
أحمد عرابي
أكاديمي سوري
الوعي بالتاريخ …… هو الوعي بالذات
الماضي أو التاريخ ممارسة ثقافة ذات خصوصية لارتباطها بالجماعة الإنسانية فعندما تنسى الجماعة الإنسانية ماضيها تصبح في أضعف حالاتها وتنعدم ثقتها بنفسها, ويغشاها شعور بالدونية تجاه الآخر أما الإنسان الذي يعرف نفسه فإنه يتصرف تجاه الآخر على نحو من الثقة بالنفس التي تميز سلوك من يعرف, فالمعرفة هي السبيل إلى العمل ولعل هذه الحقيقة التي تقترب من البديهة هي السبب في أن الجماعات الإنسانية سواء كانت أمة أو شعباً أو قبيلةً فإنها تحرص على تلقين أبنائها تاريخ الأجداد, فالذات الثقافية لأي جماعة هي في نهاية الأمر محصلة خبراتها عبر الزمن الماضي ولأن ماضينا أو جزءاً منه على الأقل هو الذي يشكل خاضرنا كما أن حاضرنا من ناحية أخرى سوف يكون أساساً لمستقبلنا فإن معرفة مكونات الماضي وأساسياته هي التي تقودنا إلى التصرف على نحو سليم في الحاضر ووضع خطط التنمية للمستقبل, وتفصيل ذلك أن المعرفة بالذات هي من خلال الوعي بالتاريخ والتي تبعث على الثقة, فالبعض قد توهم أنه يمكن لبلادهم أن تنهض داخل الهياكل السياسية والاجتماعية والثقافية المستعارة من الحضارة الأوربية الغالبة, ولكن النتيجة أن جميع التجارب التي اتخذت النموذج الأوربي قد فشلت لسبب بسيط وجوهري في آن واحد : هو أن هذه التجارب لم تكن نتاجاً للتطور التاريخي الموضوعي في العالم العربي وإنما كانت نتاجاً للتطور التاريخي الموضوعي في أوربا وحدها ومثالاً على ذلك : فشل الليبرالية سابقاً كما يسميها البعض, وفشلت بعدها الاشتراكية والقومية لأنها جميعاً تجاهلت الخصائص التاريخية للبلاد العربية مما جعلها في الزاوية المظلمة من العالم, والزاوية المظلمة من العالم : هي أخطر ما تمخض عنه النصف الثاني من القرن العشرين وهو حالة التخلف المزري الذي تعانيه الأمة العربية التي رضيت حكوماتها بأن تقبع في الركن المظلم من العالم من خلال مواجهة الديمقراطية وأكبر دليل النظر إلى طبول الحرب التي تدق لغرض الديمقراطية, ولا يظن أحد أن دعوة الانكفاء على الذات أو الهروب إلى كهوف التاريخ ومغاور التراث إنما هي دعوة للتأمل في تجربتنا الحضارية والاستئناس بها في صياغة الحاضر والمستقبل, فالاستبداد مثلاً لم يكن من طبائع تاريخنا كما هو موجود حالياً أو كما يحلو للبعض أن يزعم بل كان هناك نوع من النظام التمثيلي الذي تناسب مع ذلك الزمان, فقد كان الحاكم يستعين بالفقهاء والعلماء والمفكرين أصحاب الأقلام, فكان الحصار المرّ لتجارب هذه الحكومات مزيداً من الاستبداد والطغيان ومزيداً من تراجع الدور العربي في العالم الحديث, وبدلاً من الاستناد إلى شرعية سياسية تقوم على الداخل وعلاقة الحكومات بشعوبها رضيت الحكومات بشرعية مزيفة استمدت من رضاء القوى الاستعمارية عنها فكانت النتيجة الحتمية لهذا الموقف أن ازدادت وطأة استبداد هذه الحكومات بشعوبها كما ازدادت ارتباطاً بالقوى الاستعمارية وخضوعاً لها, وأكبر دليل لنا نحن السوريون عندما ربط حافظ الأسد الحكم في سورية بالاتحاد السوفيتي ورهن سورية لذلك باسم الاشتراكية الفاشلة وربط الثقافة السورية بطلائع البعث وشبيبة الثورة وحزب البعث العربي الاشتراكي الفاشل, وخضوعه لولاية الفقيه في إيران وزاد عليه من بعده ابنه بشار في بيع البلاد لهؤلاء وبثمن بخس من أجل أن يبقى على كرسي العرش وسورية مدمرة بالكامل فأصبح المواطن السوري موزعاً بين ماضٍ أسود بعهد الأب الطاغية وعهد الابن السفاح القاتل وحاضر يحمل كل خصائص الانقسام والهزيمة والحرب والقتل والتشرد وتقسيم البلاد إلى أجزاء تسيطر كل من الميليشيات الروسية والإيرانية عليها, فالوعي بالتاريخ هام جداً فلقد كان انقلاب حافظ الأسد على الحكم في سورية كارثة كبرى وحافزاً على إعادة النظر في التاريخ ومراجعة حقائقه وحقائق ابنه بشار من بعده فالسؤال يتردد بإلحاح مريب عن عروبة هؤلاء الذين أوصلوا سورية إلى ما هي عليه الآن والمخطط الذي أوكل لهؤلاء لتدمير سورية بهذا الشكل ورهنها لكل من روسيا وإيران وتقسيم سورية كما هو الوضع عليه الآن وخلاصة القول إن الوعي بالتاريخ يمثل أحد الروافد المهمة التي تصب في نهر القوة العربية فكل عمل يمارسه الإنسان يولد في الذهن أولاً فالحرب والسلام والتعايش والتعاون وما إلى ذلك كلها أمور تولد في أذهان البشر قبل أن تترجم إلى أفعال على الأرض من هنا تكون أهمية قصوى لتهيئة الأذهان للعمل المشترك لمصلحة الوطن لدى كافة أطياف الشعب فاليوم الاهتمام بالمستقبل أضحى يشكل أحد مجالات المعرفة العلمية بمبادئها وأساليبها يفسره تقدم هذه المعرفة وتنامي الوعي الحاد بالواقع وما يحوطه من مشكلات الطفرة التكنولوجية والتسلح النووي والصراعات الإثنية والقطب الأوحد والتلاعب البيولوجي والسيكولوجي بالكائن البشري وكلها حالات ضاعفت من الواجب الملح الذي يتعين بمقتضاه اتخاذ قرارات مرتبطة بالمستقبل, فعملية البناء تعتمد على تحليل الحاضر قبل القفز للمستقبل من هنا نقول هل يمكن أن يتحقق حلم السوريين في بناء دولتهم الديمقراطية الحرة بعيداً عن ضغط الدول والحكومات وأصحاب المصالح التي تقف مع حكم الاستبداد والقتل ضد مصالح هذا الشعب الحر الذي قام بهذه الثورة من أجل الحرية والكرامة والعيش بسلام وأمان فبعض شعوب العالم يرزقها الله بشخص وطني يحب وطنه بصدق وإخلاص ولا يهتم بمصلحته الشخصية أو مصلحة جماعته وإنما يكون تركيزه على نهوض وطنه والارتقاء بشعبه فيتغير مسار هذا الشعب الى الأفضل وهناك شعوب ابتلاهم الله بحكام فاسدين همهم الأول والأخير اكتناز وسرقة ثروات الشعوب وصرفها دون حسيب أو رقيب أما النهوض بالشعوب فهذا لا يهمهم لا من قريب ولا من بعيد مثالا على ذلك حكم حافظ الأسد الدكتاتور لسورية ومن بعده ابنه بشار ولعل العودة إلى هذا الزمن الارتدادي الذي تمر به البلاد العربية ومنها سورية يمنح المرء مزيداً من الأمل والقوة استناداً إلى فكرة لا شيء يبقى على حاله بل كل شيء قابل للتغيير والتبدل وأن الإنسان هو الثروة الأهم والأقوى وكذلك للمزيد من الاستنارة ولمعرفة الأسباب التي أدت بسورية الى ما آلت إليه من دمار وخراب فأصبح الواقع يفرض نفسه فوجود مجلس عسكري انتقالي يكون هو الحل الأمثل الذي يدفع نحو المخرج وإنهاء أزمة الشعب السوري ضمن القرارات الدولية ومجلس الأمن والأمم المتحدة والقرار ( 2254 ) وفرض سلطة القانون في أنحاء البلاد وإعادة الشعب السوري المهجر إلى أرضه ودياره وطي صفحة الطغاة والعمل لمستقبل سورية الحرة سورية المستقبل المشرق .
المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها.