
المقدم محمد العبيد
مختص في الشؤون الأمنية

الوعي الأمني……. مسؤولية أم ثقافة
الوعي الأمني مسؤولية أم ثقافة
أولا – مفاهيم اصطلاحية في الوعي والأمن
1- في مفهوم الوعي الأمني :
أ- الوعي.
ب- الأمن.
ج- الوعي الأمني.
ثانياً – التعاطي مع مسألة الوعي الأمني مؤسساتياً:
1-الوعي الأمني ودور النخب السياسية في اظهاره وبلورته.
أ- في مفهوم النخبة.
ب- عناصر قوة النخبة.
ج- اليات انتاج النخب.
د- مسؤولية النخب السياسية المتعددة في تدعيم وترسيخ الوعي الأمني.
2- الوعي الأمني ودور الأسرة والمؤسسة التربوية والتعليمية.
أ- الأسرة
ب- المؤسسة التربوية والتعليمية.
ج- المعاهد والجامعات.
3-الوعي الأمني ودور المؤسسة الإعلامية.
أ-وسائل الإعلام.
ب-الأهداف التوعوية والوقائية.
ج-هدف الإعلام الأمني اجتماعياً.
4-الوعي الأمني ودور المؤسسة الأمنية.
أ-المؤسسة الأمنية.
ب-أليات العمل والتخطيط الأمني.
5- الغزو الثقافي.
أ-المفهوم والبدايات.
ب-الوسائل.
ت –الأهداف.
ث-عوامل الغزو الثقافي.
– خاتمة واستنتاجات.
– مصادر البحث.
ملخص:
يبقى الهاجس الأمني في كثر من الدول أحد أهم التحديات التي تواجه تلك الدول من خلال الدور الكبير الذي أنيط بهذا القطاع الكبير والحيوي الذي لا يمكن تجاهل هذا القطاع في مناحي الحياة السياسية، كما لا يمكن اغفال الدور الكبير له في رسم استراتيجيات الدول حيث اعتبر أحد أهم الروافد الرئيسية لعلم السياسة وللعلاقات الدولية، وهذا جاء بشكل حتمي نتيجة لارتباطه وهدفه في بقاء الدولة واستمراريتها كما يعتبر على الصعيد الدولي هو المعني بالدرجة الأولى بالمحافظة على شكل الدولة ومؤسساتها، انطلاقاً من ذلك كان لابد من تشكيل حالة أمنية تكون ذات منهجية عالية في تعاطيها مع كافة التحديات المفروضة على الدولة من خلال تأمينها من الانهيار التام والذي قد يضرب أحد أهم أركان الدولة المتمثلة في (الركن البشري – الإقليم – السلطة السياسية والسيادة).
مقدمة:
مما لاشك فيه فإن الأمن كمفهوم قد تصدر بوابة المشهد السياسي وذلك لأسباب تتعلق كما أشرنا سابقاً بالدور في رسم محددات السياسة الخارجية للدول سواء كان ذلك داخلياً أم خارجياً، إن الحرب العالمية الثانية أفرزت الكثير من المعطيات بعد الخسائر البشرية الكبيرة الأمر الذي جعل من الأمن محط اهتمام الباحثين والدارسين في تحمل مسؤولياتهم حول دراسة مفاهيم الأمن وتحديد الأطر الكفيلة بجعله علما رافدا للعلوم السياسية لكونه مفهوم بالغ الدلالة وذلك لأسباب تتعلق بانتشار واسع لمفاهيم الأمن المتباينة، لقد كان لحقبة الحرب الباردة دور كبير في الانطلاق بالدراسات الأمنية الحديثة حيث صنفت تلك الحقبة بأنها صاغت المرحل الأساسية للدراسات الأمنية حيث كان العالم يعيش في ثنائية قطبية حيث شكل الأمن كمفهوم تحدي واضح المعالم حيث انعكس على سياسات تلك الدول.
وفي نهاية ثمانينات القرن الماضي ومع زوال القطب السوفياتي الاشتراكي لاحت بالأفق سجالا فكريا وسياسيا تمحور كله حول توسيع وتعميق الدراسات الأمنية ولكن مما ميز هذه الدراسات أنها تناولت بشكل كبير ما يسمى بالسياسة الدنيا للبيئة والاقتصاد والجوانب الأخرى الاجتماعية والثقافية في ظل دخول العولمة والغزو الثقافي في ذلك الميدان بعد أن كانت هوامش الأمن تتناول السياسة العليا للدولة.
إذا يمكننا القول بأن نهاية الحرب الباردة كانت منعطف حقيقي في مجال التنظير الأمني والدراسات الأمنية حيث لوحظ الاختلاف ما بين الفترتين ما قبل الحرب الباردة وما بعدها كل ذلك كان مرده انعكاس العلاقات الدولية والعلوم الاجتماعية بشكل عام.
كل ذلك حذا بالمفكرين والباحثين في المجال الأمني لإعادة صياغة مفهوم الأمن ليتماهى مع التحول الاستراتيجي الكبير الذي بدا واضحا في زوال القطبية الثنائية.
الإشكالية:
تتمحور الإشكالية في هذا البحث حول إيجاد الصيغ المحددة للأمن كرافد معرفي واضح في العلاقات الدولية وبالتالي انعكاس ذلك على البنية المجتمعية للدولة، وعليه فإن مسؤولية انشاء منظوم الوعي الأمني باتت تشكل تحدي أمام الباحثين والمفكرين وذلك بإيجاد ألية محددة لضبط حالة الوعي وجعلها من ركائز الأمن الأساسية وعليه يمكننا القول بأن الإشكالية هي:
– ما يشكله الوعي من دور في تحقيق الأمن وكيف ينظر للأمن كمفهوم، وما هي موضوعاته.
– مسؤولية من إنشاء منظومة الوعي الأمني ” النخب السياسية – أم المؤسسات الاجتماعية المتمثلة بالمؤسسة التربوية والتعليمية وما دور الإعلام في ذلك والمؤسسة الأمنية “.
الفرضيات:
الفرضية هي جملة معالجات مطروحة لحل الإشكالية المفروضة للوصول لنتائج مقبولة وعليه تكون الفرضيات كالتالي :
-وضع جملة الأمن كمفهوم ودراسة موضوعاته من خلال ما تم طرحه وبالتالي رسم خطوط التمايز والاختلاف، وصولا لتحديد مضامين الأمن كحالة واعية. وعليه يمكن اظهار مسؤولية الوعي الأمني.
أهمية الدراسة:
تستمد الدراسة أهميتها من منطلقين اثنين هما الجانب النظري والجانب العملي حيث يكون الجانب النظري في محاولة إيضاح العلاقة بين المسؤولية المباشرة عن حالة الوعي الأمني والتأثير المتبادل ما بين الأمن كمفهوم وثقافة وبين القائمين على ذلك.
ومن جهة أخرى يمكننا القول بأن أهمية الدراسة العملية تنشأ من عمليات التغيير المستمرة التي يشهدها العالم في معظم بقاعه، وطالما أن مفهوم الأمن قد ارتبط بمفهوم العلوم السياسية وبالتالي فقد ارتبط بمفهوم العلاقات الدولية بشكل أو بأخر.
منهج الدراسة:
اعتمدت الدراسة على “التحليل النظري” والذي يمكننا من فهم كافة المفاهيم الأمنية من خلال فحص وتحليل المسلمات النظرية، فالنماذج المعرفية النظرية هي التي تصوغ وتشكل المفاهيم الأمنية والتي تكون مقدمة للدخول في طرح الدراسات الأمنية من خلال اعداد السياسات الأمنية.
أولا – مفاهيم اصطلاحية في الوعي والأمن
1- في مفهوم الوعي الأمني:
قبل الخوض في هذه الدراسة لابد لنا من الدخول في مفهومي الوعي والأمن للوقوف على أهميتهما والعلاقة القائمة ما بينهما.
أ- الوعي: بحد ذاته يعبر عن مدى ادارك الإنسان للأشياء والعلم بها، بحيث يكون الإنسان في عملية اتصال مباشر مع كل الأحداث التي تدور حوله وذلك بما يمتلك من حواس ( السمع – البصر التحدث بها – شمها – تفكيرها بها ).
مما تقدم نجد أن الوعي يمثل علاقة الانسان بمحيطه وبيئته حيث يضم مجموعة الأفكار والمعلومات والحقائق والأرقام والآراء ووجهات النظر والمصطلحات والمفاهيم ذات العلاقة بكل ما هو مادي ومعنوي ومنه نجد أن حتى مصطلح المنطق والحكمة والإدراك الذاتي والعقلاني كله يندرج تحت ما يسمى الوعي.
كما يمكننا القول بأن الوعي هو إدراك الفرد لقيمة المجتمع الذي يعيش فيه ويسعى دائما للمساهمة في بناءه وترقيته، وهنا أيضا لابد من أن نقول بأن الوعي لا يقتصر على الفرد بل يتضمن الجماعة وما لها من حقوق وما عليها من واجبات، فالوعي هو نشر الحقائق والمعارف بين أفراد المجتمع لتحسين سلوكهم وأسلوب حياتهم، وأيضا هي عملية منظمة ومدروسة تستهدف تفسير اتجاهات وآراء وأفكار ومواقف الفرد والجماعة بالنسبة لقضية من القضايا، وبالتالي إرشادهم إلى الحقيقة والظواهر المحيطة بهم ومن ثم تمكينهم من التفاعل والتعامل معها بيقظة وفهم كاملين وعليه يكون الوعي على الشكل التالي وبما ينسجم والمجتمع.
الوعي سياسيا: إن وعي الحالة السياسية يعني بالدرجة الأولى معرفة وادراك حجم ومصادر التهديدات سواء الخارجية أو الداخلية التي قد تتعرض لها الدولة وتمس بسيادتها وبالتالي ما ينعكس على الدولة من كل مناحي الحياة السياسية وغيرها، وهذا ما يحتم على الجميع وعي الحالة لمواجهة التهديدات وبالتالي توفير الحماية بما يضمن التنمية المستدامة للدولة.
الوعي نفسياً: إن ادراك المرء بما يفعله هو الوعي بالذات بمعنى وعي الإنسان بما يجري له ومن عمليات عقلية وجسمية وهو الشعور بالذات التأملي.
الوعي فلسفياً: ويعني ذلك “المجمل الكلي للعمليات العقلية التي تشترك إيجابيا في فهم الإنسان للعالم الموضوعي ولوجوده الشخصي”.
الوعي معرفياً: يعرف على أنه نوع من المعرفة والمعلومات والسلوك الذي يرقى الإنسان به إلى درجة عالية من المعرفة وبالتالي يكون الإنسان بفضل ذلك قادراً على السيطرة على نفسه.
يقول (ماركس ..صاحب الفكر الاشتراكي أن الوعي عبارة عن بناء فوقي تدريجي تندرج تحته كافة الأنشطة الإنسانية).
-أنواع الوعي:
-الوعي العفوي التلقائي: وهو الوعي الذي لا يحتاج لبذل مزيد من الجهد العقلي والذي لا يعيق قدرتنا على التفكير بأمور أخرى
-الوعي التأملي: يحتاج هذا النوع من الوعي لمهارات عقلية كثيرة كالذكاء كما يتمتع أصحابها بالذاكرة القوية واستحضار الماضي والتعبير عنها بعناية.
-الوعي الحدسي: هي عبارة عن مفاهيم ومشاعر لا يستطيع التعبير عنها أو تقديم استدلال وشرح واضح عنها.
-الوعي المعياري الأخلاقي: يصدر الشخص أحكاما يكون هو المخول برفضها او الموافقة عليها وهنا تكون كل المفاهيم الخاصة بالوعي والشعور والادراك كلها تلعب دورا مركزيا حيث تقدم تفسيرات وشروحات للكثير من السلوكيات والأحداث.
-الوعي الثقافي: يرتبط هذان المفهومان بطبيعة الانسان الاجتماعية وتطورها ونشاطاته الإبداعية والعلمية وبالتالي هو القدرة على اتخاذ أي قرار ومعرفته في سلوكه الخاص والعام.
ب-الأمن: مما لاشك فيه أن موضوع الأمن احتل حيزاً كبيراً لدى الباحثين والمفكرين نظراً لما لموضوع الأمن من أهمية في ضمان البقاء والأمن والاستقرار على المستويين الداخلي والخارجي للدول، ورغم الغموض الذي اكتنف هذا المصطلح إلا أنه يبقى مفهوماً بالغ الأهمية وهذا ما ذهب إليه “روني ليبشتز” في قوله (بوجود ليس فقط صراع حول الأمن بين الأمم بل أيضاً صراع حول الأمن بين المفاهيم.
بعد الحرب الباردة كان هناك تعريفاً ضيقاً لمفهوم الدراسات الأمنية حيث تم ربطها بقضايا الأمن العسكري وأمن الدولة باعتبارها المرجعية الأساسية في التحليل الأمني، غير أن ظهور التهديدات الأمنية الجديدة ذات طبيعة مغايرة قومية ( الدولة القومية )، وتحت قومية(الفرد، الجماعات) وفوق قومية (الشركات المتعددة الجنسيات، المنظمات الدولية)، وهذا كان سبباً في ضرورة إعادة النظر في مفهوم الأمن بالشكل الذي يستوعب كل التهديدات الأمنية الجديدة وهذا ما جعل من تلك الفترة مرحلة النهضة في الدراسات الأمنية.
في ضوء ما تقدم لابد لنا في الدخول في تحديد الأمن من كل النواحي التالية “اجتماعيا، نفسيا “
-الأمن اجتماعياً: يعرف بأنه الشعور بمدى أمان أفراد المجتمع عندما تثق نفوسهم بمكانة تقاليدهم وأعرافهم وممارساتهم الاجتماعية، ولا يتم ذلك إلا من انعكاس تلك التقاليد الإيجابية على سلوك الجماعة وهذا ما يهيئ تلك الجماعات لإصلاح شؤونهم بغض النظر عن كل الظروف التي تحيط بهم.
إذا الأمن هو قدرة المجتمع على مواجهة ليس فقط الأحداث والوقائع الفردية بل كل ما هو مركب ومهدد لاستقرار الجماعات والأفراد فالأمن هو ضمان الوجود والبقاء والاستمرار وتجاوز كل العقبات حتى بلوغ الأهداف، وهنا يمكننا القول بأن الأمن تزداد أهميته بمقدار فقدانه، لأن انعدام الأمن وغياب النظام يضعفان قيمة الحياة ومعناها وأهدافها ويكون سبباً مباشراً في ظهور القلق والخوف الوجودي على مصير الأفراد والجماعات على حد سواء.
-الأمن نفسياً: قسم الكثير من الباحثين والمفكرين الأمن على أنه شعور وإجراء حيث يكون فيه الشعور من خلال ما يسود الفرد أو الجماعة بإشباع الدوافع العضوية والنفسية، واطمئنان المجتمع إلى زوال ما يهدده أما من حيث أنه إجراء فيتمثل في كل ما يصدر عن الفرد أو الجماعة لتحقيق الحاجات الداخلية الرئيسية أو لرد العدوان على سيادتها وكيانها.
مما تقدم نجد أن الأمن هنا يعني شعور الفرد بالطمأنينة والبعد عن القلق والاضطرابات، وهذا الشعور هو ما يشكل أهم أسباب اطمئنان المرء على نفسه وماله، وهذا ما يشكل لدى الفرد الثقة بالنفس والإحساس بالعطف والمودة لكل من يحيطون به.
ج- الوعي الأمني: طالما نتحدث عن الإنسان وما يمتلكه من مشاعر وأحاسيس يمكنه من خلالها سبر أغوار ما يحيط به ويهدده ويهدد بقاءه واستمراريته بالحياة لذلك يمكننا القول بأن الوعي بحد ذاته والأمن شيآن متلازمان لا يمكن فصلهما عن بعضهما البعض فلا قيمة للأمن من دون وعي الحالة الأمنية وما تشكله على حياة الفرد والمجتمع، كما لا يمكننا القول بأن الوعي الكافي يمكن أن يكون مستقلا عن الأمن وهنا نشير إلى التهديدات التي تعترض الدولة بكل أركانها.
مما تقدم يمكننا القول إن إدراك الفرد لذاته وإدراكه لكل ما يحيط به وخاصة الأمنية كل ذلك يسهم في تكوين اتجاه عقلي إيجابي نحو كافة المسائل الأمنية المتعلقة بالفرد والمجتمع.
كما أن وعي المواطن لحقوقه وواجباته القانونية يساعد في دعم الجهات الأمنية من خلال التصدي لكل ما يزعزع استقرار الدولة والمجتمع إذا ما أدركنا أن ما يعصف بالمجتمع يشكل تحد للدولة حيث تظهر المخدرات والجريمة المنظمة كما يشكل الإرهاب أحد أهم المخاطر التي تعترض الأفراد والجماعات، إن وعي الحالة الأمنية من قبل الأفراد والجماعات يسهم بشكل كبير في دعم الجهات الأمنية ومؤزرتها من خلال المساعدة في اتخاذ إجراءات الوقاية والتحصين الذاتي وه ما يسهم في تحقيق مضامين الامن الشامل.
ثانياً – التعاطي مع مسألة الوعي الأمني مؤسساتياً
1-الوعي الأمني ودور النخب السياسية في اظهاره وبلورته.
أ-مفهوم النخبة:
تتواجد في كل المجتمعات الإنسانية قلة من الأفراد يطلق عيهم ” الصفوة أو النخبة ” يكون لها دور كبير وقيادي مميز في المجتمع، ومهما كانت درجة تحضر المجتمعات بدائية كانت أم متحضرة فإن له نخبة قد هيأتها الظروف والأسباب والإمكانيات لتتصدر الحياة الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية أو الفكرية أو حتى العسكرية، إذا النخبة هي بشكل عام مجموعة او فئة قليلة من الناس يحتلون مركزاً سياسيا واجتماعيا مرموقا وتفوقت واكتسبت شهرة في مجال معين.
وإن ما يجعلنا ندرك أهمية النخبة السياسية في مجال ترسيخ الوعي الأمني هو ما يميزها في مشاركاتها بفاعلية أكثر من غيرها في المجتمع من خلال رسم الحراك السياسي داخل الدولة ومجتمعها السياسي بمختلف الاتجاهات سلبا أو إيجابيا.
ب-عناصر قوة النخبة السياسية تتمثل في عدة نقاط هي :
– درجة تماسكها الداخلي، ووجود تماسك أيديولوجي، كما يمكنها القدرة على التفاعل مع الشعب ومع النخب الأخرى لكسب ولائها، كما تمتلك قدرة كبيرة على التكيف مع المستجدات وقدرتها على التجديد، يضاف لذلك انها قد تكون ممثلة لشريحة واسعة من الشعب، وهنا نتسأل كيف تم انتاج النخب طالما هي المتصدرة للمشهد برمته، وهنا نستعرض بنظرة إجمالية على التاريخ وعليه يمكننا أن نميز الطرق التالية:
ج- آليات انتاج النخب:
-العبقرية التأملية “أمثال الفلاسفة القدماء اليونانيون”
-الوحي “كان للديانات السماوية دور في إعداد النخب الدينية عبر العصور”.
-الكاريزما “وهي تشمل كل الزعامات التي تحمل في طياتها كل معاني التقدير والهيبة والحضور المتميز”.
-العصبية “كان للأسر الحاكمة المتوارثة الدور الأهم في إبراز هذه الفئة على مر العصور وحتى يومنا هذا”.
– المؤسسات أو المنظومات التربوية والتعليمية “هي أيضا مسؤولة عند انتاج النخب الإيجابية”.
مما تقدم يمكننا أن القول بأن:
د- مسؤولية النخب السياسية المتعددة في تدعيم وترسيخ الوعي الأمني من خلال :
1-المبادرة من قبل النخب المتعددة باتجاه أفراد المجتمع والذين لا يملكون أدنى حد من المعرفة وبالتالي وضع الأليات والتصورات المناسبة لأفراد المجتمع.
2-على اعتبار أن النخب هي الحلقة الوسطى وبالتالي يقع على عاتقها تسويق الأفكار والقيم المراد العمل على نشرها وتدعيمها.
3- سعي النخب لتحقيق أهدافها من خلال محاولتها التأثير على أفراد المجتمع لتغير الواقع الاجتماعي العام ويجب ان يكون الوعي أحد أهم تلك الأهداف.
4-يجب أن يكون هذا النشاط محوراً أساسياً من محاور عملية التنمية الشاملة.
5-تبقى ممارسة الديمقراطية داخل المجتمع هي الركيزة الكبرى والدعامة الرئيسية في بناء الدولة وبالتالي هو ما ينعكس على حياة المجتمع برمته ويجعله بأمس الحاجة للاضطلاع بدوره في عملية البناء، وبدلا من أن يبقى الفرد متلقي لمخرجات السلطة السياسة فقط فإنه من خلال ممثليه يكون له دور كبير في الإسهام بعملية البناء.
2-الوعي الأمني ودور الأسرة والمؤسسة التربوية والتعليمية.
أ- الاسرة: هي الخلية الأولى التي يتعلم فيها الفرد حيث ينشأ ضمن منظومة من القيم والأعراف والتقاليد المتوارثة وبالتالي تشكل هذه ركيزة مهمة في عملية البناء المستقبلي والتي يتلقها الفرد في الحي والمدرسة لاحقاً ، فالأسرة وإطارها الجامع هو الذي يعطي هذا الفرد أمناً واستقراراً وطمأنينةً ومنه يمكننا أن نعتبر أن صلاح هذه الوحدة الصغيرة هو صلاح حقيقي للمجتمع ، إذا يمكننا القول بأن الأسرة هي الحصن الذي تكون لبناته من منظومة القيم والأخلاق والعادات فضلا على مسؤوليتها بعملية التنشئة والمتابعة . كل ذلك يجب أن يترافق مع محددات المجتمع وأعرافه يضاف لذلك أن عملية التربية هنا يجب أن تنسجم مع قيم المجتمع وقوانينه ونظمه وبالتي يكون الأفراد ضمن الاسرة فاعلين في مجتمعهم يقدمون له كل الخدمات الضرورية للارتقاء به حيث يكون للوعي الأمني دور كبير وذلك من خلال.
1- اشباع رغبات أفراد الاسرة من الحاجات البيولوجية والنفسية والاجتماعية.
2- إحاطة أفراد الأسرة بالرعاية الشاملة.
3- ابعاد افراد الاسرة عن مسائل التشدد والغلو.
4- غرس القيم الإيجابية النبيلة وحب العمل ومحبة الأخرين.
5- الابتعاد عن رفاق السوء واختيار الأصدقاء المتميزين خلقيا.
6- التوجيه والإرشاد الدائمين لما لهما دور كبير في تقويم السلوك والعمل.
7- تعميق حب الوطن والانتماء بنفوس الأبناء.
ب- المؤسسة التربوية والتعليمية:
بسم الله الرحمن الرحيم “وهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون” يقول الفيلسوف “فيكتور هوجو” من فتح مدرسة فقد أغلق سجناً .ويرى “هربرت سبنسر” ان التربية الوطنية هي إعداد المواطن الصالح وتعريف المواطن بالوطن الذي يعيش فيه وبنظمه وقوانينه بل وتقاليده ولأعرافه وعاداته هي ما تسمى التربية الوطنية.
وهنا تأتي المدرسة مكملة لدور الأسرة والتي تعتبر من اهم المؤسسات الاجتماعية لما لها من دور كبير في التأثير المباشر على شخصية وسلوك الفرد، فإلى جانب أنها تقوم بدور المعلم والموجه فهي أيضا تساهم في اكتشاف النوازع والميول الانحرافية المضرة بالمجتمع.
كما تعد المدرسة مصدر الاشعاع الفكري والمعرفي في المجتمع، فهي تقدم خدمات كثيرة ومهمة ومنافع عديدة من خلال نشر الوعي الأمني الصحيح لتقليل نسبة العنف في المجتمع من “جريمة منظمة ومخدرات” وهنا لابد أن نستعرض المهام التي تقوم بها المؤسسة التربوية في تنمية الوعي الأمني هي :
1-تنمية شعور المواطن بوطنه وتكوين عاطفة الانتماء لهذا الوطن.
2-تنمية شعور المواطن في الفرص المتكافئة والمساواة الاجتماعية والسياسية.
3-تنمية الوعي الاجتماعي، والشعور بأهمية عادات تقاليد ونظم وقيم المجتمع.
4-تنمية الوعي الاقتصادي ، والشعور بأهمية الاقتصاد والوطن والمنتجات الوطنية والمستقبل الاقتصادي.
5-تحصين المواطن ضد كل أنواع الشائعات المضرة بالوطن والمواطن.
6-تنمية الإحساس بأهمية العمل المشترك والتعاون بين أفراد المجتمع.
ج- دور المعاهد والجامعات:
تعتبر الجامعات العامود الأساس لبناء الوعي الأمني من بين المؤسسات الأخرى، لما لها من دور وتأثير في أحداث التغيير المنشود في السلوك الجمعي والفردي للطلبة والذين تتركز عليهم عملية التطوير والارتقاء والنهوض لأفراد المجتمع وتعزيز التقدم في المجالات الأخرى، كما تقوم الجامعات بأعداد وتنشئة طلبة الجامعات وتزويدهم بمجموعة كبيرة ومهمة من المعارف والمفاهيم والقيم الأمنية التي تساعد على ترسيخ الأمن الوطني بمختلف جوانبه المادية والمعنوية، إذ تقوم بترسيخ مبادئ الولاء والانتماء للوطن وقيادته وشعبه ومؤسساته وأهدافه وبناء ثقافة التسامح وقبول الأخر.
وللجامعات أيضاً دور في ميدان الوعي الأمني يبرز من خلال:
1-تطوير إمكانات الطلاب العلمية المتخصصة بالشكل الذي يتناسب مع تحديات العصر الحديث.
2-تأصيل مفاهيم المعرفة الوطنية من خلال سياقات إجبارية تتعلق بالقيم الوطنية.
3-التعريف الدائم بنظام الحكم ودوره في عملية البناء.
4-المساهمة من خلال البحوث المقدمة في عملية تطوير المجتمع.
5-العمل على تدعيم الوعي الفكري والثقافي بأهمية التماسك الاجتماعي بين مختلف فئات وشرائح المجتمع.
6-تشجيع أسلوب الحوار وثقافة التسامح وقبول الأخر وعدم الغاء وجوده.
3-الوعي الأمني ودور المؤسسة الإعلامية.
أ- وسائل الإعلام:
يعتبر الإعلام من وسائل التنشئة الاجتماعية والتي تسهم وبشكل كبير في ترسيخ وتعميق المفاهيم الشائعة في المجتمع، كما يقع على عاتقها ترسيخ القيم السائدة وتثبيت العلاقات القائمة بين شتى المؤسسات والمجتمع، ويمكننا هنا ان نقول أن وسائل الإعلام تعتبر من بين الوسائل الأكثر تأثيراً على تربية وثقافة ووعي الفرد وذلك من خلال ما تقدمه وتطرحه من برامج مختلفة وثقافات متنوعة، فالإعلام يخاطب جميع الفئات العمرية وتدخل إلى كل البيوت دون استئذان لذلك هي تتمتع بتأثير على وعي الفرد، كما تشكل من خلال برامجها المتنوعة الوعي والإدراك والإحاطة الشاملة لدى فئات واسعة من المتلقين للمادة الإعلامية لذلك فإن مسؤولية وسائل الاعلام تقتضي بالدرجة الأولى تبديل مفاهيم وسلوك الرأي العام باتجاه مفهوم الامن الهادف والشامل.
هذا كله يقتضي وجود جهاز اعلامي امني مختص ناجح وفعال متسلح بأهمية هذا النوع من الإعلام المتخصص والذي يعرف “بالإعلام الأمني”.
إذا الإعلام الأمني هو نمط إعلامي هادف بهدف خدمة القضايا الأمنية والتي بالنهاية تهدف للوصول إلى سيادة الأمن في ربوع المجتمع.
كما يقوم الإعلام الأمني بتقديم إحاطة المواطنين بالمعلومات والحقائق والقوانين التي تمس أمن واستقرار المجتمع ، مما تقدم نجد أن للإعلام أهداف توعوية ووقاية هي:
ب-الأهداف التوعوية والوقاية:
إن نشأة الإعلام المتخصص ضرورة حتمية يفرضها واقع التطور الذي شمل الكثير من مناحي الحياة الاجتماعية والثقافية حيث وصلت إلى درجة كبيرة من النضج وكذلك لمزيد من التعقيد في بعض الأحيان حيث تشعبت العلاقات الحاصلة في جميع المجتمعات فتغيرت الكثير من القيم والعادات والتقاليد والثقافة حيث كان للتطور التكنولوجي دور كبير في دخولها للمجتمعات كافة.
يضاف لذلك أن العالم بات قرية صغيرة فلا حواجز ولا حدود وبالتالي أصبحت المفاهيم والسلوكيات المنحرفة دخيلة على المجتمع برمته، وهذا ما نجم عنه انتشار وتنامي الجريمة بكل أنواعها وهو ما أصبح يهدد الفرد والمجتمع على حد سواء.
1- توعية أفراد المجتمع بأضرار المجتمع وما يعتريه من عنف.
2- توعية أفراد المجتمع حول كل ما من شأنه زعزعة أمن واستقرار المجتمع بكل شفافية ومصداقية.
3- توعية الافراد حول أمنهم الشخصي.
4- توعية الأفراد حول خطر المخدرات وضررها الكبير على المجتمع.
5- اطلاع الأفراد على القوانين الناظمة والخاصة بجرائم أياً كان تصنيفها.
6- التعاون مع الجهات المختصة وبذل الجهد معها لتحقيق الأمن داخل المجتمع.
7-توعية الأفراد حول التصرف في مختلف الظروف التي قد يتعرض لها وكيفية الإبلاغ عنها.
8-تعزيز ثقافة أن الأمن لك وليس عليك.
ج-هدف الإعلام الأمني اجتماعياً:
1-اكساب افراد المجتمع الوعي والاحساس الأمني وفهم طبيعة عمل المؤسسات الأمنية حول ذلك.
2-تنمية المسؤولية لدى أفراد المجتمع بأهمية المسائل الأمنية التي تعترض المواطن والمجتمع.
3-اطلاع الأفراد على كافة التدابير التي قد تحميه من كل ما يضر بالمجتمع من “مخدرات – جريمة منظمة – إرهاب”.
4-اطلاع الأفراد على انعكاس الشائعات على المجتمع وعدم نشرها وتداولها.
5-حث الافراد على التعاون مع الأجهزة الأمنية ضد كل أنواع الجرائم التي تهدد استقرار المجتمع.
مما تقدم يمكننا القول بأن الإعلام الأمني يحاصر مختلف أشكال العنف ويقلل من نسبتها في المجتمع وذلك عن طريق البرامج الوقائية والعلاجية التي يقدمها، وغرس القيم والعادات والتقاليد الاجتماعية ونبذ كل أشكال العنف التي تؤثر سلبا على المجتمع.
4-الوعي الأمني ودور المؤسسة الأمنية
أ-المؤسسة الأمنية: طالما أن الأمن يعد مطلبا أساسيا للدولة ويعتبر حاجة ضرورية لاستمرار الحياة، وهذا ما يحتم على المؤسسة الأمنية مسؤولية كبيرة إذ يعتبر الأمن من أسمى واجباتها، وهذا ما ينعكس على الدولة بشكل عام حيث يكسبها ثقلا في وسطها الإقليمي ويجعل منها دولة ذات تنمية متصاعدة على كافة الصعد وتكون تجربة رائدة على صعيد الدول المجاورة، وهذا بالطبع ما يعكس إمكانيات المؤسسة الأمنية في امتلاكها للفكر الاستراتيجي المتطور وصولا لصياغة خطط استراتيجية ملائمة لها وبالتالي تستطيع وضع التصورات المستقبلية وما هو الشكل المطلوب الوصول إليه.
مما تقدم نجد أنه من الضروري أن تمتلك المؤسسة الأمنية الحجم الكافي من المعلومات الأولية حيال أي موضوع وذلك من خلال :
-معلومات كافية عن استقرار المجتمع ومدى تفاعلاته.
-معلومات عن التنظيمات السرية المناهضة للنظام العام.
-معلومات عن كافة ما يعترض عمل المؤسسات من إشكاليات والاقتراحات بعلاجها.
-دراسة الرأي العام وذلك من خلال رصد ردود أفعاله بعد كل إشكالية تضرب بالمجتمع والمؤسسات.
كل هذا يقودنا إلى أن مسؤولية الأمن يجب أن تكون تشاركية وبالتالي لابد من مد يد العون للمؤسسة الأمنية للنهوض بمهامها من خلال الفهم الحقيقي لدور المؤسسة في تصديها لكل ما هو مدمر للمجتمع ومؤسسات الدولة.
ب-أليات العمل والتخطيط الأمني:
1-المتابعة الدائمة والمستمرة لكل مصادر التهديد الداخلية والخارجية بما يضمن الوقوع في المفاجئات غير المحسوبة.
2-القدرة على وضع التصورات المستقبلية التي قد تعترض سير العمل.
3-وضع الخطط المناسبة لكل حالة من الحالات التي من الممكن الدخول فيها مستقبلا.
4-دراسة الإمكانيات المتاحة ومدى ملائمتها لكل مستجد وطارئ.
5-امتلاك القدرة الدائمة على التصرف وفق المعايير المحددة مسبقا بعيداً عن الارتجال وردود الأفعال.
6-تنظيم التعاون والتنسيق مع كافة الجهات المعنية بكل أزمة قد تضرب بالمجتمع والدولة.
7-جاهزية المؤسسة الأمنية الدائمة والتي تعطيها الدور الكبير للتدخل في الوقت المناسب.
8-امتلاك القدرات على العمل بالتوازي في كل أمر قد يستدعي العمل بذلك.
9-اعداد الخطط الضرورية لمواجهة الأزمات وذلك من خلال امتلاك مؤهلات إدارة الأزمة.
إن كل ما ورد سابقا هو من ضمن خطط المؤسسة الأمنية والتي كما ذكرنا يقع على عاتقها مهام جسيمة في سبيل إدارة أي أزمة قد تعترض المجتمع والدولة وبالتالي فإن جانب تشكيل الوعي الأمني هو من خلال امتلاك قنوات التعاون والتنسيق وأن يكون بأعلى المستويات.
انطلاقا من ذلك كان لابد للمؤسسة الأمنية من امتلاك الكوادر التي تمتلك القدرة على صياغة خططها وبرامجها في هذا المجال من خلال:
– التدريب المستمر للعاملين في القطاع الأمني.
– عقد المحاضرات والندوات والمؤتمرات حول المسائل الأمنية.
– تنظيم دورات تخصصية في كل مجال من مجالات الأمن.
– الاستفادة القصوى من التطور التكنولوجي في العمل الأمني.
– ايفاد القائمين ببعثات علمية في هذا المجال.
– التدريب على صياغة الخطط الاستراتيجية الخاصة بالعمل الأمني.
– التدريب على اتخاذ القرار في المواقف الأكثر تعقيداً.
مما تقدم نجد أن المؤسسة الأمنية تقوم بإجراءات أمنية يجعلها بموجب هذه الإجراءات بتأمين الوقاية الضرورية تجاه أي تهديد أمني يعصف بالفرد والمجتمع والدولة، إذا ما علمنا أن كل هؤلاء هو المستهدف للنيل من قوة وهيبة الدولة، وبالتالي فإن الإصرار على سبق الأحداث وتوقعها هو ما يقود إلى منع حدوث أي عمل إرهابي يستهدف الدولة، وبالتالي فإن المؤسسة الأمنية يقع على عاتقها مهام جسيمة وكبيرة في المحافظة على الأمن والاستقرار داخل الدولة وعلى عاتق ذلك تكون قد تهيأت الأرضية المناسبة لقسام حياة سياسية طالما يتوق إليها الأفراد والمجتمع.
5- الغزو الثقافي
العلاقة ما بين الغزو الثقافي والوعي:
أ-المفهوم والبدايات.
ب- الوسائل.
ت – الأهداف.
ث- العوامل.
العلاقة ما بين الغزو الثقافي والوعي:
تأتي أهمية تناول الموضوع هنا أن الغزو الثقافي كان له دور كبير في التأثير على درجة الوعي لدى الأفراد وبالتالي كانت هناك انعكاسات سلبية على المجتمع برمته طالما اعتبرنا أن الفرد هو الأساس في بنية المجتمع، وفي حقيقة الأمر فقد كانت هناك أسباب كثيرة حول الغزو الثقافي ومنها ما جرى حالياً على الساحة العربية فقد كان للربيع العربي دور كبير في أن كثير من الشعوب العربية لم تنل أو بالأحرى لم تصل للمطلب الذي خرجت من أجله وهو “التحول الديمقراطي”.
لقد انعكس الربيع العربي على الدول العربية بشكل سلبي حيث نجد أن حجم الهجرة إلى الغرب فاق التصور وبات المواطن العربي هناك في دول الهجرة ملزم حسب قوانينها بالالتزام بقوانينها وبالتالي لابد له من أن يتقبل ما يسمى “الاندماج”.
مما تقدم نجد أن الوعي الذي يحمله هذا الفرد سيتعرض مع مرور الزمن لكثير من التحديات وهنا يمكننا القول بأن هناك تبعية فكرية ستحصل ومع مرور الوقت ستصبح واقع يؤثر على وعي الأفراد في تلك الدول وعلينا هنا أن نقول بأن الوعي المحمول لابد له من أن يمس من خلال مجموعة من العوامل منها:
-الأصدقاء: وهنا يمكننا الحديث عن صداقة ناشئة في المدرسة أو في المسكن أو في مكان العمل الذي ينتج علاقات بين الأفراد ستقود بالنهاية إلى عملية تغيير في سلوك هذا الفرد
-المدراس والمعاهد والجامعات: وهي من أكثر الأشياء تأثيراً بالفكر المكتسب وبالتالي فإن عملية التعليم التي يكتسبها الطفل في المدارس والمعاهد والجامعات هي عمليات تغير في سلوك الأفراد بما ينسجم وقواعد التعليم المعمول بها في تلك الدول.
إذا مما تقدم نجد أن عملية الغزو الثقافي هنا تكتسب أهمية كبيرة في التأثير على درجات الوعي لدى الأفراد من خلال :
-محاولات التقليد التي يكتسبها الفرد تدريجياً ومن خلال سلوكه اليومي.
-الابتعاد عن اللغة الأم له دور كبير في عملية نسف الكثير من القيم المعنوية التي هي أحد أهم مقومات قيام الدول والحضارات.
-التأثير على النخب :طالما أن الغزو يتناول العقول فإنه سيصل في يوم ما إلى الخزان الأكثر خطورة وهو خزان الوجدان والقيم والتقاليد التي تميز المجتمعات البشرية بعضها عن بعض.
أ- المفهوم والبدايات:
يعتبر الغزو الثقافي من أخطر أنواع الحروب فهو لطالما استهدف الفكر والعقل والوجدان معاً لذلك فإن هذه المعركة تعد من أخطر المعارك والغزوات التي تتعرض لها دول ومجتمعات بعينها بغية استهداف منظومة القيم العليا لديها، لذلك كثيراً ما تلجأ دول إلى تدمير دول أخرى عن طريق الاستهداف الثقافي لها وبالتالي النيل منها مستقبلا ً.
وتعود البدايات فيه إلى مطلع القرن العشرين حيث ظهرت العولمة بشكل كبير نتيجة للتطور الهائل الذي رافق تكنولوجيا الاتصال حيث غدت وسائل الاعلام سهلة ويسيرة وبمتناول اليد لدى الشريحة العظمى من الناس وبالتالي استطاعت هذه الوسيلة الإعلامية من الدخول إلى كل بيت دون رقيب أو حسيب وهذا ما أثر بشكل سلبي على القيم والأخلاق داخل المجتمعات المستهدفة بهذا النوع من الغزو.
كما أن العولمة قد حولت الكوكب برمته إلى قرية صغيرة وهو ما أثر بشكل كبير على الدول الضعيفة والتي لا تمتلك مخزون ثقافي كبير وبالتالي كانت عرضة للتدخل في مجموعة من قيمها التي كانت هدفاً سهلاً بالنسبة لها.
ب-الوسائل:
طالما أن الغزو الثقافي لا يعتمد عل القوة العسكرية في الوصول لأهدافه، إلا أنه في حقيقة الأمر يمتلك من القوة ما يعتبر أخطر بكثير من السلاح، حيث يكون السلاح هنا كل ما يؤثر على القيم التي تستهدف الفرد والمجتمع من أفكار ومعتقدات تؤدي بالنهاية إلى التبعية وهنا نستعرض أهم الوسائل وهي:
- الإعلام : يعتبر الإعلام هو السلطة الرابعة، وإذا ما استعرضنا الإعلام من وجهة الدراسة التفصيلية ندرك أهمية هذه السلطة في يومنا هذا فالإعلام بات اليوم هو المحرك لكافة الأحداث وهو المسؤول عن تغيير في الرأي العام واتجاهات الفرد والمجتمع تجاه الكثير من القضايا فهو من يطرح المشكلة وهو من يفصلها تمهيداً لوضع الأسباب وبالتالي اكساب المتلقي ما يجب أن تحمله الرسالة الإعلامية من مضمون.
- الاستشراق: وهو كل ما تم دراسته من قبل كتاب غربيين تناولوا فيه العلوم المختلفة وخاصة علوم الدين يضاف لذلك كتب التاريخ، إن الدخول بهذا الجانب المهم من حياة الفرد العربي المسلم بالدرجة الأولى كان له انعكاسات كبيرة في حياة المجتمعات العربية التي تناولها المستشرقيين وهنا علينا أن ننصف البعض فيما ذهب إليه من انصاف الحضارة العربية والإسلامية، ولكن أيضا علينا أن لا ننكر ما تم استهدافه من التاريخ من قيم وعادات لازالت متوارثة إلى يومنا هذا.
- العولمة الثقافية: إن فرض الثقافة الغربية هو ما يميز العولمة التي استهدفت شعوب العالم الثالث ومنها البلدان العربية وقد كان للمنظمات المؤتمرات ووسائل الإعلام الدور الكبير في تعزيز هذا الجانب حيث جرى استهداف الدول سياسيا واقتصاديا ، طالما أن العالم يسير في بناء التكتلات الاقتصادية الكبرى فإنه بكل تأكيد يرفض دخول الصغار إلى حلبة الكبار.
ت-الأهداف: مما يهدف إليه الغزو الثقافي ما يلي :
- النيل من سُلم الصفات الأخلاقية بالدرجة الأولى والتأثير عليها وصولا لمحيّها تدريجياً.
- تحطيم روح العمل وزرع روح اللامبالاة لدى أفراد المجتمع وصولا لمجتمع كسول غير مبالي.
- النيل من القدوة والمثل داخل المجتمع وبالتالي جعل هذه الحلقة مفرغة من شخصيات ومهن كان لها دور كبير في بناء الفرد والمجتمع “كالتقليل من شأن المدرس والقاضي والعامل”.
- جعل الفرد داخل المجتمع إنسان مستهلك وبالتالي تعطيل كل الإمكانيات الفكرية التي تجعل منه إنسان منتج ومبدع.
- التأثير بوسائل الإعلام وخاصة الإعلام غير المؤهل والذي سيكون لعمله دور سلبي وكبير على الجمهور المتلقي.
ث-عوامل الغزو الثقافي: طالما نتحدث عن الغزو الثقافي فلابد لنا من تحديد أسباب ودواعي الغزو الثقافي، حيث شملت عملية الغزو الثقافي الكثير منها “التربية، التعليم، الأدب، الأخلاق، علم النفس الاجتماعي، الإعلام، الصحافة، التكنولوجيا، التنصير، الاستشراق، احياء الدعوات الهادمة، وسنستعرض بعضها.
- الدافع الديني: شكل الدين محور الغزو الثقافي حيث طال الغزو الثقافي هذا الجانب كما طاله من قبل كما ذكرنا المستشرقين من قبل إلا أن هذا الجانب الهام في حياة شعوب العلم له أثر كبير في المحافظة على كثير من مفاهيم القيم والعادات والتقاليد التي باتت سمة بارزة في حياة وشعوب تلك المناطق وبالتالي فإن عملية الغزو الفكري كانت ولا زالت تستهدف العقل والوجدان العربي المرتكز على معتقداته الدينية.
- استعمار الشعوب مرة أخرى: لقد شهدت العالم الثالث ومنها البلدان العربية الكثير من التدخلات العسكرية والسياسية وباتت الدول العربية محط اهتمام تلك الدول لأسباب كثيرة ولكن لا يمكننا أن ننكر أن الدول الغربية تشن حملاتها العدوانية على الدول العربية من خلال التدخلات السياسية في شؤونها، لقد بات حجم التدخل واضح ومكشوف ولا يمكن إنكاره سواء في العراق أو سورية أو اليمن وليبيا والسودان، إذا الدول العربية اليوم هي اليوم تقع ضمن احتلالات كثيرة.
- التقدم العلمي والتقني: إن حالة التطور الكبير التي شهدتها الدول الغربية كان له انعكاسات على البشرية جمعاء وبالتالي انعكس هذا على الدول التي لم تصل إلى مصاف تلك الدول وهو ما حتم عليها النظر إلى تلك الدول إلى أنها سوق استهلاكيه لابد من التأثير عليها واستقطابها لصالح سوقها الكبير، وهنا لابد أن ندرك أن التطور الكبير كان عاملا مهما في خدمة أفكارهم الاستعمارية.
- التخلف بكل أشكاله :لقد كان للتخلف الذي يضرب دول العالم الثالث دور كبير في التعرض للغزو الثقافي، وطالما نتحدث عن التخلف فلابد لنا أن نستعرض بشكل موجز أن الدول التي تعاني من تخلف اقتصادي بسبب حالات الفساد المتنوعة كان له دور كبير في انهيار تلك الدول إضافة للتخلف السياسي الذي خلف الكثير من الصراعات داخل كيان الدولة الواحدة كل ذلك ساعد عملية الغزو الثقافي في الوصول إلى ما يهدف.
الخاتمة:
إن عملية الوعي يجب أن تكون ملازمة لأي عمل يمكن القيام به فوعي الحالة أياً كانت “سياسية – اقتصادية – اجتماعية – ثقافية ” هو ما يجعل من الوعي بحد ذاته ألية في لوضع الحلول المناسبة لكل حالة وعلى عاتق الوعي تبنى الاستراتيجيات المناسبة للانطلاق بوضع الخطط والتصورات لما ستؤول إليه الحالة مستقبلاً.
لقد تبين من خلال ما تقدم أن الوعي هو مسؤولية كبيرة تتقاسمها جهات كبيرة في المجتمع حيث تظهر أمام تلك الجهات العقبات التي من واجبها تذليلها من أجل تجاوزها وبالتالي الوصول للهدف المراد الوصول إليه إن الوعي يفرض حالة من توحيد الجهود بين كل المستويات الواردة بالبحث وبالتالي وضع خطط للتعاون فيما بينها.
الاستنتاجات:
إننا اليوم بحاجة إلى الوعي بكل أنواعه وأشكاله طالما نتحدث عن الوعي كحالة تمس المجتمع برمته وعليه فإننا بحاجة لتعزيز وانتشار الوعي الثقافي من خلال :
– الاهتمام بالقراءة وتوفير المادة الخاصة بذلك لتكون سهلة المنال للأفراد بشكل عام.
– توعية الفئات العمرية المختلفة من خلال النشاطات المختلفة التي تقام لتلك الفئات العمرية.
– الوعي ليس مسؤولية الدولة فقط.
-الوعي هو مفهوم شامل لأنه يتصل بكل نواحي الحياة.
-الوعي مسؤولية جماعية ولا يقتصر على فئة دون غيرها.
-الوعي يجب أن لا يغيب عن القائمين والمناط بهم المسؤوليات في قيادة المؤسسات.
-الوعي هو مقياس على مدى توفر النضج لدى الأفراد والمجتمع والسلطة السياسية.
-زرع الثقة بنفوس الأبناء بالدرجة الأولى وأفراد المجتمع وتحفيزهم على العمل.
المراجع البحثية:
-فهد محمد الشقاح- الأمن الوطني.
-تركي العتيبي اسهامات الإدارة المدرسية في تنمية الوعي الوطني.
– سليم قسوم الاتجاهات الجديدة في الدراسات الأمنية.
– أية ياسر نجار ” مفهوم الوعي الثقافي.
-محمد فاروق كامل –المعلومة الأمنية.
– رزان الصالح ” الوعي “.
-عبد الكريم نافع ، الأمن القومي.
-ادريس الكرينى النخبة السياسية وأزمة الإصلاح في المنطقة العربية.
– محمود خليفة جوده – اقتراب النخبة في دراسة النظم السياسية المقارنة.
-المرزوقي علي الهادي – الغزو الثقافي الغربي.
-إبراهيم عبدالله عسيري – إرهاب الفكر.
-عبدالمنعم الحنفي – موسوعة علم النفس والتحليل النفسي.
-علي شريعتي – العودة إلى الذات.