
أحمد عرابي
أكاديمي سوري
مشروع المجلس العسكري والمصالحة الوطنية…العزيمة وقدرة الإنسان
تعريف المصالحة الوطنية : تعني التسامح وتقديم مصلحة الوطن على المصالح الشخصية ونبذ الفرقة والكراهية والحقد, والعيش وفق مفهوم العدالة والمساواة وإطار الحرية التي أقرتها الشرائع الإنسانية والقوانين بعيداً عن الانجراف وراء التجاذبات السياسية والإيديولوجية وطبعاً سيكون من أولويات مشروع المجلس العسكري السوري لقيادة المرحلة الانتقالية المصالحة الوطنية بمعناها الحقيقي وهي شرط لازم لكل بناء ديمقراطي سليم بعيداً عن كل الحسابات السياسية الضيقة أو التحالفات الحزبية المرحلية, وقد شهدت الكثير من البلدان مصالحات وطنية خلال فترات انتقالها الديمقراطي وذلك من أجل مجاوزة الماضي بكل خلافاته الدامية والمأساوية وانتهاكات حقوق الإنسان من اعتقال وقتل وتعذيب وتهجير حيث أن المصالحة الوطنية تبدأ بمعالجات جذرية وواقعية منها العدالة الانتقالية بكل أطيافها السياسية والعسكرية والمدنية, ورد المظالم وتقصي الحقائق والمساءلة وحتى يتحقق ذلك وتكون المصالحة حقيقة يجب أن تكون الأرضية والظروف مناسبة وهي الظروف الأمنية أولاً وأيضاً السياسية والاقتصادية وهذا لا يمكن أن يتم إذا لم يكن هناك انتقال سلمي للسلطة وهذا ما يدعو له مشروع المجلس العسكري السوري بقيادة الضباط الأحرار والدعم من قبل قادة الثورة والسياسيين وأصحاب القرار في المعارضة السورية في الداخل السورية وخارجه والاعتراف الدولي به وهو ما يتضمنه القرار الدولي ( 2254 ) فالمصالحة الوطنية وخاصة في ظل الأزمة التي تمر بها بلادنا بعد عشر سنوات من الحرب الطاحنة التي دمرت البلاد والعباد التي كان من أسبابها ثقافة شيطنة الآخر التي كان يغذيها الانقسام السياسي والمناطقي والقبلي والإيديولوجي والتي تمتد جذورها لما قبل 2011 وصول بشار الأسد للسلطة ومن قبله أبيه حافظ الأسد, وهي ثقافة نشأت بعد حافظ الأسد وغُذيت طوال هذه الفترة فأي مبادرة حقيقية للمصالحة الوطنية العادلة والمستدامة لابد أن تبدأ بالعمل على تغيير الثقافة السائدة والتفرقة العنصرية ورفع الوعي بمفهوم المواطنة وحقوق الإنسان من مبدأ المواطنة وهو حق لكل السوريين مهما اختلفت توجهاتهم السياسية أو الدينية أو انتماءاتهم القبلية أو العرقية وإن من أهم أسباب نجاح المصالحة الوطنية المحاسبة والتي هي جزء لا يتجزأ من المصالحة الوطنية خاصة محاسبة من ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ما قبل وما بعد 2011 بدءاً من رأس الهرم الذي كان السبب الأول في تدمير البلاد وقتل وتشريد أهلها وجلب الاحتلال الروسي والإيراني والميليشيات التابعة لكل منهما وفي ظل انتشار السلاح وتوغل الميليشيات الطائفية التي دمرت النسيج الاجتماعي وفتتت وفرقت بين أبناء الشعب الواحد والعيش المشترك الذي كان يسود المجتمع السوري منذ مئات السنيين, فأي محاسبة لن تكون عادلة وستكون مجرد أفعال انتقامية تؤدي لازدياد الانقسامات والعداوات فالمحاسبة العادلة تتحقق في ظل وجود دولة لا تحتكر العنف ويحكمها قانون عادل يأخذ الحق للمظلوم ممن ظلمه ويحاسب القاتل والمجرم مهما كانت صفته ومنصبه في الدولة, وإذا كان هناك تنازل الضحايا عن حقهم في معاقبة الجلادين والمجرمين والقتلة والطغاة والمستبدين أمراً ممكناً من الناحية السياسية فإنه من غير المنطقي التغاضي عن كشف الحقيقة وتحميل كل طرف مسؤوليته من ناحية قانونية وأخلاقية ومحاسبة مجرمي الحرب وكل من تلطخت يداه بالدم السوري وكل هذا يأتي عند شارة البدء بمشروع المجلس العسكري والموافقة عليه من قبل كافة مكونات وأطياف الحراك الثوري والسياسي والقاعدة الشعبية الداعمة له, وبذلك التعاون يمكن انتزاع اعتراف دولي بهذا المجلس العسكري الذي سيقود البلاد إلى مرحلة انتقال للسلطة وبسط الأمن والأمان في أنحاء البلاد وسيكون دور كبير للمجتمع المدني والإعلام في إرساء قيم التسامح والمصالحة والعفو والعمل على وضع استراتيجية شاملة وغير إقصائية بالاستماع لكل الأطراف وإعطاء الجميع مساحة آمنة للتعبير عن المظالم والمخاوف, وفرصة لمشاركتهم بالعمل السياسي وحرية الرأي والنقد والتعبير, ومن نجاح المصالحة الوطنية مشاركة شباب الثورة في بناء الدولة وتبدأ بتشجيعهم على نبذ السلاح أولاً والانخراط في الحياة المدنية وإعادة التأهيل للدخول في سوق العمل لإعادة بناء الوطن من جديد وذلك برفع مستوى وعي الشباب بأهمية دورهم في الثورة و خاصة في فترة هذه الحرب التي تم استغلال الكثير من شبابنا من قبل النخبة المستفيدة من الفوضى وعدم الاستقرار ممن كان لهم المصلحة في بقاء الحرب في سورية على ما هي عليه وعدم الوصول إلى أي حل جذري يطيح بهؤلاء المرتزقة وتجار ومافيا الحروب والتي تعمل لمصالح دول أو لمصالح شخصية لذلك لابد أن تشمل استراتيجية المجتمع المدني استقطاب الشباب وتشجيعهم على المشاركة السياسية والمشاركة الفعالة في الحراك المدني من أجل التغيير الإيجابي والنهوض بسورية إلى مصاف الدول القوية وهذا ما يتمناه السوريون بعد عشر سنوات من الحرب والانقسامات والخلافات التي عصفت بالبلاد ودمرت كل شيء فيها, والوصول إلى مصالحة شاملة يعود من خلالها أبناء الشعب إخوة يمكنهم التنقل في كل أنحاء البلاد دون خوف أو جزع ويكون التعامل مع المواطن على أساس مواطنة وليس عشيرة أو قبيلة أو عرق أو دين فالدين لله والوطن للجميع.
لهذا فالمصالحة تعد الهدف الأسمى الذي يصبو إليه أي مجتمع وما تعنيه هذه المصالحة أنها مرتبطة بالإطار السياسي والثقافي والتاريخي الخاص بالمجتمع وهنا يكون دور القادة وأصحاب القرار وأصحاب الفكر والوعي والثقافة للتوضيح والدعم والتشجيع على ذلك, فالمصالحة الوطنية بين أبناء الوطن هي وثيقة الصلة بمفهوم العدالة الانتقالية وغايتها النهائية هي نتيجة حتمية في الدول التي عانت من خلافات جذرية أو صراعات داخلية أو حروب طائفية فيما بينها وهي تعد من أهم مفردات أي تسوية سياسية تنشأ على أساسها علاقة قائمة على التسامح والعدل بين الأطياف السياسية والمجتمعية بهدف طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة تقوم على تحقيق التعايش السلمي بين أطياف المجتمع كافة.
المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها.