المهندس عبد الكريم أغا

رئيس الحركة الديمقراطية السورية

الوضع الاقتصادي والسياسة النقدية التركية …. تأثيراتها على السوريين

من المؤكد بأن تأثيرات الوضع الاقتصادي السائد والسياسة النقدية المتبعة وتقلبات أسعار صرف العملات الأجنبية في تركيا لم تعد محصورة بالأسواق التركية فحسب بل أصبحت تؤثر وعلى نحو مباشر بالداخل السوري لا سيما في المناطق الشمالية المحررة من سيطرة العصابة الحاكمة في دمشق.

حيث يتجاوز عدد السوريين المتأثرين بشكل مباشر سلبا أو إيجابا بتقلبات الوضع الاقتصادي التركي وحركة صرف العملات الأجنبية قرابة عشرة ملايين منهم خمسة ملايين داخل أراضي جمهورية تركية تحت الحماية المؤقتة أو مختلف أنواع الإقامات، وما يقرب من خمسة ملايين داخل الأراضي السورية في البلدات والمزارع والمخيمات، هذا بالإضافة الى ارتباط عدد كبير من السوريين الموجودين في مناطق سيطرة العصابة الحاكمة بالوضع الاقتصادي لأقربائهم الموجودين في المناطق الشمالية.

كما هو معروف في مناطق سيطرة العصابة الحاكمة حيث يعاني السوريين من الفقر والجوع وانعدام الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء ووقود تدفئة وهبوط كارثي في قيمة العملة الوطنية وانخفاض عملية الإنتاج في مختلف القطاعات الزراعية والصناعية وتوقف عجلة النمو الاقتصادي ومن سياسة الحصار والتجويع الذي تمارسه تلك العصابة بهدف اجبار المتبقين من المواطنين الى الهجرة أو النزوح الى الشمال حيث يقيم الملايين في مخيمات تفتقر الى ابسط قواعد العيش.

أما فيما يتعلق بمناطق شرق الفرات فإن المقيمين فيها يعتمدون في معاملاتهم اليومية على الليرة والصادرات التركية إضافة الى بعض الواردات التي تكاد تكون معدومة غالبا من الداخل السوري.

لقد شهدت الليرة التركية في الآونة الأخيرة هبوطا ملحوظا امام سلة العملات الأجنبية وخاصة الدولار الأمريكي واليورو.

 لعل أبرز العوامل المتسببة بانخفاض الليرة التركية هي:

  • انخفاض عائدات قطاع السياحة الخارجية بسبب جائحة فيروس كورونا: وكما هو معروف بأن الوباء قد ترك أثارا سلبية كبيرة على حركة السياحة العالمية، فتراجع عدد السياح الأجانب الوافدين الى تركيا من خمس وأربعين مليون الى ما دون العشرين مليون، مما لا شك فيه بأن هذا القطاع لم يتأثر مثل باقي الدول بسبب توفر الرعاية الصحية في جميع المدن الطيبة الكبيرة والمتميزة على الصعيد العالمي، حيث لم تتجاوز نسبة اشغال غرف العناية المركزة في القطاع الصحي 60% في حين وصلت هذه النسبة الى 100% في معظم الدول المتقدمة.
  • العجز في الميزان التجاري التركي: حيث ازدادت نسبة الواردات على الصادرات بسبب عدم اتباع سياسة حماية المنتجات المحلية منذ توقيع الاتفاقية الجمركية مع الاتحاد الأوروبي.
  • المديونية الخارجية: يبلغ الدين الخارجي التركي حتى الربع الثاني من عام 2021م ما يقرب من 446 مليار دولار، يمثل هذا الرقم حوالي 58% من اجمالي الناتج القومي، تعود هذه المديونية الى كل من القطاع العام والخاص وكنتيجة للاستثمارات الكبيرة بمئات المليارات من الدولارات التي تتوزع على مختلف مشاريع البنية التحتية مثل الطرق السريعة والسدود والمطارات والسكك الحديدية ومشاريع الطاقة النووية والطاقة الشمسية وطاقة الرياح وبناء المدن الطبية، حيث تجاوز طول الطرق ذات المواصفات العالمية أكثر من 30 ألف كم والأنفاق أكثر من 300 كم. دون أدنى شك سوف تنعكس هذه المشاريع بشكل إيجابي على حياة الناس.
  • ارتفاع معدلات التضخم وزيادة الكتل النقدية: تلجئ الدولة الى زيادة الرواتب في مواجهة التضخم وزيادة الحد الأدنى للأجور بشكل يتناسب الى حد كبير مع ازدياد أسعار السلع، كما تشمل الزيادة رواتب المتقاعدين مما يتسبب بزيادة الكتل النقدية المتداولة.
  • انخفاض معدلات الفائدة: مؤخرا بسبب تخفيض قيمة الفائدة لليرة التركية من 19 إلى 15% بدأ سعر صرف الليرة التركية يتراجع امام الدولار، كما يتبع مسؤولي البنك المركزي سياسة تخفيض قيمة الفائدة لدفع الأموال إلى الاستثمار والتوظيف في المشاريع المنتجة لتساهم في عملية التنمية.
  • ارتفاع مؤشر الدولار: يقاس مؤشر الدولار امام سلة من العملات الرئيسية (اليورو-الين الياباني-الفرنك السويسري-الدولار الكندي-الجنيه الإسترليني والكراون السويدي. لقد ارتفع مؤشر الدولار من 93,8 إلى 96,5 من بداية تشرين الأول امام الليرة التركية وهذ يعني بأن حوالي 3% من تراجع قيمة الليرة التركية ناتج عن ارتفاع مؤشر الدولار.

أهم الفوائد الناتجة عن تخفيض قيمة الليرة التركية:

  1. توجد علاقة عكسية ين الاستثمار والفائدة، كما أسلفنا فإن انخفاض أسعار الفائدة يزيد من نسبة الأموال المتجهة الى المشاريع الاستثمارية ويزيد من نسبة القروض المستهلة للإنتاج ويساعد في تحقيق نمو اقتصادي وازدهار، يمكننا القول بأن نتائج تخفيض نسبة الفائدة قد تكون سلبية في المدى المنظور لكنها بالتأكيد إيجابية على المدى المتوسط والبعيد، لذلك تتبع الحكومة التركية والبنك المركزي التركي سياسة تخفيض نسب الفائدة لدفع عجلة الاقتصاد ومنع الركود.
  2. زيادة العمالة وخلق وظائف جديدة ورفع معدل التنمية، وقد تجاوز معدل التنمية في الربع الأول من هذا العام 20%
  3. تخفيض نسبة العجز التجاري: تهدف الحكومة التركية الى خفض نسبة العجز التجاري بين الصادرات والواردات من خلال زيادة نسبة المبيعات وقوة منافسة البضائع التركية في الأسواق العالمية وضبط حركة الواردات نظرا لارتفاع أسعارها بسبب انخفاض قيمة الليرة التركية.

ما هي المؤشرات التي تجعل من الاقتصاد التركي اقتصادا واعدا؟

  1. دخول الكثير من المشاريع الاستثمارية الضخمة في مرحلة الاستثمار.
  2. ازدياد نسبة الواردات من العملة الأجنبية، حيث يتجاوز عدد المواطنين الأتراك العاملين في الخارج أكثر من سبعة ملايين ويساهمون أيضا في عملية نقل التكنلوجيا والخبرات العلمية المتقدمة إلى تركيا.
  3. قدرة القطاع الصحي على احتواء جائحة فيروس كورونا يؤدي الى تعزيز الثقة بالقطاع السياحي وزيادة نسبة السياحة الخارجية، يمكن ان تصل إلى معدلاتها السابقة وتزيد.
  4. الاستفادة من رجال الأعمال والمستثمرين الاتراك الذين ينفذون المشاريع الضخمة بكلفة مئات المليارات في أفريقيا وأوروبا وأسيا وأمريكا.
  5. مرونة القطاع الخاص التركي وقدرته على الاستثمار في مجال الصناعة والطاقة والإنتاج وقد حققت تركيا في العام المنصرم صادرات بقيمة 200 مليار دولار .
  6. ازدياد عدد الدول التي تعتمد على الخبرات التركية في حقل تنمية البنى التحتية وعقد اتفاقيات ثنائية في مجال التجارة البينية والتنقيب عن البترول والغاز والذهب.
  7. تطور الصناعات العسكرية التركية من حيث النوع والعدد وتلبيتها 80% من الاحتياجات الدفاعية الوطنية، مما يوفر للدولة مئات المليارات المخصصة لتأمين متطلبات الدفاع الوطني.
  8. استمرارية وازدياد الأهمية الاستراتيجية العالمية لتركيا لا سيما في هذه الظروف التي تنذر ببداية حقبة خطيرة من الحرب الباردة بين الدول الرئيسية.
  9. العلاقات البينية الواعدة لتركيا مع كافة دول العلم الثالث من خلال برامج المساعدات التي تنفذها مختلف المؤسسات التابعة للقطاع العام والخاص.
  10. توفر الفئة العمرية الشابة والمدربة والتوسع في مجال التربية والتعليم وتنشئة الأجيال المدربة من خلال افتتاح عدد كبير من الجامعات وتقديم المساعدة اللازمة لجيل الشباب.

هذا بالإضافة الى الكثير من المؤشرات الأخرى حيث تسعى الحكومة على أن تحتل تركيا موقعا بين الاقتصاديات العشر الأولى في العالم، نظرا لأهمية العلاقة المستقبلية بين جمهورية تركيا وسورية التي يفرضها الموقع الجغرافي الفريد لكلا البلدين يمكننا القول بأن تطور الاقتصاد التركي سيكون له أثارا إيجابية حتمية على الاقتصاد السوري ويصح العكس أيضا، متمنين لهذين البلدين الجارين التقدم والازدهار.

المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها

%d مدونون معجبون بهذه: