
حسين علي البسيس
محامي سوري – عضو المجلس التأسيسي لحزب بناة سوريا
إضاءة قانونية لوضع المنشقين السوريين
كافة الدول تتضمن في هيكلتها التنظيمية والإدارية وظائف للمدنيين والعسكريين وهذا ما يسمى بالعموم موظفي الدولة.
وبتعريف بسيط للموظف العام فهو ذلك الشخص الذي يعهد إليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة و هو أداة الدولة للقيام بكل نشاطاتها وأعمالها من اجل تحقيق أهداف البناء والتنمية , وأما من يعملون بصفة عسكرية فالكلمة هي عبارة عن مصطلح يشير إلى معنيين هما الجنود والجندية والآخر يسمى القوات المسلحة, وإن لهاتين الفئتين من الموظفين العسكريين والمدنيين في أي دولة دور كبير في بنائها وتحقيق تقدمها, لأنهم يشكلون جزء كبير من النسيج المجتمعي في الدولة .
وفي بلدنا سوريا عندما انطلقت الثورة الشعبية مع بدايات عام 2011 تزامنا” مع ثورات الربيع العربي تميزت الثورة السورية عن غيرها من ثورات المنطقة العربية بعدة أشياء , نذكر منها الكثرة بعدد المنشقين المدنيين والعسكريين الذين انحازوا للثورة ومطالب الشعب السوري المتمثلة بالحرية والكرامة وهذا قد سطره التاريخ بماء من ذهب , فعند تفجر تلك الثورة ضد نظام الاستبداد ترافقت فترة سنواتها الأولى بانشقاقات كبيرة كان لها وقع وارتدادات في هيكلية الدولة السورية فقد انشق كثير من العسكريين بينهم ضباط وضباط صف وجنود , إضافة الى المنشقين من الوظائف المدنية ومنتسبي النقابات المهنية من بينهم وزراء ودبلوماسيين وقضاة ومدراء عامين ومدراء إداريين ونقابيين وموظفين عاديين مما أعطى للثورة طابع بانوراميا” من كل أطياف وطبقات المجتمع السوري وجميع فئاته مع بعض الاختلافات في النسب العددية وهذا شيء طبيعي ومع انشقاقهم عن وظائفهم وعملهم قد تمت ملاحقتهم من قبل النظام وشذاذ الأفاق وهذا ما زاد الصعوبة في حياتهم حيث كان لهذا الانشقاق ثمن كبير, لأن أولئك الذين تخلوا عن وظائفهم وهربوا خوفا” من بطش النظام كانوا على قوائم المطلوبين من قبل النظام الاستبدادي وقد منع عن قسم كبير منهم التمتع بإجراءات الحماية وإعادة التوطين الدولية بعد فرارهم من سوريا لاعتبارات بعض الدول على أنهم مشاركين في النزاعات المسلحة.
رغم أن موقف القانون الدولي للاجئين ينص على أن أولئك الذين قطعوا علاقاتهم مع الأطراف المتحاربة قد يتم منحهم الحماية على أساس كل حالة على حدة, وإضافة لتلك المعوقات اتبع نظام الأسد أسلوب حاول به استعادة المنشقين ومنهم العسكريين فقام بإصدار مراسيم وهمية على انها للعفو ومنها المرسوم رقم 18 تاريخ 9/10/2018 والذي صدر بتوجيهات خارجية للنظام بهدف إظهار وجود البيئة الآمنة لإعادة اللاجئين والمهجرين وكانت الغاية شرعنة نظام الأسد وإعادة تدويره .
وأن المرسوم المذكور بنصوصه المكتوبة لم يشمل فرار المنشقين إلى ما يسمى دولة عدو سيما أن النظام يعتبر كل الدول التي فيها سوريين أعداء له وبحسب المادة 102 والمادة 103 الموجودة بقانون العقوبات العسكري فأن هاتين المادتين عقوبتهما الإعدام للعسكريين فكان ذلك المرسوم فخ لاستدراج المنشقين ومن ثم تصفيتهم , ولوحظ بأن المرسوم لم يشمل المادة 137 التي تحكم بالإعدام وهناك مواد كثيرة عقوبتها كبيرة لم يشملها المرسوم، وهي منصوص عنها في قانون العقوبات العسكرية من المادة 147 حتى المادة 150 لكن الغاية الإيقاع بالمنشقين لإعدامهم , ومن المعروف للقاصي والداني أن مراسيم نظام الأسد هي شكلية من أجل تصديرها للمجتمع الدولي وأيضا” كانت المعاناة كبيرة على الموظفين المدنيين الذين انحازوا للثورة فنالهم ما نال غيرهم فالاعتقال والقتل وإرهاب النظام لم ينتهي بعد ولم تنتهي معاناة الموظف المعتقل الذي في أغلب الأوقات عقب الإفراج عنه إن خرج أصلا” كان يواجه ظاهرة الفصل التعسفي الذي قررته الأجهزة الأمنية بحق الألاف من العاملين في القطاع العام فالنشاط الثوري بكافة أشكاله قد كان سبب كاف لفصل أي موظف تعسفياً وكف يده عن العمل والذي يترتب عليها إيقاف صرف رواتبه ومستحقاته اعتباراً من تاريخ التوقيف، وهذه الحالة متكررة مع الألاف من الموظفين متجاوزا” النظام بذلك كل القوانين الوطنية والدولية ومستغلين ثغرات قانونية منها مواد في القانون الأساسي للعاملين في الدولة رقم 50 لعام 2004 وتعديلاته اللاحقة ومنها المواد 63 و 64 وهذا مخالفة صريحة لحقوق الموظفين والعاملين في الدولة .
وان الكثير من الموظفين الذين تركوا نظام الأسد وانحازوا إلى طموحات وأهداف الثورة قد عملوا على إعادة ترتيب أنفسهم بهيكلة حقيقية لهم تمثلت بخطوة متقدمة بعام 2012 بإنشاء تكتل معارض سمي التجمع الوطني الحر للعاملين في الدولة وهدفه المحافظة على كيان الدولة السورية وقد ضم في صفوفه عدد من الموظفين العامين السابقين في القطاع العام للدولة السورية وكثير منهم كانوا بمناصب عليا في الدولة السورية وهذا يدل على الوعي والشعور بالمسؤولية تجاه أبناء وطن حر وديمقراطي .
و في حالة بدء الانتقال السياسي في سورية فإنه سيقع على عاتق الجسم الانتقالي بشقيه المدني والعسكري مسؤولية ومهام كثيرة منها إلغاء جميع القرارات والأحكام التي صدرت عن نظام الأسد ومؤسساته بحق المواطنين السوريين وبحق المنشقين العسكريين والمدنيين المعارضين لأنها قد صدرت من سلطة استبداد غير شرعية وقد وصفها المجتمع الدولي بذلك أيضا” ويتحتم اتخاذ إجراءات لجهة صرف جميع المستحقات والرواتب والامتيازات وحفظ الحق بترقيات الموظفين ومنتسبي النقابات لأن قرارات نظام الأسد كانت مخالفة للقانون وباطلة وغير سليمة وقد بنيت على معايير ليست قانونية , وإن أتخاذ مثل هذه الإجراءات من قبل الجسم الانتقالي ستساهم مساهمة فعالة لتحقيق الاستقرار الدائم بسوريا.