

حسين علي البسيس
محامي سوري-عضو المجلس التأسيسي لحزب بناة سوريا
الآثار المترتبة على ظاهرة الاتجار بالبشر
لا بد ان لكل عمل وفعل نتيجة وأثر, وظاهرة الاتجار بالبشر باعتبارها من الجرائم ضد الإنسانية لها أركانها المادية والمعنوية وفق القوانين الدولية والوطنية ونتيجة وجود هذه الظاهرة منذ القدم فلها نتائج وآثار من الممكن التعرف على هذه الآثار المتعددة الناتجة عن تلك الظاهرة, فمنها النفسية والصحية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية فهي ظاهرة مدمرة للمجتمعات فلابد من معرفتها والاطلاع عليها لمعرفة كيفية محاربتها من قبل صناع القرار وكل من يستطيع المساعدة بذلك.
الآثار النفسية:
لا شك أن لظاهرة الاتجار بالبشر آثار نفسية خطيرة على الأشخاص الذين تتم المتاجرة بهم منها الشعور بالإجهاد النفسي الذي يعقب التعرض للحوادث الجسدية كالعمل المتعب والمضني أو التحرش الجنسي أو الاغتصاب وما ينتج عن ذلك من اكتئاب شديد وشعور دائم بالخوف والقلق والخشية من الأخرين والخزي والعار والتدني في معيار ومستوى تقدير الذات وصعوبة التحدث عما لحق بهم من ممارسات قاسية, وحالات اضطراب في الصحة النفسية وقلة في النوم والراحة وقد يؤدي بهم الحال بالنهاية إلى العزلة عن المجتمع والرغبة في الانتقام فيتحولون إلى مجرمين, وان هؤلاء الأشخاص لا يصابون بهذه الآثار النفسية من فراغ بل بسبب التعذيب الذي يتعرضون له كالتعذيب الجسدي والاجتماعي والنفسي والجنسي والحرمان من النظافة و التغذية و العناية الصحية وتعد الآثار النفسية الناتجة عن ظاهرة الاتجار بالبشر وعن الاستغلال الجنسي للنساء والأطفال من المسائل المعقدة جدا” حيث ان قسم منهم يرون أن ممارسة البغاء تعتبر من الضروريات للتخلص من الفقر والعوز.
الآثار الجسدية والصحية:
يعاني الضحايا الذين تتم المتاجرة بهم للاستغلال الجنسي ضررا” جسديا” جراء ممارسة نشاط جنسي قبل الأوان والإجبار على تعاطي المخدرات والتعرض للأمراض الجنسية المعدية بما في ذلك فيروس الإيدز نقص المناعة المكتسبة, حيث يعاني بعض الضحايا من ضرر دائم لأعضائهم التناسلية, وأن العمالة غير المشروعة قد تكون مصدرا” لانتشار الإيدز إضافة إلى أن العمال غير الشرعيين لا تتوفر لديهم الإمكانيات اللازمة للعلاج, كما أن ضرب هؤلاء الأشخاص و حرقهم وتعذيبهم و احتجازهم و استخدام وسائل عنف أخرى تؤدي الى تشويههم جسديا والاضرار بهم هذا اذا لم يلقوا حتفهم ويموتون من خلال الأمراض التي تصيبهم نتيجة الممارسات التي يجبرون عليها و تعتبر أكثر الأمراض الجنسية التي يتعرضون لها التهابات الحوض و الايدز و الزهري والسيلان وغيرها الكثير من الأمراض التي قد لا تؤذي الشخص الذي تتم المتاجرة به بل يتعدى ذلك الى المجتمع ككل عن طريق انتشار هذه الأمراض كمرض الايدز مثلا”.
الآثار الاقتصادية:
ان الاتجار بالبشر له آثار اقتصادية مهمة بفرض تكاليف باهظة وتزايد في نسبة البطالة وزيادة بجرائم غسيل الأموال وانتشار مشاريع مزيفة ووهمي, والإخلال بميزان سوق العمل وعدم التوازن بين العرض الطلب وارتفاع في أسعار المواد الغذائية لزيادة الطلب عليها وانخفاض المستوى المعيشي للفرد وزيادة في معدلات التضخم ونقص في النمو ووقوع العمال فريسة للابتزاز والاستغلال, ويزداد تغلغل المحترفين في عصابات الجريمة المنظمة للاتجار بالبشر في المواقع الاقتصادية الأكثر تأثيرا” في الدولة وتدخلهم برسم السياسات وظهور اعمال اقتصادية غير سليمة أهمها تشجيع المعاملات المالية المشبوهة وإقامة استثمارات تمتاز بسرعة الربح وقصيرة الأجل والمدة مما يضر بالاقتصاد, وتستخدم في ذلك الرشوة والفساد بأنواعه لإغراء كبار المسؤولين من وزراء وموظفي خدمة مدنية وضباط الأمن وأجهزة الشرطة فيصبحون جزءا من هذا الكيان بسبب تقاطع المصالح المشتركة.
نتيجة لذلك ينتشر الفساد في البلاد ويضعف اداء الحكومات وتضيع مصالح المواطنين العاديين, ويتم العمل على زعزعة التنمية الاقتصادية والشكك في قدرات النظام السياسي والاقتصادي للدولة مما يؤثر على استقرار الأوضاع الاقتصادية وزيادة الأعباء التي تتحملها الدولة اقتصاديا, وتشويه هيكل العمالة وهيكل الدخل والتضخم, وتشويه الوعاء الضريبي أي المادة الخاضعة للضريبة كما يمول الاتجار بالبشر الأنشطة غير المشروعة ويغذي عالم الجريمة وذلك نتيجة وجود ارتباط وثيق بين الاتجار بالبشر وتجارة الأسلحة والمخدرات, وتترك نشاطات الاتجار بالبشر اثارا” مدمرة على اقتصاديات الدول المصدرة والمستقبلة لهذه الأنشطة فبالنسبة لاقتصاديات الدول المصدرة لسلع وخدمات الاتجار بالبشر فهي تحرم تلك البلدان من جزء من قوى العمل الفاعلة لديها والتي تمثل طاقة إنتاجية كبيرة كان بالإمكان ان تساهم في زيادة مستوى النشاط الاقتصادي لديها ومن ثم الناتج المحلي الإجمالي إذا ما تم توظيف ضحايا الاتجار بالبشر من النساء والشباب في أنشطة إنتاجية أخرى, وتؤدي هذه الممارسات أيضاً إلى فقدان الضحايا القدرة على الإنتاج وكسب العيش مستقبلا” ويؤدي إجبار الأطفال على الاعمال الشاقة لفترات طويلة من الزمن إلى حرمانهم من التعليم وينتشر الفقر والأمية وهذا الأمر يعرقل التنمية الوطنية.
أما بالنسبة لاقتصاديات الدول المستقبلة فهي تزيد من حجم الاقتصاد الخفي الذي لا يدخل في حساب الناتج المحلي الإجمالي ولا يخضع لقوانين وتشريعات تلك البلدان الشيء الذي يؤدي لفشل العديد من السياسات الاقتصادية التي تهدف لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وبالتالي تكون عرضة لظهور التضخم وتدهور سعر الصرف والعجز في ميزان المدفوعات, كما أن أنشطة الإتجار بالبشر لا تخضع للضرائب والرسوم الحكومية مما يتسبب في فقدان الخزينة العامة للدولة مبالغ كبيرة ويخلق ذلك خللا” وتشوها” كبير في اقتصاد الدولة مما يصعب معه التحكم والسيطرة على ذلك النشاط, وأيضا يتسبب الاتجار في زيادة الأعباء المالية على الدول نتيجة عمليات مكافحة الاتجار بالبشر ومعالجة الآثار السلبية لضحايا الاتجار بالبشر وتنقية وتطهير المجتمعات من التأثيرات السلبية لهذه الظاهرة على الاسرة والمجتمعات بصفة عامة وتتحمل الدول أعباء مالية كبيرة من اجل بناء مؤسسات صحية واجتماعية تقدم الخدمات اللازمة لضحايا الاتجار بالبشر.
الآثار الاجتماعية:
إن الآثار الاجتماعية التي تنشأ عن ظاهرة الاتجار بالبشر كبيرة تتمثل بوجود أشخاص من الذين لا يحملون وثائق الجنسية او ما يتعلق بوثائق السفر وظهور مشكلات الهوية الثقافية والاجتماعية وترسيخ القيم الدونية للعمل اليدوي وتدني الخدمات الاجتماعية وانتشار الأمراض المجتمعية مثل السرقة والمخدرات والنصب والاحتيال وغيرها, واختلال في القيم الاجتماعية نتيجة لإهدار المبادئ الأساسية لحقوق الانسان حيث ينتشر الجنس التجاري وتصبح هناك زيادة في الأطفال الغير شرعيين وتنتشر منظمات لأداره وممارسة التجارة الجنسية و البغاء وتتشعب العمليات المتصلة بها إضافة الى ظهور أنماط جديدة من جرائم خطف النساء والأطفال, ويحدث تغير في نمط الاستهلاك العائلي خاصة فيما يتعلق بجنس الموضة والسفر للخارج والاتصال بالمواقع الإباحية على شبكة المعلومات والانترنت وهذا بحد ذاته موضوع له بعد اجتماعي واخلاقي كبير على الأسرة ويتم فيها استدراج المرأة والطفل كسلع, ويتحول مفهوم النظام السياحي في المجتمع الى نظام يقوم على أساس المتاجرة بالبشر من خلال بيعه وشرائه بما يخالف القيم والكرامة الإنسانية, مما يساعد على انتشار ظواهر اجتماعية غير مرغوبة ومحببة بين من تم الاتجار بهم مثل التسول والاستجداء.
وتطفوا على السطح مسألة هامة وخطيرة هي رفض الأسرة والمجتمع التعامل مع من سبق الاتجار بهم الأمر الذي يلقي على المؤسسات الرسمية وغير الرسمية مسؤولية القيام بدور الأسرة بالنسبة لهم ورعايتهم, وكذلك يصبح هناك زيادة في المشاكل التربوية فضلا عن ارتفاع نسبة الأمية بين أفراد المجتمع, وهذا ما أكدته تقارير الأمم المتحدة التي تشير إلى أن أموال عصابات الجريمة المنظمة والاتجار بالبشر تتجه نحو إضعاف الشباب والعمل على الانحطاط والانهيار الأخلاقي في المجتمع وما يترتب على ذلك من انخفاض في القدرة الإنتاجية يتبعه تفكك اجتماعي وكذلك أيضا” تهدد جرائم الاتجار بالبشر سيادة الدول والنسيج الاجتماعي فيها.
الآثار السياسية:
للاتجار بالبشر أثار سياسية تتمثل في المساس بحقوق الانسان و ضعف في دور السلطات الحكومية وذلك من خلال انتهاك حقوق الانسان حيث ينتهك المتاجرين بالبشر بصورة أساسية حقوق الانسان المتعلقة بالحياة و الحرية والعدل و المساواة والقيم الإنسانية مما ينتج عنه ظهور فئة من البشر تعاني من الاضطهاد و العبودية, و هذا الأمر يؤثر بطريقة أو بأخرى على النمو البشري بشكل غير سليم وحقيقة الامر فان الحروب والنزاعات المسلحة و الكوارث الطبيعية و الصراعات السياسية أو الأمنية تؤدي الى تهجير أعداد كبيرة من السكان من داخل البلاد فيتعرض هؤلاء للمتاجرة بهم وبالتالي يسبب ذلك انتقاص من جهود الحكومات في ممارسة السلطة مما يهدد أمن السكان المعرضين للأذى, كما تعجز حكومات كثيرة عن حماية النساء والأطفال الذين يتم خطفهم من منازلهم أو مدارسهم أو من مخيمات اللاجئين, وان الرشاوي المدفوعة للمسؤولين حتى يخالفوا القانون تعيق قدرة الحكومات على محاربة الفساد, ومن حيث النتيجة من خلال كل تلك الآثار التي تم سردها ينتج بأن هناك مطالب هامة تتلخص بوجوب تضافر كل الجهود الدولية والمحلية لمكافحة تلك الظاهرة السيئة وتطبيق القوانين بصرامة على من يرتكب تلك الجريمة لقطع دابرها او الحد منها بشكل كبير على أقل تقدير.