صفاء شاوي

أكاديمية سورية

الفقر ظاهرة اجتماعية واقتصادية مقلقة..مستقبل بلا فقر أو جوع هل يتحقق؟

هل من الممكن أن يظهر في يوم من الأيام مجتمع إنساني عالمي لا يعرف الجوع والفقر بحيث يجد كل فرد ما يكفيه من طعام يشبع جوعه ويحفظ له حياته ويوفر له مستوىً مقبولاً من الكرامة في حياته .. حيث أنه يوجد أكثر من 800 مليون جائع وخمس البشرية على حافة المجاعة والفقر.

 فأي عالم هذا الذي نعيشه ….؟! وهل نحن قادرين على تغييره؟!

فالفقر ظاهرة عالمية عرفتها وتعرفها كل شعوب الأرض تنخر في خلايا المجتمعات فتساهم في خلق الكثير من الآفات منها سوء التغذية والأمراض والجهل والتخلف, وتُعرّف المنظمات الدولية الفقر على أنه الحالة الاقتصادية التي يفتقد فيها الفرد الدخل الكافي للحصول على المستويات الدنيا من الرعاية الصحية والغذاء والملبس والتعليم وكل ما يُعدّ من الاحتياجات الضرورية لتأمين مستوى لائق للحياة فثمة علاقة قوية بين الفقر والجوع, بمعنى أن الفقر هو سبب أساسي في انتشار الجوع كظاهرة على مستوى العالم مع وجود مفارقة غريبة وهي أن الجوع أكثر انتشاراً في المجتمعات المنتجة للطعام وهي المجتمعات الريفية الزراعية عنه في المجتمعات الصناعية التي تأتي الزراعة وإنتاج الطعام في مرتبة تالية من أولويات اهتمامها, فالريف الزراعي المنتج للطعام هو مركز الجوع وبؤرة الفقر في العالم والفقراء فيه يعانون الجوع نتيجة عدم توفر المال اللازم مما يعني ضمناً أن الوسيلة الوحيدة لمحاربة الجوع والفقر والقضاء عليه باعتباره أحد الأمراض الاجتماعية الخطيرة هي توفير الدخل الكافي عن طريق إيجاد فرص عمل والقضاء على البطالة والارتفاع بمستوى التعليم والتأهيل لممارسة الأعمال والأنشطة المثمرة التي تدرّ عائداً مادياً كافياً في عالم تشتدّ فيه روح التنافس والصراع على مصادر العمل المحدودة بالنسبة للتزايد السكاني المتسارع وخاصة في مجتمعات العالم الثالث الفقير أصلاً, فالفقر ليس مجرد مشكلة تتعلق بالفقراء فهو أحد التحديات التي تواجه جميع المدافعين عن العدالة الاجتماعية وجميع الباحثين عن النمو المستدام ولا سبيل إلى بلوغ الهدف المتمثل في تحقيق اقتصاد عالمي مستقر ومزدهر إلا بتحقيق القدرة الإنتاجية والاستهلاكية لكل مواطني العالم ومن الأمور الأساسية لتوسيع نطاق الأسواق والنهوض بها باعتبارها شريان الحياة للمشاريع والنمو الاقتصادي ويقتضي التحدي المتمثل في الحد من الفقر المدقع والقضاء عليه بوجود سياسات تركز على الأبعاد المختلفة لحياة الناس الذين يعيشون في حالة من الفقر الشديد فكان المرء يعتبر فقيراً إذا كان دخله لا يستطيع أن يؤمن له قوت يومه أي الحد الأدنى من حاجاته الغذائية في حين أصبح الإنسان اليوم ينعت بالفقر إذا كان غير قادر على تأمين مجموعة من الحاجات من بينها الغذاء الصحيح والسكن والملبس والطبابة وتوفير المستلزمات التعليمية لأفراد أسرته وتلبية الحاجات الاجتماعية من تسديد فواتير الماء والكهرباء …إلخ.

فالفقر والجوع يدفع  بالكثير من العائلات في المجتمع إلى حرمان أولادهم من التعليم ليزجو بهم  في العمل لمساعدتهم في تأمين أساسيات الحياة وخاصة في المناطق التي تشهد فيها الحروب كما يحصل في وطننا سورية فخلال سنوات الحرب منذ عام 2011 وحتى عام 2021 أصبح يعيش 90% من السوريين تحت خط الفقر وذلك حسب منظمة الصحة العالمية بالوقت الذي حذرت منه المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي (إليزابيث بايرز) التابعة للأمم المتحدة من أزمة غذائية غير مسبوقة في سورية وفقر مدقع حيث أكدت المسؤولة الأممية أن ( 9 مليون و300 ألف ) شخصاً في سورية يفتقرون إلى الغذاء الكافي وأوضحت أن عدد من يفتقر للمواد الغذائية الأساسية ارتفع بواقع (مليون و400 ألف) خلال الأشهر الأخيرة من عام 2021  وبحسب بيانات موقع ( world by map ) العالمي بأن سورية تتصدر قائمة الدول الأكثر فقراً في العالم وحسب موقع (هاشتاغ سورية) عن المكتب المركزي للإحصاء أن أكثر من 80 % من السوريين المقيمين في مناطق سيطرة النظام يعيشون تحت خط الفقر وأن البطالة وصلت إلى90% وخاصة بعد تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد ـ 19) وأما في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام فيبلغ الفقر 100% لعدم وجود أي فرص عمل للنازحين والمهجرين وهذا ما رتب أعباء كبيرة جداً على مؤسسات ومنظمات المجتمع الأهلي والأمم المتحدة التي حاولت توفير الدعم الغذائي للأسر الفقيرة والمتضررة من الحرب ومع ذلك فإن معظم المؤشرات المرتبطة بشكل أو بآخر بالحالة الغذائية للأسر السورية سجلت ارتفاعات سلبية متباينة فمثلاً مؤشر نقص الوزن لدى الأطفال والذي شهد ارتفاعاً غير مبرر وصل معدله إلى حدود 14% نتيجة تأثره بنقص الغذاء ونقص الخدمات الصحية وخروج عدد من مرافق النظام الصحي عن الخدمة بسبب الحرب والدمار الممنهج كقصف النظام السوري والروسي له وهذا تسبب إلى جانب ارتفاع معدلات الفقر بارتفاع معدل وفيات الأطفال الرضّع من (18بالألف إلى 27 بالألف) وعدد وفيات الأمهات خلال الولادة إلى 67 حالة وفاة لكل 100 ألف ولادة حية وذلك نتيجة ضعف الخدمات الصحة الإنجابية التي سببها ضرر البنية التحتية والمنشآت الصحية والمشافي جرّاء القصف الممنهج من قبل روسيا والنظام لها وفي اليوم العالمي للقضاء على الفقر حُدد يوم السابع عشر من تشرين الأول من كل عام ليكون يوماً دوليّاً للقضاء على الفقر حول العالم حيث يُعلن فيه جميع الناس عن تجديد التزامهم وتضامنهم مع الفقراء وجاء ذلك بناءً على قرار اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 22 كانون الأول من عام 1992 ويعود في ذلك في أصله للتوقيع على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948 في مدينة باريس حيث كان ذلك تكريماً لضحايا الفقر الشديد والعنف والجوع بعد أن أقرت هذه الجموع بأن الفقر انتهاكاً لحقوق الإنسان يُوجب التزام المجتمع الدولي وتعاونه لضمان احترام هذه الحقوق وضرورة الاهتمام بظاهرة الفقر والقضاء عليه من خلال :

1ـ التزام حكومات الدول النامية في القيام بواجباتها من خلال وضع خطط وطنية لمعالجة الفقر من خلال تحديد كيفية التعامل مع موارد القطاع العام والخاص وكيفية استخدام المساعدات للحد من الفقر المدقع.

2ـ الحصول على بيانات دقيقة حول الفقر حيث أن أغلب البلدان النامية تتعامل مع بيانات غير كافية حول الفقر لذلك لابد من الحصول على معلومات صحيحة حول الأماكن التي يعيش بها مواطنوها الفقراء وتحديد أهم الاحتياجات التي يجب توفيرها لهم.

3ـ تقديم التبرعات المالية إلى مستحقيها الفقراء دون استغلالهم حيث اعتبرت منظمة (أوسكام) أن الفقر السبب الأول للوفاة في العالم وأنها بحاجة إلى ما يقارب (60 مليار دولار) للقضاء على الفقر في العالم حيث أكدت أنه يعيش أكثر من ثلاثة مليارات شخص في العالم على 2.5 دولار يومياً وبالمقابل يعيش أكثر من مليار وثلاثة مائة مليون شخصاً على أقل من 1.25 دولار يومياً ويعاني أكثر من مليار طفل من الفقر حول العالم كما يؤدي الفقر إلى وفاة ما يقارب  22 ألف طفل يومياً بسبب الفقر والجوع وحيث تأثر أكثر من 165 طفل في عام 2011 من حالة التقزم بسبب سوء التغذية المزمن  وصولاً إلى أن ما يقارب 80% من سكان العالم يعيش بأقل من 10 دولارات يومياً فهل يشهد العالم بداية عام 2022 انطلاقاً صحيحاً نحو محاربة الفقر والجوع والمجاعة في العالم .؟!

المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها

%d مدونون معجبون بهذه: