

أحمد العبد المجيد
ضابط حقوقي
الإتجار بالبشر….جريمة بحق الإنسانية
تعتبر جريمة الإتجار بالبشر من الجرائم المنظمة ذات السلوك المؤذي بمصالح الدول وحتى المجتمعات وهي بمثابة الصورة الحديثة للإتجار بالرقيق في أبشع صوره وهو كل فعل موجه للشخص الطبيعي أي الإنسان بقصد استرقاقه متمثل بحيازته أو أسره وقد يكون للتنازل عليه للغير بمقابل أو بدون مقابل.
وقد عرفه بروتوكول باليرمو لعام 2000 الخاص بمنع الإتجار بالبشر والمكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة بأنه تجنيد ونقل وإيواء واستقبال الأشخاص من خلال وسائل التهديد أو القوة وغيرها من أساليب الإكراه والاختطاف والتزوير وسوء لاستخدام السلطة، أو استلام دفعات مالية أو خدمات للحصول على موافقة شخص ما يسيطر على شخص أخر من أجل استغلاله كاستغلال الأشخاص للعمل في البغاء أو أية أشكال أخرى من الاستغلال الجنسي، أو لإكراه على العمل كالعبودية أو حتى إزالة الأعضاء أو الأنسجة البشرية أو التسول ويعتبر الإتجار بالبشر وبخاصة النساء نشاط آثم بحق النفس البشرية التي كرمتها جميع الشرائع السماوية وخاصة الإسلام فقد صان الإسلام النفس البشرية ومنع استغلالها وأوجب إعطائها حقوقه كاملة بدون أي تميز بين الذكر والأنثى لقوله تعالى ولقد كرمنا بني آدم ….) سورة الإسراء، وطالبنا برعية الطفولة والنساء فأمرنا أن نستوصي بالنساء خيرا ونحافظ على حقوقهم وكذلك كفلتها القوانين والمواثيق الدولية.
وامتدت هذه الجريمة إلى عصرنا الحاضر مستفيدة من التقدم العلمي والتطور التكنلوجي والانفتاح الذي جرى بين الدول حتى عرفت بتجارة الرقيق الأبيض وتعتبر جريمة منظمة عابرة للحدود، ودائما تكون دوافع هذه الجرائم الكسب المادي وهي بالأساس تدر ملايين الدولارات كعائدات المتاجرة بالنساء مثلا، لاشك أنها تعتبر من المشاكل العالمية التي تستهين بالنفس البشرية ولها خطورة إجرامية كبيرة وآثارها مدمرة على حقوق الإنسان وحتى كيانات المجتمع ولها تأثير اقتصادي كبير على الدول والتي تندرج تحت ما يسمى بالاقتصاد الخفي.
هناك العديد من أشكال الإتجار، لكن أحد الجوانب الثابتة هو استغلال ضعف الضحايا المتأصل نذكر منها:
- الإتجار بالبشر لأغراض العمل القسري
تأتي ضحايا هذا الشكل الواسع الانتشار من الإتجار في المقام الأول من البلدان النامية حيث يتم استقدامهم والإتجار بهم باستخدام الخداع والإكراه ويجدون أنفسهم محتجزين في ظروف العبودية للقيام بمجموعة متنوعة من الأشغال، ويمكن أن تشارك الضحايا في أعمال زراعية أو تعدين أو صيد الأسماك أو في أعمال البناء، إلى جانب عبودية منزلية وغيرها من الوظائف الكثيفة العمالة.
- الإتجار بالبشر من أجل الأنشطة الإجرامية القسرية:
يسمح هذا النوع من الإتجار للشبكات الإجرامية بجني أرباح مجموعة متنوعة من الأنشطة الغير مشروعة دون المخاطرة، تضطر الضحايا تنفيذ مجموعة من الأنشطة غير القانونية، والتي بدورها تولد الإيرادات، ويمكن أن تشمل هذه الأنشطة السرقة، أو زراعة المخدرات، أو بيع السلع المقلدة، أو التسول القسري وغالباً ما يكون للضحايا حصص نسبية ويمكن أن يواجهوا عقوبة قاسية إذا لم يؤدوا أداءً كافياً.
- الإتجار بالنساء للاستغلال الجنسي:
يؤثر هذا الشكل السائد للإتجار في كل منطقة في العالم، إما كبلد مصدر أو بلد عبور أو بلد مقصد، إن النساء والأطفال من البلدان النامية، ومن القطاعات الضعيفة من المجتمع في البلدان المتقدمة، تغريهم الوعود بالعمل اللائق ومغادرة منازلهم والسفر إلى ما يعتبرونه حياة أفضل
وكثيراً ما يتم تزويد الضحايا بوثائق سفر مزورة وتُستخدم شبكة منظمة لنقلهم إلى بلد المقصد، حيث يجدون أنفسهم مجبرين بالاستغلال الجنسي ومحتجزين في ظروف غير إنسانية ورعب مستمر.
- الإتجار بالبشر لاستئصال الأعضاء :
ويعتبر احد صور الاتجار بالبشر حيث يجبر الشخص للتخلي عن احد أعضاء جسده، أحيانا يكون بموافقة الضحية بعد وعده بمبلغ مالي، وغالبا لا يتم الدفع له وهناك حالات يتم سلب الأعضاء دون علم الضحية اثناء جراحة علاجية أخرى، وأغلب الفئات التي تتعرض لمثل هذه الجريمة هم المهاجرون والأميون والمشردون.
أصبحت هذه الجريمة تؤرق الكثير من دول العالم فهي لا تمثل اللحظة التي ترتكب فيها بل تشمل الماضي والحاضر وحتى المستقبل, لذلك كان لابد من تظافر الجهود من قبل الدول والمنظمات الدولية والإقليمية والوطنية وحتى المنظمات غير الحكومية والجمعيات الأهلية لحث الدول للمبادرة وإصدار قوانين خاصة تجرم هذه الأنشطة وعقدت المؤتمرات والندوات وشكلت لجنة منع الجريمة والعدالة الجنائية التابعة لحقوق الانسان وأنشأت الكثير من المعاهد الدولية والإقليمية المنتسبة لهيئة الأمم المتحدة بهدف مكافحتها والحد منها .
وقد أكدت التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة تعرض الملايين من النساء للخداع أو البيع أو القسر بطرق مختلفة على الوقوع في أوضاع من الاستغلال الجنسي أو الإعلام الفاسد وفي الأفعال الماسة بالأخلاق والآداب العامة وغيرها .
وحماية لضحايا الإتجار وانصافهم قضائيا وعلى الغالب يكون معظمهم من النساء والأطفال وكذلك لحماية المجتمع من الفساد الاجتماعي ، كان لابد من إصدار نص تشريعي وطني خاص يجرم هذا النوع من الإجرام بكل أنواعه وصوره ،حتى نصل لحماية حقوق الدولة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.