
فايز سارة
كاتب وسياسي سوري
حرب مؤجلة في واقع معقد
تدلل مجموعة من المؤشرات الى تصعيد احتمال حرب إسرائيلية على إيران، ولعل الأهم في هذه المؤشرات تصريحات توالت في الفترة الأخيرة من جانب بعض القادة الإسرائيليين سواء من المستوى السياسي او من العسكريين، والمؤشر الثاني، يمثله تصاعد الهجمات الإسرائيلية على اهداف إيرانية وأخرى تتبع إيران، حتى لو كانت مغطاة بمظاهر وتعبيرات جيش الأسد، وبين المؤشرات الأخرى قيام إسرائيل باستنفار وحشد قواتها، وإجراء تدريبات فيما يشبه الاستعداد للحرب بأشكال تقارب ما كانت تقوم به سابقاً عشية عمليات واسعة ضد الدول العربية المحيطة.
حرب إسرائيل المحتملة، هدفها الأساسي منع ايران من التحول إلى قوة نووية، وقد تكررت اقوال إسرائيلية حول ذلك مرات ومرات في العقود الماضية، بل ان إسرائيل كررت مرات، انها ستشن حرباً ضد ايران، عندما كانت الأخيرة تطور أسلحتها الصاروخية بدعم ومساعدة من نظام كوريا الشمالية، لكنها لم تشن حرباً ضد ايران، وغالباً فان الامر سوف يتكرر هذه المرة، وإن يكن لأسباب مختلفة، ومحاطاً بتفاصيل مختلفة أيضا، سيؤدي كلاهم الى عدم قيام حرب، وربما اكتفاء إسرائيل بعملية ما تؤدي الى وقف أو تعطيل برنامج ايران النووي.
في كل الأحوال، فان إسرائيل لا تريد أن تترك ايران تتابع مشروعها، وهذا أمر لاشك فيه، وتدعمه مؤشرات معروفة، أولها حرب إسرائيل على كوادر الصناعات النووية الإيرانية، حيث جرى اغتيال خمسة منهم ما بين العامين 2010- 2015 في عمليات استخبارية بدت عليها بصمة إسرائيل، وأدت آخر عمليات الاغتيال الى مقتل محسن فخري زادة وسط طهران في وضح النهار، وهو احد أهم علماء إيران، كما أن بين مؤشرات موقف إسرائيل، تواصل عملياتها، التي استهدفت تفجير المنشآت النووية الإيرانية مرات متعددة، إضافة الى مواصلة إسرائيل الحملة الدعائية – الإعلامية على مستوى العالم ضد إيران وسعيها لامتلاك أسلحة نووية.
ومسار إسرائيل في التعامل مع ملف إيران النووي، يقارب في محتواه العام مسارات، ذهبت فيها إسرائيل في التعامل مع المشاريع النووية، التي حاولتها بعض بلدان المنطقة ومنها مصر والعراق وسوريا سواء لجهة تدمير المنشآت كما حدث في الغارة الجوية إسرائيلية ضد مفاعل تموز جنوب بغداد في حزيران 1981، وفي قيام الطائرات الإسرائيلية بتدمير مفاعل الخبر السوري قرب دير الزور في أيلول 2007، كما قامت إسرائيل باغتيال عشرات من علماء البلدان الثلاثة، بل ان اغتيال عملاء العراق استمر وتصاعد بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003.
وسط السلوك الإسرائيلي في التعامل مع الملفات النووية في المنطقة، فان إسرائيل ستذهب غالباََ نحو توجيه ضربة إلى واحدة أو أكثر من المنشآت النووية الإيرانية، اذا تقرر ان ذلك سيكون خيارها، وهذا سوف يستند الى مجموعة عوامل.
اول العوامل واهمها ان لا إسرائيل ولا إيران راغبتين في حرب شاملة، حسب دلالات موقف الأولى في سوريا وعملياتها العسكرية، اذ هي عمليات محدودة التأثير وغالباً ذات صدى اعلامي، أكثر من كونها تمثل ردعاً او تدميراً للقوة الإيرانية وحلفائها، كما ان ايران تظهر مستوى من التواطؤ مع العمليات الإسرائيلية ضد قواتها وحلفائها في سوريا، فلا ترد على العمليات، وان ردت فان ردها لا يتجاوز تصريحات لا معنى ولا قيمة لها، والعامل الثاني معارضة الولايات المتحدة الأميركية لهجمة إسرائيلية، قد لا تكون محسوبة النتائج بحيث يمكن ان يؤدي الى حرب شاملة بين إسرائيل وايران، مما يعرض المنطقة الى اختلالات في مكانة وعلاقات الولايات المتحدة، حيث إسرائيل حليفها الأول والاساسي، وإيران وكيلها المعلن في العراق ومؤخراً في أفغانستان، وقد لعبت دوراً لا يغضب واشنطن في سوريا، ان لم نقل انه قدم لها خدمات في حرب أميركا ضد الإرهاب من جهة، وفي إشاعة الفوضى في عموم المنطقة، ولاسيما في أربعة من بلدان عربية هي العراق وسوريا ولبنان واليمن.
ثالث العوامل هو موقف روسيا، التي تعتبر حليف إيران في سوريا، وصديق إسرائيل المؤكد، وقد رضيت روسيا قيام إسرائيل بضرب قوات ايران وقواعد حلفائها في سوريا، طالما كانت الضربات محدودة الأثر على ايران، لكنها تعارض حرباً شاملة ضد إيران، لأن ذلك قد يخرج الأخيرة من سوريا في وقت من المؤكد أن وجودها هناك هو ضرورة ومكسب روسي، ليس بما تقدمه من إمكانيات في دعم نظام الأسد حليف موسكو في سدة السلطة، بل لان قواتها وميلشياتها يمثلان قوة السيطرة الرئيسية في المناطق التي يسيطر عليها الأسد، وخروجها منها سوف يبدل واقع القوى الميدانية وتوازناتها، وهذا سيكلف روسيا الكثير من الإمكانيات المادية والبشرية، ويجعلها المسؤول الوحيد عن بقاء الأسد ونظامه، وهذا ما لا تريده موسكو، وقد لا تتحمله، وسيفكر الجميع إيران والولايات المتحدة وإسرائيل بذلك بصورة جدية وعملية.
خلاصة الأمر، أن إسرائيل عملت وسوف تعمل كل ما تستطيع من أجل مواجهة المشروع النووي الإيراني ووقف احتمالات انجاز حلقته الأساسية، لكن من الصعب تصور انها ستذهب الى الخطوة الحاسمة في خوض حرب شاملة ضد إيران لتحقيق هذا الهدف، وقبل هذا لديها خيار توجيه ضربة للمشروع بقصد تعطيله او تأخيره، وهذا ما تؤكده طبيعة المحادثات الأميركية – الإسرائيلية، التي جرت مؤخراً في الولايات المتحدة بين وزيري الدفاع الأميركي والإسرائيلي، والتي ركزت على “سيناريو تدمير المنشآت النووية الإيرانية” في وقت كانت فيه إسرائيل تجري تدريبات للطيران الإسرائيلي على ضرب اهداف في ايران، وكلا الأمرين، لا يؤكدان الذهاب الى حرب شاملة ضد ايران، وقد يكون من المهم أن نختم بالقول، إن تصعيد إسرائيل حول حرب مع إيران لم يأت إلا بعد ما بدا أنه موقف إيراني متشدد في الجولة الأخيرة من المباحثات في فيينا، الامر الذي يعني ان ما يجري حول الحرب الواسعة ليس أكثر من تهديدات وعمليات ضغط وابتزاز إسرائيلي، لكن الجرعة قد تزيد قليلاً، تقوم إسرائيل بهجمة جوية على أهداف نووية في ايران، دون ان تكون ضربة قاضية.
المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها.