
خالد الزين
ضابط حقوقي
حق العيش المشترك
عديدة هي الأسئلة الكبرى، التي تتطلب رؤية واجابة حقيقية عليها وخاصة في ظل هذا الواقع المرير الذي يعيشه المواطن العربي وذلك لأن وجود الأسئلة الملحة في حياة الإنسان، دون توفر إمكانية بلورة رؤية واضحة واجابة صريحة عليها، يزيد من غبش الرؤية ويدخل المرء في متاهات ودهاليز التردد والضياع لذلك فنحن بحاجة ماسة باستمرار إلى الإجابة على أسئلة راهننا، والبحث في صياغة رؤية متكاملة عن تحديات واقعنا، وسبل الخروج من مأزق وأزمات الحاضر.
ولعل من أهم هذه الأسئلة المطروحة اليوم وبعد أكثر من عشر سنوات من قيام ثورات( الربيع العربي) : هل يمكن أن يعيش الإنسان حياة مشتركة وسليمة مع الآخر بغض النظر عن هويته ونقاط التمايز العديدة بينهما.
فلا يمكن على الصعيد الواقعي أن تكون هويات البشر واحدة أو رؤيتهم للأمور والقضايا متطابقة إذ ان الاختلاف في الهوية والرؤية والنظرة إلى الأشياء من نواميس الحياة. ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نتصور الحياة من دون هذه الاختلافات والتنوعات.
ولكن في الوقت نفسه، لا يمكن للإنسان أن يعيش وحده، منعزلاً عن الآخرين، ومنكفئاً عن المغايرين فالتعايش مع الآخرين أضحى اليوم ضرورة، ولا فكاك منها. لذلك كيف يمكن صياغة حياتنا الاجتماعية والعامة وفق هاتين الحاجتين: حاجة الاختلاف والتمايز على صعيد الهوية ونظام المعنى والتفكير. وحاجة التعايش المشترك مع الآخر المختلف والمغاير. فلا يمكن للإنسان أن يهرب من حقائق واقعه وعصره، كما أنه ليس بمقدوره أن يعيش وحده، بعيداً عن الآخرين وشؤونهم المختلفة.
لهذا نحن بحاجة الى ان نبحث في صياغة للحل والمعالجة، لا تلغي حق الاختلاف والتنوع والتعددية، كما انها لا تشرع للانحباس والعزلة أو للفوضى.
ومرتكزات الصيغة التي نراها ضرورية، وقادرة في آن واحد على ضبط العلاقة بين حق الاختلاف وضرورات العيش المشترك، هي الأمور التالية:
1-نبذ المساجلات والمماحكات:
لعلنا لا نأت بجديد حين القول ان حوار الهويات مع بعضها، مع ضرورته وأهميته، إلا انه لا يستطيع صياغة العلاقة بين حق الاختلاف وضرورات العيش المشترك. لأن التراكم التاريخي، يحوّل الحوار إلى سجال ومماحكة، كل طرف يحاول اثبات صوابية رأيه وموقفه فتضيع في معمعة السجال الجوامع المشتركة، وتشحن النفوس والعقول بحقائق الخلاف والنزاع والصدام.
لذلك فإننا نرى أن من مرتكزات صياغة العلاقة بين حق الاختلاف وضرورات العيش والوحدة، هو الخروج من شرنقة سجالات الهوية ومماحكات الأنا والآخر إلى رحاب المواطنة بكل ما تعني من مشاركة ومسؤولية وهذا لا يعني بطبيعة الحال إنهاء الحوارات العقدية والايدلوجية، وإنما ما نريد قوله في هذا الصدد هو ان الحوارات العقدية والايدلوجية تؤتي ثمارها الإيجابية، حينما يتحقق مناخ من الفهم والتلاقي على قاعدة مشتركة صلبة.
لذلك فإننا نشعر بأهمية ان تكون حوارات المختلفين بعضهم مع بعض على قاعدة الوطن والمواطنة بعيداً عن التمايزات والاختلافات العقدية والايدلوجية والمذهبية. وحينما تتعمق حقائق الوطن وثوابت المواطنة، يكون الحوار العقدي والايدلوجية طبيعياً ومثمراً وبعيداً عن كل حالات السجالات العقيمة والمماحكات التي تزيد وتفاقم من سوء الفهم والظن. إننا نشعر بأهمية العيش المشترك، وتوطيد أسس التلاقي والتعاون، ولكن طريق ذلك لا يمر عبر المماحكات والسجالات العقيمة، وإنما عبر تعزيز قيم المواطنة ومتطلبات العيش المشترك من أجل إرساء دعائم للحوار والتلاقي، لا تنطلق من التباينات الايدلوجية، بل من الجوامع الإنسانية والعقدية والثقافية.
2-صيانة حقوق الإنسان
لا يمكننا على المستوى العملي من صياغة العلاقة على نحو إيجابي بين حق الاختلاف وضرورات العيش المشترك، إلا بالإعلاء من شأن حقوق الإنسان، والعمل على صيانة هذه الحقوق، بعيداً عن التمايزات الايدلوجية أو الاختلافات الفكرية والسياسية. فالعلاقة جد عميقة بين مبدأ العيش المشترك ومفهوم حقوق الإنسان، حيث ان حقوق الإنسان بكل ما تحتضن من قيم ومتطلبات وحاجات، هي الحاضن الأكبر للمشروع المشترك
لذلك من الضروري ان نعتني بخلق الوعي الحقوقي، القادر على صيانة كرامة الإنسان
ولابد أن يدرك الجميع ان قيم الدين العليا لا يمكن أن تشرع للعنف والإكراه وانتقاص حقوق الإنسان. فالدين الإسلامي بكل نظمه وتشريعاته، جاء من أجل تحرير الإنسان وصيانة حقوقه وكرامته. لذلك فإن الدين هو الرافد الأول الذي ننتزع منه حقوق الإنسان الأساسية.
فبوابة العيش المشترك في كل الأمم والمجتمعات، هي صيانة حقوق الإنسان وحماية كرامته وتعزيز حضوره ودوره في مشروعات التنمية والعمران.
والاختلاف في الهوية أو الانتماء الايدلوجي أو القناعات الفكرية والسياسية، لا يشرع بأي حال من الأحوال إلى انتهاك الحقوق. فالاختلافات ليست سبباً أو مدعاة لنقصان الحقوق، وإنما تبقى حقوق الإنسان مصانة وفق مقتضيات العدالة ومتطلبات العيش المشترك.
فالعيش المشترك ليس ادعاء يدعى، وإنما هو مجموعة من الحقائق والمتطلبات تفضي إلى صياغة الواقع الاجتماعي المتعدد على أساس الحوار والاحترام المتبادل ونبذ ثقافة الكراهية والمفاضلة الشعورية، وتعميق ثقافة العفو وحسن الظن والتسامح، فالعيش المشترك هو مشروع مفتوح على كل المبادرات والخطوات الإيجابية، التي تستهدف تنقية الفضاء الاجتماعي والثقافي من كل الشوائب، التي تعكر صفو العلاقة وتحول دون تنميتها على الصعد كافة.
وقد كان للنظام المجرم دور كبير منذ استلامه للحكم في سورية في تفكيك نسيج المجتمع ومحاولة خلق العداوات المذهبية والفكرية والطائفية مما ساهم في تفكيك المجتمع وانقسامه بحيث يسهل على النظام المجرم تمرير مشاريعه الخبيثة بهدف تدمير البلد وخاصة بعد انطلاق الثورة السورية ضد هذا النظام المجرم.
فلا بد لنا أن نعي خطورة المرحلة التي وصلنا إليها مع وجود العديد من الأيادي الخفية التي تلعب دورا كبيرا في إطالة أمد الصراع وذلك لتمرير مشاريع خبيثة تشكل خطرا على المجتمع بكافة فئاته.
المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها