
المهندس عبد الكريم أغا
رئيس الحركة الديمقراطية السورية
أهمية السلم الأهلي والضمانات القانونية في عملية إعادة الإعمار
نظرا لأهمية الموضوع بداية لابد من الإشارة الى الوضع القائم في سورية حيث يتواجد اكثر من سبعة ملايين لاجئ يقيمون في دول الجوار والاقليم في ظروف متفاوتة، وقرابة مليوني لاجئ موزعين في كافة اصقاع العالم من نيوزيلاندا شرقا الى شيلي في اقصى جنوب غرب أمريكا الجنوبية غرباً، كما يعيش قرابة أربعة ملايين ونصف نازح ومهجّر ضمن مخيمات عشوائية جنوب وشمال وشرق البلاد في ظروف مأساوية تفتقر لأبسط مقومات الحياة ولا تليق ببني البشر، مئات الألاف من الأطفال في الداخل والخارج لا يتلقون التعليم لعدم توفر المدارس والبنى التحتية. ما يقرب من مليون شهيد وملايين اليتامى والأرامل والمعاقين، مئات الألاف من المختطفين المفقودين والمعتقلين في سجون النظام ومعتقلاته السرية. وألاف المعتقلين والموقوفين في عشرات السجون ضمن مناطق سيطرة فصائل المعارضة المسلحة.
ثمانون بالمائة من البنى التحتية مدمرة، الثروة النفطية خارج السيطرة ومجمل القطاع الصناعي يعاني من شلل كلي منذ عام 2014م، كافة مؤسسات القطاع العام الخدمية مشلولة، الميليشيات الأجنبية والمحلية المرتبطة بالخارج تسرح وتمرح في عرض البلاد وطولها دون حسيب أو رقيب، بينما الجيش الذي يفترض ان يكون رمزا للسيادة الوطنية ينقسم الى فرق وفيالق ومجموعات تحت امرة امراء الحرب المرتبطين وقادة الأجهزة الأمنية الذين اصبحوا مجرد دمى تتلقى أوامرها من خارج الحدود، ، القرار الوطني اصبح بيد المحتل وتحولت السلطة الحاكمة الى مجرد واجهة لبيع ما تبقى من البلد من اجل الاستمرار في الحكم. أكثر من ثمانين بالمائة من الشعب السوري يعيشون في مستوى دون خط الفقر.
قيادة المعارضة يرأسها بعض المأجورين، كانت خلف تشكيل مجموعة كبيرة من الفصائل المسلحة المتناحرة التي تتلقى اوامرها من الخارج دخلت في مستنقع الفساد والافساد من أوسع الأبواب يتناوب على قيادة مؤسساتها مجموعة من الفاسدين واللصوص والدمى على مبدأ القائد الخالد أنا أو لا أحد، تحولت تلك المؤسسات الى مراكز وصاية وارتزاق واداة بيد الأجنبي لملاحقة واقصاء الوطنيين ومصادرة الإرادة الوطنية وتجييرها لمصلحة اسيادهم، كما زاد عدد النازحين من ديارهم فيما يسمى بالمناطق المحررة.
خلاصة القول لقد تمزق النسيج الوطني المجتمعي بشكل خطير وتقطعت الروابط الاجتماعية التي كانت دعامة السلم الأهلي، وانتشرت الفوضى في عموم البلاد ولم يعد بإمكان المواطنين ممارسة حياتهم الاعتيادية حتى ضمن منازلهم دون اتخاذ تدابير استثنائية لمواجهة الاخطار المحتملة سواء في مناطق سيطرة النظام أو خارجها.
لقد تحولت الكثير من المدن السورية الى أطلال نتيجة استخدام النظام لآلته العسكرية المدمرة كسابقة في تاريخ الأمم، كما أن العشوائيات طوقت أغلب المدن الى جانب البنى التحتية ومجمل المرافق الخدمية التي تكاد تكون بدائية، لقد تحولت أهم المدن الرئيسية الى أشباه مدن سكنية لا سيما في السنوات العشر الماضية، تلك المدن كانت منذ القديم محط أنظار العالم الغربي والشرقي وكانت مشاعل حضارية تشكل أنموذج يحتذى به في معظم عواصم العالم.
مما سبق يمكننا القول بأن مجرد التفكير بإعادة إعمار ما هدمته السنوات العشر الماضية أصبح مستحيلا في ظل الظروف السائدة، ولم يعد الهم الأساسي يتمثل في عملية إعادة إعمار البنى التحتية والفوقية وترميم وإعادة اصلاح شبكة المواصلات البرية، وتأمين وسائط النقل البحرية والجوية التي تكاد تكون منعدمة لدى النظام أو بدائية، بل أصبح الهم الأكبر يتمثل في ضرورة ترميم النسيج المجتمعي على أسس وطنية سليمة واستعادة الروابط الاجتماعية وخلق حالة من السلم الأهلي الذي يعتبر مدخلا للأمن والأمان والاستقرار في عموم البلاد.
من البديهي أننا نعيش اليوم في عالم التقنيات الحديثة والمتطورة لاسيما في مجال الانشاء والتعمير وإنشاء وتطوير شبكة الطرق والمواصلات بأنواعها، عندما تتوفر الإرادة الوطنية يصبح من السهل فتح كافة الأبواب أمام المستثمرين ورجال الأعمال والمقاولين المحليين ومن مختلف أرجاء العالم للمشاركة في عملية إعادة إعمار ما دمرته آلة النظام الاجرامية والميليشيات الإيرانية الإرهابية المشاركة له. يمكن بناء واستحداث مدن وتجمعات سكانية كاملة وتخديمها بمختلف أنواع المرافق والبنى التحتية اللازمة لها وفق أفضل الطرق والمواصفات، وانشاء وتطوير شبكة الطرق والمواصلات خلال فترة زمنية قياسية في حال إنهاء الاقتتال والصراع القائم والقضاء على الفوضى وإرساء حالة من الأمن والاستقرار والسلام المجتمعي…
مما لا شك فيه بأن المجتمع السوري سواء في الريف أو المدن يعاني منذ استيلاء حزب البعث على السلطة من أزمة كبيرة في مجال التنظيم العمراني وعدم مواكبته لعملية التنمية والتطور والزيادة الطبيعية في عدد السكان. من خلال اطلالة سريعة على واقع حال معظم المدن السورية، يتضح لنا بأن المخططات التنظيمية لها تعود الى ما قبل زمن الوحدة مع مصر، كما لم يتم احداث مدن جديدة أو تعديل المخططات التنظيمية من قبل الدولة، لقد أحيطت أغلب المدن السورية بالعشوائيات المبنية على أراضي أملاك الدولة وأحيانا على الأملاك الخاصة عن طريق الاستيلاء عليها دون أية ضوابط قانونية أو أخلاقية، لقد تبنى النظام سياسة مبرمجة لتحويل ضواحي المدن الرئيسية لاسيما العاصمة دمشق الى مستوطنات مسلحة للمشاركة عند الضرورة في الدفاع عن الديكتاتور وسلطته القمعية. والجدير ذكره هو أن البناء في هذه المستوطنات يحتاج الى موافقات أمنية حيث تم تقسيم كافة المدن جغرافيا الى قطاعات أمنية تتوزع مسؤوليتها على الأجهزة الأمنية، بحيث يستحيل الحصول على موافقة بناء أو ترميم بناء من قبل البلديات دون موافقة الجهات الأمنية المختصة، لذلك تحولت المدن السورية الى ما يشبه التجمعات السكنية في العصور البدائية.
إضافة الى ما سبق منح رئيس الجمهورية باعتباره القائد العام للجيش والقوات المسلحة مؤسستي الإسكان العسكري والأشغال العسكرية صلاحيات غير محدودة لإصدار مخططات تنظيمية خاصة ومصادرة الأملاك التي تراها مناسبة لبناء وحدات سكنية تحت مسمى إسكان العسكريين من ضباط وصف ضباط وأفراد متطوعين لكنها في حقيقة الأمر كانت توزع حسب رغبة الأجهزة الأمنية.
نستنتج مما سبق أعلاه استحالة البدء بعملية إعادة الاعمار مالم يتحقق السلم الأهلي والاستقرار إضافة الى توفر الضمانات القانونية التي تحمي المستثمرين ورجال الأعمال من الفساد المقونن وأصحاب النفوذ ويضع حدا لتدخل السلطات الأمنية أو غيرها من مراكز القوى الفاسدة فيما لا يدخل بمجال الاختصاص.
إن عدم توفر الظروف المناسبة لعملية إعادة الاعمار وانتشار الفوضى وعدم توفر الأمن والأمان والاستقرار واحتمال تعرض ما يتم اعماره للتخريب يزيد من العراقيل في استقدام الاستثمارات الخارجية والداخلية، كما يرفع من كلفة الإنشاء والتعمير ويزيد من النفقات المخصصة للتأمين والضمان ويقلل كثيرا من عمليات المنافسة في الاشتراك بعملية الاعمار, كما أن عدم توفر القوانين الملائمة الواضحة والشفافة لضمان حقوق المستثمرين والأفراد العاملين يعرقل كثيرا انطلاق عملية الاعمار.
دون أدنى شك هناك رؤوس أموال كثيرة وضخمة سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي لشركات تبحث عن استثمارات لكنها غير مستعدة للعمل في الأماكن التي تتصف بالفوضى الأمنية وانتشار السلاح والميليشيات وينتشر فيها الفساد بمختلف أشكاله، كما أن هذه الشركات تحتاج كما قلنا الى ضمانات قانونية شفافة لا تقبل التأويل، وضمانات أمنية من قبل الدولة بعدم تدخل أية جهة غير مختصة بعمل تلك الشركات. عندئذ يمكن أن ينطلق قطار البناء وإعادة الاعمار بالسرعة المطلوبة ويمكن ترميم ما دمر خلال فترة زمنية قصيرة.
في الختام من المؤكد بأن الجهة الوحيدة القادرة على إيجاد الظروف المناسبة للاستثمار هي مؤسسة الجيش والقوات المسلحة بقيادة مجلس عسكري وطني.