
فايز سارة
كاتب وسياسي سوري
هل من نهاية لأخطاء واشنطن في سوريا ؟
كثيرا ما ساق المعنيون بالملف السوري من السياسيين والباحثين ومنهم الاميركيين أسبابا، تفسر عزوف الولايات المتحدة عن اتخاذ مواقف حازمة وواضحة في القضية السورية، وبقاء مواقفها وسياساتها في الفضاء غير المجدي أو غير المؤثر فيها باستثناء ان استمرار سياساتها على ما درجت عليه، تشبه كرة ثلج تتدحرج في واد لا تتبين نهايته، مما ساهم بمزيد من التردي في الحالة السورية.
وبالرغم أن العالم كله والولايات المتحدة ذاتها والسياسيين والباحثين المعنيين والمهتمين بالقضية السورية، عرفوا ولمسوا، ان نتائج وتداعيات القضية السورية، لم تصب السوريين وحدهم، بل كثير من دول العالم- كما في قول أن اللجوء السوري يمتد في أكثر من سبعين بلداً عبر العالم، فإنه فصلوا الموضوعات عن سياقها، ولاحظوا أن معالجة موضوع إرهاب الجماعات المتطرفة، يمكن أن يتم دون معالجة أسبابها ومسارات تمددها في سوريا، والتي لاشك أن حلف الأسد الإقليمي والدولي وإيران وروسيا وسياساته بين اهم تلك الأسباب، وان أطرافه كانوا الاشطر في خلق مسارات خلق وتمدد الجماعات الإرهابية، بل انهم بين رعاتها الأساسيين، لان الأطراف الثلاثة تمثل النموذج الرسمي لما هو معروف ب”إرهاب الدولة”.
وكما في المثال السابق… فان المعنيين لم يلاحظوا ان هجرة ولجوء السوريين الى عشرات الدول، تمثل عملية تغيير ديموغرافي لدول ومجتمعات عديدة منها لبنان والأردن وتركيا وبصورة جزئية لألمانيا، وانها جريمة يعاقب عليها القانون الدولي، لا يجوز السكوت عنها، بل اعتبروها قضية إنسانية، جرى تسليمها الى الهيئات المعنية باللاجئين، التي تنتظر صدقات الدول، وتأمل تلقي المساعدات وسط مصاعب يواجهها العالم من آثار جائحة كورونا، فيما يواصل نظام الأسد والإيرانيين والروس سعيهم لتثبيت ركائز وجودهم في سوريا بعد تهجير أكثر من نصف سكانها.
تتكرر وتتعدد الأمثلة الخاصة بأخطاء السياسة الأميركية في القضية السورية، والنظر اليها من منظورات غير واقعية او مخادعة, ورغم خطورة ما جرى في هذا السياق، فقد تم تمريره في إدارة الرئيسيين أوباما وترامب سواء بفعل ظروف محيطة، او نتيجة ضعف تأثير بعض تلك النتائج مثل الهجرة واللجوء على الولايات المتحدة، غير أن التطورات أثبتت أن من الصعب على واشنطن الاستمرار في مواقفها وسياساتها السورية، ان لم يكن من أجل سوريا والسوريين، فعلى الأقل من اجل حلفاء واشنطن ومن اجل المصالح الأميركية، التي تزايد الكلام الأميركي عن تهديدات تواجهها في الشرق الأوسط.
لعل الأبرز في التحديات، التي باتت تواجه واشنطن في المنطقة، تزايد الدور والنفوذ الروسي في سوريا والذي بدأ صغيراً عبر رضا وسكوت واشنطن، ثم تحول ليصير دوراَ رئيسياً بعد تدخلها العسكري، ثم صار لاحقاً ورقة مهمة بيد موسكو في صراعاتها الأوروبية، وكله أضعف الولايات المتحدة وحلفها الدولي والإقليمي، وثمة نقطة أخرى لا تقل أهمية وإثارة، يمثلها وجود إيران في سوريا الذي بدأ وسط صمت عن موقفها وسياساتها السورية، وتم السكوت عن وجودها ومليشياتها وما قاموا به من جرائم تحت سمع وبصر واشنطن والأوروبيين طوال عشر سنوات مضت، وتشجعت طهران في ضوء الصمت عن إجرامها في سوريا للذهاب باتجاه الاستيلاء على اليمن ولبنان، تمهيداً للانتقال نحو بلدان أخرى، ولأن تشكى العرب من هذا التمدد، وانضمت إسرائيل حليفة واشنطن الأولى في المنطقة إليهم في الشكوى، فان واشنطن لم تبدل سياستها التقليدية حيال طهران.
وسط هذا المستوى من الأخطاء والتخلي الأميركي في الشرق الأوسط، جاء الانسحاب الأميركي من اتفاق 5+1 النووي مع إيران، وقد استغلته الأخيرة للتخلص من أي التزامات والمضي في مشروعها النووي نحو نهايته في إنتاج سلاح نووي، مما أعاد إدارة الرئيس بايدن للتفكير بإعادة عقد اتفاق جديد بقصد لجم طموحات طهران النووية، لكن جولات المحادثات التي تمت، كشفت سياسة ايران في المماطلة وتمرير الوقت دون الاتفاق حتى على جدول أعمال المفاوضات، مما أثار تحفظات الاوربيين والامريكيين المشاركين في المفاوضات، وحرك مخاوف الإسرائيليين من وصول ايران الى انتاج الأسلحة النووية.
ولأن بدأت سياسة تصعيد ضد إيران وموقفها في المحادثات حول الملف النووي في الموقف الأميركي -الأوروبي، فان الولايات المتحدة انتقلت مع إسرائيل الى مستوى آخر في التعامل مع موقف إيران وسلوكها بفتح بوابة الخيارات الأخرى، والتي لا يمكن قراءتها خارج خيار استخدام القوة وقوة الهجوم حصراً، ذلك أن كل الخيارات تم تجريبها مع إيران دون جدوى من الضغوط السياسية الى العقوبات، وصولاً الى الهجمات العسكرية المحدودة على نحو ما قامت به إسرائيل من عمليات ضد أهداف إيرانية في سوريا، وعمليات استخبارية، شملت ضرب منشآت نووية واغتيال علماء إيرانيين.
لقد بحث عسكريون أميركيون وإسرائيليون الخيارات الممكنة في الرد على الموقف الإيراني ليس من اجل جلب ايران الى مفاوضات مثمرة تقود الى اتفاق نووي جديد فقط، بل من اجل منع إيران من التوصل الى سلاح نووي حسب ما يعلنه الإسرائيليون، ولئن بدا من الطبيعي، ان لا يتم الإعلان عن نتائج المحادثات، فإن من الطبيعي، أن يكون تم توافق أميركي- إسرائيلي على إجراءات عسكرية، لا تستبعد ضربة للمنشآت النووية الإيرانية في حال استمرت طهران على المراوغة والتهرب، ومما يؤكد وجود التوافق شروع إسرائيل بإعلان استنفارات والقيام بتدريبات وسط تصريحات تصعيدية ضد إيران، وقيام الأخيرة بإجراء مناورات واسعة، شملت مناطق المقرات النووية، وترافقت بتهديدات لإسرائيل، بل ولكل من يدعم هجمات على ايران، ولا يحتاج الى تأكيد ان التهديدات موجهة الى دول الخليج العربية.
ان ارتفاع وتيرة المواجهة الأميركية – الإسرائيلية مع ايران وتجاوزها ما درجت عليه مواجهات المرحلة السابقة، يبدو بمثابة حقيقة جديدة في الشرق الأوسط، وهو يعني أننا إزاء تغييرات جوهرية في مواقف مختلف الأطراف، واغلب تلك الأطراف مشاركة او متصلة بروابط قوية في الملف السوري، كما هو حال ثلاثي احتمال المواجه العسكرية إسرائيل وايران والولايات المتحدة، وسيكون على كل واحد من الأطراف، ان يعيد ترتيب مواقفه وسياساته، ويعزز تحالفاته، وسيكون على واشنطن إنهاء سياسة التخلي والارتباك، والانخراط في الملف السوري الى اعماقه، وهو الملف الذي تحضر ايران في كل تفاصيله، وأيا سيكون مصير الاحتدام بين إسرائيل وايران او بين الأخيرة والولايات المتحدة، فان ما سيكون بعده غير ما كان قبله، ذلك أن التغييرات، وإن كانت لا تتم دائماً بالقوة المسلحة، فان مؤشرات الأخيرة تبدو واضحة، وقد تكون سوريا ساحة من ساحاتها، وإن كنا نشفق على السوريين وقد تحملوا كثير من العنف والدم في سنوات العقد الماضي.
المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها.