
أحمد عرابي
أكاديمي سوري
النصوص والقوانين السالبة لحق الملكية…قرصنة علنية على أملاك السوريين
إن حق الملكية مثله مثل باقي حقوق الإنسان الأساسية , فقبل عام 2011 كان عرضة للانتهاك والتعدي عليه من قبل السلطة الحاكمة في سورية وأذرعها الأمنية من خلال المواد والنصوص غير الدستورية الواردة في الكثير من القوانين والمراسيم التي صدرت منذ عهد حافظ الأسد إلى عهد ابنه بشار الأسد ولاشك إن ظروف الحرب التي تخيم على البلاد منذ عام 2011 بداية الثورة السورية قد زادت من معاناة السوريين بخصوص الملكية العقارية وفاقمت من حجم هذه المشكلة إذ حاول النظام الفاشي في سورية الانتقام من معارضيه بأساليب كثيرة منها مصادرة ممتلكاتهم بحجة أنهم إرهابيون أو داعمين لهم فالمادة (12) من قانون مكافحة الإرهاب رقم (19) لعام 2012 نصت بأنه في جميع الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون تحكم المحكمة بحكم الإدانة بمصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة وعائداتها والأشياء التي استخدمت أو كانت معدّة لاستخدامها في ارتكاب الجريمة وهذا ما اعتمد عليه نظام الاستبداد في سورية وذلك أن محكمة الإرهاب التي أنشأت عام 2012 معفاة من التقيّد بالأصول المنصوص عليها في التشريعات النافذة وذلك في جميع الإجراءات والملاحقة والمحاكمة, كما أن المرسوم التشريعي رقم (63) لعام 2012 منح سلطات الضابطة العدلية أثناء إجراء تحقيقات بخصوص الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي أو الخارجي لها الحق في مخاطبة وزارة المالية خطياً وطلب اتخاذ الإجراءات التحفظية اللازمة على الأموال المنقولة وغير المنقولة للمتهم وكذلك منح هذا الحق للنيابة العامة ولقاضي التحقيق وهذا يعني منح الصلاحيات للضابطة العدلية بمن فيهم عناصر الشرطة والأمن بطلب إلقاء الحجز على أموال وممتلكات الشخص الذي هو قيد التحقيق أو المتهم بذلك وغير مقبوض عليه وتماشياً مع قانون الإرهاب والأحكام التي صدرت عن المحكمة المكلفة بتطبيق هذا القانون أوعزت المديرية العامة للمصالح العقارية بدمشق التابعة لوزارة الإدارة المحلية في سورية لتسريع مصادرة أملاك السوريين المشمولين بقانون الإرهاب الصادر عام 2012 ونقل ممتلكاتهم لصالح الدولة أي (النظام) وجاء في التعميم الذي حمل رقم (346) على جميع مديريات المصالح العقارية ودوائر السجل العقاري التابع لها في المحافظات السورية إيلاء الأحكام القطعية الخاصة بالمصادرة والصادرة بموجب قانون الإرهاب ذو الرقم (19) لعام 2012 الأولوية والأهمية المطلوبة وعدم تأخير تنفيذها ونقل الملكية من اسم المحكوم عليهم إلى اسم الجمهورية العربية السورية وحيث تم الكشف عن لوائح نشرتها وزارة المالية في سورية عن وجود (30) ألف حالة حجز احتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة للسوريين في عام 2016 و (40) ألف حجز احتياطي صدر عام 2017 كلها بسبب ما وصفها النظام الفاشي في سورية التورط بأعمال إرهابية كما صدر عام (2018 ـ 2019) (235) ألف حجز احتياطي على أملاك السوريين الذين هم خارج سورية وصنفهم النظام السوري بأنهم إرهابيون او متعاونون مع الإرهابيين وداعمين لهم كما أن أفرع الحزب أوعزت إلى الشعب الحزبية في كل المناطق والمدن والأرياف في سورية كتب تتضمن حصر الأراضي العائدة للإرهابيين والمسلحين وداعمي الإرهاب وغير المتواجدين في مناطقهم وموافاتهم بالمطلوب بالسرعة القصوى وفق جداول تفصيلية بالمعلومات اللازمة كي يتم مراسلة القيادة والجهات المعنية ليتم استثمارها لصالح هيئة دعم أسر الشهداء التابعة لميليشيات نظام الأسد وقد أكدت ذلك دراسة صادرة عن (هيومن رايتس ووتش) ان الحكومة السورية تعاقب عائلات بأكملها مرتبطة بأشخاص مدرجين تعسّفاً على لائحة إرهابيين مزعومين من قبل النظام السوري وذلك عبر تجميد أموالهم المنقولة وغير المنقولة والاستيلاء على ممتلكاتهم وأراضيهم بالكامل ويضاف إلى كل ما ذكر عمليات غصب واستيلاء العقارات والممتلكات التي تمت من قبل الأفرع الأمنية بكل فئاتها ووحدات الجيش التابعة لعصابة الأسد ما سمي بالشبيحة حيث أنه لجأ إلى تهجير السوريين من الكثير من المدن والبلدات والقرى السورية في كل من دمشق وريف دمشق ودرعا وحمص وحماة وإرسالهم إلى محافظة إدلب بحجة أنهم إرهابيون أو داعمين لهم وتم الاستيلاء على ممتلكاتهم وبيوتهم وأراضيهم ومحلاتهم التجارية والأخطر من ذلك عمليات البيع والشراء لهذه العقارات التي تمت نتيجة عقود بيع مزورة ووكالات كاتب عدل مزورة نتيجة غياب المالك أو فقدانه واللجوء إلى المحاكم والقضاء الفاسد والاستفادة من الثغرات القانونية المتعلقة بتبليغ المدعى عليه أي ( المالك ) ولعب القضاء الفاسد دوراً كبيراً بهذا الشأن ناهيك عن التدمير والتلف الذي طال العديد من السجلات العقارية وسجلات المحاكم ووثائق الكاتب بالعدل المثبتة لحقوق الملكية, حيث أحرقت بعضها و أتلفت وبحسب البحث الذي أجراه المجلس النرويجي للاجئين السوريين فإن لاجئاً واحداً فقط من أصل خمسة لاجئين سوريين بحوزته سندات ملكية له وكل هذا سيزيد من عدم قدرة النازحين والمهجرين لإثبات حقوق ملكياتهم عند عودتهم بعد سقوط النظام هذا الأمر سيقلص بالطبع فرص الوصول إلى الحل السياسي المنشود وقد يحرمنا بالتالي من الوصول إلى البيئة الآمنة والمحايدة التي تعلق عليها الآمال للانتقال بسورية إلى برّ السلام والأمان والديمقراطية كما أنها ستفاقم من حجم المشكلة العقارية الموجودة أصلاً في سورية وستزيد من الأعباء الملقاة على كاهل المالك لإثبات ملكيته للعقار أو المحل أو الشركة وسيزيد من أعباء الجهة التي قد تنظر في الخلافات المتعلقة بالملكية العقارية المتمثلة بالسجلات العقارية وعقود البيع والشراء الرسمية وغير الرسمية وبالتالي لابد من التفكير في حلول مبتكرة والاستفادة من تجارب الدول التي مرت بحالات مماثلة ففي ظل الحرب المدمرة في سورية وخلال كل هذه الفترة وبعد مرور أكثر من عشر سنوات مازال المجتمع السوري يعيش في ظل قانون الغابة على أن كل ما سلب منا بالمكر والخداع والقوة لا يرد إلا بالسلب والنهب أيضاً هل سنظل نعيش هكذا مجرماً يسرق مجرماً فإن كان أخوك معتدي وسلب حقك لا تفعل مثله وتأتي على ارتكاب نفس الأفعال وتعوض ما أخذ منك بالغصب والاغتصاب بنفس الطريقة والوسيلة وذات المنطق, يجب أن نعرف جميعاً لغة جديدة هي لغة سيادة القانون فهناك الكثير من المغتصبين الذين يستحلون المال العام وكذلك أموال الآخرين التي ليست من حقهم وكأن ما يأخذه بغير حق حلال له وحق من حقوقه فمع اندلاع الثورة في سورية 2011 اتخذت أبعاداً جديدة وأصبحت كل المناطق الثائرة هدفاً لانتقام النظام فبدأ باستهداف هذه المناطق السكنية بقصفها وتهجير قسري لأهلها وترك هذه المناطق عرضة لعمليات نهب واسعة على يد ميليشيا جيش النظام وأتباعه ما سمي ( التعفيش ) فإذا كانت كل النصوص الواردة في الدساتير السورية المتعاقبة في القانون المدني السوري قد نصت على حق المالك في التصرف بملكه واستغلاله وعدم جواز حرمانه من هذا الحق إلا بقصد المنفعة العامة ويكون ذلك مقابل التعويض العادل له, كالمرسوم التشريعي رقم (84) لعام 1949 والمادة (768) والمادة (769) والمادة (770) التي تنص أنه لا يجوز أن يحرم أحد من ملكيته إلا في الأحوال التي يقررها القانون وبالطريقة التي يرسمها ويكون ذلك مقابل تعويض عادل كما نص في المادة (771) إلا أن تلك النصوص والدساتير بقيت حبراً على ورق وتم تجريدها من مضمونها بموجب العديد من القوانين الخاصة والتي تم بموجبها سلب الملكية من المالك أحياناً وبدون تعويض أو مقابل زهيد جداً لا يتناسب مع قيمة العقار المسلوب وهذا يكون في ظل حكم الأنظمة الشمولية والاستبدادية, فلا شك أن القوانين التي تتوافق مع أهواء ورغبات السلطة الحاكمة هي التي ستسري بغض النظر عن مدى أحقيتها ومدى توافقها مع الدستور من عدمه وهذا حال القوانين في الدولة السورية التي حكمت تحت قانون الطوارئ منذ عام 1965 وحتى عام 2011 ومن خلال السرد المقتضب لكل القوانين الخاصة بملكية العقارات في سورية والسالبة للملكية نرى بأن ما يجمع بينها هو مخالفتها للعهود والمواثيق الدولية وكذلك للنصوص الدستورية المتعاقبة وما نص عليه القانون المدني السوري, هذا يدفعنا إلى القول بضرورة وجود محكمة دستورية عليا حقيقية لا شكلية تكون قادرة على البت في مدى دستورية القوانين التي صدرت والتي ستصدر عن السلطة الحاكمة مستقبلاً بعد سقوط نظام الأسد وتكون قادرة على الحكم بإلغاء النصوص المخالفة للدستور وهذا ما يستدعي البحث في دور السلطة القضائية في الحفاظ على الملكية الخاصة ومنع السلطة الحاكمة من التغول والتسلط على الحقوق الخاصة ومنها حق الملكية وانتزاعها من مالكها والحزم في الدستور المزمع كتابته لسورية مستقبلاً بعد سقوط النظام.
المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها.