العميد الركن طلال فرزات

قائد تجمع الضباط الأحرار

رؤية المجلس العسكري السوري للعيش المشترك…عدالة…مساواة…كرامة

 

من خصائص المجتمعات الإنسانية  التنوع  والتعدد في البعدين الاجتماعي والسياسي وما من مجتمع  يكاد يكون متجانسا بالمطلق فالتنوع  والاختلاف والتعدد في أبعاده المختلفة موجود ومتأصل في كل أرجاء المعمورة إن كان ذلك في” العرق- أو الدين- أو المذهب-“……او غير ذلك.

 فعلى الصعيد الواقعي لا يمكن أن تكون هويات البشر واحدة أو رؤيتهم للأمور والقضايا متطابقة …..إذ أن الاختلاف في الهوية والرؤية والنظرة إلى الأشياء من نواميس الحياة.

لا يمكن للإنسان أن يعيش وحده، منعزلاً عن الآخرين,  وإذا كان من غير الممكن  دمج الهويات بصورة قسريةً لأن كل طرف يرى في هويته  الجدارة وأهلية الاستمرار والغلبة والتفوق والتمكن , وفي المقابل نجد ان التمترس في هذه الهويات يضر بحالة التعايش  بين المواطنين  في دوائر حياتهم المختلفة.

لذلك نجد ان محاولات الدمج والتذويب القسري لا تفضي على الصعيد العملي إلا للمزيد من التشبث بالخصوصيات وكل ما هو مميز للذات عن الآخر  , ولدينا أمثلة حدثت بعد تفكك المعسكر الاشتراكي في التسعينات كيف انفرط عقد العديد من الدول على أساس عرقي أو ديني, لهذا نحن بحاجة الى  حلول  لقضيتنا بحيث:

– لا تلغي حق الاختلاف والتنوع والتعددية.

 – كما أنها لا تشرع للانحباس والعزلة أو للفوضى والانفجار.

 – الاعتراف بإمكانية توزيع سلطة الدولة، والإدارة المحلية في إطارها…مع التنويه أن طبيعة التداخل العرقي والديني والمذهبي الكثيفة في بلدنا قد تعرقل إلى حد كبير هذا الموضوع , وهنا  المعضلة التي تكمن في كيفية الوصول الى  حالة من التوافق  تؤدي للعيش المشترك بين مكونات اجتماعية مختلفة ومختلطة.

لذا نرى ان أهم نقاط الانطلاق في هذا المسار هو:

1- احترام الهوية  لكل طرف من الأطراف في ظل احترام الاختلاف والتنوع.

 2- الإيمان بالمساواة واحترام المواطن  بغض النظر عن أي اختلافات كانت واحترام رأيه  وقدراته و مشاعره وأحاسيسه .

3 – قبول الآخر انطلاقاً من الحرص على كرامة المواطن واحترام الفروق دون تعزيزها أو تعميقها.

ومما سبق ذكره نجد أنه لا بد من فهم أن التعايش  في أي مجتمع ينطلق من جملة القيم الأساسية مثل: ” المساواة- العدالة – الكرامة “

 هذه القيم هي التي تحدد السلوك  والتجاوب من أجل خلق حالة من التعاون بدلاً من الاختلاف والتناقض والكراهية وربما الذهاب إلى الحرب.

 لهذا نرى ان التعايش بين مكونات المجتمع القائم على احترام  الرأي الآخر , هو الذي يؤسس للقبول بوطن يضم جميع أبنائه , ولا يمكن الوقوف ضد نزعات القتل والإلغاء ” لدواع دينية أو مذهبية أو قومية ” إلا بتعميق هذا الخيار في مجتمعاتنا ,لأن هذا الخيار هو الذي يساهم في إعادة صياغة علاقة المواطن بوطنه ومجتمعه.

 فالتعصب الأعمى للذات وأفكارها  هو الذي يدفع  للتعدي على حقوق وكرامات الآخرين  وفكرة التعايش هي التي تضبط العلاقة بالعقائد والأفكار بحيث لا تصل إلى مستوى التعصب الأعمى الذي يقود صاحبه إلى القتل وممارسة التدمير باسم القيم والعقيدة وهذا الامر يتطلب العناية والالتزام بثلاثة أمور:

– ضرورة تجريم كل أشكال بث الكراهية والحقد.

– أن تعتني وسائل الإعلام  بذلك وتعمل على تكريسها في خطابها  الإعلامي حتى يتوفر المناخ المناسب لأن تصبح هذه القيمة جزءاً من النسيج الوطني.

– بناء الثقة بين جميع شرائح المجتمع  وذلك يتطلب الابتعاد عن الانغلاق والتقوقع المجتمعي ضمن “الطائفة-المذهب-العرق”, والعقلانية في الطروحات  دون غلو او انتقاص من قيمة الآخرين مع احترام  اختياراتهم في أي مسألة  وأن لا يتم الاعتداء على حريات الآخرين, وأن لا تفهم الحرية بأنها مطلقة بل نسبية ولا تقود إلى الانفلات والفوضى فلكل مسؤول في النهاية.

إن العيش أو التعايش  ينطلق من فهم الآخر واحترامه وتقدير دوره كجزء فاعل وبناء مفاهيم للتعايش أولا ثم الانتقال الى العيش المشترك في المرحلة اللاحقة من خلال خلق حالة من الفهم للآخر بدلا من الإقصاء أو التهميش أو حتى العنصرية أحياناً.

لذلك نرى ضمن منظور المجلس العسكري  للحل أن الخطوة الأهم في مواجهة النزعة  الإقصائية السائدة يتم عبر إرساء أهداف تهتم باكتشاف الآخر ومعرفة أفكاره ومقولاته والابتعاد عن الأحكام المسبقة أيديولوجيا وفكرياً  ,  فالوحدة في المجتمع  لا تبنى بالإقصاء والتهميش.

ويجب  التنبه الى ان هناك ثمة حقيقة أساسية ينبغي إدراكها بعمق,  وهي أنه لا احد يمتلك حلولاً سحرية للمشاكل والتحديات التي تعصف بواقعنا على أكثر من صعيد ومستوى والمفتاح لذلك هو معرفة طبيعة الواقع الذي نعيشه والتي ستمكننا من ضبط اختلافاتنا وتبايناتنا الداخلية، بكل عناوينها.

ومن هنا:

 فإن رؤية المجلس العسكري لمعالجة  نهر الدم والخراب الذي يجتاح بلدنا, لا يمكن مواجهته إلا بتعاون  وتعايش بين مختلف المكونات , وهذه الرؤية تقوم في جزء كبير منها على:

إعادة صياغة العلاقة بين مختلف المكونات بالنظر في  الأفكار التي شكلتها أو الأفعال التي انبثقت عنها مع الاخذ بعين الاعتبار ان ذلك لا يعني حبس كل فئة في إطارها الفكري الضيق, بل الانفتاح والتواصل المستدام مع بقية المكونات , وتجاوز كل الأوهام والهواجس تجاه بعضنا البعض .

وبتعبير آخر الموضوع ليس وصفة جاهزة بل يجب أن يكون رؤية واضحة وعمل مستدام باتجاه خلق الحقائق وتعزيز متطلبات التلاقي والتفاهم بين  الجميع , وفي جوهر هذه الرؤية ان نحن لم نعمل شيئاً لتغيير منظومة القيم الخاطئة القائمة, لن نسير بالاتجاه الصحيح نحو السلم الأهلي وسنظل  رهنا لحالة الجمود والانغلاق والخراب .

المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها.

%d مدونون معجبون بهذه: