
النقيب صهيب غنام
مختص في الشؤون العسكرية
ماذا علينا ان ندرك …بعد عشرٍ عِجَاف
في ظل المتغيرات المتسارعة الذي يشهدها العالم يزداد التحدي والتهديد في الانقسامات الحاصلة في وطن احتضن الجميع واتسع لكل سوري يعتز بهويته الوطنية, إذ أن عشر سنوات عصيبة وفترات مظلمة عاشها الشعب السوري في الوطن , بُئس و فقر وحاجة عصفت في آماله وتطلعاته للعيش بحرية وكرامة وهموم قتلت مستقبل أبنائه ولا يدري الى اين يميل وماذا ينتظر هذا الوطن بسبب الفشل الذريع في إيجاد قوى سياسية وطنية موحدة تقود المجتمع, وهنا يبرز أهمية القيادة الحقيقية للمجتمع السوري بكل مكوناته في مختلف المجالات والمؤسسات الإدارية و التربوية والاقتصادية والأخلاقية وغيرها, ويزداد أهميتها في المجال العسكري والأمني وذلك نظراً للمسؤولية التي تقع على عاتق هذا النوع من المؤسسات ولأهمية الأهداف التي من المفترض أن تحققها, إذ أن خطاب متصدري المشهد السوري لم يكن بالمستوى المطلوب, كل هذا يضعنا أمام تحديات ومسؤوليات كبرى لإنتاج قوى وطنية لقيادة المؤسسات الإدارية السياسية والقضائية والاقتصادية والعسكرية وغيرها تشمل كافة المجالات والفئات السورية لتواكب المتغيرات الأساسية الدولية والإقليمية والداخلية والخارجية ويكون ولائها للوطن وخدمة الشعب, إذ لم ينتج وخلال العشر سنوات الماضية قيادة سياسية حقيقية موحدة تلبي المطالب الشعبية وتتناسب مع تضحيات هذا الشعب المكلوم, حيث ان المتنفذين وقوى الأمر الواقع لم تُظهر الحد الأدنى للصفات الجوهرية للقائد الناجح وأهم هذه الصفات الذكاء العاطفي للقائد … وهو القدرة على إدراك أنفسنا (ذاتنا) ومشاعرنا الشخصية و إدراك الآخرين ومشاعرهم و ذلك كي نستطيع تحفيز أنفسنا وإدارة عواطفنا بشكـل صحيح سواء مع أنفسنا أو في علاقاتنا مع الآخرين, وهنا لا بد لنا أن نعرج على التعريف الشامل للإدراك وهو … عملية عقلية نفسية تساعد في الاهتمام بالأنشطة العقلية والفكرية التي يمارسها البشر في جميع المواقف والمعرفة الخارجية ودلالات الأشياء و ذلك عن طريق تنظيم المثيرات الحسية لتفسيرها وصياغتها كلياً, ومنها الإدراك السياسي الذي يشير إلى دراسة وكيفية فهم الأفراد للعالم السياسي وكيف يؤدي هذا الفهم إلى السلوك السياسي الصحيح, وسنتحدث عن الإدراك السياسي لاحقا.
وبالعودة إلى الذكاء العاطفي أو الذكاء الوجداني EMOTIONA INTELLIGENCE
هو تلك الصفات الشخصية والمهارات الاجتماعية والوجدانية التي تُمكن الشخص من وعي مشاعره وانفعالاته والتحكم فيها وتحويل الجوانب السلبية منها إلى إيجابية, وذلك من خلال تنظيمها و توجيهها نحو تحقيق الأهداف الإنسانية المطلوبة وتُؤهله لإدراك مشاعر الآخرين وانفعالاتهم وتفهمها من أجل التعامل معها وإدارتها.
ومما لا شك فيه أن تطوير الذات وتنميتها أمر مطالب به الجميع طالما لصالح الإنسان ويعمل على تطوير وتنمية مهاراته بما يخدم مصلحة المجتمع الإنساني إيجاباً, وأكدت الكثير من الدراسات أهمية الذكاء العاطفي وفعاليته في إدارة الأزمات والضغوط النفسية وتحسين مناخ العمل التي اهتمت بالقيادة وبشخصية القائد القادر على التحكم بانفعالاته وصولاً إلى تحقيق الأهداف الإنسانية.
وقد أولت معظم المؤسسات الإدارية والعسكرية في جميع أنحاء العالم اهتماماً بالغاً للذكاء العاطفي حيث أن القيادة هي الأساس الذي يقوم عليها نجاح مؤسسات الدولة من خلال مجموعة متماسكة ومتناغمة من الأعمال التي تُوجه لتنمية وتطوير المجتمع للنهوض بالدولة والمجتمع لتحقيق الأهداف العامة لهذا المجتمع للوصول للعدالة الحقيقية.
وإن مفهوم الذكاء العاطفي أو الذكاء الوجداني ينقسم إلى قسمين أساسيين هما:
- فهم الذات ثم إدارتها أو فن التعامل معها.
- فهم الآخرين ثم إدارتهم أو فن التعامل معهم.
– وإن فهم الذات هو فهم الإمكانات والقدرات الشخصية ونقاط القوة والضعف فهماً حقيقياً وواقعياً وليس أوهام وأماني وخداع للذات دون واقع حقيقي, وهو الإدارة الصحيحة للذات وفهم المنظومة الشخصية وكيف يتم التعامل مع نقاط القوة التي يملكها الشخص ويعززها, ويعمل على تجاوز نقاط الضعف وتنميتها للوصول الى أفضل النتائج, وبدون أي شك لا يخلو أي شخص على وجه الأرض من نقاط قوة ونقاط ضعف وإن الناس مختلفون في هذا من حيث تعزيز نقاط القوة لديهم وتجاوز نقاط الضعف لديهم.
– والمقصود بفهم الآخرين هو فهم مشاعرهم و أحاسيسهم ومتطلباتهم وما يحبون وما يكرهون وكيف يتم التعامل مع هذه النماذج على اختلاف البشر واحترام خصوصياتهم ومشاعرهم, وبشكل آخر نسميها إدارتهم بالطريقة التي تناسبهم و ترضيهم دون التقليل من شأنهم أو كبريائهم وكرامتهم.
والناس متفاوتة في تطبيق الذكاء العاطفي بشكل واقعي ويعود ذلك الى تفاوت خبراتهم في الحياة والمهارات التي يمتلكونها, و يعود أيضاً إلى نوعية الأشخاص الذين يتعاملون معهم والبيئة التي يعيشون بها.
حتى أن الذكاء العاطفي قد يتناغم والعلاقات الدولية فيما بينها على المستويين الرسمي والحكومي أو على مستوى الشعب, إذ أن الذكاء العاطفي على المستوى السياسي بين الدول هو قدرة ومعرفة كل دولة لمهامها و مصالحها التي تحقق فيها نفسها تاريخاً و ثقافياً ومعرفة مصادر القوة لديها ومعرفة إمكاناتها وقدراتها على صنع السياسة الداخلية والخارجية بما يحقق مصالح هذه الدولة, وأن تحترم سياسة وقدرة وثقافة غيرها من الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية لضمان استمرارية العلاقات الصحيحة مع الدول والتي تقوم على التكامل وحاجة دول العالم فيما بينها من أجل أن تستمر الحياة.
وفي النهاية نجد أن مفهوم الذكاء العاطفي من المفاهيم الحديثة و الأساسية و هو محط اهتمام الكثير من المؤسسات العسكرية والإدارية التي تسعى إلى تأهيل القادة لإكسابهم هذه الخبرات والمهارات و القدرات التي سوف تساهم في نجاح المؤسسات.
عشتم وعاشت سورية حرة أبية
المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها.