د. فايز قنطار

أكاديمي سوري استاذ سابق في كلية التربية في جامعة دمشق, له العديد من الكتب والبحوث المنشورة

هيئة الحكم الانتقالي …هل يتمكن السوريون من كسر حالة الاستعصاء الراهنة؟؟؟

وصلت الأوضاع الكارثية التي تعيشها بلدنا الى درجة خطرة، تستوجب التحرك العاجل من قبل الوطنيين الأحرار، بحيث تكون الوطنية السورية فوق كل اعتبار، علينا جميعا البحث عن المشتركات والتعالي فوق الخلافات, فالخطر المحدق بوطننا الغالي سوريا هو خطر وجودي يهدد وحدته ويفتح الطريق لتمزيق الشعب وتفكيك المجتمع.

علينا استعادة سورتينا وتجاوز كل عوامل الفرقة والتشتت، فإنقاذ سوريا من حالة التشظي والتمزق يحتم على السوريين، مهما اختلفت مشاربهم السياسية ومهما تنوعت مكوناتهم الاثنية والدينية، يحتم التلاقي والتوافق حول مستقبل بلدهم.

في ظل هذه الظروف وبعد عقد من الحروب والقتل والتهجير، يستمر النظام في نهجه الاجرامي غير آبه بما وصلت اليه البلاد من أوضاع كارثية حيث أصبحت المسألة السورية مأساة القرن، كل ما يهم النظام الأسدي هو البقاء في السلطة، يتحكم بشعب أوصله الى حافة الجوع، يتربع على جماجم ألاف السوريين وعلى الخرائب التي صنعها عبر التدمير الممنهج للمدن والبلدات السورية، بعد رهن البلاد حاضرا ومستقبلا للقوى الأجنبية.

تراجع الاهتمام بالقضية السورية، بعد أن نجحت روسيا في تمييع القرارات الدولية ( جنيف 1 والقرار 2254 ) والالتفاف عليها، عبر مفاوضات عقيمة غير منتجة هدفها كسب الوقت لتتمكن من أعادة تدوير نظام الطغيان.

إضافة الى ذلك، تعمل غالبية الدول الفاعلة لتحقيق مصالحها دون العمل الجاد لإخراج سوريا من محنتها وإعادتها الى طريق التعافي، وتحولت قضيتنا الى قضية مساومة بين الكبار وقضية “مساعدات إنسانية” بعد أن أصبح غالبية السوريين   يعتمدون على المساعدات التي لا تسلم بدورها من نهب النظام وفساده.

استعصاء الوضع السوري مرشح للاستمرار إذا لم يعمل الوطنيون السوريون على توحيد صفوفهم وبلورة برنامج وطني يستقطب الغالبية الساحقة من أبناء الشعب.

 يتطلب الخروج من الاستعصاء الحالي بناء كتلة سياسية وازنة تتسع للسوريين كافة، تعمل على التوافق على برنامج وطني محدد واضح المعالم للمرحلة الانتقالية ولسوريا المستقبل.

 تبدأ الخطوة العملية في هذا المشروع بالتوافق على اختيار نخبة من الشخصيات الوطنية السياسية والثقافية والعسكرية لتشكيل هيئة الحكم الانتقالية.

 تقوم هذه الهيئة بالتحضير للانتخابات بإشراف الأمم المتحدة وبوضع البلاد على طريق الاعمار وإعادة البناء وتطبيق أسس العدالة الانتقالية التي تمهد السبيل للمصالحة الوطنية الشاملة.

في هذه المرحلة يضطلع المجلس العسكري بدور أساسي في المحافظة على الأمن وحماية الحدود وإعادة هيكلة الجيش ونزع سلاح الميليشيات.

 أصبح تشكيل هذا المجلس ضرورة ملحة تقتضيها الظروف المعقدة التي تعيشها البلاد، فهو النواة التي يجب أن تتشكل حولها هيئة الحكم الانتقالية، وأداتها الأساسية في المحافظة على السلم الأهلي والاستقرار لتهيئة المناخ الملائم للتحول الديمقراطي وإجراء الانتخابات.

تحمل هيئة الحكم الانتقالي مشروعا وطنيا، يحظر على أعضائها تولي مناصب حكومية بعد انتهاء المرجلة الانتقالية وبعد انتخاب مجلس تشريعي، يعمل على إقرار الدستور الدائم للبلاد.

في ضوء إخفاق المعارضة “الرسمية” في كسب ثقة السوريين وخضوعها لتأثير القوى الخارجية، وفشلها في قيادة المرحلة السابقة. أصبح من اللازم أن نفكر جميعا في توحيد الجهود وجمع السوريين والتواصل مع المنظمات والهيئات والأحزاب والتجمعات الثقافية لتشكيل هذا التحالف الوطني الذي يمكنه التوافق على تشكيل هيئة الحكم الانتقالي، بما يمكن السوريين من أخذ مصيرهم بيدهم وأن يتم احترام مصالحهم العليا من قبل المجتمع الدولي والقوى الفاعلة في الملف السوري.

بعد فشل محاولات إعادة تدوير النظام الغارق في دماء ضحاياه من أبناء سوريا، لا يمكن الخروج من الاستعصاء الحالي الا برحيل هذه العصابة التي أخذت السوريين رهائن ومارست بحقهم كل أشكال القهر والابتزاز.

كيف يمكن انتشال سوريا من حالة العزلة الدولية والحصار الخانق؟… كيف يمكن أن تعود بلدنا الى طريق الحياة وتأخذ دورها؟  كيف لسوريا أن تستعيد عافيتها؟ يكاد يجمع السوريون على أن الحل يكمن في رحيل هذا النظام وتشكيل هيئة حكم انتقالية وتطبيق القرارات الدولية تحت الفصل السابع.

الخروج من النفق المظلم الذي أوصلنا اليه نظام الطغيان غير ممكن الا بوحدة السوريين وتمسكهم بحقوقهم المشروعة في الحرية وفي تقرير المصير وفي إعادة بناء بلدهم وإقامة دولة القانون دولة الحقوق والواجبات، دولة المواطنة التي تحقق المساواة والازدهار لجميع أبنائها.

%d مدونون معجبون بهذه: