للمجتمع المدني قادر على إبلاغ النقاش حول إصلاح قطاع الأمن بالاتساق النظري أو الموثوقية العملية ) . تتراوح الجهات الفاعلة التي تندرج في فئة المجتمع المدني على نطاق واسع من الشركات الخاصة إلى المنظمات غير الحكومية الأصلية . علاوة على ذلك ، لا يمكن اعتبار العديد من الجهات الفاعلة في المجتمع المدني في سياقات إصلاح قطاع الأمن مستقلة أو منفصلة ، لأنها تحافظ على روابط وثيقة مع الجهات الحكومية من خلال الشبكات غير الرسمية . يقدم النموذج إرشادات قليلة حول كيفية إشراك هذه المجموعة غير المتبلورة .
أثر أحداث 11 ايلول و إصلاح القطاع الأمني “تحت النار“
أحدثت هجمات 11 ايلول الإرهابية في الولايات المتحدة تحولا في التفكير الأمني كان له آثار كبيرة على نموذج إصلاح قطاع الأمن . دفع الى ارتفاع الإرهاب إلى رأس مصفوفات التهديد , لمعظم الدول الغربية إلى استعراض المساعدة لقطاع الأمن من خلال عدسة مكافحة الإرهاب . و قد أدى ذلك إلى تخصيص نموذج إصلاح قطاع الأمن ، أو على الأقل لغة إصلاح قطاع الأمن ، في السعي لتحقيق أهداف أمنية صعبة . إن متطلبات ( الحرب العالمية على الإرهاب ) ، بدلاً من هدف تعزيز الأمن البشري ، فرضت شكل العديد من برامج مساعدة قطاع الأمن في حقبة ما بعد 11 أيلول . تلقت الدول النامية التي أصبحت جبهات جديدة في ( الحرب على الإرهاب ) تدفقاً هائلاً من المساعدات من الدول الغربية ، و بشكل أساسي الولايات المتحدة ، لتمكينها من تعزيز قدرات الاستخبارات و الأمن الداخلي . لقد استغلت هذه الدول ، التي تحول الكثير منها من دول نائية , استراتيجية إلى حلفاء لا غنى عنهم بين عشية و ضحاها ، تزايد التناقض بين الجهات المانحة الغربية تجاه المبادئ الديمقراطية في توفير المساعدة الأمنية لإحياء أو الحفاظ على الممارسات الاستبدادية و غير الديمقراطية المعادية لإصلاح القطاع الأمني المعتقد.
و مثلما أُثير قلق متزايد في مجال التنمية بشأن استغلال المساعدات و أداؤها لتحقيق الأهداف الاستراتيجية ، يمكن للمرء أن يدرك نفس الظاهرة في قطاع الأمن . إن استغلال نموذج إصلاح قطاع الأمن أمر واضح في الحالتين الأبرز لإصلاح قطاع الأمن في فترة ما بعد 11 سبتمبر ، أفغانستان و العراق ، حيث كان هناك تفاوت كبير في مستويات الموارد و الاهتمام المكرس لـ ( برامج أمنية صارمة ، تهدف إلى بناء قدرات قوات الأمن ، و المبادرات الأمنية ( اللينة ) ، الموجهة نحو ترسيخ سيادة القانون و تعزيز المبادئ الديمقراطية للحكومة الرشيدة ). تم تجريد العملية من طابعها الشمولي ، تاركة فقط صدفة أمن الحرب الباردة . هذا التحول في التركيز أمر مفهوم في ضوء البيئات الأمنية المعاكسة لكلا البلدين . ظل تصنيف كلا العراق أو أفغانستان على أنها سياقات ما بعد الصراع إشكالية في عام 2010 . و قد طرحت هاتان الحالتان تحديًا سياقيًا جديدًا لنموذج إصلاح قطاع الأمن ، أي إصلاح زمن الحرب .
لقد أظهرت حالتا أفغانستان و العراق أن نموذج إصلاح قطاع الأمن غير مؤهل للتعامل مع التحدي المتمثل في دفع الإصلاحات في بيئة النزاع . و كانت النتيجة الحتمية في كلتا الحالتين هي ( الانزلاق نحو النفعية ) حيث يتم التضحية تدريجياً بالمبادئ الأساسية لنموذج إصلاح قطاع الأمن لتلبية متطلبات الوضع الأمني . يمكن للمرء أن يقول أن عملية إصلاح قطاع الأمن في هذه الحالات قد تم تسليحها لخدمة أهداف مكافحة التمرد . العمليات في أفغانستان والعراق هي إصلاح قطاع الأمن بالاسم فقط . و مع ذلك ، فإن تجربتي إصلاح قطاع الأمن العراقي و الأفغاني ، في حين أنه ربما أكثر استثناءً من القاعدة في تجربة إصلاح قطاع الأمن ، تحدت مع ذلك شرعية النموذج و طالبت بتفكير جديد حول كيفية تكييفه مع البيئة الأمنية الدولية المتغيرة .
الخاتمة :
أصبح إصلاح قطاع الأمن مقبولاً الآن على نطاق واسع كعنصر لا غنى عنه في عمليات بناء الدولة و التحولات الديمقراطية ، لكن سجل إنجازه على ما يبدو يناقض التأثير المتنامي للنموذج . و الحقيقة هي أن هناك القليل من قصص نجاح إصلاح قطاع الأمن التي يجب الإشارة إليها . شهد العقد الأول من إصلاح قطاع الأمن التطور السريع للإطار المعياري لإصلاح قطاع الأمن ، لكن التنفيذ لم يواكب ، مما عزز فجوة في ممارسة السياسات . إن تضييق هذه الفجوة يجب أن يكون محور الجيل القادم من إصلاح قطاع الأمن .
على الرغم من الاختلافات الواسعة في السياقات و الظروف ، فقد برز عدد من الدروس العالمية و أفضل الممارسات من دراسات تنفيذ إصلاح قطاع الأمن على مدى العقد الماضي . و ينبغي أن تشكل أفضل الممارسات هذه الأساس لنموذج جديد لإصلاح قطاع الأمن يكون أكثر انسجاما مع تحديات التنفيذ المحددة لسياقات إصلاح قطاع الأمن المعاصرة . يجب أن يخطو هذا الجيل الثاني من إصلاح قطاع الأمن خطوات لتعزيز وحدة الهدف و الرؤية بين أصحاب المصلحة العالميين الرئيسيين . يتطلب تطوير نموذج إصلاح قطاع الأمن من الجيل الثاني أجندة بحثية جديدة و قوية يمكن أن تعتمد على تجربة إصلاح قطاع الأمن لإنتاج سياسات و ممارسات و استراتيجيات برمجة جديدة . إذا كان لإصلاح قطاع الأمن أن يكون أداة عملية للتغيير الإيجابي على مدى العقد المقبل بدلاً من أن يكون مجرد إطار معياري مثير للإعجاب ، فإنه يجب معالجة المعضلات و الثغرات الموضحة في هذه الورقة. علاوة على ذلك ، سيواجه المانحون خيارًا صارخًا بتغيير الطريقة التي تمارس بها عملك ، أو إيجاد نموذج آخر للمساعدة الأمنية .