
د. هيثم القاسم
أكاديمي سوري
تأخر النصر…… لكن الثورة مستمرة
كثيراً ما نتساءل لماذا تأخر نصر ثورتنا رغم تقديم كل هذه الدماء والتضحيات من قبل شعبنا العظيم ؟
لم تنتصر ثورة شعبية يوماً بالضربة القاضية وبسرعة إلا إذا كانت مُخططة ومُسيرة من قبل قوى خارجية كبرى (انقلاب)، أو كان نصرها مُدبراً ومُوجهاً (بشكل مؤقت) لكسب الوقت من قبل الثورة المضادة من أجل احتوائها وامتصاصها والتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب الصفوف والتهيئة والإعداد لتشويهها وإخمادها وإزالة آثارها وإفشالها (مصر، تونس).
والثورة الحقيقية ( الشعبية ) تواجه العديد من الانتكاسات والإحباطات:
- بفعل الثورة المضادة ومحاربة المتضررين منها ومن نتائجها.
- بسبب تضارب أهداف الثورة مع مصالح القوى الإقليمية والعالمية في بلد الثورة.
- وجود قوى الاحتلال.
- تفرق وتشتت قوى الثورة (قيادات وأحزاب) وتنازعها على النفوذ والسلطة حتى قبل الوصول إليها.
- بالطبع لا نستطيع أن نُحمل كل أسباب التعثر للقوى الإقليمية والعالمية والنظام فقط ، ولا ننكر وجود سلبيات وأخطاء في صفوفنا كان لها دور في تعثر الثورة وتأخر نصرها فلكل ثورة عثرات .
ومن أهم الأسباب سيطرة الحزب الأوحد القائد للدولة والمجتمع وعدم سماحه لتشكيل الأحزاب وممارسة العمل السياسي إلا لعدد محدود من الأحزاب المنضوية تحت راية الجبهة الوطنية التقدمية التي تعمل تحت قيادته وحسب منهجه والتي كان قادتها عبارة عن مجرد واجهات سورية للتعدد السياسي ومتبنين لكل سياساته وأفكاره ومدافعين عنها ومنظرين لها ، مما أدى إلى عدم وجود قوى سياسية فاعلة تتبنى شعارات الثورة في الحرية والديمقراطية ، وعدم نضج الرؤية السياسية والفكرية لدى الطبقة الشعبية مما يؤهلها لحمل ودعم برنامج سياسي يقف ضد الدولة المستبدة التي صنعها النظام الطائفي العسكري ، مما أفسح المجال أمام أحزاب وحركات الإسلام السياسي والشراذم المسلحة المتطرفة والأحزاب التقليدية المهترئة للقفز إلى الواجهة بدلاً من القوى الثورية.
أما الأحزاب الجديدة والتي تشكلت بعد قيام الثورة فمعظمها يتألف من رئيس أو قائد للحزب وعدد من الأنصار وتتبنى نفس الفكر الخشبي للنظام بتخليد القائد الأوحد الأبدي ، ورغم أنها كلها ترفع شعارات إسقاط النظام والديمقراطية إلا أنها متفرقة وحتى عندما تجتمع تجد أن كلاً منهم يريد انضمام الآخرين إليه وتحت قيادته والذوبان ضمن تشكيله ليستمر التشرذم والتفرق ، وأقل ما يمكن أن نصفها به هو (المراهقة السياسية بسبب عدم الخبرة وعدم اعتياد العمل السياسي).
وفي ظل غياب ثورة مسلحة منظمة وموحدة ضد العصابة الحاكمة وضد الاحتلالات المتواجدة على أرضنا بعد إفشال الفصائل العسكرية وشرذمتها وتبعية قرارها للخارج ، يجب علينا العمل على توحيد قوانا والتركيز على التواصل مع العالم والاستفادة من القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي والمحافل الدولية (مؤتمر جنيف الأول ، القرار 2118 ، والقرار 2254) رغم أنها تشكل الحد الأدنى من تطلعاتنا ، وذلك عبر دعم قوة سورية منظمة ومنضبطة (مشروع المجلس العسكري السوري) تفرض الأمن وتنزع السلاح من الميليشيات وتفرض خروج القوى المحتلة ، وتحمي وتساهم في تحقيق الانتقال السياسي حسب المعايير الدولية وبمشاركة كافة أطياف الشعب السوري.
رغم أن الثورة المضادة والمصالح الخارجية قد استطاعت تأخير انتصار ثورتنا فإن هذه النكسات والإجراءات لا تعني بالضرورة فشلها ونهايتها ، فالثورة كالزلزال لها هزة رئيسية تتلوها هزات ارتدادية (اجتماعية ، اقتصادية ، ثقافية وسياسية) قد تمتد لسنوات.
وهذا لا يجب أن يدفعنا نحو جلد الذات واليأس ، فنحن بشر نخطئ ونصيب ، وقد ينتابنا بعض الخوف والضعف والإحباط ، ولكن أملنا بالله وبشعبنا وبعدالة وأحقية ثورتنا… قوي ولا ينقطع ، وستبقى هناك بقعة ضوء وسط الظلام.
المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها.