
أحمد عرابي
اكاديمي سوري
الظــلم ……وباء وسرطان المتفرجون والساكتون عن الظلم

الظلم : هو التعدي عن الحق إلى الباطل ويعد الظلم فعلاً شائناً يهدد حقوق العدالة والمساواة لبني الإنسان ويهدد حقوقهم جمعاء فإن الظلم والبغي إفساد في الأرض فقال الله تعالى عنه: ( يا عبادي إني حرمتُ الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا ) لابد أن كل شخص منا قد شهد في حياته موقفاً رأى فيه ظلماً واقعاً على أحدهم سواءً كان ظلماً كبيراً أو صغيراً ويعلم كم يكون التحدث مخيفاً في وجه الظالم في موقف كهذا قد ينجم عنه عواقب سيئة ولكنه يعلم أيضاً أن السكوت عن الظلم مخيف أكثر لأن العواقب التي تنجم عنه سوف تمتد من الشخص نفسه إلى غيره وذلك لأن السكوت يجعل من الظلم فعلاً ممتداً لا يتوقف مالم تُكسر هذه السلسلة من الصمت ووقف هذه العجلة التي تتدحرج دون توقف فإن مبدأ المتفرجون الساكتون عن ظلم الظالم عملاً بمبدأ عايشين ولا شأن لنا طالما كان بعيداً عنا لا يعلمون أن آلية الظلم والظالمين تعمل على أساس أن الجميع مستهدفون لذلك يخطئ من يظن أن الظلم الواقع على غيره لن يصل إليه , ذلك أن الظالم والمستبد لا حياة له إلا بتعميم ظلمه بل إنه ما أن يفرغ من إيقاع الظلم على الآخرين لابد أن يطال بظلمه من أعانه عليه سواء بالسكوت والرضا وغض الطرف أو بالعمل والقول و من سنة الله تعالى في هذا الكون أنه من أعان ظالماً سلطه الله عليه , بل إن الظلم لامحالة سيطال الظالم نفسه وتلك حقيقة وأمر واقع لا فكاك منه يؤكده قول الله تعالى : ( والذين ظلموا هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا ) ولقد حرم الله تعالى الركون إلى الظالمين وكذلك حرم الدفاع عنهم لذلك فإن حشد المجتمع لسائر قواه الفاعلة والاصطفاف الرشيد وترك مقاعد المتفرجين ومغادرة منازل الساكتين أمر لا مناص منه لمقاومة الظلم ووقف زحف الاستبداد والطغيان ولا بد أن يكون الجميع على استعداد لدفع الثمن لأن استمرار الظلم ونُظم الاستبداد مرهون باستمرار الوهن وفقدان المجتمع لعافيته في المقاومة والبقاء في موقع المتفرجين والساكتين عن الظلم , لذلك تسعى نظم الاستبداد والطغيان إلى تفريغ وتصفية طاقات الشعب والاستقواء عليها وقهرها عبر أساليب القمع المختلفة التي جعلت مقاومة الظلم والاستبداد أمراً مكلفاً للغاية ويفوق قدرة احتمال الكثيرين , لتضيق الخيارات لدى الشعوب بين استبداد صارم واستبداد ليّن واستبداد عادل وما هذا أو ذاك إلا ( كالمستجير من الرمضاء بالنار) فكثيراَ ما نتكلم عن الظالمين والطغاة والمستبدين ولا نتكلم عن هؤلاء الساكتين المتفرجين رغم أن الظالم لم يكن ليتمادى في ظلمه وطغيانه إلا بسبب هؤلاء فقد درج الأمر على أن يتجه اللوم والغضب إلى الظالم والطاغية المستبد دون أن نتعرض لهؤلاء الذين يقوى الظالم والطاغية المستبد بسكوتهم وتشرذمهم ففساد العلماء من الغفلة وفساد الأمراء من الظلم وفساد الفقراء من النفاق فالمصيبة ليس في ظلم الأشرار بل في صمت الأخيار ومن يصبر على الضيم ولا يتمرد على الظلم يكون حليف الظالمين على الحق وشريك السفاحين بقتل الأبرياء فكم من طغاة على مدار التاريخ ظنوا في أنفسهم المقدرة على مجاراة الكون في سننه أو مصارعته في ثوابته فصنعوا بذلك أفخاخهم بأفعالهم وكانت نهايتهم الحتمية هي الدليل الكافي على بلاهتهم وسوء صنيعهم فلا تعجل على أحد بظلم فإن الظلم مرتعه وخيم وما أكثر الظالمين المستبدين الطغاة الذين ثارت عليهم الشعوب وعلى أعوانهم ولو بعد حين لذلك لا يمكن أن يتحقق استقرار للشعوب بالظلم والبطش والطغيان ولا يمكن أن يتحقق نماء وازدهار وعمران في ظل الظلم ففي واقعنا الذي نعيشه في بلادنا العربية لا تدرك السلطة أن الرفاه والاستقرار والنهضة لا يتحقق منها شيء عبر اعتماد الظلم منهجاً واتخاذ البطش والقوة والعنف والاستبداد أدوات في حكم الشعوب فإن الظلم كالسرطان الذي ينتشر في الجسد وقد لا يدرك المرء وجوده إلا بعد أن يبلغ مبلغاً لا نجاة فيه من هلاك محقق فالظلم مهلكة للأفراد كما للشعب والدولة والدليل على ذلك قول الله عز وجل : ( وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعداً ) فإننا نحن الشعوب العربية نتحمل جميعاً مسؤولية تفشي الظلم وسلب الحقوق , فلو اعتبرناه منكراً فأنكرناه بيننا وغيرناه بقلوبنا وساهمنا في تغيره بألسنتنا ثم تعاونا على تغييره بأيدينا لما طغى الظالم , ولو تكلم المظلوم عن مظلمته ولم يسكت لما تجاوزه ظالمه لضحية أخرى فظلمه واستمر في ظلمه فقد سيطر الخوف على مجتمعاتنا منذ عقود وقرون وربما طغت المصالح الفردية للناس على فطرتهم في الدفاع عن المظلوم والوقوف معه ضد الظالم وربما أصبحت مصالح الناس تقضى عند من يعرفون أنه ظالم دون قدرتهم على الإقرار بذلك ولكن كل هذه الحقائق والوقائع والأحداث لا ترفع عنا الحرج ولا تعفينا من مهمتنا ودورنا في فضح الظالم ثم مواجهته بهدف القضاء على الظلم والطغيان والاستبداد , لكن السبب المشترك هو اعتياد وتعود الظالمين على ظلمهم وطغيانهم وتعود المظلومين على الركون للظلم وتعود الناس على رؤية الظلم أمام أعينهم وفي حياتهم اليومية من غير أن يحدث شيئاً في أنفسهم وكأن لسان حالهم يقول هذا أمر عادي وطبيعي وما شأني أنا ما دمت لست بمظلوم ولا ظالم حتى أصبح الظلم شيئاً عادياً في مجتمعاتنا بل أصبح عادة الطواغيت وسنتهم وأصبح غاية بعض الحكام ووسيلتهم للسيطرة على الشعوب بالقوة كما حصل للشعب السوري منذ اغتصاب الحكم من قبل الطاغية المستبد حافظ الأسد ومن بعده السفاح ابنه بشار , ومن خلال تتبع سيرة الشخصيات من الحكام والأمراء والملوك العادلة تراها قد أدخلت على الشعوب والناس السعادة والسرور وراحة البال والصحة والرفاهية والأمن والاستقرار , في حين أن الشخصيات الحاكمة الظالمة القمعية الدكتاتورية جعلت من القتل والدمار والخراب في البلاد التي تحكمها بالظلم يتحدى كل الثقافات على وجه الأرض لذلك كم من دول لم تقم لها قائمة بسبب الظلم والقهر والاستبداد وركونها إلى الظالمين وكما يقال : ( إن الله يقيم دولة العدل ولو كانت كافرة ولا يقيم دولة الظلم ولو كانت مسلمة ) فكثيراً من حكام العرب والمسلمين استغلوا سلطتهم وطغوا وبغوا في البلاد فعاثوا فيها فساداً واستبداداً وظلماً فجعلوا معيشة شعوبهم ضنكاً , وتختلف وتتعدد أسباب تفشي الظلم المسلط على الشعوب المقهورة من طرف حكامهم أو ممن لهم مسؤولية عليهم فهناك من يسلط ظلمه وجبروته على مرؤوسيه بهدف توسيع دائرة نفوذه والسيطرة عليها بقبضة من فولاذ وهناك من يسلط سوطه ظالماً لإخافة معارضيه وإسكاتهم وإعطاء العبرة والدروس بهم لغيرهم وهناك من يظلم ويطغى فقط لينتشي بعظمته وقوته أمام الضعفاء والشعب الفقير الذي لا حول له ولا قوة وهذا ما ينطبق على جميع حكام البلاد العربية والإسلامية وشعوبها وفي الختام نقول لو كان الظلم والاستبداد رجلاً وأراد أن يُنسب لقال : أنا الشر وأبي الظلم وأمي الإساءة وأخي الغدر وأختي المسكنة وعمتي الضر وخالي الذل وابنتي البطالة ووطني الخراب وعشيرتي الجهالة ونحن نقول : ( لا تسقني ماء الحياة بذلة بل فاسقني بالعز كأس الحنظل )