
أحمد عرابي
أكاديمي سوري
آفة التمييز العنصري ….. هل من علاج ؟
العنصرية هي من الأمراض المتفشية في عصرنا هذا وهي ممارسات تقوم على اضطهاد وتهميش فئات وأشخاص ومجموعات لأسباب العرق أو اللون أو الدين أو الثقافة أو اللغة وقد تصل هذه الممارسات إلى استخدام العنف والقتل بطرق وحشية كما حصل في كثير من بلدان العالم في العصر القديم والحديث وحتى تاريخنا هذا حيث تتخذ العنصرية أشكالاً وصوراً متعددة منها :
1ـ العنصرية ضد أصحاب البشرة السوداء
2ـ العنصرية ضد الدين أو المذهب
3ـ العنصرية ضد المهاجرين
وهناك العديد من أشكال العنصرية الكثيرة التي تمارس في عصرنا هذا ومنها :
التفرقة العنصرية السياسية : ويعتمد هذا النوع على فرض قوانين تحكم الجماعات وتقيد من حركتهم على أساس اختلاف الثقافة في اللغة أو الدين أو اللون والمعتقدات كأصحاب الرأي السياسي.
التفرقة العنصرية الاقتصادية : يكون هذا النوع من التفرقة تقييد حرية التجارة وجعلها بيد أشخاص فقط وبمنع الأجانب من التسهيلات والخدمات والعمل.
التفرقة العنصرية الاجتماعية : وتندرج تحت عنوان القومية وهي نسبة إلى القوم والثقافات والطبقات الاجتماعية في التعليم والعمل والتفرقة الطبقية بين أبناء المجتمع بشكل غير متكافئ وتصنيفهم اعتماداً على انتماءاتهم إلى عرق أو قومية معينة وإنشاء جو عدائي مُهين ومذل بناءً على الأسس العنصرية التي تنتشر وتنمو وتكبر في ميادين التمييز والجهل والتفرقة وتنبع من مفهوم مغلوط لا يرتبط بالإنسانية أبداً فالعنصرية آفة جاهلية حاربها الإسلام كما حاربتها الديمقراطية وحقوق الإنسان.
السؤال : هل نعاني نحن العرب من العنصرية ..؟ أم أننا نحن العرب أنفسنا عنصريون ..؟
المهم إذا كنا هذا أو ذاك كيف نعالج هذه الآفة الخطيرة نحن كعرب وكيف نتخلص منها ونبعدها ونبتعد عنها ؟ أولاً علينا الاعتراف بهذا المرض المستفحل في بلادنا العربية وعدم تجاهل عنصرية مجتمعاتنا فنحن ننتقد الغرب فقط فمجتمعاتنا العربية في العصر الحالي ربما تزيد عنصريتها على نظيرتها الغربية فالمجتمع الغربي ربما يحظى بميزة أنه مجتمع ديمقراطي يحكمه نظام مدني وينعم بشفافية تسمح بكشف الأخطاء وعلاجها وهو مالا يتوفر في المجتمعات العربية الغارقة في الفرقة والظلم واللامساواة والاستبداد وهذا أشد وأخطر أشكال العنصرية ولنذكر مثال بسيط على ذلك في 27 /6 /2014 نشرت جريدة النهار اللبنانية على صفحتها الرسمية وهي تدق ناقوس الخطر قائلة : (الأطفال السوريون في لبنان : قنبلة موقوته) ويتكرر المشهد في 5 /1 /2015 (الحمرا ما عادت لبنانية ….. التوسع السوري غير هويتها)والسوريين احتلوا البلد وللأسف تتصدر العديد من البلاد العربية قائمة الدول الأكثر عنصرية في العالم وفقاً لما نشرته LNSIDER MONKEY عام 2014 بعد أن جمعت نتائج مسحين منفصلين في العلاقات العرقية وصنفت على أساسها أكثر من ( 25 ) دولة عنصرية بالعالم وفي القائمة النهائية احتلت الهند المرتبة الأولى عالمياً تلاها لبنان في المرتبة الثانية التي كانت نسبة المستطلعين فيها أنهم لا يرغبون بمجاورة أشخاص من أعراق أخرى مما يدل على العنصرية البغيضة بين أفراد المجتمع وجاءت الجزائر في المرتبة ( 6 ) فيما احتلت المغرب المرتبة ( 24 ) ونبهت المجموعة التي أصدرت الاستطلاع أنه سجل ( 61 ) دولة فقط مرجحة أنه يتغير الترتيب لو تضمن دول أخرى مثل سورية حسب الأوضاع التي وصلت إليها هذه الدولة من الحرب الطائفية والعنصرية بين أبناءها وهنا سنعود بالذاكرة السورية إلى الوراء عندما تم تعيين حافظ الأسد وزيراً للدفاع مما سهل له الطريق للوصول إلى ما خطط له فقام بالانقلاب العسكري وما سمي بالحركة التصحيحية 16/ 11/1970 في سورية وباستلام حافظ الأسد رئاسة الجمهورية بدأت سياسة التمييز العنصري بالاتساع والشمول فأول ما قام به تسريح الضباط الشرفاء من الجيش والأجهزة الأمنية الذين كان ولاؤهم للوطن وليس لشخص حافظ الأسد أو غيره وتم تسليم المراكز الحساسة فيها للضباط التابعين له والذين ساعدوه على الانقلاب العسكري وتمكينه من السلطة ورئاسة الحكم مما يدل ولا شك فيه على التمييز العنصري فتم تسليم شقيقه المقدم رفعت الأسد قائد سرايا الدفاع وعلي حيدر قائد القوات الخاصة والعقيد علي دوبا رئيس فرع المخابرات العسكرية والمقدم محمد ناصيف رئيس فرع المخابرات الداخلية والمقدم عدنان مخلوف قائد الحرس الجمهوري وهناك الكثير الكثير في كل مفاصل الدولة العسكرية والأمنية والمدنية ومؤسسات الدولة إلى جانب التركيز الهام على المراكز الحساسة في الجيش وأجهزة الأمن أن تكون بأيدي أتباع حافظ الأسد فقط بغض النظر أكان مناسباً لهذا المنصب أم لا وفيما بعد لجأ هؤلاء القادة إلى تسريح الضباط بذرائع مختلفة وملفقة ففي شهر أيار 1980 تم تسريح 900 ضابط وصف ضابط وفي شهر نيسان من عام 1981 سرح مجموعة من ضباط البحرية وسلمت مراكزهم إلى أنصار حافظ الأسد وتبعها بشهر أيار من نفس العام 1981 تم اعتقال 270 ضابطاً أعدم منهم 200 ضابط وسرح 70 فكان هذا مخطط عنصري بامتياز فكانوا عبارة عن دائرة مغلقة على نفسها وأن باقي الشعب خدم لديهم مما جعل هؤلاء يرفضون قبول أو وجود أي شريك معهم في الحكم ولا معارضين سياسيين لهم بل التحريض على قتلهم وممارسة أبشع أشكال العنف والتمييز العنصري بحقهم وأذكر أن صحيفة تشرين الناطقة باسم النظام الحاكم في سورية قد ذكرت في عددها المؤرخ في 29/8/1980 أن أي جندي أو مواطن سوري يقتل أحد عناصر الإخوان المسلمين سيحصل على ( مكافأة ) وهذا إن دل فهو يدل على العنصرية وهذا ما زاد من فتنة العنصرية في البلاد بين أبناء الشعب السوري فأصبح القتل ذريعة لمن يريد تصفية حسابات مع أي شخص يختلف معه ويكون قتله بحجة أنه إخونجي أي من عصابة الإخوان المسلمين فالمجازر الجماعية التي ارتكبتها حكومة وقيادة حافظ الأسد في سورية بحق أكثرية السكان المعارضين له تشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان وهي جريمة إبادة الجنس البشري وهي أبشع صورة لسياسة التمييز العنصري بقتل الطرف الأخر من أجل دينه أو عقيدته أو سياسته فمن المجازر العنصرية لهؤلاء:
1ـ مجزرة جسر الشغور في 10/3/1980 قتلت 120 مواطناً وأحرقت 20 منزلاً و50 محل تجاري وتم إعدام ( 109 ) مواطنين بموجب محكمة عسكرية ميدانية.
2ـ مجزرة تدمر العنصرية في 27/ 6/1980 التي قصفت مهاجع السجن بطائرات الهليكوبتر وكان عددها 12 طائرة خلال نصف ساعة قضت على المعتقلين في السجن وعددهم كان ( 700 ) قتيل.
3ـ مجزرة سرمدا يوم 25/7/1980 التي قتل فيها ( 40 ) مواطناً واعدم 7 أشخاص في اليوم نفسه.
4ـ مجزرة هنانو يوم 11/8/1980 التي كان عدد الضحايا فيها ( 83 ) قتيلاً بقرار من حافظ الأسد.
5ـ مجزرة الرقة 15/9/1980 التي راح ضحيتها ( 400 ) مواطن حرقاً بالنار وذلك عندما كانوا في مظاهرة تطالب بوقف انتهاك حقوق الإنسان والرجوع عن سياسة التمييز العنصري فتم وقتها اعتقال 400 شخص وقتها من الذين شاركوا بالمظاهرة وتم سجنهم في مدرسة وتصفيتهم بإشعال حريق فيها وأزهقت أرواحهم بسبب عنصرية نظام حافظ الأسد المجرم وأتباعه.
6ـ مجزرة محافظة حماه الأكبر عنصرية بتاريخ سورية كانت في شباط من عام1982 التي بدأت بحصار المدينة من كل الجهات بقيادة رفعت الأسد شقيق حافظ الأسد وجرى قصفها قبل الاجتياح البري لها وكانت نتيجة المجزرة ( 47651 ) قتيلاً دون أية رحمة أو شفقة بين أطفال ونساء وشباب والحقيقة كانت أكثر بكثير من ذلك عدا الأعداد الهائلة التي تم اعتقالهم وتصفيتهم في سجون نظام الأسد عداك عن تدمير ثلث أحياء المدينة بالكامل وهدم 88 مسجداً من أصل 100 مسجد وحسب ملفات لجان وتقارير حقوق الإنسان أن سدس سكان مدينة حماه قد قتلوا بسبب سياسة التمييز العنصري ومحاربة كل من يقف ضد العائلة الحاكمة آل الأسد وأتباعه . وباستفحال ظاهرة العنصرية والتمييز العنصري فقد سعى المجتمع الدولي لإصدار إعلان ضد العنصرية في عام 1963 والذي تضمن أربع نقاط رئيسية حيث اعتبر أن أي مذهب للتفرقة العنصرية أو التفوق العنصري هو مذهب خاطئ وإن التمييز العنصري هو انتهاك لحقوق الإنسان الأساسية وإخلال بالعلاقات بين الشعوب وبالتعاون بين الأمم وأيضاً في عام 1965 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم ( 2106 ) وهو عبارة عن اتفاقية دولية دعت إليها الدول للانضمام إليها كي تصبح طرفاً فيها والتوقيع والمصادقة عليها وتضمنت الاتفاقية 25 مادة نذكر منها :
1ـ إن البشر متساوون ويولدون أحراراً ولا ينبغي التمييز بينهم لأي اعتبار مهما كان السبب.
2ـ التمييز بين البشر بسبب العرق أو اللون أو الدين أو الجنس يمثل عقبة حقيقة في تنمية العلاقات الودية والسلمية بين الأمم والشعوب حتى في داخل الدولة الواحدة نفسها والسؤال هنا:
ـ هل فعلاً تم القضاء على العنصرية والتمييز العنصري في العالم وبين الدول وداخلها.
–هل استطعنا نحن العرب الأمة المشتركة في اللغة والتراث والتاريخ أن نتخلص من هذه الآفة الخطيرة فيما بيننا وأن نترك ونتخلى عن الطائفية والتفرقة التي أصابتنا في الصميم .
-هل الأنظمة و الحكام والحكومات هي من تصنع العنصرية في بلدانهم وبين شعوبهم.
-أم الشعوب العربية هي بحد ذاتها لم تستطع التخلص من هذا المرض المزمن فيما بينها بين البلدان العربية بل وبين أبناء الشعب نفسه ودولته وبين عشيرته وطائفته بل وحتى بين الأقارب والأهل والإخوة وأترك لكم الجواب على ذلك فكلنا نعرف الصح من الخطأ .
والمهم تصحيح المســــــار كي نكون في مقدمة دول العالم .
المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها.