فايز سارة

كاتب وسياسي سوري

سوريا بين الأسد وحلفائه

 

صورة سوريا بعد عشر سنوات من الحرب، لاتشبه ابداً ما كانت عليه في وقت سابق. مئات من مدنها وقراها مدمرة كلياً او بنسبة ما، وأكثر من نصف سكانها لاجئون ومهاجرون في الشتات، وليست حالة الباقين في الداخل افضل حالاً، وأكثرهم يبحث عن فرصة او إمكانية للمغادرة الى بلد ما، يكون بإمكانه فيه متابعة حياته ولو بحدود دنيا بعد أن صارت حياتهم شبه مستحيلة بسبب سياسات نظام الأسد وحلفائه من جهة وسياسات قوى الأمر الواقع الحاكمة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام والاشارة تنطبق على واقع شرق الفرات المحكوم بمجلس سوريا الديمقراطية وميليشيات “قسد” التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، ومثلها منطقة الشمال الغربي التي تقبض عليها ميليشيات هيئة تحرير الشام بقيادة الجولاني، تشاركها مليشيات وجماعات مسلحة، تمثل بقايا تشكيلات انتهت، او ضعفت، وتحولت الى مهمات غير تلك التي أعلنتها في وقت سابق.

سوء حياة من تبقى من السوريين، لا تتصل فقط بالحالة الأمنية المتردية في كل الأنحاء، وقد حاول السوريون اعتيادها دون نجاحات ملموسة، انما ترتبط أيضا بالظروف الاقتصادية والاجتماعية القائمة، إضافة الى الانهيار الكلي في مستويات الحياة في كل المجالات لاسيما في الإسكان والصحة والتعليم وخدمات المياه والكهرباء وسط حالة غير مسبوقة من انتشار الفقر والبطالة وما يرافقهما من تواصل سياسات الفساد والنهب والتمييز، وانعدام أفق لحل يرسم مصير البلاد، ويوقف معاناة السوريين، او يضعهم على سكة حل مقبول بعد ملايين الضحايا من قتلى وجرحى حد الإعاقة ومعتقلين ومفقودين.

لقد تشارك الأسد والإيرانيين وميليشياتهم إضافة الى روسيا في إيصال السوريين الى ما هم عليه عبر نهج وحشي دمروا فيه البنية التحتية والقطاعات الاقتصادية في البلاد، ثم انتقلوا الى سياسة وضع اليد وتقاسم ما تبقى من قدرات البلاد ومنها النفط والفوسفات ومينائي طرطوس واللاذقية وبعض الاستثمارات ذات العائدية العالية بموجب اتفاقات لا يملك نظام الأسد أي فرصة لرفضها أو وضع اشتراطات عليها بسبب حاجته لدعم حلفائه ومساعدته في البقاء.

ورغم أن أطرافا أخرى خارج تحالف النظام ابرزها “داعش” والنصرة” ثم “قسد” شاركت في وصول سوريا الى صورتها الراهنة وسط دعم إقليمي وخارجي، ولعبت دوراً في تدمير بعض قدرات سوريا البشرية والمادية، وشاركت في نهب قدرات ومنتجات ومنها النفط والحبوب والاقطان، لكن أثر هذه  القوى ظل محدوداً، خاصة وان اغلبها ارتبط بعلاقات وثيقة مع النظام، ومرر له ما كان تحت سيطرته وفق ما كانت تجارة نفط وحبوب “داعش” مع النظام، وقد تابعت “قسد” المسار ذاته بعد انتزاعها السيطرة على شرق الفرات من “داعش” عام 2018.

ان  تحالف الأسد مع الإيرانيين والروس، فرض تقاسم الأدوار بين الأطراف الثلاثة. وكان دور النظام تأمين التغطية السياسية لوجود الإيرانيين والروس وما جلبوه معهم من مليشيات وقوات عسكرية وشبه عسكرية واسلحة، ومنح غطاء لكل ما قام به الطرفان، بما فيها جرائم القتل والتدمير والتهجير والتغيير الديمغرافي، مقابل جهود الطرفين في بقاء النظام واستمرار رأس النظام في الحكم، وتقديم كل ما امكن من دعم سياسي وعسكري -امني واقتصادي، وقد نظم الطرفان معاً وكل على حدة سياسة، أدت عملياً الى بقاء النظام واستمرار بشار الأسد على رأسه قبل أن ينتقل الطرفان الى دور جديد في استعادة النظام المناطق الخارجة عن سيطرته، والتي كانت استعادة حلب عام 2016 أول ثمارها نتيجة التدخل العسكري الروسي ودعم ايران وميليشياتها، ثم امتد الامر الى استعادة الغوطة وريف دمشق وصولاً الى حوران ومحيطها في الجنوب.

يقوم الدور الإيراني على تغلغل ايران مباشرة او عبر أدواتها من المليشيات في سوريا، وكان هدفاً رئيسياً في استراتيجية إيران للتمدد الإقليمي، واصبح ضرورة في ضوء حقيقة صعود إيران وأدواتها في العراق ولبنان، حيث صار وجودها في دمشق، يؤكد سيطرتها على خط وصول من إيران إلى ساحل البحر المتوسط، وهو تحول من شأنه إحداث تبدلات مهمة في الخريطة الإقليمية في شرق المتوسط عبر ما سمي ب”الهلال الشيعي”، وهذا ما يفسر استعداد ايران للقيام بكل ما يمكن للقبض على الوضع السوري، وتحمل كل النتائج، حيث دفعت ميلشياتها من كل الجنسيات للقدوم الى سوريا والقتال الى جانب النظام،  وقدمت مساعدات عسكرية وأمنية كبيرة قبل ان تدفع قواتها من الحرس الثوري للمشاركة في القتال، وشاركت في دفع الروس للمجيء الى سوريا، وتحملت وميليشياتها صلف الإسرائيليين وعملياتهم العسكرية للإبقاء على وجودها في سوريا، وإقامة أقوى الروابط فيها في المستويين الرسمي والشعبي.

ولا يقل الدور الروسي أهمية عن دور حليفه الإيراني، وتعود رغبة روسيا إلى وجود ثابت ومباشر في سوريا الى  أيام الاتحاد السوفياتي السابق، حيث كانت سوريا احد مواقع نفوذ موسكو في الشرق الأوسط منذ خمسينات القرن العشرين عبر صفقات سلاح، اعقبه تحول الجيش السوري الى العقيدة الروسية، وكذلك صار سلاحه وتدريبه وخبرائه، ثم تمدد الوجود السوفياتي إلى قطاعات المياه والنفط، وحصل الروس على قاعدة بحرية في طرطوس، وقريبا من هذه الروح، عاد الروس الى سوريا بعد ثورة السوريين عام 2011، حيث دعموا النظام في المستوى السياسي، وقدموا له الأسلحة والذخائر والمعدات، ثم تدخلوا عسكرياً في العام 2015، وتمددوا في كل المجالات عبر إقامة العديد من القواعد العسكرية ابرزها اثنتان قاعدة حميميم الجوية وقاعدة طرطوس البحرية، وهو بعض ما جعلهم  أبرز المؤثرين بالقرار في سوريا على نحو ما تظهر مكانتهم اليوم، وبفعل ما صار اليه الدور الروسي من أهمية، فإنه أسس تشاركية روسية تتابع الملف السوري، تمتد من الرئاسة الى الحكومة ووزارتي الخارجية والدفاع، وتتولى قاعدة حميميم في سوريا مهمة متابعة وتنفيذ السياسات اليومية والميدانية في الملف.

ان تقاسم الأدوار في الملف السوري، فرض على النظام والإيرانيين والروس تفاهمات سياسية وأمنية وعسكرية، أخذت روسيا فيها مركز القيادة بحكم مكانتها وقدراتها وعلاقاتها الإقليمية والدولية، وتولت إيران مسؤولية السيطرة الميدانية بدعم مشترك من الروس والأسد، ويتولى الأخير تنسيق وتأمين مصالح الطرفين ورغباتهما، بما يمكنه من الحصول على حصة من موارد البلاد من جهة، وأن يكون حاضراً في التطورات السياسية والميدانية للملف السوري، حيثما تطلب الأمر.

غير ان تفاهمات الأطراف الثلاثة، لا تخلو من تحديات وصراعات بينية او ذات امتدادات إقليمية دولية، يسعى الجميع الى تجاوزها او تبريدها لإدراك مصلحي مضمر، انه لابد من استمرار تحالفهم معاً وهو الضمان الوحيد لبقاء نظام الأسد وحصول كل من إيران وروسيا على مبتغاهم، وتقديرهم أن الصدام فيما بينهم سيكون المسمار الأخير في نعش نظام الأسد.

المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها.

%d مدونون معجبون بهذه: