
محمد أمين كركوكلي
سياسي سوري – ماجستير اقتصاد- رئيس حزب بناة سوريا
فلسفة الخوف والرعب في منهجية إدارة الدولة لدى النظام السوري
الخوف هو شعور غريزي طبيعي عند البشر، ينجم عن الخطر أو التهديد المتوقع من شيء ما، كالخوف من الأذى النفسي والجسدي والموت والبطالة والمرض وفقدان الأمن الاجتماعي والغذائي، وعادة ما يكون هذا الشعور الإنساني الذي خلقه الله تعالى حافزاً على الانضباط والإبداع، وخلق عقد اجتماعي بين السلطة والمجتمع من أجل القضاء على الخوف من المجهول والإحساس بالأمان، فالشعوب والمجتمعات الخائفة لا يمكن أن تنتج حضارة.
الخوف وإشاعته من قِبل النخبة الديكتاتورية الحاكمة لا يزال أحد أهم أدوات السيطرة، من خلال آلة القمع والعنف الرمزي والمادي للدولة والنظام التسلطي الشمولي في مواجهة اية مطالب من حق الشعب ان يتمتع بها .
نظرية الخوف والتخويف، المترافقة مع استخدام عمليات القتل والتهجير والتدمير والاعتقال والسجن، هي أحد أهم الأساليب التي استخدمها نظام بشار الأسد لقمع ثورة الشعب السوري، متعاقداً مع أكبر مراكز صناعة القرار ومافيات القتل في العالم لتعينه على البقاء، وفق سياسة مدروسة وممنهجة.
يقول الكثيرون أثناء القصف، ليأخذوا منا ما يطلبون، فقط أوقفوا الصواريخ والبراميل التي تهدم بيوتنا وتدفننا تحت أنقاضها…. هذه النزعة -صناعة الخوف وفقدان الأمن، وخلق عدو مشترك- للسلطة والمجتمع عبر وسائل الإعلام، استغلها واستفاد منها النظام السوري بشكل كبير على أرض الواقع ووظفها في خدمة استبداده وحربه ضد الشعب السوري، حيث عمل النظام منذ اليوم الأول على استخدام كل الوسائل الإعلامية والاقتصادية والعسكرية لزرع الخوف في حياة المجتمع السوري الذي ثار عليه، حتى أصبح الخوف هو المحرك الأساسي للفرد والمجتمع، حيث بدأ المرء يتصور نفسه مجرماً دون أن يرتكب جريمة، وعليه تبرئة نفسه بشتى أنواع الطرق والأساليب- لأن موقف المجتمع من السلطة يعتمد على ما يراه الانسان منها.
سياسة استخدام عامل الخوف وتحويله الى أداة تخويف جماعي بيد النظام السياسي تتجلى في عدة مستويات: المستوى الأول لتبرئة الدولة من افتعال عملية التخويف، وهو القيام بإبراز عدو مشترك بينها وبين المواطنين لضمان التفافهم حول السلطة، مع التستر على المخاوف والأسباب الحقيقية التي هي من صلب مسؤولياتها، بهدف تأمين التماسك أو الشرعية للسلطة الحاكمة، المستوى الثاني: الانتقال من نشر الخوف الفردي إلى الخوف الجماعي، حتى تصبح كل المؤسسات -خاصة المؤسسة العسكرية والإعلامية- في الدولة أداة في أيدي السلطة، تحركها كما تشاء لخدمة أهدافها المرسومة، أما المستوى الثالث وهو الأهم والأخطر على كل مجتمع يُمارس عليه الاستبداد والاضطهاد، هو تحويل الخوف الاجتماعي إلى خوف أمني، ولعلَّ هذا التحويل هو أقوى ما يعبّر عن قدرة السلطة على التلاعب بغريزة الخوف واستثمار ذلك لصالحها، من خلال خلق عنف أقوى يهدد بقاء الفرد والمجتمع، كي يتراجع عن مطالبه التي قام من أجلها، وهنا تقوم السلطة بطرح مقايضة الأمن الاجتماعي بقبول سلطة الاستبداد ، هذه الاستراتيجية منذ القِدم، وما زالت تستخدم حتى الآن من النظم الديكتاتورية لإخضاع الشعوب لقراراتهم القمعية فالناس لديهم استعداد للتضحية بقدر كبير من حرياتهم ومطالبهم اذا شعروا أن حياتهم في خطر حقيقي ومحدق….والسؤال المركزي هنا:
هل استطاع السوريون فك عقدة الخوف والتخلص منها رغم كل أساليب الخوف والرعب التي استخدمها النظام…والجواب نعم بكل تأكيد ولا زالت بعض الأثار المتبقية لقد تحرر الإنسان السوري ولم تتحرر سورية الى اليوم…..وأن غدا” لناظره قريب.