أحمد البرهو

كاتب وشاعر سوري

السلام هدف الثورة ومصلحة عالميّة

تطلع الشعب السوري إلى خلاصه منذ ربيع عام 2011، وخرج يهتف بداية بإصلاح النظام، فقابل النظام مطالب الشعب بالعنف والإذلال، ما دفع إلى أن يعلو صوت الحريّة أكثر فأكثر، وأن ترتفع مطالب المتظاهرين فتتحوّل إلى المطالبة بسقوط النظام.

الخلاص الذي بحث عنه الشعب السوري كان ممثّلا بشعارين أساسيّين طالما هتف لهما المتظاهرون السّلميّون، هما: (الحرية والكرامة)…(واحد واحد واحد، الشعب السوري واحد)، هذا الهتاف وغيره من هتافات المتظاهرين السوريين كان يمثّلُ الثورة ضد نظام يعيث بوحدة الشعب السوري، فيعمل على بث الطائفية بين مكونات الشعب الواحد، من خلال خطاب إعلامي تحريضي عزفت عليه وسائل إعلام النظام، ثم من خلال ارتكاب مجازر باسم طائفة معينة، لدفع طائفة مقابلة لارتكاب عمل مماثل، مع الحرص دائما على توثيق تلك المجازر عبر تصويرها (فيديو) ثم تسريبها لخلق حالة احتقان مجتمعي…!

 رغم أن الشعب السوري كان يدرك أن يد النظام وأجهزته الأمنية ليست بريئة من هذه الأفعال القذرة، لكون النظام هو المستفيد من تشرذم المجتمع السوري الثائر عليه.. إلا أن ضبط الاحتقان المجتمعي في أثناء ثورة حريّة كان يعوزه إمكانات ضخمة، وعمل مؤسّساتي، لم تكن متوفراً بعدُ في متناول الثوّار.

إن دفع السوريين باتجاه التموضع في بنى أضيق من هويتهم الوطنيّة الجامعة، كان هدف النظام، والغاية منه هو أن يتحوّل المجتمع السوري من مواجهة ثنائية: بين نظام قمعي، وبين ثورة حريّة، إلى مواجهات بين طوائف متناحرة، تحذر كل واحدة فتك الأخرى!

دافع الشعب السوري، ما وسعه، عن ثورته، في معادلة كانت تُسمّى مجازاً بصمود العين في وجه المخرز، إلا أن توالي الواقع المؤلم لم يترك الثورة حتى غيّر من أولوياتها لتتناسب مع متغيرات المواجهة مع النظام، فكان الانتقال إلى العمل المسلّح ضرورة فرضها الظرف، لا هدفا ثوريّا ولا غاية.

 جنح قسم من الثوار إلى العمل المسلّح لحماية المتظاهرين السلميين، في الوقت ذاته توالت انشقاقات الضباط السوريين الشرفاء عن جيش الطاغية، إلا أن فارق القوة من جهة، وقدرة النظام على مزيد من البطش متّكِـئاً على عدم التزامه بأية قواعد أخلاقيّة أو مدنيّة.. كل ذلك دفع بالحراك، مضطراً، إلى مزيد من العسكرة، التي احتاجت بطبيعة الحال إلى إمداد يوازي ما يحصل عليه النظام من حلفائه الروس والإيرانيين، فتواصل جناح من الثورة مع بعض الدول الداعمة للثورة السورية للحصول على السلاح المطلوب.

وفي حين كان النظام يحصل باستمرار على ما يحتاجه لقمع الثورة، فقد شهد السوريون، خلال سنوات دمهم المسفوك، عوزا مستمرّاً للسلاح النوعي الذي يمكن أن يحد من قدرة النظام على مزيد من البطش، إضافة إلى تجاوز بعض الداعمين لضرورة التعامل مع الضباط المنشقين، لكونهم ضباطا محترفين، قادرين على مأسسة العمل المسلّح ومن ثمّ ضبط تداعيات خطر انتشار السلاح!

فيما ترافق تعدد مصادر الدعم مع تشرذم في صفوف القوى الثوريّة، التي انسحبت من المشهد العام لصالح قوى أخرى إيدلوجية، أو قومية لها عقيدة قتالية مختلفة، ورؤى سياسية تتجاوز حدود الوطن الحبيب سوريّة.

ومن ثمّ فإنّ كارثة كـ (داعش) يمكن نسبة جزء كبير من المسؤولية عن حدوثها إلى تأثير جهات أخرى غير الثورة السوريّة، وإلى خلل في تصورات إرادة أخرى غير إرادة السوريين الذين هم من ذاقوا أكثر ويلات تلك الكارثة!

إلا أننا لا ينبغي أن نهمل كذلك حقيقة أن جزءاً من ثقافة عبور الحدود، وحمل مشروع مغاير لإرادة الشعب السوري عام 2011.. كانت قد نمت في داخل المجتمع السوري متأثرة بعاملين مهمّين: ردّة فعل قهريّة على سلوكيات الإجرام والبطش الأسديين، بالتوازي مع فقدان الأمل تجاه احتمالات الحل الوطني للمأساة السوريّة، ما أفضى إلى حصول تلك التنظيمات العابرة للحدود على نصيب وافر من الطاقة البشرية للشباب السوري اليائس!

في مكان آخر من الأرض السوريّة مهّد انسحاب النظام من بعض المناطق الطريق أمام استيلاء تنظيمات بعينها دون سواها على تلك المناطق السوريّة، ومن ثمّ سيطرت تلك التنظيمات على موارد اقتصاديّة سوريّة وقامت بتجييرها لصالح مشاريع فئوية لا تراعي العقد الاجتماعي للسوريين.. ما ساهم بدوره في إحداث توتر في تعاطي دول الجوار مع الثورة السورية!

الثورة السوريّة المباركة التي هتفت للحرية وللكرامة في سنة 2011 لم تكن تحمل شعاراتها صبغة الاقتتال المذهبي أو العرقي، ولم تكن تدعو إلى تهديد حدود الدول الأخرى، العربيّة وغير العربيّة، لكنّنا، في المقابل، كثوّار سوريين لا ينبغي علينا أن ننسحب من الواقع السوري بذريعة أنه مصنوع بإرادات غير سوريّة، بل إنّ الهم الوطني الصادق هو ما يدعونا إلى الاعتراف بالخلل أولا، وللبحث عن سبل معالجته تاليّا..

تأثر الموقف العالمي، والإقليمي منه على وجه الخصوص، سلباً تجاه الثورة السوريّة نتيجة التبدّلات الطارئة على سيرورتها، الأمر الذي ساهم في إطالة عمر المأساة السوريّة، واستحدث مشكلات موازية مترافقة مع هرب السوريين من الموت جراء قصف النظام المجرم للمدن والبلدات، أو من الموت على يد العصابات التي عبرت الحدود لتقاتل مع النظام، أو لتتقاتل معه، ما أدى إلى نزوح ملايين السوريين داخليّا وهجرة الملايين منهم إلى دول الجوار والعالم، الأمر الذي شكّل، بدوره، ضغطاً اقتصاديّاً على الدول المستضيفة!

بعد اجتياح فيروس كورونا للعالم وتركه آثاراً بالغة السوء على الاقتصاد العالمي، دفع ذلك كثيرا من الدول المعنية بالملف السوري إلى تغيير أولوياتها، ليتحوّل الاهتمام بالاقتصاد إلى الدافع الأول لهذه الدول باتجاه عقد تحالفات جديدة.

تحتاج تلك الدول إلى السلام لإعادة إعمار اقتصاداتها كما يحتاجه السوريون لإعادة إعمار وطنهم، ربّما يشكل ذلك دافعا جادّا لتلك الدول للاهتمام بإنهاء معاناة الشعب السوري، والعمل على إنفاذ قرار الأمم المتحدة (2254)، واتفاق جنيف الذي يشترط توطيد السلام المجتمعي لبدء عملية الانتقال السياسي.

غير أن نجاح أي أمل سوري أو إقليمي في هذا المسعى مرهون، بحسب تصوري المتواضع، بضرورة توفر قوّة عسكريّة وطنيّة سوريّة محترفة، تعمل على:

  • الالتزام بالثوابت الثوريّة الوطنية: (الحريّة والكرامة) تلك التي ثار الشعب السوري لأجلها على نظام القمع في 2011، ذلك أن الشعب السوري هو صاحب المصلحة العليا في تحقيق السلام، وهو الحاضنة الحقيقية لأية قوة وطنية تساهم في توحيد جهوده لاستعادة دولته ومؤسّساته.
  • تمكن تلك القوة العسكريّة على إقناع الدول المؤثرة في الملف السوري بالمصلحة المشتركة بينها وبين إرادة السوريين، كل السوريين، بالحريّة والكرامة.

إنّ الاستثمار الرشيد في كافة القوى الوطنية المدنية والسياسية والاقتصادية والعسكريّة يمثّل ضرورة وطنية لابد منها في إطار عمل مؤسّساتي ممنهج، ومنظم وموجه بما يحقق مصلحة السوريين في السلام الضامن لحرية وكرامة جميع أطيافه من جهة، وبما يتناسب وينسجم مع أمن الدول الإقليمية المتضررة من فوضى المأزق السوري، ومع القرارات الدولية ذات الشأن .

المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها

%d مدونون معجبون بهذه: