
ياسر بدوي
كاتب وصحفي سوري
المتهم يعفو عن الأبرياء…… انقلاب المفاهيم
لم نقل المدان ولم نقل المجرم الذي عرضت جناياته على شاشات التلفزيون إنما نقول المتهم إرضاء للمطالبين بالموضوعية، وان كان طلبهم لا علاقة للموضوعية به، لأنه لم يعد أحد في العالم لم يشاهد ويسمع ويقرأ ويبكي من وعلى المقتلة السورية، حتى يصدر رئيس العصابة الحاكمة في دمشق عفوا عن الجرائم، والمقصود رقم واحد بهذا العفو، العسكريون الذين انشقوا عن النظام، رافضين التوحش الذي فرضه نظام الأسد على الجيش، وجعل هذا الجيش خاضعا لقوى القمع والقتل في مواجهة الشعب.
هذا الأمر لا يمكن مناقشته قانونيا؟ لأنه سياسي، أو هكذا أراد النظام تصديره وهو معزول ومحاصر وطامع بأي علاقة إقليمية أو دولية، وربما يصح التساؤل أيضا، ماذا ارادت روسيا من مثل هذا القرار.
قبل ذلك لا بد من التذكير، أن الضباط المنشقين عن الجيش فعلوا ذلك مهنيا واخلاقيا، بعد ان زج النظام كرها، الجيش في مواجهة الشعب، وجد العسكريون أنفسهم أمام مأزق مهني كبير، فإن اطاع العسكري الأوامر وجد نفسه يقاتل من يجب أن يحميهم وقد أقسم على ذلك، لذلك لم يجد أمامه حلا إلا الانشقاق واللجوء الى مكان آمن يستطيع العودة لدوره، فضلا عن الموقف القانوني والأخلاقي الذي سيقع فيه، وهذا ما حصل اذ أن جميع القادة الذي بقوا مع النظام وانصاعوا لأوامره وشاركوا في القتل هم تحت المساءلة الوطنية والدولية.
المحاسبة والتقييم المهني و القانوني للعسكريين والمدنيين لها قواعدها، إذ يجب أولا محاسبة صاحب القرار المسؤول عن اتخاذ القرارات الخاطئة التي أدت إلى القتل والتخريب والتشريد والدمار وانتهاك سيادة الوطن بإدخال إرهابيين واستدعاء دول إقليمية مثل ايران ثم دول عظمى مثل روسيا الى المشاركة في تدمير الوطن، وكان سببا لدخول جيوش تركيا و أمريكا للمحافظة على التوازن ومحاربة منتجات النظام الإرهابية، فكيف لمثل هذا المتهم أن يصدر عفوا.
ولو حاولنا فهم القرار سياسيا، فإنه يأت في وقت كثر فيه الحديث عن التطبيع مع النظام، وتقود روسيا مثل هذه المحاولة البائسة واليائسة، وقد قدمت أمريكا حوافز من اجل اطلاق العملية السياسية سميت خطوة مقابل خطوة، فإذا كانت هذه هي الخطوة الروسية المقابلة فتلك كارثة سياسية، وإذا كانت اجتهاد من النظام فالكارثة أكبر من زاوية أنها تشير الى أن القرار في دمشق ما زال إيرانيا ؟ وبالتالي روسيا لا تستطيع السير في تعهداتها الدولية، وستكون دوران في الهواء في حوارات روسيا العربية حيث تعهدت بفصل النظام عن ايران، المطلب العربي رقم واحد من الحوار مع روسيا.
من هنا لا ينفع الجانب الروسي تتفيه هذا السلوك الذي يتخذه النظام، فكل خطوة محسوبة وتخضع للمراجعة، والقراءة السياسية للمسارات المطروحة ومحكومة بعداد زمني، ومنطق التاريخ لا يمكن القفز عليه و بالتالي لابد لروسيا إعادة قراءة تاريخها، اذ بعد فوت الأوان اعترف قادة الحزب الشيوعي أن أحد اهم أسباب فشلهم هي معضلة حرق المراحل، والمرحلة القادمة في سوريا ليس عنوانها مجرم يعفو عن شرفاء، وانما هي الشرفاء سيحاسبون المجرميين والقتلة.
المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها.