
أحمد البرهو
كاتب وشاعر سوري
السلام….. خيار الثورة لا النظام
منذ ان أعلن النظام في آذار 2011 حربه على الشعب السوري المنتفض ضده، والشعب السوري، الثائر منه على وجه الخصوص، يعيش أيامه مكثفة بالحوادث أملاً بأمل، وخيبة بخيبة.
يستيقظ السوريون على مجزرة، وينامون على قرار دولي، ثمّ ينامون متفائلين بمبادرة دوليّة، ويستيقظون على مجزرة أخرى يرتكبها النظام المجرم وحلفاؤه.
إلا أن حلم السوريين بالخلاص بدا شديد الكثافة في محطّات زمنية معينة أكثر من غيرها، حيث شهدت بداية من انطلاقة الثورة آذار 2011 أوج عنفوان الحلم السوري بالخلاص.
وكانت كلّما تحرّرت من ربقة النظام مدينة، يكبر الحلم أكثر فأكثر، وتهتف لها بقيّة المدن والمحافظات السوريّة، حتّى تحرّر نحو ثلثي مساحة الوطن.
حين أحس النظام بدنو أجله، وضاق الخناق عليه، ذهب النظام إلى تبني استراتيجيا تهدف إلى التسبب بكل ما يمكن أن يؤدي إلى تفجير المنطقة، من خلال استدعاء الإرهاب عبر ارتكاب المجازر الطائفية البشعة، ثم التحالف مع قوى أصوليّة إرهابيّة بعينها يمنحها النظام، وحدها، مباركته في قتل السوريين!
ولعلّ ارتكاب النظام لمجزرة الغوطة في 21 /8 /2013 التي ذهب ضحيّتها مئات المدنيين السوريين خنقا، لعلّها كانت فرصة ملائمة لتدخل المجتمع الدولي كما عوّل الأمل السوري، فضمّد السوريون جراحهم، وتفاءلوا بموقف دولي حازم في وجه نظام استخدم السلاح الكيمياوي في حربه ضد شعبه، إلا أن هذا التفاؤل تراجع شيئاً فشيئاً حتّى انكشف عن صفقة روسيّة تقضي بتسليم النظام لترسانته الكيمياوية مقابل السكوت عنه!
وربّما كانت المرة التالية التي تفاءل خلالها السوريون حين تمكّن منشق سوري عن النظام المجرم من تسريب آلاف الصور لمعتقلين في سجون النظام، تم تعذيبهم حتى فارقوا الحياة، فتجرّع السوريون غصّتهم، وتفاءلوا، من جديد، بموقف دولي حازم من النظام الذي تم إثبات قتله لعشرات آلاف السورين المعتقلين، ومن بينهم نساء وأطفال، بأدلة قطعية!
تأخر العالم بالاستجابة فأخذ اليأس من السوريين مبلغه مرة أخرى، حتى صدور قانون (قيصر) لمعاقبة نظام الأسد عام 2019، والذي لم يدخل حيّز التنفيذ حتى منتصف حزيران 2020!
2021 أحس السوريون بانزياح موقف الإدارة الأمريكية من قضية الشعب السوري بعد تبدّل الإدارة من ترامب إلى بايدن، خاصة في ضوء إعادة التصريحات حول رغبة الإدارة في تغيير سلوك النظام، لا في إسقاطه!
وربّما يمكننا العثور على هذا المعنى في المبادرة الأردنيّة التي أُطلق عليها اسم: (اللا ورقة)، والتي تتضمن دفع النظام إلى تغيير سلوكه، مقابل حوافز (منتقاة بعناية)، ففيما تتوقع المبادرة من النظام أمورا من مثل: الإفراج عن المعتقلين السياسيّين، والكشف عن مصير المفقودين، والسماح بعودة النازحين، وتشكيل بيئة آمنة لعودة اللاجئين (طواعية).. والطلب إلى القوات والميليشيات ‘‘الأجنبية الإيرانيّة والروسيّة وحزب الله‘‘ بالخروج من سوريّة.. إلخ فإن المبادرة تكفل بدورها رفع العقوبات الاقتصادية تدريجيّا عن النظام، وتساعد في تأمين الدعم المخصص لإعادة الإعمار ونحو ذلك!.
إلا أن المبادرة ذاتها تُعيد ذكر الهدف منها بـ (المشاركة الإيجابية مع البلدان المجاورة والالتزام بالاستقرار الإقليمي..)!
2021 يعيش السوريون هذه الأيام قلقا وجوديا، وإحباطاً مضاعفا، مبعثه تصورهم كسوريين حول: إعادة علاقات بعض دول المنطقة مع نظام الأسد، وتبادل الزيارات بين المسؤولين الأمنيين، وسماح “الإنتربول” للنظام السوري بالولوج إلى شبكة الإنتربول..
وفي حين يبدو قلقنا كسوريين مكلومين مبرراً بدافع الخوف على ضياع دماء مئات آلاف السوريين، ومصير مئات آلاف المفقودين، او المعتقلين في سجون النظام المجرم، فضلا عن مصير ملايين السوريين الذين نزحوا من مناطقهم إلى مناطق سورية أخرى، او تم تهجيرهم إلى خارج الوطن العزيز سوريا، لذلك يعوّل ملايين السوريين على تفهم المجتمع الدولي لمأساتهم الإنسانية.
وفي حين لا تقوم سياسات الدول، وإدارة مصالحها على العواطف، لكنها في الوقت ذاته ملتزمة على نحو أخلاقي بعدم خرق او تشجيع خرق حقوق الإنسان.
2021 يتخوف السوريون فيتساءلون: هل يمكن أن تضيع دماؤنا؟!
وهذا تساؤل وجودي مشروع بالنسبة للشعب السوري.. لكن في الوقت ذاته فإن التساؤل الموضوعي، الذي يمكن للدول ان تتساءله أيضا هو: هل يمكن إعادة تعويم الأسد؟
إذا كانت مصالح الدول تتضمن وحدة الأراضي السوريّة، بما يُحقّق الاستقرار والأمن، ويعين على التبادل التجاري بين سوريا وبين تلك الدول، فهل يمكن لتلك المصالح ان يضمنها بقاء راس النظام بشار الأسد!
لا ريب أنّ دول المنطقة هي صاحبة مصلحة حقيقيّة في تعافي الدولة السوريّة، وقد لا يكون هدف التحرك الدولي هو لنصرة الشعب السوري، على وجه الخصوص، فالدول، في نهاية الأمر، ليست جمعيّات خيريّة، إلا أنها كذلك دول محترمة لا مسالخ بشريّة كما هي دولة الأسد، ومن ثم فإن حراك تلك الدول وإن لم يكن موجّها لحماية مصالح الشعب السوري مُباشرة، إلا أنه ليس من الحكمة الجزم في اعتباره ضد مصلحة السوريين، فالسوريون هم أصحاب المصلحة الأولى في أن تكون الدولة السورية بخير.
والسؤال التالي هو: هل يمكن إعادة الدولة السورية بوجود بشار الأسد؟
فيما يخص الشعب السوري، الذي خرج ضد النظام السوري، لا ضد الدولة السورية في 2011، فالإجابة: (لا) منذ 2011. حتى من كان من السوريين غير مقتنع تماما بالثورة، فإن ممارسات النظام خلال السنوات العشر الماضية تمكنت من إقناع نسبة كبيرة من مؤيديه إلى القناعة ذاتها، (لا).
وقد يكون الواقع السوري غير المؤسس خارج اعتبارات المجموعة الدوليّة، وأن مسار العملية التفاوضية بات باهتا في ظل عدم توفر إرادة حقيقيّة لدى النظام للتفاوض، وعدم تمكن المعارضة حتى الآن من الحصول على ما اعتبره جنيف (1) تمثيلاً (وازنا). كل ذلك في ظل استقطاب دولي يدفع ضريبته الشعب السوري منذ عشر سنوات!
هل يمكن إعادة تعويم النظام السوري ليستعيد دور الدولة السوريّة فيكون شريكاً لدول المنطقة؟
إذا استثنينا قرارنا كشعب سوري، فإنّنا كذلك نظنّ أن النظام العالمي بات يدرك جيّدا ارتباط نظام الأسد بالإرهاب الذي ضرب دول المنطقة، بل العالم، لذلك فإنّنا ما نزال نشكّكُ في مصلحة النظام العالمي حقوقيّا واقتصاديّا، فضلا عن المنظومة الأخلاقيّة لحضارة بكاملها، في الإبقاء على النظام كما هو.. كما نشكّكُ في قبول هذا النظام لأي تغيير إيجابي، باتجاه السلام، والديمقراطيّة، لأن ذلك هو الخناق ذاته الذي هرب منه عام 2011.
المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها