
فايز سارة
كاتب وسياسي سوري
نحو علاج سوري لمشكلة المخيمات
في منتصف كانون الأول 2021 ضربت عاصفة مطرية شديدة، ترافقها رياح شديدة البرودة، منطقة شمال وشمال غرب سوريا، وتواصلت الأمطار الغزيرة والرياح العاتية مدة أربعة أيام متوالية، حيث خلفت سيولاً جارفة، لم تقطع الطرق وتعزل المناطق والمخيمات فقط، وانما أوقعت أضرار جسيمة فيها، وتضرر نحو أربعمائة مخيم، يسكنها مئات آلاف شردهم نظام الأسد من بيوتهم واملاكهم ورماهم اسرى الحاجة في العراء.
محصلة الكارثة، التي رصدتها منظمات إنسانية، بينت أنه كان من الصعب على فرق الإنقاذ قليلة العدد ومحدودة القدرات الوصول الى المتضررين وخاصة في المخيمات، وتقديم ما يمكن لهم في مواجهة انهيار الخيام او تمزقها، وهو امر لم يجعل أصحابها بلا مأوى فحسب، بل بدون مستلزمات العيش الأساسية من تجهيزات النوم والتدفئة والألبسة والمواد الغذائية وصولاً إلى مياه الشرب، واعاقت الكارثة الخدمات الضرورية، ومنها إيصال البضائع والسلع من المواد الغذائية والأدوية والمحروقات، وأوقفت تقديم الخدمات الصحية وعمل العيادات المتنقلة، وعطلت القسم اليسير من الشبكات الكهربائية وحركة المواصلات، وكانت المعاناة الإنسانية من أسوأ النتائج، التي أصابت السكان وبينهم كبار السن والمرضى والأطفال والنساء وخاصة الحوامل وذوي الاحتياجات الخاصة، وتشكل الفئات الضعيفة نسبة ظاهرة من سكان المخيمات.
كارثة المخيمات، حدث يتكرر كل عام وربما أكثر من مرة بفوارق بسيطة في نتائجها المأساوية، وفي كل عام يبذل السوريون جهدهم الضائع في مواجهة لاتمنع في تكرار ما حدث، والأمر في هذا يتطلب معالجة جذرية، ومثل هذه المعالجة، يمكن أن تكون في واحد من مسارين، أولهما والاساسي عودة آمنة للنازحين والمهجرين الى مدنهم وقراهم وبيوتهم التي اخرجوا منها، لكن ذلك غير متاح بسبب سياسات ومواقف نظام الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين، وضعف المجتمع الدولي، بل وتخاذله ازاء هذه الجريمة، وحتى تتغير الظروف، فإن الحل في المسار الثاني، المتمن تنفيذ خطة لإسكان أهالي المخيمات في قرى وتجمعات سكنية نظامية، سواء تم تنفيذ مشاريع الإسكان بالأشكال المحلية التقليدية من الأبنية الطينية او من اشكال البناء الحديث او عبر المزاوجة بين الاثنين.
ورغم انه قد يكون هناك بعض اعتراضات على الفكرة أو تدقيق في بعض محتوياتها، فإن أغلب السوريين وفعالياتهم مع انهاء معاناة سكان المخيمات بصورة جذرية، اذ لا يجوز ان تستمر المأساة لمواطنين في بلدهم في وقت قد تمتد فيه الحالة سنوات، خاصة وان سكان تلك المناطق لديهم إمكانيات كبيرة لتنفيذ مشروع إسكان كبير، حيث تتوفر قوة عمل هائلة معطلة، وخبرات في التخطيط والتنظيم والتنفيذ، كما تتوفر مواد أولية محلية وخاصة في مجال البناء التقليدي، إضافة لوفرة الأراضي اللازمة خارج المناطق الزراعية ولاسيما في أراضي “أملاك الدولة”.
وسيوفر التطوع والمشاركة الشعبية كثير من تكاليف عملية الإعمار، التي يمكن أن تحصل على دعم ومساندة من صندوق سوري، يقوم على تبرعات من جهات واشخاص كثر، يجمعون حتى التبرعات الصغيرة لمشروع، لا يحل مشكلة ماثلة ومهينة للسوريين فقط، بل يعيد توحيد وتوافق السوريين الذي صار صعباً.
إن تأسيس صندوق لإسكان أهالي المخيمات، ينبغي أن يكون فوق السياسات المتنافسة والمتصارعة في الشمال والشمال الغربي، بحيث يكون المؤسسون من أهل الخبرة والمعرفة والموثوقين حتى لو تمت الاستعانة بخبرات استشارية من منظمات وهيئات دولية متخصصة، ويفترض توفر الصفات ذاتها في الشخصيات، التي سوف تشرف على المشروع وتديره بروح العدالة والحاجة.
وكي يكون هذا المشروع ممكناً، فانه ينبغي ان يكون بعيداً عن تدخلات القوى الحاكمة والمتنفذة في حيزه الجغرافي وفي خريطته التنفيذية، بل يجب أن يتلقى باعتباره نقطة إجماع سوري كل الدعم والمساندة العلنيين والدعم غير المشروط من جانب الحكومة السورية المؤقتة وحكومة الانقاذ ومن التشكيلات المسلحة كلها، وهذا يمكن أن يجد بيئة إيجابية من خلال دعم تركي معلن للمشروع، واعتقد انهم سيقومون بذلك، اذا ذهب المشروع نحو التنفيذ لأنه يخفف من اعبائهم ولو بصورة غير مباشرة، وسيكون ذلك ضرورياً لتوفير حماية دولية للمشروع من تدخلات النظام وحلفائه لوقفه او تدميره لاحقاً او في واحدة من مراحل تنفيذه.
ومما لاشك فيه، ان منظمات المجتمع المدني العاملة في المنطقة وعددها بالمئات، يمكن أن تكون قوة مساعدة فعالة، اذا قررت انها امام فرصة لإثبات وجودها في مساعدة الذين قامت من أجلهم، وتوفير التكاليف التي كانت تدفعها لمواجهة بناء وصيانة وكوارث المخيمات، وتحويلها الى مجالات أخرى تخدم النازحين والمهجرين.
وكما يمكن ان لا يلاحظ الكثيرون، فان فكرة المشروع فكرة جنينية، ترسم ملامح، وتحدد نقاط أساسية فيه، وكله يمكن ان يشكل مدخلاً لتطوير الفكرة ومقاربتها للواقع، واعتقد ان في واقع الشمال والشمال الغربي السوري خاصة كثير من العقول والكوادر والمهارات النزيهة، التي يمكن أن تبلور المشروع بصورته العملية والواقعية الأفضل.
إن أهمية مشروع استبدال سكن المخيمات بسكن مستقر ومناسب، تكمن فيما يجسده من نتائج، لعل من أبرزها انه سيغير حياة مئات آلاف السوريين ومستقبل أبنائهم بما سيخلقه من شروط حياة واستقرار افضل، إضافة الى انه يمثل مشروعاً سورياً عاماً، لا يتعلق فقط بسكان المخيمات، بل بمن هم خارجها أيضا، وانه سوف يعيد تحريك حياة السوريين في هذه المنطقة، ويحسن صورتها في نظر السوريين خارجها، وسيعيد رسم ملامح وسبل جديدة في حياة سكان المنطقة وحياة أغلب السوريين.
المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها.