ياسر بدوي

كاتب وصحفي سوري

هل بات الوقت موات لإغلاق الملف السوري

 

تنظر القوى المختلفة الى الوثيقة الأردنية التي سميت اللاورقة أنه بداية تعويم الأسد في أروقة المجتمع العربي والدولي، منطلقة من ان  أمريكا سكتت، أو شجعت، أو أوحت، وفي جميع الحالات، لا يمكن لمثل هذا الاختراق أن يحدث دون علم أمريكا، وبعيدا عن الهوامش التي يتمتع بها حلفاء أمريكا في المنطقة، فإن القضية السورية  لا يمكن أن تتم دون البصمة الأمريكية، فما الذي يحدث، وهل بات الوقت موات لإغلاق الملف السوري، وإن كان الوقت حان كيف سيتم هذا الاغلاق؟ أسئلة للإجابة عنها  لابد من الولوج لجوهر السياسة الامريكية أولا، التي تمتلك مفاتيح الحل، والى مقتضيات السياسة الروسية، التي تمتلك مفاتيح الاغلاق؟

الحديث عن الاستراتيجية الامريكية بشأن سوريا لا ينفصل عن الاستراتيجية الأمريكية للمنطقة والعالم، وهو موضوع طويل ورؤيتنا نظرية، لذلك نجد أن المبادرة الأردنية وبعدها الزيارة الامارتية لدمشق، تأتي في إطار البحث عن الحل السياسي الذي نادت به أمريكا منذ بداية انطلاق الثورة السورية، وفق نظرية كسنجر ودعوته أصحاب القرار في أمريكا الى النهج الدبلوماسي للمحافظة على التفوق الأمريكي العالمي، فانخرطت أمريكا عبر أصدقاء سوريا في التوقيع على بيان جنيف 1 مع روسيا، ولم ينفذ منه شيء، ثم محادثات متعددة ومحاولات صياغة أنماط جديدة من العمل المدني للسير في الحل، حتى لقاءات فيينا و صدور القرار 2254 الذي وضع خريطة للحل في حينها، وما يزال صالحا و ترفعه القوى المتنافسة شعارا للحل، ويعود ليصبح فعالا لحظة البدء بتطبيقه وفق عداد زمني يقاس بالشهور، لذلك لم تلتزم روسيا بهذا القرار الذي صدر بموافقتها  ونسفت مضمونه وسيره في خلق مؤتمرات موازية، وباركت لسفاح سوريا أن يجري انتخابات ويفوز، واعتبرتها ورقة بيدها؟

 أمريكا شيدت جدار أسمته  قيصر ليكون هدمه متزامنا مع إطلاق عملية سياسية جادة ومثمرة، وما حدث في الشهور الأخيرة خطوة أمريكية أشبه بالامتحان لروسيا، هل قادرة على السير بالعملية السياسية، وهل لديها الإرادة لذلك، أم ستبقى مفاتيح الاغلاق، حتى الان لا خطوة روسية ! واشارة التعجب هذه للدخول في مقتضيات السياسة الروسية التي تسميها سياسة.

الوقت ليس في صالح روسيا، وقد بدأت أمريكا تضع الخطة (ب) بتجميد الصراع ضمن ثلاثية جغرافية شمال غرب سوريا ادلب وامتداداتها في المحرر وشرق سوريا مع طروحات لإيجاد تفاهم بين هذه المناطق والقوى المسيطرة، والمناطق التي تحت سيطرة النظام وروسيا وإيران.

 أمام روسيا خطوة كبيرة لتخطو نحو الحل السياسي , حوافز كثيرة ودسمة، لا تنحصر في سوريا فقط، بل تتعداها الى المجال العربي والإقليمي :

  • أولا ستحافظ على مواقعها العسكرية والاقتصادية في سوريا ولو مرحليا، وستخلق توازن قوى مع الولايات المتحدة التي وضعت قواعدها في تركيا منذ الحرب الباردة وسيشرع ذلك باتفاقات دولية وثنائية.
  • ستحافظ على العلاقات الاقتصادية مع تركيا وسيكون أمامها فسحة كبيرة للاستثمار في مشاريع مستقبلية في الطرق البرية القادمة من الشرق والمتبادلة مع الخليج مكامن الثروات.
  • ومن الحوافز الاستثمار في العلاقات الوليدة مع دول الخليج العربي حيث الثروة وخزانات الاستهلاك.

والوقت ليس في صالح روسيا لأسباب عديدة محتملة أقلها سوء استمرار الحال على ما هو، مع نظام بارع في التدمير ولا يمكن تعويمه، لسجله المخزي في ارتكاب الجرائم، وأكثرها سوء أن تبرم الولايات المتحدة اتفاقا مع إيران، عندها ستنتظر روسيا ان تعتاش على الفتات الإيراني.

الطموحات الروسية الجشعة للمقايضة بالأسد لا بد من عقلنتها سياسيا، والبحث عن خطوط سياسية تلتقي مع الولايات المتحدة عبرها، وسبيلها الى ذلك قوى سورية قادرة في المستقبل على الالتزام بما يتم التوافق عليه دوليا، ولم يعد مجد التقوقع ضمن أفكار جاهزة ومضللة عن عدم وجود البدائل، أو الرهان على أسد انتهت صلاحيته، ولا على الكلام المعسول التي تسمعه من هنا وهناك.

مفاتيح الحل بكل تأكيد وجزم، ستفرض أسس جديدة في سوريا، ومغايرة لألوان الدم والحرائق.

المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها.

%d مدونون معجبون بهذه: