
محمد أمين كركوكلي
سياسي سوري – ماجستير اقتصاد- رئيس حزب بناة سوريا
المحاصصة الطائفية والاثنية محصلة اكيدة لفشل الدولة
إن الظهور المتزايد لظاهرة الثقافات الفرعية وصراعاتها خلال العقود الأخيرة وتبلور مواقف وافكار سياسية ترتبط بالهوية والعقيدة والطائفة، هي ظاهرة ليست جديدة، ولكن بروزها بهذا الشكل القوي على مسرح الاحداث السياسية في بلادنا انما يعبر عن فشل الدولة ومؤسساتها والمكونات الاجتماعية نفسها في حل مسألة الهوية الوطنية بالشكل الذي يخدم الوحدة الوطنية وكذلك فشل النخب السياسية في بلورة وعي اجتماعي وطني وتطور تنظيمات مؤسساتية تسهم في انتاج عقد اجتماعي يقوم على تحريم ذهنية التجزئة والمحاصصة الطائفية وكذلك عقلية التغالب الأبوية وتقسيم الغنائم بين الاطراف التي قامت على منظومة من الايديولوجيات الوهمية وعلى الفصل بين الدولة والمجتمع، بوصفها تمثيلا أصيلا للمجتمع الذي يفتقد مرجعية وطنية مشتركة, وهي حالة اجتماعية غير طبيعية تعبر عن انفصال وتجزؤ وتفرد آيديولوجي يوظف خطاب الهوية في الصراع السياسي ويستغله في الدعاية والتعبئة وتحشيد الجمهور لإداء دور ديناميكي في الصراع السياسي، عن طريق التحكم وتوجيه الوعي الاجتماعي نحو انتاج معرفة هدفها السيطرة على الهويات الفرعية وقيادتها وتوجيهها فكريا وعمليا عن طريق تثبيت صور نمطية لعقائد وجماعات وقيادات، تختفي في أغلب الأحيان وراء أقنعة آيديولوجية مزيفة وتفرض نفسها كبديل عن المنظمات والاحزاب الديمقراطية ومؤسسات المجتمع المدني الحقيقية, ويعود السبب في ذلك الى عدم وجود مرجعية وطنية عامة وشاملة لجميع مكونات المجتمع السوري هدفها صياغة آلية لتوحيد القومي والديني والقبلي والطائفي في ثقافة تعاون وتسامح ووئام تقوم على ان ” الدين لله والوطن للجميع”, وهي آلية تضمن قدراً من الفاعلية في إعادة انتاج الهوية الوطنية التي تضم الجميع تحت راية دولة القانون والمجتمع المدني.
إن مفهوم الهوية هو مفهوم مرن متعدد ومتنوع العناصر والثقافات ويتمظهر في اشكال حسب الزمان والمكان، وفي ذات الوقت لا يتناقض مع وجود هويات فرعية وثقافات متعددة، لان الهوية الوطنية المتكاملة من الممكن ان تتشكل من هويات فرعية ذات ثقافات متعددة كما في سويسرا وبلجيكا وغيرهما.
حتى ان النظرية الاجتماعية تقول إن المحاصّصة الطائفية هي شكل مرضي من أشكال “الديمقراطية التوافقية” لاحتواء مخاوف مكونات مجتمع تعددي لكنها تطيح عملياً بصحة المجتمع وعافيته، والفكر السياسي يقول إن النظام الطائفي من ألد أعداء الديمقراطية، لأنه يؤجج الصراع بين زعماء الطوائف ويجعل الإنسان يؤمن بأن طائفته هي فوق الجميع، وبأن حصته من النفوذ هي فوق المجتمع، في مواجهة قيم الديمقراطية التي تجعل جميع أفراد المجتمع متساوين في الحقوق والواجبات، وليس لأحد فضل على الآخر لا في العرق ولا في الدين ولا في الطائفة، وليس هناك مرجعية تعلو على مرجعية الوطن الواحد والمجتمع الواحد.
وخلاصة القول ان المحاصصة الطائفية والاثنية هي محصلة أكيدة لفشل الدولة بكل مقوماتها وانهيار النهضة والتقدم.
المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها