
المقدم محمد العبيد
مختص في الشؤون الأمنية

تحـــــديــــات الإقــــلـيم الأمنيـــــة كأحـــــد ركائــــــز الدولـــــــــــــة
- مقدمة
أولاً – الإقـلـيــم
- تعريف إقليم الدولة ومكوناته الأساسية .
ثانياً – الجغرافيا السياسية :
- مقدمة في الجغرافيا السياسية :
- أهم النظريات الجغرافية
- النظرية البرية ( قلب الأرض ) ماكيندر 1904.
- نظرية القلب (نيكولاي سابيكمان ).
- مدارس الفكر الجغرافي
1-المدرسة الحتمية الجغرافية
2-المدرسة الاحتمالية أو الإمكانية أو البشرية .
3-المدرسة الإقليمية
ثالثاً – الجيوبوليتيك :
- أهمية الجيوبوليتيك
- لمحة موجزة عن نشوء الجيوبوليتيك
- النظريات الحديثة في الجيوبوليتيك
- وسائل الجيوبوليتيك
رابعاً – مقارنة ما بين الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيك
خامساً – العوامل الطبيعية والبشرية المؤثرة في قوة الدولة:
سادساً- التحديات الأمنية المفروضة على الإقليم وطرق مواجهتها
– الخاتمة والاستنتاجات
مقدمة :
إن دراسة أي موضوع بهذه الأهمية يقتضي منا الإمساك بما هو شامل وأعم فدراسة إقليم الدولة يقودنا إلى الخوض بعدة مسارات تصب كلها في معرفتنا لأهمية الإقليم الذي نعيش عليه جميعاً وعليه نتناول “الجغرافيا السياسية – والجيوبوليتك ” والذي يضعنا أمام ما يحدث في العالم من تجاذبات سياسية وصراعات عسكرية وتهديدات تستهدف دول وأحيانا عدة دول فيما إذا كان يجمعها حلف أو يشكلون فيما بينهم محور .
لذلك لابد لنا قبل الدخول بهذا البحث من التعريج على بحث مهم أخر متصل به لابل لابد منه لأنه هو من وضع لبنات هذا العلم ولا يمكن لنا أن نفهم الجغرافيا السياسية ونظرياتها ومن ثم البحث في مصطلح الجيوبوليتك وعليه فإن نقطة البدء لا بد أن تكون من الاطلاع على أهم النظريات الجغرافيا والنظر من خلالها للعالم القديم الذي على أساسه صيغت المعادلات الدولية التي نعيش اليوم في ظلالها ونرى كيف أن المصالح الدولية هي التي تشكل عتبة تلك الدول في التحرك للحفاظ على مصالحها الحيوية لمزيد من القوة التي تحتاجها من أجل البقاء .
أهمية البحث :
في ظل التغيرات المتنامية والسريعة في العالم وعلى مختلف الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية برزت مسألة الفوضى الخلاقة كعنوان بارز في بلداننا العربية والتي تشهد اضطرابات داخلية أدت فيما أدت إلى تدخلات دولية وإقليمية على مساحة أراضيها مما جعلها ساحات معارك لمصالح بعيدة كل البعد عن مصالح شعوبها .
إن معرفة الأسباب الحقيقية للحروب التي تشهدها المنطقة العربية على وجهه الخصوص يقودنا مطولا للبحث في الأسباب التي ألت إليها أوضاع بعض الدول العربية والتي تشهد مزيداً من القتل والاحتلال .
لذلك حتم علينا إدراك حجم المخاطر التي تتعرض لها أرضنا العربية واستهداف شعوبيها عبرا الغزو الثقافي والذي لا يقل خطورة عن الاحتلال .
أولاً – الإقـلـيــم :
- تعريف إقليم الدولة ومكوناته الأساسية .
يضم الإقليم والذي هو أحد أركان الدولة ما يلي :
- اليابسة : وهي مساحة الأرض والتي يطلق عليها الإقليم وعليه تقع تمارس الدولة سيادتها القانونية كما أن لهذه الأرض حدود طبيعية ( بحار – جبال – أنهار ) أو قد تحدد بما يسمى حدوداً صناعية ( الأسوار – أسلاك شائكة – خنادق – أبراج ) حيث تشكل حدوداً فاصلة بين الأقاليم المجاورة لها .
- الإقليم المائي : وهو الملاصق لحدود الدولة ويطلق عليه المياه الإقليمية وكذلك يمكن أن تشمل ما في داخل الدولة من بحيرات وأنهار ، وإلى يومنا هذا لاتزال هناك خلافات حول تحديد مساحة البحر الإقليمي وهذا ما شهدناه في يومنا هذا حول ترسيم الحدود المائية بين الدول ( تركيا – مصر – اليونان – قبرص ) ، وقد اختلف القانونيين الدوليين حول مسألة الحدود الإقليمية حيث ذهب بعضهم لتحديدها ( بثلاثة أميال بحرية – خمسين ميلا – ستة أميال – اثنى عشر ميلا ) برزت أهمية ترسيم الحدود الإقليمية بعد التطور الكبير في الكشف عن الثروات الباطنية التي تقابل تلك الدول او تقع ضمن حدودها مياهها الإقليمية .
- الإقليم الجوي : ويقصد فيه هو الفضاء الجوي الذي يغطي الإقليم الأرضي والبحري ، وللدولة أن تمارس سلطاتها الكاملة فوق هذا الجزء دون التقيد بالارتفاع ، برزت أهمية هذا الإقليم بعد التطور الكبير للسلاح الجوي وغزو الفضاء وهذا ما أدى إلى وضع الاتفاقيات التي تضمن الملاحة الجوية واستعمال الفضاء.
- بعد هذا العرض يمكننا القول أن الإقليم هو الحيز الجغرافي والذي عليه تقع سلطة الدولة دون غيره ، أو كما يطلق عليه المجال الذي يتحدد فيه سلطان الدولة ، وهذا ما يطلق عليه بنظرية النطاق .
ثانياً – الجغرافيا السياسية :
- مقدمة في الجغرافيا السياسية :
- أهم النظريات الجغرافيا :
1-النظرية البرية ( قلب الأرض ) ماكيندر 1904.
2-نظرية القلب ( سبيكمان ).
- مدارس الفكر الجفرافي .
- المدرسة الحتمية الجغرافيا
- المدرسة الاحتمالية أو الإمكانية أو البشرية .
- المدرسة الإقليمية
مقدمة في الجغرافيا السياسية :
لابد لنا من التميز ما بين الجغرافيا السياسية وبين علم السياسة حيث أن الموضوع في أسسه العامة مشترك بالنسبة للدولة ، فالدولة بالنسبة للجغرافيا السياسية عبارة عن عنصرين أساسيين هما الأرض والشعب ، ينجم عنهما عنصر ثالث هو نتاج التفاعل بين الأرض والناس .
كما تشمل دراسة الأرض ” عنصر المكان الجغرافي والأقاليم الطبيعية للدولة ، كما تشمل دراسة السكان على عناصر منها الحياة البشرية حيث تبدأ بالسكان والنشاط الاقتصادي وأنماط السكن والتكوين الحضاري للمجتمع من حيث سلالاتهم ومجموعاتهم اللغوية والتنظيم الطبقي ,أما العلاقة ما بين الأرض والسكان فهي علاقة شديدة التعقيد والتشابك وتؤدي في النهاية إلى سلامة تكوين الدولة أو عناصر قوتها وضعفها ، وفي هذا المجال يضع الجغرافي السياسي نصب عينيه حدود الدولة كإطار محدد للوحدة الأساسية في الجغرافيا السياسية برغم مما تتعرض له حدود الدولة من تغيرات وبالرغم من أن الحدود في أحيان كثيرة إنما هي حدود افتعالية في زمن محدد وهذا يؤدي إلى عدم ثبات الوحدة الأساسية في على الجغرافيا السياسية بل يعطي للجغرافيا السياسية ديناميكية دائمة ، وعلى هذا يقوم الجغرافي بدراسة الدولة ” داخل علاقتها بالمجتمع الدولي والإقليمي وهذا ما يعطي بعداً جديداً في دراسة الجغرافيا السياسية .
مما تقدم نلاحظ الفارق الكبير بين هذا العلم وعلم السياسة الذي يسعى إلى إيجاد التناسق بين علاقات الدول ، بينما تحلل الجغرافيا السياسية العلاقة بين الظروف الجغرافية الطبيعية والبشرية داخل الدولة .
النظريات الجغرافية :
- النظرية البرية ( قلب الأرض ) ماكيندر 1904.
- نظرية القلب ( سبيكمان ).
1-النظرية البرية ( قلب الأرض ) ماكيندر 1904.
أطلق العالم البريطاني ماكيندر تسمية الجزيرة العالمية على قارات العالم القديم ” أسيا – أفريقيا – أوروبا ” والتي تحيط بها البحار والمحيطات ، ركزت هذه النظرية على أهمية القارات البرية في حسم المعارك والسيطرة على العالم , ومكونات هذه النظرية هي :
أ- قلب الأرض : هي المنطقة الوسطى وأطلق عليها منطقة الارتكاز ثم عدل إلى قلب الأرض حيث تمتد من ( حوض الفلوجة غرباً إلى سيبيريا شرقاً , ومن المحيط المتجمد الشمالي شمالاً إلى ايران وأفغانستان جنوباً ، تتميز هذه المنطقة – ” باتساع رقعتها الجغرافيا . – بعيدة عن الشواطئ . – طبيعتها تمنحها تحصين ضد الغزو البحري .- تعد هذه المنطقة بمثابة القلعة الدفاعية على الأرض “.
ب-الهلال الداخلي :وتمثل هذه البقعة الجغرافية المناطق الساحلية الأوروبية التي تقع غرب جبال الاورال ، والأراضي العربية الصحراوية في الشرق الأوسط وجنوب آسيا والمناطق الموسمية في آسيا مثل الهند ومعظم الصين .
ج-الهلال الخارجي : نطاق ساحلي محيطي ضخم يغلف الجزيرة يحيط بالجزيرة العالمية على شكل هلال متصل ، حيث يضم كل من ” بريطانية – كندا – أمريكا – جنوب افريقيا – استراليا – اليابان – ” وهذه الدول تمتلك قوة بحرية عظيمة .
2-نظرية القلب الحافة ( سبيكمان )
عدل سبيكمان على نظرية ماكندر حيث جعل منطقة الهلال الداخلي يشمل كلا من( أوروبا عدا روسيا – الجزيرة العربية – العراق – الصين) وهي أكثر أهمية من منطقة المركز ( القلب ) وسماها الحافة أو الرملاند ، حيث من يسيطر على هذه المنطقة يستطيع أن يتحكم في أوراسيا ومن يتحكم في أوراسيا يستطيع أن يتحكم في العالم ، جاء تطبيق هذه النظرية في حصار الاتحاد السوفيتي من خلال سياسة الاحتواء في منطقة الحافة وانشاء حلف شمال الأطلسي .
ومنه نستنتج أن سبيكمان يرى أن القوة الحقيقية لا توجد في قلب العالم وانما في المنطقة الهامشية التي تستقطب معظم سكان العالم ، وتمتلك إمكانيات زراعية ضخمة وموارد طبيعية كبيرة ازدادت أهميتها بعد اكتشاف موارد الطاقة الضخمة فيها إذاً :
- من يسيطر على الأراضي الهامشية يتحكم في أوراسيا .
- من يتحكم في أوراسيا يتحكم في مصير العالم .
- الصراع بين القرى الكبرى سيكون للسيطرة على الأراضي الهامشية .
- أصبحت أراء سبيكمان أساس السياسة الخارجية الأمريكية زمن الحرب الباردة لاحتواء المد الشيوعي في شرق أوروبا التي يسيطر عليها الاتحاد السوفياتي من خلال :
- ” انشاء الحلف الأطلسي الذي سيطر على الجزء الغربي من النطاق الهامشي .
- فك التحالف بين دول شرق أوروبا والاتحاد السوفيتي .
- ربط تحالفات في أسيا لمنع امتداد النفوذ السوفيتي .
مدارس الفكر الجفرافي :
- المدرسة الحتمية الجغرافية .
- المدرسة الاحتمالية أو الإمكانية أو البشرية .
- المدرسة الإقليمية .
1-المدرسة الحتمية الجغرافيا :
- فكرها : ترى أن الأرض هي التي تتحكم في الإنسان ونشاطه وسلوكه وأن البيئة لها تأثير كبير على الإنسان وأن هذا الإنسان عبداً للبيئة وأن البيئة الجغرافيا هي الجغرافيا الحقيقية .
- أنصار هذه المدرسة : همبولت – ديمولين – ريتر – مس الين سمبل – راتزل
يرى أنصار هذه المدرسة (البيئيون هم أنصار هذه المدرسة ) أن الجغرافيا هي دراسة تأثير الظروف الطبيعية على السكان والنشاط البشري .
2-المدرسة ( الاحتمالية أو الإمكانية أو البشرية ) :
- فكرها : تؤمن هذه المدرسة بأن الإنسان سيد ما حوله وأنه يملك إمكانيات التغيير في بيئته متى يشاء وبالقدر الذي يسمح له به مستواه الحضاري , والإنسان عامل جغرافي إيجابي يسهم في تعديل مظهر سطح الأرض.
- أنصارها ( فيدال دي لابلاش ) وهو من أهم مؤسسيها وعرف الجغرافيا بأنها دراسة العلاقة بين الإنسان والأرض , وقد عرف أنصار هذه المدرسة الجغرافية هي : دراسة الأرض باعتبارها سكن الإنسان .
3-المدرسة الإقليمية :
- فكرها : تهتم بدراسة التفاعل بين الظروف الطبيعية والبشرية .
- أنصارها : هم الجغرافيون الأمريكيون الذين لا يهتمون بدراسة البيئة لذاتها بل من حيث تأثير ظاهراتها في الإنسان ، ومن أهم علماءها وأنصارها ( ماكيندر – جيمس – جلبرت ) , تعريفهم للجغرافيا: هي دراسة الاختلافات الإقليمية من قبل إبراز شخصية الأقاليم .
الخلاصة : الجغرافيا السياسية هي التي تقوم بدراسة تأثير الجغرافيا على السياسة وبعبارة أخرى هي الأسلوب الذي تؤثر بها على المساحة والتضاريس والمناخ وعلى الدولة والناس حيث كانت الجغرافيا سبباً في وجود إسبرطة وأيضا بريطانية في القرن الثامن عشر ، وعلينا أن ندرك أن هناك أيضا تأثير للسياسة على الجغرافيا حيث أن هناك كثير من القرارات السياسية التي غيرت الوجه الجغرافي لمناطق كثيرة بالعالم ” شق قناة السويس مثال على ذلك .
كما أن الجغرافيا السياسية هي المعنية بدراسة الإنسان وعلاقته الداخلية والخارجية على مساحة الإقليم ، تعقيدات المشهد الدولي والتفاعلات الدولية وردود الأفعال الدولية وعليه توضيح أساليب الاستعمار الحديث .
ثالثاً – الجيوبوليتيك :
- أهمية الجيوبوليتيك
- لمحة موجزة عن نشوء الجيوبوليتيك
- النظريات الحديثة في الجيوبوليتيك
- وسائل الجيوبوليتيك
1-أهمية الجيوبوليتيك :
لاشك أن موقع الدولة لعب دور كبير في رسم معالم شخصية الكثير من الإمبراطوريات والحضارات القديمة حيث منحتها طبيعة التضاريس القوة والمنعة فوجود السواحل أعطاها ميزة التجارة والتواصل مع الحضارات الأخرى أما الجبال الوعرة والتضاريس فقد جعل منها حصينة منيعة على أعدائها مسببةً الهزيمة وكسب المعارك , ومن جانب آخر فقد لعبت الأراضي الزراعية والسهول المنبسطة ازدهاراً لتلك الدول كما أن التطور الذي ظهر من خلال قدرة تلك الدول على شق الطرقات ومد السكك الحديدية كل ذلك جاء لتعزيز العلاقات بين الدول .
2- لمحة موجزة عن نشوء الجيوبوليتيك :
يعتبر الجيوبوليتيك ذو مدلول فكري قديم وليس كما يتوقع الكثيرون ، حيث نشأ مع توجه المجتمعات البشرية باتجاه إقامة الدولة ، حيث بدأ الفلاسفة في ذلك الوقت بدراسة تأثيرات الجغرافيا على الشؤون السياسية ، حيث توصل المؤرخ اليوناني هيرودوت إلى أن سياسة الدولة تعتمد على جغرافيتها ، أما أرسطو الذي كتب عن علاقة السياسة بالجغرافيا في مؤلفه ” السياسة ” حيث أشار فيه إلى أهمية الموقع الجغرافي لليونان حيث تتمتع بموقعها المعتدل وهذا ما جعل من الإغريق يتجهون لسيادة العالم على شعوب تقع مناطقهم في الشمال البارد والجنوب الحار وهنا نخلص إلى أن هذا الإقليم المعتدل هو الذي أعطى الدولة قوتها .
ولقد طرأ تطور كبير على هذا العلم في بداية القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين على يد المفكر فريديريك راتزل في مؤلفه ” الجغرافيا السياسية ” عام 1897 حيث أعتبر الدولة كائن حي يستمد جميع خصائصه من جغرافيته .
وقد تناول فريديريك راتزل في كتابه ( قوانين تطور الدولة ) كيفية نمو الدولة :
– تزداد رقعة الدولة طرداً مع تزايد نموها الحضاري والثقافي وهو ما نجده اليوم في بحث الدول العظمى والكبرى عن مصالحها الحيوية .
– في حال استمرار تزايد النمو تصل الدولة إلى مرحلة الضم وهذا بالطبع لا يكون بشكل عفوي بل يجب على الضم ان يكون ذا قيمة عالية للدولة ولا يشكل عليها عبء.
-على الدولة أن تسعى بكل إمكانياتها للحفاظ على سلامة أراضيها وحدودها .
– امتصاص الأقاليم ذات القيمة العالية هو محفزها للبقاء والنمو المتزايد الذي يضاعف من حاجتها لذلك .
– دافع الدولة نحو التوسع يكون في غالبه خارجياً ، حيث تكون المنافسة بين الدول هو المحفز وهذا ما انعكس في الاحتلال الأوروبي لأجزاء واسعة من العالم .
– التوسع عملية تشبه العدوى تنتقل من دولة لأخرى حتى يشتد التنافس ويزداد فيما بين تلك الدول .
– ما يعكس نمو الدولة المتزايد هو الزيادة اللاحقة لعدد سكانها .
مما تقدم نجد أن كثير من المفكرين الذين بحثوا بهذا الاتجاه قد تقاطعت أراءهم حول أن الهدف النهائي لنمو الدولة هو تحقيق القوة .
ويعد رودلف كلين أول من استخدم مصطلح الجيوبوليتيك، وعرفها بأنها البيئة الطبيعية للدولة والسلوك السياسي , كما عرفها كارل هوسهوفر بأنها دراسة علاقات الأرض ذات المغزى السياسي, إذ أن مظاهر الأرض الطبيعية هي من يرسم إطار الجيوبولتيك الذي تتحرك فيه الأحداث السياسية .
وقد نما هذا العلم في ظروف عسكرية وارتبط بالحرب ارتباطاً وثيقاً , فالاستعدادات الحربية لمعارك الحرب العالميتين الأولى والثانية هو من أسس لميلاد هذا العلم وبقيام الحرب العالمية الثانية صعدت الجيوبولتيكا لتصبح في مصاف العلوم الرفيعة لأنها كانت هي من ترسم لتحقيق المصالح القومية للدول بطريقة ذاتية وتساعد السياسيين والقادة العسكريين في اتخاذ القرارات السياسية والاستراتيجية .
3- النظريات الحديثة في الجيوبوليتيك :
- الجيوبوليتيك الأنكلوساكسوني ( تطويق أسيا )
اقتداءً ببريطانية بدأت أمريكا بإنشاء قوة بحرية كبرى للسيطرة على البحار وذلك تمهيداً للسيطرة على ما يمكن من العالم ، هدفهم هو مواجهة الكتلة الأسيوية الهائلة التي يمكن ان تشكل روسيا عمودها الفقري وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بقيت المواجهة الامريكية السوفيتية تأخذ طابع الحرب الباردة بينهما إلى أن انهار الإتحاد السوفياتي وبقيت الساحة منفردةً للولايات المتحدة الأمريكية ، إلى أن ظهرت مرة أخرى قوة دولية ممثلةً ” بروسيا – الصين – الهند “وقد استمر الامريكيون في نشر قواعدهم العسكرية في العالم وخاصة حول أوراسيا للاستمرار في تطويق روسيا ثم الصين مع محاولة أمريكيا الإيقاع بينهما, كما استخدمت في التطويق الدول العربية في الشرق الأوسط , وقد تناولت هذه النظرية الجوانب التالية :
” القوة البحرية وضروراتها ” ألفريد ماهان أشار إلى ضرورة امتلاك أمريكا لأسطول حربي بالتعاون مع بريطانية حيث توفر لنفسها القوة الصناعية واسطولاً تجارياً حيث كان هاجس ” ماهان ” المنطقة الأسيوية خاصة روسيا , وعليها أن تبادر بإقامة نقاط ارتكاز في الخارج ( مستعمرات ، قواعد هدفها منع ألمانيا من الخروج من دورها القاري) كما تمت بلورة ما يسمى ” سياسة البحر ” بدل الجيوبوليتيك فمفتاح القوة لا يكمن في احتلال اليابسة ، وإنما في السيطرة على البحار فجميع تجارب التاريخ تثبت ذلك حيث كانت القوة البريطانية هي المسيطرة ومن شروط القوة البحرية ” الموقع – امتداد الشواطئ – خصوبة الأرض – الحكم – السكان – الوطنية “.
كما أن المشكلة الأسيوية كان لها حضورها وخاصة محاولة روسيا الوصول للمياه الدافئة وهو ما سيدفع بريطانية بقوتها البحرية لمنعها حيث تصبح روسيا أكثر عدوانية في هذا التوجه من خلال محاولتها فك عزلتها وهذا ما يفترض وجود تحالف يجمع كل من بريطانية –الولايات المتحدة الأمريكية –اليابان – ألمانيا .
- نظرية قلب العالم :
إن الانطلاق مما أورده ” جون ماكيندر ” صاحب هذه النظرية بالقول أن ” أوروبا والتاريخ الأوروبي يخضعان لآسيا وتاريخ آسيا ” يضاف لذلك بأنه رغم التقدم التكنولوجي الذي وصلت إليه أوروبا وهو ما أوصلها للسيطرة والهيمنة على بقع جغرافية على الأرض فإنه قد يواجه بالانحسار بسبب أن مد الخطوط الحديدية العابرة للقارات وهو ما يمكن القول به بأننا أمام تطور كبير وتاريخ جديد، كما يستند ماكيندر إلى أن بريطانية تمتلك القوة البحرية الهائلة التي تمكنها من بسط نفوذها وهي من ناحية أخرى لا تغفل عن ما يسمى ثورة الخطوط الحديدية كونها عامل يضاف لتوحيد القوى القارية ، كما تأثر ماكيند بـ ” اللعبة الكبرى ” بين روسيا القيصرية وبريطانية العظمى ، حيث نظر ماكيندر على أن جزيرة العالم التي تضم ثلاث قارات (آسيا- أوروبا – أفريقيا ) تحيط بهما كل من الأمريكيتين وأستراليا ثم يطرح ماكيند السؤال التالي : أين كانت أكثر المناطق حصانة على مدار التاريخ ؟ و يجيب بأنها المنطقة القارية الحصينة الممتدة عبر روسيا إلى حدود الصين وأوروبا الشرقية .
هذه المنطقة التي تمتلك حواجز طبيعية وتتمتع بمواصفات تمكنها من بناء امبراطورية عظمى لا تعتمد على السواحل وتستطيع التماسك مستغنية عن البحر وكل ما تحتاجه هو نظام نقل بري مما يجعلها قادرة على الحركة العسكرية والتجارية بكلفة أقل من القوى البحرية وحصينة من الناحية العسكرية .
بعد الحرب العالمية الأولى أعاد ماكيندر تقسيم العالم إلى ثلاث مجموعات غير متساوية :
- المحيط: وهو موحد لكن قُسِمَ بشكل مصطنع .
- القارة الكبرى : وتضم أوروبا آسيا وأفريقيا ويكون البحر المتوسط هو بحيرة كبرى لا تقسم القارة .
- الجزر التابعة : بريطانيا – الأمريكيتين – اليابان –أستراليا .
أما قلب العالم فكان قيام عالمين هما :
- الأول الشمالي : وهو يضم قلب العالم مضاف له هوامشه وهو الهدف للجيوبوليتيك العالمية.
- الثاني الجنوبي : ويتكون من أفريقيا جنوب والصحراء العصية على شعوب البحر .
أما نيكولاس سبايكمان : فقد درس تأثيرات الجغرافيا في السياسة الخارجية للدول ، وقد إنفرد عن ماكيندر بذهابه إلى أن مركز العالم ليس في أوراسيا بل المركز في ( الريملاند – الحافة ) واعتبره سبايكمان حقل معركة دائمة بين القوى العالمية للوصول إلى المياه الدافئة ويمكن إدراج الدول العربية المطلة على البحار وخاصة مناطق الشرق الأوسط التي تشكل فريسة تتنافس عليها كل القوى العظمى العالمية وهنا يقول سبايكمان ” إن من يسيطر على الريملاند يهيمن على أوراسيا ، ومن يهيمن على أوراسيا يسيطر على مصائر العالم ” .وهذا يؤشر على أن أي قوة يمكنها البروز في أوراسيا فإن نظام التحالف الأمريكي يتمركز منطقياً في الريملاند في أوروبا الغربية – الشرق الأوسط – جنوب أسيا .
-الجيوبوليتيك الأمريكية : لاشك بأن أراء زبيغنيو بريجنسكي قد شكلت منعطفاً في العقيدة الأمريكية والتي ترافقت معها فيما بعد بما يسمى بصراع الحضارات حيث أصبحت واضحة ومن ضمن الخطوط الرئيسية للجيوستراتيجية الامريكية حيث نشرها ” صماموئيل هنتنجتون ” عام 1993حيث أوضح فيها أن الصراع في العالم لن يكون بين الطبقات الاجتماعية أو الاقتصادية بل سيكون بين القوميات والأديان والحضارات وليس عسكريا إنما هو صراع قائم على الهوية القومية والدينية إضافة إلى الصراع داخل أصحاب الحضارة الواحدة .
كما أن للفوضى الخلاقة حيث دأبت الولايات المتحدة الأمريكية على عملية توظيف كثير من القضايا السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والثقافية من أجل الوصول للأهداف المحددة .
لقد تمحورت الاستراتيجية الأمريكية حول إظهار الدور الكبير للشركات العملاقة في مجالي الكمبيوتر والطيران حيث مكنت هذه القوات الأمريكية من احتلال العراق عام 2003 ، وقد دفعت الرغبة لديها بالوصول إلى النفط لرسم استراتيجيات خاصة بذلك ، لا لأن الولايات المتحدة تحتاجه ، بل لأنها تريد أن تتحكم باستخراجه وتوزيعه ، وبعدها تأمر بزيادة حجم الإنتاج أو خفضه ، وتمنع أو تسمح بتصديره إلى أي طرف تريد ( جيوبوليتيك النفط ).
المسرح الأوراسي الكبير : اعتبر ” زبيغنيو بريجنسكي ” أن الصراع العالمي ، بعد نهاية الحرب الباردة أخذ حيزا أكبر مما هو متوقع جغرافيا وهو يتموضع ما بين ( قلب العالم والحافة ) ، وبذلك تكون سياسة الولايات المتحدة منصبة حول المحافظة على هيمنتها ما أمكن ، ورغم امتلاكها للقوة بكل أنواعها فهي لم تمتلك إلى الآن السيطرة الكاملة على البحار والمحيطات ، ولكن لديها قوى تسمح لها بالتدخل في أي وقت كان ، ولذلك هي القوى العظمى حيث تفرض نفسها على العالم في أي وقت سواء كان ذلك وقت السلم أو الحرب ، كما انها تعتمد في كل حروبها على إيجاد الشركاء الطيّعين .
ورغم كل ذلك فإن الهيمنة الأمريكية تبقى سطحية وتحت رحمة عودة النزاعات والتي قد تحصل في أوراسيا لأسباب تتعلق بما يلي :
– احتمال ظهور المنافس من أجل السيطرة على كامل المسرح في أوراسيا .
– فرض قوة مضادة تتوصل لفرض هيمنتها على أوراسيا من محاور جغرافيا متعددة وليس فقط من قلب العالم .
– ظهور القوة من أوراسيا سيكون نقطة الانطلاق للهيمنة الشاملة .
ولكي تمنع الولايات المتحدة ذلك عليها أن تحافظ على الانقسامات داخل تلك المنطقة .
كيف تدور اللعبة على المسرح الكبير:
لاتزال الولايات المتحدة الأمريكية تحتفظ بدور اللاعب الرئيس والمهيمن على امتداد الساحة الجغرافية التي تمتد من البرتغال إلى الطرف الشرقي لروسيا وستبقى بهذا الشكل طالما بقيت مسيطرة من خلال تواجدها في قواعدها ، وإذا لم تنشئ قوة تقطع ذلك الامتداد أو الفضاء المركزي الأوسط وهذا الكيان فرض وجوده وسيطرته على الجنوب عندها سيضعف الدور الأمريكي في أوراسيا ، وهذا ما سينعكس على الشراكة الأمريكية الغربية والتي ستكون في نهايتها في المسرح الكبير الأوراسي .
” هنا علينا القراءة بشكل جيد وخاصة ما حدث بالأمس القريب من الانسحاب الأمريكي من أفغانستان والذي شكل استدارة استراتيجية جديدة في السياسة الأمريكية ” وهنا علينا أن نقرأ أيضاً أن :
– الهيمنة الأمريكية ضرورية لاستقرار العالم ، فمسؤولياتها لامثيل لها ، ولكنها لن تستمر للأبد ، وهذا ما يجعل البحث عن أسباب إطالة أمد هيمنتها إلى أقصى مدى ممكن .
– ستكون ألمانيا على المدى المتوسط حليفاً ناجحاً أكثر من فرنسا .
– عدم الدفع بروسيا على الفوضى ، أو إلى دكتاتورية تسيطر على إمكانيات كبيرة وهائلة .
– الانتباه لأوكرانيا وأذربيجان اللتين تسيطران على مداخل بحر قزوين والبحر الأسود والذي يجب منع روسيا من أن يكون لها فيه موضع قدم .
– أما مناطق مكامن الهيدروكاربون ، يجب أن تعمل الولايات المتحدة على تهدئة هذه المنطقة دون السماح لتركيا وايران ولغيرهما بالهيمنة عليها وهذا ينطبق على الشرق الأوسط .
– اليابان ليست لاعباً جيوبوليتيكياً حقيقياً كالهند والصين في المنطقة لذا فإن كوريا الجنوبية هي التي تشكل المحور الجيوبوليتيكي ووجود أمريكا فيها يشكل المظلة لحلفائها .
– منع اليابان من امتلاك قوة عسكرية خاصة تهز الاستقرار الإقليمي .
– بالنتيجة يجب أن تمارس أمريكا استراتيجية ” فرق تسد ” دون الوصول على إحداث صراعات جيوبوليتيكية قوية تضرب الاستقرار الضروري لازدهارها .
– بما أن القوة الأمريكية آيلة إلى التراجع على مرور السنين ، فالأولوية الجيوستراتيجية هي اذا بإدارة صعود القوى العالمية الجديدة بحيث لا تشكل خطراً على النفوذ الأمريكي .
ويؤكد بريجينسكي أن على الخارطة الجديدة الجيوبوليتيكية لاوراسيا على الأقل خمس فاعلين جيوستراتيجيين وخمس محاور جيوبوليتيكية : حيث تكون كل من فرنسا – ألمانيا – روسيا – الصين – الهند وهم فاعلون من الدرجة الأولى في حين أن كل من بريطانية – اليابان – إندونيسيا هي بلدان هامة لكنها لا تنتمي إلى هذه الفئة .وأوكرانيا – أذربيجان – كوريا – تركيا – ايران تشكل محاور جيوبوليتيكية مفصلية .
يضاف لذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية مهيمنة في أربع قطاعات هي : الاقتصاد – الميدان العسكري – التكنولوجيا – الثقافة . لدرجة أن لا أحد ينافسها ولتعزيز تلك الهيمنة لابد من دور للقوة العسكرية للسيطرة على مصادر الطاقة وعلى أساسه كانت عقيد ” كارتر لسنة 1980″ حيث عدَّ البترول لا مصدر للثروة فقط بل هو مصدر السلطة والقدرة ويجب منع وصول المنافسين الاحتماليين إليه ، والفاعلون الجيوستراتيجيون من الدرجة الأولى ” روسيا – الصين – الهند – الاتحاد الأوروبي ” هم المحتملون لذلك تدفع الولايات المتحدة بنفسها للتواجد في الخليج العربي .
ويرى بريجنسكي أن الصين وهي قلب العالم الجديد ستكون الأصعب في عملية الإعاقة ، بسبب كتلتها وإرادتها وخصوصيتها ، فبكين هي الأخرى في الاستراتيجية الأمريكية العدو الذي يبرر وجود أمريكا في أوراسيا .
من هنا أصبح الاهتمام بمواجهة الصين أولوية أمريكية وهي على إثر ذلك تعمل للتواجد في المحيط الهادي وفي بحر الصين حيث نجد أن الصين كجغرافيا ملاصقة لقلب العالم وهو ما يجمع بين النظريتين كي يستمر حصار روسيا يضاف لها حصار الصين . وعندها ستكون هناك قوتين نوويتين على الأبواب من جديد فالقوة الهندية لا يمكن الإستهانة بها والقوة الإيرانية التي باتت اليوم خارج حدودها الجغرافية وصولا إلى البحر المتوسط وإذا ما انتقلت استراتيجياً من الدفاع الاستراتيجي إلى الهجوم الاستراتيجي ، هذا سيؤدي لإرباك الجيوبوليتيك الغربي من جديد .
4- وسائل الجيوبوليتيك :
أفرطت كثير من القوى الاستعمارية من استخدامها للقوتها العسكرية في سبيل السيطرة على ما أطلق عليه المستعمرات ، ولم تنتهي أطماعها على الأن ، ولقد واجهت تلك القوى قوى أخرى مناهضة للاحتلال مما أجبرها على الانسحاب ، وتلك الدول تحاول بوسائل متعددة للسيطرة على مقدرات الشعوب ونهب خيراتها .
حركات التحرر من الاستعمار : حركات التحرر هي حركات ثورية مسلحة جاءت كردة فعل على الاحتلال وقد شهدت مناطق واسعة من العالم حركات تحرر وقد كانت ولادة هذه الحركات مع بداية ظهور حركات الاستعمار والاكتشاف فكانت سنة 1492 اكتشاف أمريكا حيث كانت اسبانيا هي القوة الرائدة ثم جاء الإنكليز بعد تدمير الاسطول الاسباني وقد أنشأ الإنكليز أول مستعمرة عام 1607 وبحلول عام 1733 تمكن المهاجرون الإنكليز من تأسيس ثلاث عشرة مستعمرة وهي التي ستكون الولايات المتحدة سنة 1787 .
واسست فرنسا مستعمراتها من شمال كندا حتى البرازيل وخاضت فرنسا وبريطانيا حروبا عديدة انتهت بسيطرة بريطانيا على كندا ومناطق أمريكا الشمالية .
وأخذ الأوروبيون يحتلون مناطق أفريقيا ويتقاسمونها وتم احتلال مصر والجزائر والمغرب وتونس إلى ساحل العاج واحتلت بريطانيا نيجيريا والسودان وجنوب افريقيا واحتلت إيطاليا الصومال واريتيريا وليبيا واحتلت بلجيكا الكونغو .
كما توجه الأوروبيون إلى أسيا والمحيط الهادئ فاحتل البرتغاليون هرمز وسوقطرة والبحرين وتركت فيما بعد للهولنديين والانكليز واسس الإنكليز شركة الهند الشرقية واحتلوا البنغال واحتلوا الأردن والعراق نهاية الحرب العالمية الأولى وبدأت بريطانيا استعمارا استيطانياً في استراليا .
بدأت حركات التحرر من الاستعمار بالثورة الامريكية ضد بريطانية وانتصرت عام 1773 وانتشرت إلى أمريكا اللاتينية التي تخلصت من الحكم الاسباني والبرتغالي , وامتدت العدوى إلى كل من أسيا وأفريقيا اللتين تخلصتا من الإنكليز والفرنسيين والإيطاليين والهولنديين وتم التحرر من الاستعمار بشكل شبه كامل مع سبعينات القرن الماضي , أما مستعمرات روسيا فشكلت معها سنة 1922 فيدرالية سميت ” اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية ولم تنفصل إلا سنة 1991 .
في ظل هذا الصراع كان كل معسكر يشجّع ضد المعسكر الأخر , وقد طرح لينين نظرية التحالف مع هذه الحركات وتأييدها في نضالها ضد الاستعمار إلا أن هذا لا يعني أن المستعمرات القديمة قد حصلت على حريتها الكاملة سياسيا واقتصاديا بل انقسمت سياسيا واقتصاديا حيث ربطت الدول الاستعمارية بها تلك الدول التي جلت عنها بحيث تستمر في التبعية .
الخلاصة :
مما تقدم نجد ان علم الجيوبوليتيك يختص بدراسة الدولة من النافذة السياسية وتدرس العلاقات الداخلية والخارجية بين الأرض وسكانها من وجهة نظر قومية وذاتية ، وتبحث السياسة العالمية من وجهة نظر قوية أيضاً , وبالتالي فهذا العلم يدرك جيداً حجم التفاعلات الدولية ويحدد علاقاتها انطلاقاً من هذه التفاعلات ويأخذ أيضاً بردود أفعال الدول والأنظمة المحلية ، كما يستند إلى ثقافة القوة , فالقوة هي التي تفرض إيقاعها ، إن الدخول بعلم الجيوبوليتيك لابد أم يمر بعلم الجغرافيا بكل تفاصيله وحيثياته ، إن هذا العلم هو المعني بخدمة الخطط السياسية والتي يتبناها صانعوا السياسة وصناع القرار في الدولة .
رابعاً – مقارنة ما بين الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيك :
بعد الإطلاع بشكل موجز على كل من الجغرافيا والجيوبوليتيك تظهر لدينا بعض الفروق التي لابد من ادراكها طالما نتحدث عن أهمية كليهما في عملية التخطيط وصياغة القرارات :
- الجيوبوليتيك ترسم خطة لما يجب أن تكون عليه الدولة ، بينما الجغرافيا السياسية تدرس كيان الدولة الجغرافي بعناصره المختلفة .
- الجيوبوليتيك تضع تصوراً لحالة الدولة في المستقبل ، بينما الجغرافيا السياسية ترسم صورة الحاضر في ضوء المستقبل.
- الجيوبوليتيك تتسم بالتطور والحركة ، بينما تميل الجغرافيا السياسية إلى الثبات .
- الجيوبوليتيك تحاول وضع الجغرافيا وحقائقها في خدمة الدولة ، بينما الجغرافيا السياسية ليست سوى صورة للدولة .
وتختلف الجيوبوليتيك عن الجيوستراتيجية الأولى هي علم سيادة الأرض , أما الثانية فتعني فن استخدام القوة العسكرية لكسب اهداف الحرب كما أصبحت أكثر شمولية لانها تعني الاستخدام الأمثل للمعطيات السياسية والاقتصادية والعسكرية ، وهنا علينا أن نعلم أن الجيوستراتيجية أكثر شمولا من الجيوبوليتيك .
خامساً – العوامل الطبيعية والبشرية المؤثرة في قوة الدولة:
بعد استعراض مفهومي الجغرافيا السياسية وعلم الجيوبوليتيك والذين شكلا أحد أهم المفاهيم المعاصرة لفهم طبيعة ما يجري حولنا من تطورات على مسرح العلاقات الدولية والتي أفرزت الكثير من القضايا المهمة على صعيد الدول ونحن اليوم نعيش في ظل صراعات دولية لها انعكاساتها على سياسات الدول الإقليمية والمحلية كما أن التجاذبات على ساحات الصراع قد ولدت الكثير من التعقيدات السياسية والتي بدورها انعكست على الدول التي لا تمتلك برامج تستطيع من خلالها مواجهة الكم الكبير من التطور التكنولوجي والذي ترافق مع تعقد المشهد السياسي العالمي وهو ما خلف كثيرأً من الاضطرابات على الساحة القطرية للدول وعليه فقد حتم علينا فهم كل ما يجري حولنا حتى نستطيع مواجهة التحديات ووضع برامج تكون أكثر مواكبة وبالتالي أن تكون لدى الدول موائمة لكل التغيرات الطارئة والمستجدة .
ترتكز الدولة في قوتها على عاملين هما :
عوامل طبيعية : الموقع- حجم ومساحة الدولة – الشكل – المظاهر الطبيعية – المناخ
لقد أدركنا حقائق الجغرافيا التي تشير إلى أهمية الموقع الجغرافي وهو بحد ذاته بات يشكل تحديا مصيريا للدولة .
كما أن حجم الدولة بات أيضا يشكل جزء هام من قوة الدولة والتي يجب أن يتناسب حجمها مع عدد سكانها حتى تستطيع مواكبة التطور وحماية حدودها البرية والبحرية والجوية .
ولاشك فإن لشكل الدولة الجغرافي دور كبير في جعلها قلعة حصينة فهناك الدول التي تأخذ شكل الشريط الساحلي / تشيلي / وهناك دول ذات مساحة صغيرة كل ذلك يلعب دورا في تحديد معاير قوتها .
ثالثاً – الجيوبوليتيك :
1- أهمية الجيوبوليتيك
2- لمحة موجزة عن نشوء الجيوبوليتيك
3- النظريات الحديثة في الجيوبوليتيك
4- وسائل الجيوبوليتيك
1-أهمية الجيوبوليتيك :
لاشك أن موقع الدولة لعب دور كبير في رسم معالم شخصية الكثير من الإمبراطوريات والحضارات القديمة حيث منحتها طبيعة التضاريس القوة والمنعة فوجود السواحل أعطاها ميزة التجارة والتواصل مع الحضارات الأخرى أما الجبال الوعرة والتضاريس فقد جعل منها حصينة منيعة على أعدائها مسببةً الهزيمة وكسب المعارك , ومن جانب آخر فقد لعبت الأراضي الزراعية والسهول المنبسطة ازدهاراً لتلك الدول كما أن التطور الذي ظهر من خلال قدرة تلك الدول على شق الطرقات ومد السكك الحديدية كل ذلك جاء لتعزيز العلاقات بين الدول .
2- لمحة موجزة عن نشوء الجيوبوليتيك :
يعتبر الجيوبوليتيك ذو مدلول فكري قديم وليس كما يتوقع الكثيرون ، حيث نشأ مع توجه المجتمعات البشرية باتجاه إقامة الدولة ، حيث بدأ الفلاسفة في ذلك الوقت بدراسة تأثيرات الجغرافيا على الشؤون السياسية ، حيث توصل المؤرخ اليوناني هيرودوت إلى أن سياسة الدولة تعتمد على جغرافيتها ، أما أرسطو الذي كتب عن علاقة السياسة بالجغرافيا في مؤلفه ” السياسة ” حيث أشار فيه إلى أهمية الموقع الجغرافي لليونان حيث تتمتع بموقعها المعتدل وهذا ما جعل من الإغريق يتجهون لسيادة العالم على شعوب تقع مناطقهم في الشمال البارد والجنوب الحار وهنا نخلص إلى أن هذا الإقليم المعتدل هو الذي أعطى الدولة قوتها .
ولقد طرأ تطور كبير على هذا العلم في بداية القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين على يد المفكر فريديريك راتزل في مؤلفه ” الجغرافيا السياسية ” عام 1897 حيث أعتبر الدولة كائن حي يستمد جميع خصائصه من جغرافيته .
وقد تناول فريديريك راتزل في كتابه ( قوانين تطور الدولة ) كيفية نمو الدولة :
– تزداد رقعة الدولة طرداً مع تزايد نموها الحضاري والثقافي وهو ما نجده اليوم في بحث الدول العظمى والكبرى عن مصالحها الحيوية .
– في حال استمرار تزايد النمو تصل الدولة إلى مرحلة الضم وهذا بالطبع لا يكون بشكل عفوي بل يجب على الضم ان يكون ذا قيمة عالية للدولة ولا يشكل عليها عبء.
-على الدولة أن تسعى بكل إمكانياتها للحفاظ على سلامة أراضيها وحدودها .
– امتصاص الأقاليم ذات القيمة العالية هو محفزها للبقاء والنمو المتزايد الذي يضاعف من حاجتها لذلك .
– دافع الدولة نحو التوسع يكون في غالبه خارجياً ، حيث تكون المنافسة بين الدول هو المحفز وهذا ما انعكس في الاحتلال الأوروبي لأجزاء واسعة من العالم .
– التوسع عملية تشبه العدوى تنتقل من دولة لأخرى حتى يشتد التنافس ويزداد فيما بين تلك الدول .
– ما يعكس نمو الدولة المتزايد هو الزيادة اللاحقة لعدد سكانها .
مما تقدم نجد أن كثير من المفكرين الذين بحثوا بهذا الاتجاه قد تقاطعت أراءهم حول أن الهدف النهائي لنمو الدولة هو تحقيق القوة .
ويعد رودلف كلين أول من استخدم مصطلح الجيوبوليتيك، وعرفها بأنها البيئة الطبيعية للدولة والسلوك السياسي , كما عرفها كارل هوسهوفر بأنها دراسة علاقات الأرض ذات المغزى السياسي, إذ أن مظاهر الأرض الطبيعية هي من يرسم إطار الجيوبولتيك الذي تتحرك فيه الأحداث السياسية .
وقد نما هذا العلم في ظروف عسكرية وارتبط بالحرب ارتباطاً وثيقاً , فالاستعدادات الحربية لمعارك الحرب العالميتين الأولى والثانية هو من أسس لميلاد هذا العلم وبقيام الحرب العالمية الثانية صعدت الجيوبولتيكا لتصبح في مصاف العلوم الرفيعة لأنها كانت هي من ترسم لتحقيق المصالح القومية للدول بطريقة ذاتية وتساعد السياسيين والقادة العسكريين في اتخاذ القرارات السياسية والاستراتيجية .
3- النظريات الحديثة في الجيوبوليتيك :
– الجيوبوليتيك الأنكلوساكسوني ( تطويق أسيا )
اقتداءً ببريطانية بدأت أمريكا بإنشاء قوة بحرية كبرى للسيطرة على البحار وذلك تمهيداً للسيطرة على ما يمكن من العالم ، هدفهم هو مواجهة الكتلة الأسيوية الهائلة التي يمكن ان تشكل روسيا عمودها الفقري وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بقيت المواجهة الامريكية السوفيتية تأخذ طابع الحرب الباردة بينهما إلى أن انهار الإتحاد السوفياتي وبقيت الساحة منفردةً للولايات المتحدة الأمريكية ، إلى أن ظهرت مرة أخرى قوة دولية ممثلةً ” بروسيا – الصين – الهند “وقد استمر الامريكيون في نشر قواعدهم العسكرية في العالم وخاصة حول أوراسيا للاستمرار في تطويق روسيا ثم الصين مع محاولة أمريكيا الإيقاع بينهما, كما استخدمت في التطويق الدول العربية في الشرق الأوسط , وقد تناولت هذه النظرية الجوانب التالية :
” القوة البحرية وضروراتها ” ألفريد ماهان أشار إلى ضرورة امتلاك أمريكا لأسطول حربي بالتعاون مع بريطانية حيث توفر لنفسها القوة الصناعية واسطولاً تجارياً حيث كان هاجس ” ماهان ” المنطقة الأسيوية خاصة روسيا , وعليها أن تبادر بإقامة نقاط ارتكاز في الخارج ( مستعمرات ، قواعد هدفها منع ألمانيا من الخروج من دورها القاري) كما تمت بلورة ما يسمى ” سياسة البحر ” بدل الجيوبوليتيك فمفتاح القوة لا يكمن في احتلال اليابسة ، وإنما في السيطرة على البحار فجميع تجارب التاريخ تثبت ذلك حيث كانت القوة البريطانية هي المسيطرة ومن شروط القوة البحرية ” الموقع – امتداد الشواطئ – خصوبة الأرض – الحكم – السكان – الوطنية “.
كما أن المشكلة الأسيوية كان لها حضورها وخاصة محاولة روسيا الوصول للمياه الدافئة وهو ما سيدفع بريطانية بقوتها البحرية لمنعها حيث تصبح روسيا أكثر عدوانية في هذا التوجه من خلال محاولتها فك عزلتها وهذا ما يفترض وجود تحالف يجمع كل من بريطانية –الولايات المتحدة الأمريكية –اليابان – ألمانيا .
– نظرية قلب العالم :
إن الانطلاق مما أورده ” جون ماكيندر ” صاحب هذه النظرية بالقول أن ” أوروبا والتاريخ الأوروبي يخضعان لآسيا وتاريخ آسيا ” يضاف لذلك بأنه رغم التقدم التكنولوجي الذي وصلت إليه أوروبا وهو ما أوصلها للسيطرة والهيمنة على بقع جغرافية على الأرض فإنه قد يواجه بالانحسار بسبب أن مد الخطوط الحديدية العابرة للقارات وهو ما يمكن القول به بأننا أمام تطور كبير وتاريخ جديد، كما يستند ماكيندر إلى أن بريطانية تمتلك القوة البحرية الهائلة التي تمكنها من بسط نفوذها وهي من ناحية أخرى لا تغفل عن ما يسمى ثورة الخطوط الحديدية كونها عامل يضاف لتوحيد القوى القارية ، كما تأثر ماكيند بـ ” اللعبة الكبرى ” بين روسيا القيصرية وبريطانية العظمى ، حيث نظر ماكيندر على أن جزيرة العالم التي تضم ثلاث قارات (آسيا- أوروبا – أفريقيا ) تحيط بهما كل من الأمريكيتين وأستراليا ثم يطرح ماكيند السؤال التالي : أين كانت أكثر المناطق حصانة على مدار التاريخ ؟ و يجيب بأنها المنطقة القارية الحصينة الممتدة عبر روسيا إلى حدود الصين وأوروبا الشرقية .
هذه المنطقة التي تمتلك حواجز طبيعية وتتمتع بمواصفات تمكنها من بناء امبراطورية عظمى لا تعتمد على السواحل وتستطيع التماسك مستغنية عن البحر وكل ما تحتاجه هو نظام نقل بري مما يجعلها قادرة على الحركة العسكرية والتجارية بكلفة أقل من القوى البحرية وحصينة من الناحية العسكرية .
بعد الحرب العالمية الأولى أعاد ماكيندر تقسيم العالم إلى ثلاث مجموعات غير متساوية :
– المحيط: وهو موحد لكن قُسِمَ بشكل مصطنع .
– القارة الكبرى : وتضم أوروبا آسيا وأفريقيا ويكون البحر المتوسط هو بحيرة كبرى لا تقسم القارة .
– الجزر التابعة : بريطانيا – الأمريكيتين – اليابان –أستراليا .
أما قلب العالم فكان قيام عالمين هما :
– الأول الشمالي : وهو يضم قلب العالم مضاف له هوامشه وهو الهدف للجيوبوليتيك العالمية.
– الثاني الجنوبي : ويتكون من أفريقيا جنوب والصحراء العصية على شعوب البحر .
أما نيكولاس سبايكمان : فقد درس تأثيرات الجغرافيا في السياسة الخارجية للدول ، وقد إنفرد عن ماكيندر بذهابه إلى أن مركز العالم ليس في أوراسيا بل المركز في ( الريملاند – الحافة ) واعتبره سبايكمان حقل معركة دائمة بين القوى العالمية للوصول إلى المياه الدافئة ويمكن إدراج الدول العربية المطلة على البحار وخاصة مناطق الشرق الأوسط التي تشكل فريسة تتنافس عليها كل القوى العظمى العالمية وهنا يقول سبايكمان ” إن من يسيطر على الريملاند يهيمن على أوراسيا ، ومن يهيمن على أوراسيا يسيطر على مصائر العالم ” .وهذا يؤشر على أن أي قوة يمكنها البروز في أوراسيا فإن نظام التحالف الأمريكي يتمركز منطقياً في الريملاند في أوروبا الغربية – الشرق الأوسط – جنوب أسيا .
-الجيوبوليتيك الأمريكية :
لاشك بأن أراء زبيغنيو بريجنسكي قد شكلت منعطفاً في العقيدة الأمريكية والتي ترافقت معها فيما بعد بما يسمى بصراع الحضارات حيث أصبحت واضحة ومن ضمن الخطوط الرئيسية للجيوستراتيجية الامريكية حيث نشرها ” صماموئيل هنتنجتون ” عام 1993حيث أوضح فيها أن الصراع في العالم لن يكون بين الطبقات الاجتماعية أو الاقتصادية بل سيكون بين القوميات والأديان والحضارات وليس عسكريا إنما هو صراع قائم على الهوية القومية والدينية إضافة إلى الصراع داخل أصحاب الحضارة الواحدة .
كما أن للفوضى الخلاقة حيث دأبت الولايات المتحدة الأمريكية على عملية توظيف كثير من القضايا السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والثقافية من أجل الوصول للأهداف المحددة .
لقد تمحورت الاستراتيجية الأمريكية حول إظهار الدور الكبير للشركات العملاقة في مجالي الكمبيوتر والطيران حيث مكنت هذه القوات الأمريكية من احتلال العراق عام 2003 ، وقد دفعت الرغبة لديها بالوصول إلى النفط لرسم استراتيجيات خاصة بذلك ، لا لأن الولايات المتحدة تحتاجه ، بل لأنها تريد أن تتحكم باستخراجه وتوزيعه ، وبعدها تأمر بزيادة حجم الإنتاج أو خفضه ، وتمنع أو تسمح بتصديره إلى أي طرف تريد ( جيوبوليتيك النفط ).
المسرح الأوراسي الكبير : اعتبر ” زبيغنيو بريجنسكي ” أن الصراع العالمي ، بعد نهاية الحرب الباردة أخذ حيزا أكبر مما هو متوقع جغرافيا وهو يتموضع ما بين ( قلب العالم والحافة ) ، وبذلك تكون سياسة الولايات المتحدة منصبة حول المحافظة على هيمنتها ما أمكن ، ورغم امتلاكها للقوة بكل أنواعها فهي لم تمتلك إلى الآن السيطرة الكاملة على البحار والمحيطات ، ولكن لديها قوى تسمح لها بالتدخل في أي وقت كان ، ولذلك هي القوى العظمى حيث تفرض نفسها على العالم في أي وقت سواء كان ذلك وقت السلم أو الحرب ، كما انها تعتمد في كل حروبها على إيجاد الشركاء الطيّعين .
ورغم كل ذلك فإن الهيمنة الأمريكية تبقى سطحية وتحت رحمة عودة النزاعات والتي قد تحصل في أوراسيا لأسباب تتعلق بما يلي :
– احتمال ظهور المنافس من أجل السيطرة على كامل المسرح في أوراسيا .
– فرض قوة مضادة تتوصل لفرض هيمنتها على أوراسيا من محاور جغرافيا متعددة وليس فقط من قلب العالم .
– ظهور القوة من أوراسيا سيكون نقطة الانطلاق للهيمنة الشاملة .
ولكي تمنع الولايات المتحدة ذلك عليها أن تحافظ على الانقسامات داخل تلك المنطقة .
كيف تدور اللعبة على المسرح الكبير:
لاتزال الولايات المتحدة الأمريكية تحتفظ بدور اللاعب الرئيس والمهيمن على امتداد الساحة الجغرافية التي تمتد من البرتغال إلى الطرف الشرقي لروسيا وستبقى بهذا الشكل طالما بقيت مسيطرة من خلال تواجدها في قواعدها ، وإذا لم تنشئ قوة تقطع ذلك الامتداد أو الفضاء المركزي الأوسط وهذا الكيان فرض وجوده وسيطرته على الجنوب عندها سيضعف الدور الأمريكي في أوراسيا ، وهذا ما سينعكس على الشراكة الأمريكية الغربية والتي ستكون في نهايتها في المسرح الكبير الأوراسي .
” هنا علينا القراءة بشكل جيد وخاصة ما حدث بالأمس القريب من الانسحاب الأمريكي من أفغانستان والذي شكل استدارة استراتيجية جديدة في السياسة الأمريكية ” وهنا علينا أن نقرأ أيضاً أن :
– الهيمنة الأمريكية ضرورية لاستقرار العالم ، فمسؤولياتها لامثيل لها ، ولكنها لن تستمر للأبد ، وهذا ما يجعل البحث عن أسباب إطالة أمد هيمنتها إلى أقصى مدى ممكن .
– ستكون ألمانيا على المدى المتوسط حليفاً ناجحاً أكثر من فرنسا .
– عدم الدفع بروسيا على الفوضى ، أو إلى دكتاتورية تسيطر على إمكانيات كبيرة وهائلة .
– الانتباه لأوكرانيا وأذربيجان اللتين تسيطران على مداخل بحر قزوين والبحر الأسود والذي يجب منع روسيا من أن يكون لها فيه موضع قدم .
– أما مناطق مكامن الهيدروكاربون ، يجب أن تعمل الولايات المتحدة على تهدئة هذه المنطقة دون السماح لتركيا وايران ولغيرهما بالهيمنة عليها وهذا ينطبق على الشرق الأوسط .
– اليابان ليست لاعباً جيوبوليتيكياً حقيقياً كالهند والصين في المنطقة لذا فإن كوريا الجنوبية هي التي تشكل المحور الجيوبوليتيكي ووجود أمريكا فيها يشكل المظلة لحلفائها .
– منع اليابان من امتلاك قوة عسكرية خاصة تهز الاستقرار الإقليمي .
– بالنتيجة يجب أن تمارس أمريكا استراتيجية ” فرق تسد ” دون الوصول على إحداث صراعات جيوبوليتيكية قوية تضرب الاستقرار الضروري لازدهارها .
– بما أن القوة الأمريكية آيلة إلى التراجع على مرور السنين ، فالأولوية الجيوستراتيجية هي اذا بإدارة صعود القوى العالمية الجديدة بحيث لا تشكل خطراً على النفوذ الأمريكي .
ويؤكد بريجينسكي أن على الخارطة الجديدة الجيوبوليتيكية لاوراسيا على الأقل خمس فاعلين جيوستراتيجيين وخمس محاور جيوبوليتيكية : حيث تكون كل من فرنسا – ألمانيا – روسيا – الصين – الهند وهم فاعلون من الدرجة الأولى في حين أن كل من بريطانية – اليابان – إندونيسيا هي بلدان هامة لكنها لا تنتمي إلى هذه الفئة .وأوكرانيا – أذربيجان – كوريا – تركيا – ايران تشكل محاور جيوبوليتيكية مفصلية .
يضاف لذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية مهيمنة في أربع قطاعات هي : الاقتصاد – الميدان العسكري – التكنولوجيا – الثقافة . لدرجة أن لا أحد ينافسها ولتعزيز تلك الهيمنة لابد من دور للقوة العسكرية للسيطرة على مصادر الطاقة وعلى أساسه كانت عقيد ” كارتر لسنة 1980″ حيث عدَّ البترول لا مصدر للثروة فقط بل هو مصدر السلطة والقدرة ويجب منع وصول المنافسين الاحتماليين إليه ، والفاعلون الجيوستراتيجيون من الدرجة الأولى ” روسيا – الصين – الهند – الاتحاد الأوروبي ” هم المحتملون لذلك تدفع الولايات المتحدة بنفسها للتواجد في الخليج العربي .
ويرى بريجنسكي أن الصين وهي قلب العالم الجديد ستكون الأصعب في عملية الإعاقة ، بسبب كتلتها وإرادتها وخصوصيتها ، فبكين هي الأخرى في الاستراتيجية الأمريكية العدو الذي يبرر وجود أمريكا في أوراسيا .
من هنا أصبح الاهتمام بمواجهة الصين أولوية أمريكية وهي على إثر ذلك تعمل للتواجد في المحيط الهادي وفي بحر الصين حيث نجد أن الصين كجغرافيا ملاصقة لقلب العالم وهو ما يجمع بين النظريتين كي يستمر حصار روسيا يضاف لها حصار الصين . وعندها ستكون هناك قوتين نوويتين على الأبواب من جديد فالقوة الهندية لا يمكن الإستهانة بها والقوة الإيرانية التي باتت اليوم خارج حدودها الجغرافية وصولا إلى البحر المتوسط وإذا ما انتقلت استراتيجياً من الدفاع الاستراتيجي إلى الهجوم الاستراتيجي ، هذا سيؤدي لإرباك الجيوبوليتيك الغربي من جديد .
4- وسائل الجيوبوليتيك :
أفرطت كثير من القوى الاستعمارية من استخدامها للقوتها العسكرية في سبيل السيطرة على ما أطلق عليه المستعمرات ، ولم تنتهي أطماعها على الأن ، ولقد واجهت تلك القوى قوى أخرى مناهضة للاحتلال مما أجبرها على الانسحاب ، وتلك الدول تحاول بوسائل متعددة للسيطرة على مقدرات الشعوب ونهب خيراتها .
حركات التحرر من الاستعمار :
حركات التحرر هي حركات ثورية مسلحة جاءت كردة فعل على الاحتلال وقد شهدت مناطق واسعة من العالم حركات تحرر وقد كانت ولادة هذه الحركات مع بداية ظهور حركات الاستعمار والاكتشاف فكانت سنة 1492 اكتشاف أمريكا حيث كانت اسبانيا هي القوة الرائدة ثم جاء الإنكليز بعد تدمير الاسطول الاسباني وقد أنشأ الإنكليز أول مستعمرة عام 1607 وبحلول عام 1733 تمكن المهاجرون الإنكليز من تأسيس ثلاث عشرة مستعمرة وهي التي ستكون الولايات المتحدة سنة 1787 .
واسست فرنسا مستعمراتها من شمال كندا حتى البرازيل وخاضت فرنسا وبريطانيا حروبا عديدة انتهت بسيطرة بريطانيا على كندا ومناطق أمريكا الشمالية .
وأخذ الأوروبيون يحتلون مناطق أفريقيا ويتقاسمونها وتم احتلال مصر والجزائر والمغرب وتونس إلى ساحل العاج واحتلت بريطانيا نيجيريا والسودان وجنوب افريقيا واحتلت إيطاليا الصومال واريتيريا وليبيا واحتلت بلجيكا الكونغو .
كما توجه الأوروبيون إلى أسيا والمحيط الهادئ فاحتل البرتغاليون هرمز وسوقطرة والبحرين وتركت فيما بعد للهولنديين والانكليز واسس الإنكليز شركة الهند الشرقية واحتلوا البنغال واحتلوا الأردن والعراق نهاية الحرب العالمية الأولى وبدأت بريطانيا استعمارا استيطانياً في استراليا .
بدأت حركات التحرر من الاستعمار بالثورة الامريكية ضد بريطانية وانتصرت عام 1773 وانتشرت إلى أمريكا اللاتينية التي تخلصت من الحكم الاسباني والبرتغالي , وامتدت العدوى إلى كل من أسيا وأفريقيا اللتين تخلصتا من الإنكليز والفرنسيين والإيطاليين والهولنديين وتم التحرر من الاستعمار بشكل شبه كامل مع سبعينات القرن الماضي .
أما مستعمرات روسيا فشكلت معها سنة 1922 فيدرالية سميت ” اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية ولم تنفصل إلا سنة 1991 .
في ظل هذا الصراع كان كل معسكر يشجّع ضد المعسكر الأخر , وقد طرح لينين نظرية التحالف مع هذه الحركات وتأييدها في نضالها ضد الاستعمار إلا أن هذا لا يعني أن المستعمرات القديمة قد حصلت على حريتها الكاملة سياسيا واقتصاديا بل انقسمت سياسيا واقتصاديا حيث ربطت الدول الاستعمارية بها تلك الدول التي جلت عنها بحيث تستمر في التبعية .
الخلاصة :
مما تقدم نجد ان علم الجيوبوليتيك يختص بدراسة الدولة من النافذة السياسية وتدرس العلاقات الداخلية والخارجية بين الأرض وسكانها من وجهة نظر قومية وذاتية ، وتبحث السياسة العالمية من وجهة نظر قوية أيضاً , وبالتالي فهذا العلم يدرك جيداً حجم التفاعلات الدولية ويحدد علاقاتها انطلاقاً من هذه التفاعلات ويأخذ أيضاً بردود أفعال الدول والأنظمة المحلية ، كما يستند إلى ثقافة القوة , فالقوة هي التي تفرض إيقاعها ، إن الدخول بعلم الجيوبوليتيك لابد أم يمر بعلم الجغرافيا بكل تفاصيله وحيثياته ، إن هذا العلم هو المعني بخدمة الخطط السياسية والتي يتبناها صانعوا السياسة وصناع القرار في الدولة .
رابعاً – مقارنة ما بين الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيك :
بعد الإطلاع بشكل موجز على كل من الجغرافيا والجيوبوليتيك تظهر لدينا بعض الفروق التي لابد من ادراكها طالما نتحدث عن أهمية كليهما في عملية التخطيط وصياغة القرارات :
1- الجيوبوليتيك ترسم خطة لما يجب أن تكون عليه الدولة ، بينما الجغرافيا السياسية تدرس كيان الدولة الجغرافي بعناصره المختلفة .
2- الجيوبوليتيك تضع تصوراً لحالة الدولة في المستقبل ، بينما الجغرافيا السياسية ترسم صورة الحاضر في ضوء المستقبل.
3- الجيوبوليتيك تتسم بالتطور والحركة ، بينما تميل الجغرافيا السياسية إلى الثبات .
4- الجيوبوليتيك تحاول وضع الجغرافيا وحقائقها في خدمة الدولة ، بينما الجغرافيا السياسية ليست سوى صورة للدولة .
وتختلف الجيوبوليتيك عن الجيوستراتيجية الأولى هي علم سيادة الأرض , أما الثانية فتعني فن استخدام القوة العسكرية لكسب اهداف الحرب كما أصبحت أكثر شمولية لانها تعني الاستخدام الأمثل للمعطيات السياسية والاقتصادية والعسكرية ، وهنا علينا أن نعلم أن الجيوستراتيجية أكثر شمولا من الجيوبوليتيك .
خامساً – العوامل الطبيعية والبشرية المؤثرة في قوة الدولة:
بعد استعراض مفهومي الجغرافيا السياسية وعلم الجيوبوليتيك والذين شكلا أحد أهم المفاهيم المعاصرة لفهم طبيعة ما يجري حولنا من تطورات على مسرح العلاقات الدولية والتي أفرزت الكثير من القضايا المهمة على صعيد الدول ونحن اليوم نعيش في ظل صراعات دولية لها انعكاساتها على سياسات الدول الإقليمية والمحلية كما أن التجاذبات على ساحات الصراع قد ولدت الكثير من التعقيدات السياسية والتي بدورها انعكست على الدول التي لا تمتلك برامج تستطيع من خلالها مواجهة الكم الكبير من التطور التكنولوجي والذي ترافق مع تعقد المشهد السياسي العالمي وهو ما خلف كثيرأً من الاضطرابات على الساحة القطرية للدول وعليه فقد حتم علينا فهم كل ما يجري حولنا حتى نستطيع مواجهة التحديات ووضع برامج تكون أكثر مواكبة وبالتالي أن تكون لدى الدول موائمة لكل التغيرات الطارئة والمستجدة .
ترتكز الدولة في قوتها على عاملين هما :
عوامل طبيعية : الموقع- حجم ومساحة الدولة – الشكل – المظاهر الطبيعية – المناخ.
لقد أدركنا حقائق الجغرافيا التي تشير إلى أهمية الموقع الجغرافي وهو بحد ذاته بات يشكل تحديا مصيريا للدولة .
كما أن حجم الدولة بات أيضا يشكل جزء هام من قوة الدولة والتي يجب أن يتناسب حجمها مع عدد سكانها حتى تستطيع مواكبة التطور وحماية حدودها البرية والبحرية والجوية .
ولاشك فإن لشكل الدولة الجغرافي دور كبير في جعلها قلعة حصينة فهناك الدول التي تأخذ شكل الشريط الساحلي / تشيلي / وهناك دول ذات مساحة صغيرة كل ذلك يلعب دورا في تحديد معاير قوتها .
كما أن هناك الكثير من العوامل التي تلعب دورا كبير في تأمين صلابة ومتانة الدولة ولاشك أن التضاريس هي أحد أهم الموانع الطبيعية والتي تشكل عائقا أمام أي قوة معتدية , وكذلك يلعب المناخ دوراً في تعزيز الإمكانيات الاقتصادية للدولة الاقتصادية والتجارية .
عوامل بشرية : أنواع الكيانات البشرية –حجم وتوزيع السكان – تركيب السكان – الأقليات انماطهم ومشاكلها –الهجرة – الموارد والأنشطة الاقتصادية .
يعد الجانب البشري من أهم العوامل التي تؤثر في مجمل العوامل الأخرى للدولة وبالتالي فإن دراسة البنيان البشري يجب أن يأخذ بعين الاعتبار مسائل تتعلق بمدى تلاحم بنيان المجتمع ومدى تجانسه .
أما حجم وتوزيع السكان الذي يعتبر مقياساً لقوة الدولة حيث ساهم العدد الكبير لسكان الدول في توسعها وبناء دولتها وهنا يجب أن ندرك أن عدد السكان يجب أن يتناسب مع الموارد الرئيسية للدولة وهو بحد ذاته مشكلة كبيرة كما يؤخذ أيضا المستوى العلمي والتكنولوجي دوره في تحقيق النمو والازدهار كما أن التوزع السكاني في أرجاء الإقليم يمنح الدولة القوة والتماسك .
أما التركيب السكاني فينعكس على تماسك الدولة وهو ما يجب العمل عليه وهنا لابد من دراسة الجنس والسلالة يضاف له التركيب القومي الذين يلعبان دوراً هاماً في استقرار الدولة
وعند الحديث عن الأقليات فهم يدخلون ضمن التركيب الهيكلي للكيان البشري في الوحدة السياسية وبالتالي فإن الإنسجام أو التناسق مع الأغلبية هو مقياس مدى قوة الدولة او ضعفها والذي قد يدفع في أحيان كثيرة على الانقسام والانفصال .
الهجرة لاشك أن الهجرة لها تأثيراتها على الدولة حيث يمكن أن نقول أن هناك تشجيع للهجرة وهي مؤقتة من أجل تحسين أوضاع سكانها وتنمية مواردها وعادة ما تكون هذه الهجرة قاصرة على فئات محددة وتكون الدول المستضيفة بحاجة شديدة لهؤلاء , وقد تكون الهجرة إجبارية كتلك التي تنشأ نتيجة لحالات الحروب في الدولة مما يدفع بالكثيرين للخروج على شكل موجات من اللاجئين وهناك أمثلة كثيرة على هذا الواقع ( الحالة السورية الراهنة ) ، وتتجسد مشكلة اللاجئين إذا ما استمرت مشكلتهم لفترة زمنية طويلة حيث تنعكس سلباً على حياة الناشئين من اللاجئين .
أما الموارد والأنشطة الاقتصادية فإنها تؤثر في استقرار وتماسك الدولة كما أنها تمثل أحد الوظائف الأساسية التي تقوم بها الدولة كما يمكن اعتبار النشاط الاقتصادي الفعلي هو احد مقومات تقدم الدولة وكلما زادت نسبة الأنشطة الصناعية والزراعية والتعدينية والتجارية والخدمات في الدولة كلما دل ذلك على أن البنية الاقتصادية لهذه الدولة متينة وقوية .
سادساً- التحديات الأمنية المفروضة على الإقليم وطرق مواجهتها
يجب أن يتمحور العمل الأمني في هذا الشأن حول محورين اثنين هما العمل داخل كيان الإقليم والمحور الثاني يجب أن يكون إقليمياً :
المحور الأول – داخل الإقليم : انطلاقاً من التعريف القائم على أن الأمن هو ” التحرر من التهديد ” فإنه يحتم على الدولة بما تمتلكه من وسائل متاحة المحافظة على سلامة إقليمها وحمايته من كافة التهديدات التي تراها خطراً يداهمها على المدى المنظور كما عليها البحث في استراتيجيتها في كيفية التعاطي مع كل أشكال التهديد، وبالتالي يجب البحث في كيفية الحفاظ على كيانها المستقل, يضاف لذلك تماسكها الوظيفي ضد قوى التغيير التي تعتبرها معادية لها .
وإن الإمساك بالخارطة العامة يجعلها أكثر قراءة لما يجري حولها فطالما أن الفوضى الدولية والتي هي أحد أسباب نشوء الأزمات ومنها الأمنية يجعلها أكثر حذراً في مجرى التفاعلات الدولية وردود أفعاله وبالتالي لابد من فهم الخط الدولي لاعتماد الأمن المناسب لكيان الدولة وبالتالي لابد لها من النظر بكل القطاعات الأخرى والتي تشكل مجتمعة حزاما متيناً للدولة من التهديد والانهيار .
فالدولة بحاجة إلى النظر وبعمق في تلك القطاعات من خلال تحليلها بشكل يسمح لكل قطاع بأن يعطي الإضاءة الخاصة به حول الأمن الوطني حيث أن لكل قطاع طبيعته الخاصة وبالتالي له أدوات وأساليب عمل قد تختلف عن القطاعات الأخرى .
إن الانطلاق من قطاعات الأمن الإنساني ( القطاع السياسي – القطاع الاقتصادي – القطاع العسكري – القطاع البيئي – القطاع المجتمعي ) كل ذلك يشكل لبنة أساسية في استمرار البقاء, والتحرر من التهديد هي أحد أهم مكامن القوة التي يجب مراعاتها والعمل عليها .
1-القطاع السياسي : ويتمثل بالدفاع ضد كل اشكال القمع السياسي ، وهو ما يؤمن الحياة الكريمة للجميع ويمنحهم حقوقهم الإنسانية الأساسية كاملة غير منقوصة ، يضاف لذلك قدرة الدولة على التكيف مع الضغوطات الهادفة إلى إجبارها على تغيير مواقفها , كما يجب أن تمتلك الدولة الحرية من الضغوطات السياسية الناتجة كما أسلفنا عن التفاعلات الدولية
2-القطاع الاقتصادي : وهو ما يؤمن الفرص الحقيقية للجميع بما يؤمن لهم مستوى معيشي لائق ، وقدرة الدولة على بلوغ مواردها المختلفة ، وتوفر السوق لضمان مستوى معيشي مقبول .
3-القطاع العسكري : إن حماية حدود الدولة والدفاع عنها و حماية المواطنين وسلامتهم والحفاظ على مؤسسات الدولة هو الهدف الرئيسي ، وأن تمتلك القدرة على الدفاع عن نفسها أو ردع أي عدوان وأن تمتلك خيارات سياسية باستخدام القوة العسكرية .
4-القطاع البيئي : إن المشاكل البيئية المتمثلة بالتهديدات الطبيعية كالكوارث وغيرها يضاف لها استنزاف الثروات الطبيعية كلها تحديات تؤثر على استمرار الحياة والبقاء .
5-القطاع المجتمعي : وهو الذي يضمن أمن الهوية الثقافية للمجتمع وبالتالي يجب المحافظة على استقرار المجتمع من خلال المحافظة على هويته وثقافته والعادات لأنها تمثل الوجدان لهذا المجتمع .
المحور الثاني- إقليمياً : إن العلاقة القائمة ما بين الدول المتجاورة هي علاقة تبادلية فلا أمن ولا استقرار داخل إقليم الدولة الواحدة طالما هناك عدم استقرار على حدود دولتها ، وبالتالي لابد من تكافل جميع الدول الإقليمية والتي تجمعها المصالح المشتركة وقد تنشأ فيما بينها تحالفات إقليمية متعددة في المجالات ( الاقتصادية والعسكرية ) كوسيلة لضمان أمنهم مجتمعين وعليه لا يمكن أن يتحقق الأمن طالما هناك من هو خارج هذا النظام الإقليمي الأمني وهو ما يقودنا إلى أن الأوضاع الأمنية الوطنية بين الدول المتجاورة لا يمكن أن تبحث بمعزل عن بعضها البعض وعليه يجب أن يكون :
1-التعاون الإقليمي بين الدول من خلال مجموعة من الاتفاقيات بغية تأمين امنهم المشترك .
2-التكامل الاقتصادي الإقليمي من أجل تعزيز التجارة والنمو الاقتصادي بما ينعكس عليهما إيجاباً .
وعليه يمكننا التأسيس على عدة أمور تشكل قواعد للتعاون المشترك وهي :
-التهديدات تشمل كليهما بسبب التلاصق الجغرافي وبالتالي انتقال الفوضى وعدم الاستقرار سيجد إلى تلك الدول سبيلاً.
-إن العلاقات التاريخية بين الدول الجارة هو ما يجب التأسيس عليه والنظر إليه بكل فاعلية .
-التعاون المثمر يؤسس لتحقيق الأمن الإقليمي وبالتالي يكون جزء من الأمن الدولي .
مما تقدم نجد إن مسؤولية الأمن مسؤولية جماعية وعلى الجميع النظر إلى ذلك من باب تحقيق التنمية المستدامة والنهوض بالدول نحو عالم أكثر استقراراً.
الخاتمة والاستنتاجات :
إن تحقيق أمن الإقليم يجب أن يرافقه الفهم الدقيق لما يجري على مسرح السياسة العالمية وبالتالي فإن النظر إلى جغرافية الدولة وموقعها يلعب دوراً مهماً في تحديد أولوياتها بالتعامل مع كامل قضايا المنطقة .
وحتى تستطيع الدولة حماية إقليمها لابد لها من بناء أمنها المستند إلى تحقيق أمنها الإنساني بكل أبعاده لكي تكون قادرة على مجابهة التحديات المفروضة عليها , وعلى الدول النظر بشكل أعمق لمستقبلها المنظور وسط كل هذه التجاذبات الدولية وأن تحدد الأدوات والوسائل التي تؤهلها للعب دور كبير مؤثر بدل أن تكون متأثرة بما يجري على الساحة الدولية .
يعد الجانب البشري من أهم العوامل التي تؤثر في مجمل العوامل الأخرى للدولة وبالتالي فإن دراسة البنيان البشري يجب أن يأخذ بعين الاعتبار مسائل تتعلق بمدى تلاحم بنيان المجتمع ومدى تجانسه .
أما حجم وتوزيع السكان الذي يعتبر مقياساً لقوة الدولة حيث ساهم العدد الكبير لسكان الدول في توسعها وبناء دولتها وهنا يجب أن ندرك أن عدد السكان يجب أن يتناسب مع الموارد الرئيسية للدولة وهو بحد ذاته مشكلة كبيرة كما يؤخذ أيضا المستوى العلمي والتكنولوجي دوره في تحقيق النمو والازدهار ، كما أن التوزع السكاني في أرجاء الإقليم يمنح الدولة القوة والتماسك .
أما التركيب السكاني فينعكس على تماسك الدولة وهو ما يجب العمل عليه وهنا لابد من دراسة الجنس والسلالة يضاف له التركيب القومي الذين يلعبان دوراً هاماً في استقرار الدولة .
وعند الحديث عن الأقليات فهم يدخلون ضمن التركيب الهيكلي للكيان البشري في الوحدة السياسية وبالتالي فإن الإنسجام أو التناسق مع الأغلبية هو مقياس مدى قوة الدولة او ضعفها والذي قد يدفع في أحيان كثيرة على الانقسام والانفصال .
الهجرة لاشك أن الهجرة لها تأثيراتها على الدولة حيث يمكن أن نقول أن هناك تشجيع للهجرة وهي مؤقتة من أجل تحسين أوضاع سكانها وتنمية مواردها وعادة ما تكون هذه الهجرة قاصرة على فئات محددة وتكون الدول المستضيفة بحاجة شديدة لهؤلاء , وقد تكون الهجرة إجبارية كتلك التي تنشأ نتيجة لحالات الحروب في الدولة مما يدفع بالكثيرين للخروج على شكل موجات من اللاجئين وهناك أمثلة كثيرة على هذا الواقع ( الحالة السورية الراهنة ) ، وتتجسد مشكلة اللاجئين إذا ما استمرت مشكلتهم لفترة زمنية طويلة حيث تنعكس سلباً على حياة الناشئين من اللاجئين .
أما الموارد والأنشطة الاقتصادية فإنها تؤثر في استقرار وتماسك الدولة كما أنها تمثل أحد الوظائف الأساسية التي تقوم بها الدولة كما يمكن اعتبار النشاط الاقتصادي الفعلي هو احد مقومات تقدم الدولة وكلما زادت نسبة الأنشطة الصناعية والزراعية والتعدينية والتجارية والخدمات في الدولة كلما دل ذلك على أن البنية الاقتصادية لهذه الدولة متينة وقوية .
سادساً- التحديات الأمنية المفروضة على الإقليم وطرق مواجهتها
يجب أن يتمحور العمل الأمني في هذا الشأن حول محورين اثنين هما العمل داخل كيان الإقليم والمحور الثاني يجب أن يكون إقليمياً :
المحور الأول – داخل الإقليم : انطلاقاً من التعريف القائم على أن الأمن هو ” التحرر من التهديد ” فإنه يحتم على الدولة بما تمتلكه من وسائل متاحة المحافظة على سلامة إقليمها وحمايته من كافة التهديدات التي تراها خطراً يداهمها على المدى المنظور كما عليها البحث في استراتيجيتها في كيفية التعاطي مع كل أشكال التهديد، وبالتالي يجب البحث في كيفية الحفاظ على كيانها المستقل, يضاف لذلك تماسكها الوظيفي ضد قوى التغيير التي تعتبرها معادية لها .
وإن الإمساك بالخارطة العامة يجعلها أكثر قراءة لما يجري حولها فطالما أن الفوضى الدولية والتي هي أحد أسباب نشوء الأزمات ومنها الأمنية يجعلها أكثر حذراً في مجرى التفاعلات الدولية وردود أفعاله وبالتالي لابد من فهم الخط الدولي لاعتماد الأمن المناسب لكيان الدولة وبالتالي لابد لها من النظر بكل القطاعات الأخرى والتي تشكل مجتمعة حزاما متيناً للدولة من التهديد والانهيار .
فالدولة بحاجة إلى النظر وبعمق في تلك القطاعات من خلال تحليلها بشكل يسمح لكل قطاع بأن يعطي الإضاءة الخاصة به حول الأمن الوطني حيث أن لكل قطاع طبيعته الخاصة وبالتالي له أدوات وأساليب عمل قد تختلف عن القطاعات الأخرى .
إن الانطلاق من قطاعات الأمن الإنساني ( القطاع السياسي – القطاع الاقتصادي – القطاع العسكري – القطاع البيئي – القطاع المجتمعي ) كل ذلك يشكل لبنة أساسية في استمرار البقاء, والتحرر من التهديد هي أحد أهم مكامن القوة التي يجب مراعاتها والعمل عليها .
1-القطاع السياسي : ويتمثل بالدفاع ضد كل اشكال القمع السياسي ، وهو ما يؤمن الحياة الكريمة للجميع ويمنحهم حقوقهم الإنسانية الأساسية كاملة غير منقوصة ، يضاف لذلك قدرة الدولة على التكيف مع الضغوطات الهادفة إلى إجبارها على تغيير مواقفها , كما يجب أن تمتلك الدولة الحرية من الضغوطات السياسية الناتجة كما أسلفنا عن التفاعلات الدولية .
2-القطاع الاقتصادي : وهو ما يؤمن الفرص الحقيقية للجميع بما يؤمن لهم مستوى معيشي لائق ، وقدرة الدولة على بلوغ مواردها المختلفة ، وتوفر السوق لضمان مستوى معيشي مقبول .
3-القطاع العسكري : إن حماية حدود الدولة والدفاع عنها و حماية المواطنين وسلامتهم والحفاظ على مؤسسات الدولة هو الهدف الرئيسي ، وأن تمتلك القدرة على الدفاع عن نفسها أو ردع أي عدوان وأن تمتلك خيارات سياسية باستخدام القوة العسكرية .
4-القطاع البيئي : إن المشاكل البيئية المتمثلة بالتهديدات الطبيعية كالكوارث وغيرها يضاف لها استنزاف الثروات الطبيعية كلها تحديات تؤثر على استمرار الحياة والبقاء .
5-القطاع المجتمعي : وهو الذي يضمن أمن الهوية الثقافية للمجتمع وبالتالي يجب المحافظة على استقرار المجتمع من خلال المحافظة على هويته وثقافته والعادات لأنها تمثل الوجدان لهذا المجتمع .1
المحور الثاني- إقليمياً : إن العلاقة القائمة ما بين الدول المتجاورة هي علاقة تبادلية فلا أمن ولا استقرار داخل إقليم الدولة الواحدة طالما هناك عدم استقرار على حدود دولتها ، وبالتالي لابد من تكافل جميع الدول الإقليمية والتي تجمعها المصالح المشتركة وقد تنشأ فيما بينها تحالفات إقليمية متعددة في المجالات ( الاقتصادية والعسكرية ) كوسيلة لضمان أمنهم مجتمعين وعليه لا يمكن أن يتحقق الأمن طالما هناك من هو خارج هذا النظام الإقليمي الأمني وهو ما يقودنا إلى أن الأوضاع الأمنية الوطنية بين الدول المتجاورة لا يمكن أن تبحث بمعزل عن بعضها البعض وعليه يجب أن يكون :
1-التعاون الإقليمي بين الدول من خلال مجموعة من الاتفاقيات بغية تأمين امنهم المشترك .
2-التكامل الاقتصادي الإقليمي من أجل تعزيز التجارة والنمو الاقتصادي بما ينعكس عليهما إيجاباً .
وعليه يمكننا التأسيس على عدة أمور تشكل قواعد للتعاون المشترك وهي :
-التهديدات تشمل كليهما بسبب التلاصق الجغرافي وبالتالي انتقال الفوضى وعدم الاستقرار سيجد إلى تلك الدول سبيلاً.
-إن العلاقات التاريخية بين الدول الجارة هو ما يجب التأسيس عليه والنظر إليه بكل فاعلية .
-التعاون المثمر يؤسس لتحقيق الأمن الإقليمي وبالتالي يكون جزء من الأمن الدولي .
مما تقدم نجد إن مسؤولية الأمن مسؤولية جماعية وعلى الجميع النظر إلى ذلك من باب تحقيق التنمية المستدامة والنهوض بالدول نحو عالم أكثر استقراراً.
الخاتمة والاستنتاجات :
إن تحقيق أمن الإقليم يجب أن يرافقه الفهم الدقيق لما يجري على مسرح السياسة العالمية وبالتالي فإن النظر إلى جغرافية الدولة وموقعها يلعب دوراً مهماً في تحديد أولوياتها بالتعامل مع كامل قضايا المنطقة .
وحتى تستطيع الدولة حماية إقليمها لابد لها من بناء أمنها المستند إلى تحقيق أمنها الإنساني بكل أبعاده لكي تكون قادرة على مجابهة التحديات المفروضة عليها , وعلى الدول النظر بشكل أعمق لمستقبلها المنظور وسط كل هذه التجاذبات الدولية وأن تحدد الأدوات والوسائل التي تؤهلها للعب دور كبير مؤثر بدل أن تكون متأثرة بما يجري على الساحة الدولية .
المراجع:
– الموسوعة المغربية للقانون الولي والعلاقات الدولية ” كتاب المدخل للعلوم السياسية ، حسن سليمان .
– الوجيز في النظم السياسية : نعمان الخطيب
الجغرافيا السياسية : محمد عبد السلام .
النظريات الجيوبولوتيكية المفسرة للعلاقات الدولية : الدكتور ويكن فازية
– المركز الاستشاري للدراسات – د محمد طي .
– معجم علم السياسة والمؤسسات السياسية – بيار بيرنبوم
– بيبليوغرافية مختارة : مصالح أمريكا في القوة البحرية اليوم وغداً 1897.
– دراسات وتقارير : نيكولاس سبايكمان جيوستراتيجي هولندي أمريكي1981