Site icon المجلس العسكري السوري

بين الصراع….والتعاون….

أحمد البرهو

كاتب وشاعر سوري

بين الصراع….والتعاون….

ما المصلحة التي يمكن ان يجنيها المعلم حين ينال طلّابه العلم؟

أعني بالتساؤل أبعد من مصلحة المدرّس كموظف يسعى لكسب رزقه من مرتب يتحصّل عليه في نهاية الشهر، او الحصّة الدرسيّة الخصوصيّة!

مرِض ابنُ صديقي، فاضطررنا، صديقي وانا، لاصطحاب الصبي إلى طبيب سوري لا يعمل في مشفى حكومي، ومن ثمّ فلا رقابة على عمله، فرجوت الطبيب ان يأخذ ما استحقاقه من المال، شريطة ان يكون صريحاً معنا، فلا يغشّنا..

قد يقول قائل: لو كان ثمّة رقابة على عمل الطبيب؛ لما احتجنا إلى التوسّل إليه بهذه الطريقة، لكن أليست هذه المقولة ذاتها (الحاجة إلى الرقيب) تشف عن نمط متوحش في تصوراتنا نحو الإنسان الآخر، هل علينا أن نتصوّر رقيبا يضبط أخلاقنا طوال الوقت، إذا فلابدّ لضمان جودة عمل المعلّم أن يتوفر رقيب لكلّ معلّم يرافقه أثناء الدرس!

لكن من يضمن لنا أن الرقيب لا يحتاج إلى رقيب عليه.. إلخ!

بطريقة أخرى: وهل على كل واحد منّا ان يراقب، بيقظة ذئب، بائع الخضار، والجزار، والمعلم، والطبيب و … إلخ حتى لا يستغفلوك؟

ألسنا نحن كل هؤلاء وأولئك جميعاً!

فهل الإنسان ذئب لأخيه الإنسان/ الذي هو ذئب ثان!

الحقيقة ان ملاحظة المسألة التي قد تبدو بسيطة في أولها، لكن الأمور تبدأ بالاشتباك مع غيرها كلما بحثنا في جذور المشكلة، حتى لتبدو طريق الحل مليئة بالتعقيدات! لكن من المفيد أن نشير سريعا إلى أن الأديان الإبراهيمية الثلاثة (اليهوديّة، والمسيحيّة، والإسلام) لا تقول بذئبيّة الإنسان، رغم أن كلامنا هنا لن يتناول الفقه والعقيدة، لأنه، ربّما، يتناول أساسا إنسانيّا يسبق العقيدة.. إنّنا نتناول الأسس التي تنبني عليها العقيدة، كل عقيدة.

وفي الوقت ذاته فإنّ ما يبدو لنا مسألة هامشيّة قد نجد فيه جذور النظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي..  هل قلنا النظام!

حسنا.. لقد خرج السوريون بثورة على نظام سياسي، له ظلاله في الاقتصاد، والاجتماع، والثقافة.. وصولا إلى بائع الخضار، ومرورا بالمعلم، والطبيب، والثورة تغيير جذري، فكيف يمكننا تغيير ما لا نعرف!

لاشكّ بأن للنظام شخوص معلومة على رأس تلك الشخوص مجرم يحتل مقعد رئيس الدّولة، لكن هل تتحقق كل أهداف الثورة بتغيير رئيس فقط!

 ذلك أن الثورة، لكونها مشروع تغيير جذري، يمكن ان تعمل لصالحها طاقات كثيرة ومتعدّدة، في ميادين متنوّعة، داخل كل ميدان طاقات أخرى عديدة..  لكن هل هذا التعدد ذئبي؟

حسنا، لو جمعنا عددا من الذئاب فهل يمكننا توقع شيء آخر غير معركة دامية!

يمكن للأنظمة الشموليّة ان تستوعب عددا لانهائيا من التعدّد الذئبي، فالذئاب خاضعة في نهاية الأمر للسيد الذئب الأكبر، حيث يقودها إلى معارك خارجيّة تلهيها عن موقع السلطة العليا، وعن الصراعات الدّاخليّة المحتملة، وتبرّر كل مشكلات المجتمع وأزماته، الاقتصادية والاجتماعيّة، عندها لن يكون السلام في مصلحة القائد، ولن يسمح للجماعة بالحصول عليه، بل إنّها الحرب، الحرب التي تجلب الحرب، في متتالية لانهائية!

وفي مثل هذا المجتمع الذئبي يخرج الشعراء والمفكرون والفنانون ليؤدّوا دورهم في منظومة الأب القائد، فيتبنّون خطاب الحرب، ويؤكدون مقولات الذئب في:  انّ ما أخِذ بالقوّة، لا يُسترد إلا بالقوّة!

بل وربّما استجلبوا شعرا من أقصى التراث يقول:

عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى …. وصوّتَ إنسانٌ فكدّتُ أطيرُ

ليتغلّغل الذئب إلى عمق البُنى الجماليّة والأخلاقيّة للمجتمع!

الثورة تعني ان تنقلب على كل ذلك انقلابا جذريّا، فاين هي الثورة!

لا شكّ أنّ من مصلحة النظام ان تبقى المجتمعات متشنجة، لذلك دعم النظام المجازر الطائفية المتبادلة أوّل الثورة، فهذا يساعد على خلق مجتمعات ذئبية متقاتلة، متوتّرة وموتورة، تحقق له هدفه في ما يُسمّى: إعادة انتاج النظام لذاته، ما يحقّق ضمنا هدف رأس النظام في البقاء على راس السلطة باعتباره الذئب الأكثر ضراوة.  ّ

كذلك فإنّ من مصلحة النظام ان تستمر معاناة هذه المجتمعات من العوز والخوف، ذلك أنّ عوزها وخوفها سيخلق افرادا ذئبيّين مُتعبين وحذرين من فقد نعمة: (الامن والأمان) التي كان النظام يحقّقها لكونه جهة يخاف الجميع منها وحدها!

لا شك ان المعلم الذئب، والطبيب الذئب، وبائع الخضار وجاري وجارك وأنا وانت..  لا يمكن ان تكون لنا مصلحة في أن نفعل شيئا حسنا إلا خوفا من رقيب او طمعا في رضى رقيب..  لكن الثورة هي انقلاب جذري على كل هذا، والحرية على وجه الخصوص لا تكون حقيقية بين الذئاب..

عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى.. وصوت إنسان فكدتُ اطير.

بيت جميل، لكنّنا أحرار لا صعاليك، وإنّنا نأسف لحال ذلك الصعلوك الذي يسعى لنيل حريّته فقط بعيدا عن البشر، ذلك أنّنا يمكننا أن نكون أحرارا في مجتمع حر يحفظ حقوق أفراده، بداية من خلال منظومة فكرية وثقافيّة أصيلة وشاملة، لا تُعرّف المواطن السوري بأنه مصدر خطر لمواطن سوري آخر، ثم من خلال منظومة قانونيّة تنظّم أفكارنا ونوايانا الحسنة تجاه بعضنا البعض، وتحد، في الوقت ذاته، من خطر الشاذين عن ثقافتنا، والمعيقين لإرادتنا.

(انا إنسان ماني حيوان، والعالم كلها مثلي) قد تكون هذه الصرخة حقيقة الشعب السوري بلا مواربة، وقد تكون إحدى أهم الجمل الثورية التي قيلت ردّا على الخطاب الأخلاقي في ثقافة النظام الذئبي/ المجرم، اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، ولاشك أن تنوع الطبيعة السوريّة، وتعدد فصولها ومواسمها بل وبيآتها بين ساحلية وجبلية وسهليّة، خلق في روح السوري تعدّدا ما تناسقا جميلاً، كجمال قطعة من الربيع السوري، وجمال تعدّد الزهور والألوان فيها .

المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها

Exit mobile version
التخطي إلى شريط الأدوات