
محمد أمين كركوكلي
سياسي سوري- ماجستير اقتصاد – رئيس حزب بناة سوريا
المؤسسة العسكرية ومحددات دورها الوطني
طرحت ثورات الربيع العربي أسئلة كثيرة على المثقفين والسياسيين والمفكرين، وأعادت إلى الواجهة قضايا بالغة الأهمية كانت قد نحيّت جانبا، لابل تم تكفير بعضها وتخوين من يتكلم بها.
من الديمقراطية إلى العلمانية، والمواطنة، وقوانين الأحزاب، والدساتير، وإدارة الاقتصاد، والثقافة و….و… إلخ، بتكثيف شديد لقد أحدثت الثورات العربية ما يشبه “التسونامي” في مستنقع المجتمعات والدول العربية الراكد منذ زمن طويل.
في مجريات هذه الثورات كلها برزت المؤسسة العسكرية كعامل حاسم في مصير هذه الثورات، وفي رسم مستقبل هذه الشعوب، ورغم محاولة من فجروا هذه الثورات منذ بدايتها تحييد هذه المؤسسة، ومخاطبتها كمؤسسة محايدة في حقل السياسة، إلا أن الوقائع أثبتت أن قيادات هذه المؤسسة لاتزال تعتبر السياسية حقلها الأهم، وهذا ما دفع معظمها لأن تغادر وظيفتها الأساس، ودورها الحقيقي في الدولة الحديثة، وتتجه إلى السياسة والاستيلاء على السلطة بالقهر والغلبة.
طوال عمر الدول العربية القصير نسبيا، والذي بدأ في معظمها بعد استقلالها، كان للمؤسسة العسكرية دورها المحوري في تاريخ هذه الدول، ولعل العامل الأهم في تكريس دورها هذا إنما نشأ أساسا بسبب الأهمية الجيو إستراتيجية لهذه المنطقة، واستهدافها من قوى الخارج، وليس قيام دولة “إسرائيل” سوى التجلي الصارخ لهذا الاستهداف، إلا أن هناك أيضا تجليات كثيرة بالغة الأهمية تتجلى بدعم هذه المؤسسة لاستلام السلطة في معظم بلدان هذه المنطقة، مع ما يعنيه هذا من قيام دول مسخ، تتبع للخارج، وتعتمد القمع كوسيلة أساسية للحكم، وتبقى هشة وقابلة للانهيار فيما لو تطلبت مصلحة الخارج ذلك.
حتى نفهم هذه الجدلية غير الواقعية والمزروعة في جسد دول العالم الثالث ودول العالم العربي يجب ان نجيب على سؤال مركزي يوضح لنا أهمية الحوار حول هذه المسألة وهو:
{هل العسكري في القوات المسلحة من كافة الرتب هو مواطن بالأصل وينتمي الى نفس الأرض ويعيش نفس الظروف التي يعيشها أي مواطن وله نفس الطموحات في بناء مستقبل وطنه وشعبه وينتمي الى أسرة في هذا الوطن ويخاف عليها ويحميها من كل شر وخطب أم له ميزة فوق المواطنة ويعيش في محمية اسمها العسكرتاريا ولا يأبه لكل الجوار من شعبه وما يصيبه ؟}
والجواب الفطري والبسيط والصادق…..أنه مواطن بامتياز لأنه نذر نفسه وتطوع ليس مرغماً للدفاع عن وطنه وشعبه في هذه المؤسسة التي يسودها النظام والتراكبية العسكرية والتي همها الأول والأخير حماية الوطن وحدوده وتأمين الأمان المجتمعي وحماية الدستور والقانون وتخلى عن كل ترف الحياة المدنية وحريتها في دروب الحياة في سبيل هذا الهدف.
إذن ما الذي حدث؟ ولماذا هذا النفور من كافة شرائح المجتمع من هذه المؤسسة ومحاولة ابعادها بأي شكل من الأشكال عن أي قرار يهم الدولة واعتبارها سلطة استبدادية يجب تحييدها وإحاطتها بحيث تبقى ضمن مهامها الأصلية دون أن تتدخل بأي من شؤون الشعب المدنية والحياتية وتقليص صلاحياتها لضمان عدم تسلطها على الدولة والمجتمع وهذا ما نراه ونسمعه بأنه أصبح مطلب كل الشعوب التي انتفضت في الربيع العربي ضد الديكتاتورية والاستبداد التي مثلتها المؤسسة العسكرية خلال القرن العشرين المنصرم ولا زالت آثارها الى اليوم في بعض هذه الدول وادت الى تراجع هذه الدول بكافة مجالات النهضة والتقدم البشري والذي عم كل دول العالم التي نهضت وحققت التقدم والرفاه لشعوبها ما عدا العالم العربي المسكون بهذه الآفة التي يجب الخلاص منها وترويضها للعودة الى مهامها الأصلية لحماية الشعب والوطن والدفاع عنه وعن مكتسباته.
ولكن……….وسنضع الف خط تحت هذه الكلمة ولكن…..؟واذا سلمنا جدلا” ان هذه المؤسسة منذ وجودها تاريخيا” هي مؤسسة وطنية بامتياز وهي ضمير الشعب الساهر على راحته.. هل من الصواب أن نقصي هذه المؤسسة الوطنية كاملا في ظل الظروف التي عاشتها الشعوب العربية في الربيع العربي والتي ادت الى انتشار السلاح والخراب والمليشيات المرتزقة في كل هذه الدول واصبحنا أمام أمراء حرب وسلب ونهب وانضواء كامل لقرار الدول الخارجية التي تهدف الى تفتيت هذه الدول وإعادة استعمارها بشكل جديد من خلال خلق الفوضى بوساطة هذه المليشيات المسلحة والعمل على استغلال ثروات البلاد والعبث بها وقمع شعوبها وارجاعهم الى ما قبل المدنية الحديثة.
والجواب الحليم والحكيم يقول لا بل والف لا لإقصاء هذه المؤسسة عن عملها الأصلي وترك البلاد تعيث فساداً بأيدي أمراء الحرب الجدد…والسبب بسيط وواضح وكما اسلفناه في بداية هذا المقال أن العسكري من كافة الرتب والمراتب هو أساسا مواطن بامتياز ووطني بامتياز ويستطيع بعمق وطنيته ومواطنيته أن يحقق معادلة المواطنة والعسكرية كما في كل دول العالم المتقدم وواجبه تخليص البلاد من كافة المظاهر المسلحة وتجار الحرب وأمراؤه وإعادة النظام والالتزام بالدستور الذي يقره الشعب والمواطنين وهو جزء منهم والانتقال الى ظل الديمقراطية والمساواة والابتعاد عن كل ما يثير الريبة في قلوب شعبه, وهناك عشرات الأمثلة التي أعطت مثالا ثابتا على وطنية العسكريين والتي بنت افضل أنواع الديمقراطيات في العالم كالجنرال جورج واشنطن والجنرال شارل ديغول وغيرهم كثير.
اذن الحكم على مؤسسة وطنية كاملة بالإزاحة خطأ فادح بل يجب اشراكها وتفعيلها بشكل إيجابي والاستفادة القصوى من تنظيمها وتراكبيتها لأنها المؤسسة الوحيدة القادرة على كنس كل البلاءات التي أصيب بها الوطن ودعمها حتى نحقق استقرار البلاد وإعادة الأمن والأمان في كل ربوعه.
المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها.