إسماعيل الحبيب

قاضي ومستشار قانوني سوري

الجريمة المنظمة… تشكل قلق مستمر لكافة المجتمعات

ظهرت في الآونة الأخيرة أنماط جديدة من الجرائم التي لم تعرف من قبل كما أن بعض الجرائم التقليدية ظهرت بأساليب جديدة في طرق ارتكابها, وبسبب التغيرات التي طرأت على المجتمع الدولي والتي لازمها تغير في أنواع وأشكال الجرائم من حيث طرق ارتكابها ووسائل كشفها فقد تطورت الجريمة مع الحياة وأصبحت اكثر تعقيدا وبات ضررها اكبر واضخم .

وتعد ظاهرة الجريمة المنظمة ضمن الظواهر التي جعلت المجتمعات البشرية تعيش حالة قلق مستمر نظراً لبعدها الذي يتخطى الدولة الواحدة ومن هنا تأتي ضرورة التعاون الدولي لمكافحة الجريمة المنظمة وتطوير وسائل التعاون في هذا المجال .

وبالرغم من أن هذا العنوان يحتاج لمقال طويل ودراسة مكثفة إلا أننا سنحاول نشره بشكل مختصر و تقديم المفيد قدر المستطاع, فالجريمة المنظمة هي ظاهرة قديمة عرفت صورها التقليدية في جماعات المافيا كالمافيا الإيطالية وعصابات المثلث الصينية والياكواز اليابانية والكارتل الكولمبي والمافيا الأمريكية والروسية منذ زمن بعيد نسبيا يرجع تاريخ بعضها الى القرن السابع عشر او اكثر قدما .

وهناك تعاريف كثيرة للجريمة المنظمة منها ما اطلقه علماء الاجرام وتعاريف علماء الاجتماع وتعاريف فقهية وتعاريف دولية كتعريف الانتربول الدولي لها وتعريف الاتحاد الأوربي وكذلك تعريف الأمم المتحدة وتعاريف أخرى حسب القوانين الداخلية للبلاد وسنورد هنا التعريف الذي وضعته مجموعة مكافحة المخدرات والجريمة المنظمة في الاتحاد الأوربي في عام ١٩٩٣ جاء فيه ((أن الجريمة المنظمة هي جماعة مشكلة من اكثر من شخصين تمارس مشروعا اجراميا ينطوي على ارتكاب جرائم جسيمة لمدة طويلة أو غير محدودة ويكون لكل عضو مهمة محددة في إطار التنظيم الاجرامي وكذلك بهدف الحصول على السطوة والمال )).

 والسؤال الذي يطرح نفسه هنا , هل يوجد تشريع جنائي خاص بالجريمة المنظمة ؟

  في الحقيقة لا يوجد تشريع خاص بالجريمة المنظمة او نصوص خاصة به ومعظم الدول وخاصة العربية لم تتناول هذا الامر في تشريعاتها مثل الأردن والامارات والبحرين وسلطنة عمان وفلسطين ولبنان والمغرب رغم تعرضها لآثار الجريمة المنظمة او وقوع بعض الجرائم المنظمة على ارضها بينما نجد دولا أخرى ضمنت قوانينها نصوصا تتعرض للجريمة المنظمة دون اطلاق هذا المسمى عليها كدولة الكويت مادة ٥٦ من القانون ١٦ لعام ١٩٦٠ .

أما في سورية فلا توجد تشريعات خاصة بالجريمة المنظمة ولكن هناك نصوص قانونية تتناول أفعالا جنائية يرتكبها شخصان أو أكثر وتعتبر مماثلة للجريمة المنظمة مثل المؤامرة المنصوص عنها في المواد ٢٦٠ و ٢٦١ عقوبات والإرهاب مواد ٣٠٤ و ٣٠٦ عقوبات وجمعية الأشرار مواد ٣٢٥ و٣٢٦ عقوبات  والجمعيات  السرية مادة ٣٢٧ عقوبات .

وربما كانت جمهورية مصر العربية هي الأكثر مواكبة للمستجدات الإقليمية والدولية في مجال مكافحة الجريمة المنظمة, وذلك من خلال التوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة ( باليرمو ) عام ٢٠٠٠ وكذلك التوقيع على العديد من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة وابرام اتفاقيات ثنائية ومذكرات تفاهم أمني ، كما أن لديها قوانين خاصة لمكافحة بعض صور الجريمة المنظمة مثل قانون مكافحة عمليات غسل الأموال وقانون مكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات وقانون مكافحة سرقة الملكية الفردية وقانون مكافحة جرائم البيئة .

هناك روايات عدة حول تاريخ وأسباب نشوء الجريمة المنظمة ويعتبر نشوء المافيا التي هي أس  الجريمة المنظمة ولادة لها وقد قيل أنها نشأت عام ١٢٨٢ عندما احتلت فرنسا جزيرة صقلية حيث ظهر شخص يدعى جان بوسيدا وأسس وتزعم عصابة لمقاومة الاحتلال تحت شعار (( ايطاليا تتمنى الموت لفرنسا )) وان كلمة المافيا ناجمة من حروف الشعار, ويقال ان المافيا الإيطالية وزعت الجريمة المنظمة ومصطلح المافيا عبر دول العالم ونشأت بعدها المافيات العالمية كالروسية والأمريكية وغيرها .

وإن من اهم الأهداف التي تسعى اليها جماعات الجريمة المنظمة هي الربح المالي الكثير وقد تكون هناك أهداف وغايات سياسية لها قد تكون مأجورة أو حين تتشارك بعض أجهزة الدولة مع المافيا .

ولا يخفى على أحد ما للجريمة المنظمة مخاطر وأضرار كبيرة على كافة الصعد الوطنية والدولية ومنها انتقال الأفكار الاجرامية عبر الدول ما يشكل تناقضا في المجتمع وتعرض الاخلاق السائدة فيه لمتغيرات خطيرة كاعتبار الإباحية أو تعاطي المخدرات أمرا مألوفا وهذا ما يؤدي الى حالة اضطراب اجتماعية كبيرة لما تزرعه الجريمة المنظمة من خوف ورعب في نفوس الافراد وكذلك الاضرار الأخرى كالإتجار بالنساء (بغاء وغيره) والأطفال واستخدامهم كأدوات تنفيذية وبالتالي افساد القيم والعلاقات الاجتماعية والأسرية بل ربما القضاء عليها .

وفي هذا المقام نجد أن بعض الدول بأنظمتها السياسية وأذرعها الداخلية والخارجية تتعاون مع المافيات وربما تشكل مافيا خاصة للسيطرة على شعوبها من خلال اغراقها بالمخدرات وزرع الرعب والافساد بأدوات شتى وبشكل ممنهج وربما يكون هناك امتداد خارجي او تعاون عضوي وثيق مع أنظمة مشابهة وخير مثال على ذلك نجده لدى عصابة النظام الحاكم في سورية واذرعه, وايران وميليشياتها في دول عدة, وقد دفع المجتمع السوري فاتورة كبيرة وربما مجتمعات مجاورة او بعيدة بسبب التعاون الكبير بين هذه الأنظمة في مجال الجريمة المنظمة وصولا الى الأهداف التي تم ذكرها من خلال الجريمة المنظمة .

%d مدونون معجبون بهذه: