
أحمد البرهو
كاتب وشاعر سوري
الدولة السوريّة أم النظام المجرم
أثناء دوران الأرض حول محورها مرة واحدة كل 24 ساعة، فإنّها تدور كذلك حول الشمس بمعدل دورة واحدة كل 365 يوما، فيتعاقب عبر دورانها الأول الليل والنهار، وعبر دورانها الثاني تتعاقب الفصول الأربعة، فتجري سنن الخالق في مخلوقاته، وتتفاعل أحول الأحياء عبر تجدد الزمان.
والإنسان كائن حي بطبيعته، ينمو ويتطوّر من حال إلى أخرى، من الطفولة إلى الشباب فالنضوج فالموت، ثم ولادة فشباب.. وطبيعة الحضارة كذلك يشبه مآلات الإنسان بحسب ابن خلدون.
لم تكن الحركة والنمو، يوما، مؤامرة حتى جثم على صدر السوريين رئيس يسمي ثورتهم ضدّه مؤامرة كونيّة!
فهل الحريّة ترعب المستبدّ لدرجة أنهم ينسون أبسط قوانين الأحياء!
لكنّ ما لا يمكن تصديقه علميّا، يمكن للنظام الأسدي، ولحلفائه إثباته عبر الكذب ثم عبر المزيد من الكذب..
قال الشعب السوري يوما: نريد حريّة، فطار صواب النظام الحاكم، وخرج على السوريين في خطاب يؤكّد أن الحريّة مؤامرة كونيّة، غايتها تدمير سوريّة!
فخرج السوريون ليهتفوا: عاشت سوريّة ويسقط بشار الأسد.
فخرج النظام (عبر شبيحته) ليقول: الأسد أو نحرق البلد!
استمر الشعب السوري الثائر يطالب بالحرية، التي تؤكدها حركة الحياة في الكائنات، وتؤكدها فلسفة الحقوق الطبيعيّة، وتتبنّاها المبادئ العالميّة لحقوق الإنسان، فقرّر الأسد إثبات أنها مؤامرة كونيّة، وأن غايتها تدمير سوريّة، أمّا التفاصيل التالية فلا شيء غير مأساة الشعب السوري المستمرّة منذ عشر سنوات!
بكل تأكيد، مهما امتلك الشعب السوري الثائر من الوعي وأدوات التنظيم؛ فإنّه لم يكن ليتجاوز قدرة أجهزة نظام شمولي تجاوز عمره أربعين عاماً، ومهما كان الشعب السوري مبدعاً وصبوراً؛ فلن يكون بإمكانه -وحده- تجاوز إمكانات نظام يحتل الدولة السوريّة، ويأخذها رهينة في يده!
كلّما اضطره الشعب السوري إلى الانسحاب من بلدة أو من مدينة أو من محافظة سوريّة خلال الأعوام 2011 و2012 كان النظام يسحب مؤسّسات الدولة السوريّة معه، ومن ثم يصبح الشعب السوري الخارج على سلطته كنظام خارجا على الدولة السوريّة، وتصبح مباني تلك المؤسّسات، إن حاول أبناء المدن إدارتها، مقرّات لألد أعداء الدولة السوريّة!
(الأسد أو نحرق البلد) لم يكن مجرّد شعار كتبه عنصر مخابرات على أحد جدران دمشق، بل كان منهاج عمل متكامل، فقد ربط النظام الأسدي الدولة السوريّة به، إن حضر النظام فهي أداته لقمع السوريين، وإن غاب فهي أداته لقصفهم، أو للتآمر عليهم في المحافل الدوليّة، أو لملاحقتهم إلى أي مكان يهربون إليه!
ولعل إحدى أهم مؤامراته على الشعب السوري، وعلى الدولة السوريّة ضمنا، وصفه الثورة بالمؤامرة التي تريد تقسيم سورية، لذلك سعى النظام خلال السنوات التي تلت 2012/ 2013 -على وجه الخصوص- إلى فعل كل ما ينبغي لتأكيد كذبة (المؤامرة)، إن من خلال عملائه الذين ركبوا موجة الثورة ليؤكّدوا عبر عبثهم رواية النظام عنها، أو من خلال قصف النظام المركز على أية محاولة لإدارة مدنيّة لتلك المناطق، الخارجة عن سيطرته.
لم يكن الشعب السوري الثائر بحاجة إلى الإرهاب، بل النظام هو من احتاج إليه، ففعل كل موبقات الأرض لاستجلاب الإرهاب، فتعمّد النظام الظهور بمظهر الطائفيّة، من خلال سماحه بارتكاب مجازر بشعة في حق مواطنين سوريين في الحولة والتريمسة أو في بانياس، ليظهر الأمر وكأنه صراع طائفي، لا ثورة شعب على نظام مجرم، وليحتجز، كمكسب أوّلي، عبر تلك الممارسات طائفة سوريّة كاملة!
وفي المسعى ذاته لا يمكن تبرئة الدول المساندة للنظام، والتي احتاجت، هي الأخرى، إلى مبرر للإعلان عن تواجدها على الأراضي السوريّة.
ولإنْ جاءت روسيا بحجة اتفاقيّة مع (الدولة السوريّة)؛ فإنّ إيران وعصاباتها لم يكونوا بحاجة إلى أكثر من حجّة حماية المراقد (المقدّسة)، ولإنْ عبّرت روسيا عن مساندتها للنظام بقصف الشعب السوري، فقد لعبت إيران وعملاؤها دور الحيوانات القمّامة التي تنهش وتفترس فيما تبقى أجساد السوريين وأملاكهم دفاعا عن المراقد المقدّسة!
عمل النظام وحلفاؤه طوال السنوات الماضية على دعم رواية الحرب الأهليّة، والنظام السوري يدرك تماما أن كذبة (الحرب الأهلية) خطيرة على وحدة سورية أرضا وشعبا، لكن ما يهم النظام هو الحفاظ على طبيعته كنظام، وليذهب السوريون إلى الموت أو إلى السجن أو فليهاجروا، أما الجغرافيا السوريّة الممزقة فيمكن نسبة ضياعها إلى العملاء الذين طالبوا بالحريّة، أليست الحريّة مؤامرة كونيّة!
طوال سنوات الدم السوري فإن جيوشاً عدّة كانت تتواجد على الأراضي السوريّة، إضافة إلى استهداف إسرائيل المتكرّر للنظام ولحلفائه، وطوال سنوات حربه على الشعب السوري لم يتجرّأ النظام على ارتكاب خطأ واحد في حق تلك الجيوش، أو في حق إسرائيل، ولم يستهدف جيشه ((الوطني)) جهة أخرى غير الشعب السوري، بتهمة العمالة لتلك الدول، فأي بلاء ابتلي به الشعب السوري، وأي منطق يمكنه أن يُصلح ما دمّرته العصابة الأسدية من مفاهيم وطنيّة!
إنّ المكان الوحيد الذي يستحقّ مجرم كبشار الأسد دعوته إليه هو المحكمة الدوليّة في لاهاي، لتوجيه تهم التسبب العمد في قتل ملايين السوريين وتدمير دولتهم، والتحالف مع الإرهاب العالمي لتدمير الحضارة والقيم الإنسانيّة، لذلك فلعلنا لا نكون متشائمين إذا قلنا أن لا معنى لدعوة بشار الأسد إلى الجامعة العربيّة إلا الرغبة في هدم ما تبقى من روابط تبرّر وجودها كمؤسّسة، بل ولدفع الدول العربيّة، ربّما، إلى مزيد من الاختلاف، في الوقت الذي يستصرخ فيه مندوب السعودية في الأمم المتحدة عبدالله المعلمي ضمير العالم بقوله واصفا النظام : لا تُصدّقوهم فإنهم كاذبون… لا تصدقوهم إن وقف زعيمهم (بشار الأسد) فوق هرم من جماجم الأبرياء مدّعيا النصر العظيم، فيكف يمكن لنصر أن يعلن بين أشلاء الأبرياء وأنقاض المساكن، وأي نصر هذا الذي يكون لقائد على رفات شعبه ومواطنيه”.
المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها