
حسن النيفي
باحث وكاتب سوري
العدوان الحوثي استمرارٌ للعدوانية الخمينية
لم تكن إيران بحاجة إلى ذريعة جديدة لتبرّر من خلالها العدوان الحوثي على دولة الإمارات العربية المتحدة، ذلك ان استهداف الحوثيين بطائرات مسيّرة وصواريخ لمطار أبو ظبي قبل نحو أسبوع ، لم يكن ردّة فعل مباشرة على الدعم أو المساندة التي تقدمها الإمارات للواء العمالقة الذي غيّر موازين القوى في معارك مدينة شبوة في اليمن، ولئن كان من غير الممكن نفيُ ما يجري من وقائع يواجهها الحوثيون في اليمن، إلّا أن تلك الوقائع إنما تندرج في السياق الاستراتيجي العام الذي تنتهجه إيران حيال المنطقة العربية برمتها وليس حيال الإمارات وحدها، وإذا كانت إيران تستخدم ذراعها الحوثي لاستهداف السعودية والإمارات، فإن لبنان وسورية والعراق لا علاقة لها باليمن ولم تشارك لا في معارك شبوة ولا غيرها، فما الذي يجعل تلك الدول العربية جميعها تعيش تحت وطأة الكابوس الإيراني الذي لا يريد لدولة عربية أن تشعر بالأمن والاستقرار؟
ربما كان الوعيد الإيراني الذي يوعز إلى دولة الإمارات بإخلائها للأبراج، يحمل الكثير مما تريد إيران ترجمته على الواقع، علماً أن هذا الوعيد لا يجسّد منطقاً جديداً في السياسات الإيرانية حيال العرب، بل هو المنطق والأسلوب ذاته الذي اعتمدته إيران كناظم لعلاقاتها حيال جيرانها العرب منذ تأسيس الدولة (الخمينية 1979 )، إذ لم يكن خافياً حينها أن جميع وسائل الاستجداء والمحاباة التي قدّمها العرب للخميني لم تكن كافية لتغيير سلوكه، وكذلك لم تكن جميع مظاهر التزلف والإغراءات والتنازلات التي قدمها العرب والمسلمون معاً للقيادة الخمينية، رادعة للعدوان الإيراني الذي كان يطمح – حينذاك – إلى أن يكون العراق بوابة العبور إلى دول الخليج العربي برمتها، وكذلك لم يخف الخميني نزعته العدوانية في أوج وقاحتها حين أكّد بعظمة لسانه أن نزوعه العدواني حيال العرب لن يردعه إلّا القوة الكابحة والضربة الموجعة التي تناله بالصميم، ولعلّ عبارته الشهيرة التي تلفّظ بها عام 1988 حين قبل – مُرغَما – بقرار وقف الحرب بين العراق وإيران،( إن شربَ كأسٍ من السمّ أهون عندي من قبول قرار وقف الحرب مع العراق) تختزل الكثير من الفلسفة الخمينية التي أصبحت – وما تزال – منهجاً سياسيا لإيران حيال تعاملها مع محيطها الإقليمي والدولي.
لقد انقضت أربعة عقود ونيّف على تأسيس الدولة الخمينية، وخلال تلك الفترة كاملة استطاعت إيران تحقيق هدف إستراتيجي واحدٍ من أهدافها، وأعني بذلك الاستيلاء على العراق كاملاً عام 2003 ، وما كان هذا الهدف ليتحقق لولا أن قدّمه الرئيس الأمريكي بوش الأبن لها على طبق من ذهب، وهي ما تزال تسعى بكل ما تمتلك من قوّة إلى تعميم انتصارها في العراق، في كل من لبنان وسورية واليمن، سواء من خلال أذرعها العسكرية والميليشياوية المزروعة في تلك البلدان، أو من خلال تدخلها المباشر، علماً أن مساعي إيران للسيطرة على تلك الدول، لا تنفي سعيها المتزامن إلى ممارسة عدوان إستباقي ومستمر على دول الخليج برمتها، سواء من خلال الاستهداف المباشر، كما يجري في الإمارات والمملكة العربية السعودية، أو من خلال الابتزاز والتنمّر، وفرض مبدأ (الخوّة والبلطجة).
لعلّه من المؤكّد أن أهم حلقات الضعف العربي أمام إيران هو غياب منظومة أمن قومي عربي يجسّدها موقف مشترك لحماية مصالحهم والدفاع عن أمنهم، ولعله من المؤكّد أيضاً أن مسألة الأمن الوطني للعديد من الدول العربية ما تزال مرتبطة بمظلات أمنية أجنبية، ولكن القدرة على إيجاد وسائل أخرى للمقاومة ما يزال أمراً متاحاً، بل يمكن الذهاب إلى أن المتأمّل في انتفاضة الشعوب العربية في كلٍّ من سورية والعراق ولبنان واليمن، إنما يكمن بينها هدفٌ مشترك هو في غاية الأهمية، وأعني رفض تلك الشعوب المطلق للهيمنة الإيرانية وسعيها لتحرير بلدانها من سطوة السياسات الخمينية العدائية لاستقرار الشعوب وأمنها، وبالتالي فإن وقوف الدول العربية ، وعلى وجه الخصوص تلك التي تعاني من العدوان الإيراني المباشر، كدول الخليج مجتمعةً، إلى جانب انتفاضات الشعوب ودعمها في نضالها من أجل التحرّر من سلطة الأنظمة الغاشمة المتحالفة مع الطغيان الإيراني ، ونظام الأسد في طليعتها، لهو الموقف المطلوب الذي يجسّد مصلحة عامة لجميع ضحايا الإجرام الإيراني في المنطقة.
ولعلنا لا نحيد عن الصواب إن ذهبنا إلى القول: إن التوجّه العفوي للثورات العربية، والثورة السورية على وجه الخصوص، كان صائباً في عفويته أكثر من الحسابات الخاطئة التي انتهجتها الحكومات الرسمية حين ظنّت أن نظام دمشق يمكن أن يكون ممرّاً لاحتواء الخطر الإيراني، ومن هنا يمكن التأكيد على أن موقف معظم السوريين المنحازين إلى الثورة لن ينظر إلى أي عدوان إيراني تجاه دولة الإمارات أو أي بلد عربي، سوى أنه عدوان ضدّ الإنسانية بما تعنيه من كرامة الشعوب وأمنها وحقها في أن تحيا بسلام وازدهار.
لعله في ضوء الصراع العالمي الراهن والمواجهات الاقتصادية الكبرى المُتوقعة بين الولايات المتحدة والصين من جهة، وبين الروس وواشنطن من جهة أخرى، وكذلك في ضوء انهماك القارة الأوربية بمعالجة اقتصادياتها الشائخة، لا أحد يميل إلى الظن باحتمال مواجهة عسكرية مباشرة بين إيران وأيّ من القوى الدولية العظمى، مهما تفاقم تناقض المصالح بينهما، وهذا ما يعزز اليقين بأن مقاومة المشروع الإيراني في الدول العربية إنما هي مهمة منوطة بتلك الدول ذاتها، شريطة أن تمتلك منظومة متكاملة لأمنها الوطني تنبثق من مصالحها الوطنية وليست مستعارة أو مُلحقةً بالاستراتيجيات الخارجية، ولئن كان هذا التصوّر متعذّر التحقيق في الوقت الراهن، نظراً لارتباط الأمن الوطني في الكثير من الدول العربية بمظلات الحماية الأجنبية، فإن مقاومة الخطر الإيراني تبقى أولويات ثورات الشعوب العربية.
المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها