أحمد عرابي

أكاديمي سوري

الأسد والعيش في صندوق متوحش

 

يملك بشار الأسد أهم أربعة عوامل خطيرة جداً لتشكل شخصية قادرة على ارتكاب العنف الجماعي بالقتل والتعذيب والتدمير.

1ـ تاريخ عائلي مُسبق من العنف والإجرام والدموية والقتل.

2ـ بيئة أسرة مضطربة, الأم مزاجية والأب غائب معظم الأوقات ودكتاتوراً عند حضوره.

3ـ شخصية تعاني من ضمور تعبير وتعرّض للتنمر والقسوة من قبل إخوته في  طفولته.

4ـ بشار الأسد ودوافعه وغرائزه المُستثارة وشعوره العالي بالاستحقاق والنرجسية الكامنة بشخصيته.

ــ فحين نتحدث عن السلوك الوحشي الكامل لنظام الأسد علينا ألا نُغرق بالتفسير الشخصي فحسب حيث أن الفظائع الدموية الراسخة مسبقاً لهذا النظام في إطار السطو والاستبداد الإداري والعنف الدموي والإفراط  في القوة الأمنية والمخابراتية, وأما الشق الثاني والأهم فيتعلق بشخص بشار الأسد ودوافعه إلى العنف والقتل هذا الشعور وتلك الروح العدوانية لم يمنعا انغماس بشار الأسد في تراث عائلته وأن يستحضر بداخله هذا الشعور العالي بالاستحقاق فالتاريخ العائلي المُسبق لأسرته وخاصة في طريق وصولهم إلى سدة الحكم والبقاء طوال هذه الفترة, هذا التاريخ المتشبع بالعنف الدموي يُوحي لطبيب العيون بشار الأسد بفلسفة طفولته لفهم الحياة يطلق عليها علماء النفس(الشعور بالاستحقاق) وهو شعور الفرد بأن العالم والآخرين مدينون إليه بتحقيق رغباته وأمنياته فوراً وعلى حساب مصالحهم الخاصة إضافة لذلك كان بشار الأسد واقعاً بين شقيقين ذوي طبيعة خشنة شقيقه الأكبر باسل الذي كان يتميز عليه ويضربه ويقسو عليه بحسب ما يرويه مستشار رئاسي سابق وبين شقيقه الأصغر ماهر والمعروف كذلك بأنه ذو شخصية وحشيه متقلب المزاج وحاد الطباع , ولد بشار الأسد في 11أيلول من عام 1965 تلقى دراسته في دمشق في مدرسة الحرية الفرنسية وتعلم الإنكليزية والفرنسية بطلاقة وتخرج من جامعة دمشق عام 1988 في كلية الطب وتخصص في طب العيون وتوجه إلى بريطانيا عام 1992 لمتابعة دراسته العليا في اختصاص طب العيون غير أن القدر تغير بالنسبة له ففي عام 1994  أودى حادث سيارة بحياة شقيقه باسل الأخ الأكبر له فعاد بشار الأسد من لندن إلى سورية ولم يكمل دراسته بعد , وبدأ مسلسل إعداده بديلاً عن أخيه باسل في خلافة والدهما الذي كان يعاني من المرض والذي حكم البلاد ثلاثة عقود بالحديد والنار وحالة الطوارئ التي بقي سارية بعد وفاته.

ــ  الكومبارس الطبيب  :

إنها الظروف غير المتسلسلة التي مهّدت لصعود الكومبارس الطبيب والابن الثاني والخجول إلى ســدة الحكم لقد كانت وفاة باسل الأسد الشقيق الأكبر لبشار الأسد بمثابة صدمة وتغير مفاجئ في خطة العائلة الحاكمة وخطة بشار الأسد نفسه حيال حياته الشخصية ونتيجة لهذه الوفاة المفاجئة انتقل جُل تركيز العائلة والنظام السوري على تجهيز الأهبل بشار الأسد في ليلة وضُحاها وإيذاناً بإعداده لخلافة والده الذي كان يرتب تفاصيل تكوين النظام من جديد   ــ التدرج نحو التوريث :

وفي أثناء ذلك تم إدخال الطبيب في دورة صاعقة لإعداده  عسكرياً وسياسياً كان خلالها مسؤولاً عن القوات السورية في لبنان عام 1998 وكان سابقا قد انتخب بتاريخ 1994 رئيساً لمجلس إدارة الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية وهي التي تقود النشاط المعلوماتي في سورية حيث أُخُرج من مختبرات الطب وزج به في غرف العمليات العسكرية والتحق بالجيش عام 1995 برتبة نقيب وترقى إلى رتبة رائد ثم إلى رتبة مقدم ركن عام 1997 ثم إلى رتبة عقيد ركن عام 1999 ثم عين قائداً للجيش والقوات المسلحة في 11 حزيران عام 2000 بعد يوم واحد من وفاة المقبور حافظ الأسد وفي 27 حزيران عام 2000 انتخب بشار الأسد أميناً قطرياً في المؤتمر القطري التاسع لحزب البعث التخريبي وفي خلال اجتماع مسرحي لم يستمر أكثر من نصف ساعة وفي تصويت سريع  قام به مجلس التصفيق عدلت المادة ( 83 ) من الدستور السوري لتغير الحد الأدنى لسن رئيس الجمهورية من 40 عاماً إلى 34 عاماً وهي سن عمر الأهبل بشار الأسد الذي سيحكم سورية وبذلك تمكن من تقليد منصب رئاسة البلاد وانتخب في الأول من تموز عام 2000 رئيساً للجمهورية العربية السورية لمدة سبع سنوات وفي عام 2007 أعيد انتخابه رئيساً للبلاد لولاية جديدة تمتد سبع سنوات أخرى كلها صنعت خلال تلك الحقبة السوداء من قبل منظومة الفساد في عهد الأب والابن.

ـــ بشار الأسد في سدة الحكم :

بدأ بشار الأسد ولايته الرئاسية الأولى بإنجازات ورسائل سياسية كاذبة لفترة من الوقت وما سمي وقتها (بربيع دمشق) غير أنها لم تدم طويلاً وما لبثت سياسته أن خضعت للمأثور والمورث وصار لعهده كما كان لعهد أبيه المقبور, معتقلون ومعارضون كثيرون في الخارج وقليل منهم في الداخل بسبب الخوف والاعتقال وكانت سياسته الخارجية فاشلة بكل المقاييس فجلبت له ضغوطاً كبيرة ففي عهده توترت العلاقات مع الولايات المتحدة وتحديداً بعد غزو أمريكا للعراق عام 2003 حيث اتهمت واشنطن دمشق بدعم من أسمتهم الإرهابين الذين يتسللون عبر الحدود السورية إلى العراق وتوترت العلاقات أكثر فأكثر بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في 2005 واتهمت الأجهزة الأمنية السورية وقتها بالتواطؤ في عملية الاغتيال واضطر وقتها بشار الأسد تحت الضغط الدولي عليه إلى سحب الجيش السوري ذليلاً من لبنان في نيسان عام 2005 , لنعد قليلاً إلى الوراء في حياة بشار الأسد النفسية لقد عاش بشار على خطوط النار التي أشعلها والده من حوله وأهمها مجزرة حماه عام 1982 التي قادها عمه رفعت الأسد فقد عايش بشار الأسد تلك الأحداث وامتلأ عقله بقصص وروايات تلك المذابح والمجازر وأنصت لها في مجالس بيته وفي دوائره القريبة واكتمل أمامه بنيان القائد الصلب القوي الذي لا يهزم أبداً والذي يقلب الطاولة في لحظة ويحزم أمر الحكم بمذبحة, فقد انعكس هذا السياق الملتهب على نشأة بشار الأسد فقد ترسخ في ذهن الطبيب أن الحفاظ على السلطة لا يتم إلا بالقوة والقوة المفرطة ومهما كلف ثمنها لكي يبقى في سلطة الحكم وحماية العائلة والطائفة التابع لها كما كان يفكر الأب تماماً ليس هذا تبريراً لمسار بشار الأسد ولا سعياً لقول أن الإجرام الذي انتهجه كان محتوماً نتيجة هذه البيئة فالارتياب المرضي هو السمة النفسية الأكثر وضوحاً وهو المرض النفسي ( انتمائه إلى الأقلية ) هذا المرض السرطاني الذي كان ينهش في عقل بشار الأسد أنه ينتمي للأقلية العلوية التي تحكم الأغلبية في سورية والمختلفة معها في كل شيء وتشعر أنها امتلكت هذا الاستحقاق بالدم والنار والقوة والذكاء ولهذا فهي أقلية قلقة غير مستقرة تخلل مدة حكمها محاولات عديدة بالانقلابات وكلها فشلت وقمعت بالقوة المفرطة بالسلاح والأمن والجيش مما خلقت لها شعوراً دائماً بالمخاوف وجعلتها محملة بالتهديد والذعر والخوف من محيط الأكثرية هذا بالإضافة إلى التاريخ الدموي للعائلة في الوصول إلى الحكم بقتل وإعدام واعتقال كل من يقف في وجهها مما جعل لها شعوراً دائماً بالخوف والرعب من الأكثرية لذلك تشكّل لدى عائلة الأسد حس ارتيابي على هيئة أزمة ثقة بمحيطهم ومن حولهم وهو شعور نفساني مرضي يصل إلى حد اضطراب الشخصية الارتيابية حيث يصبح المرءُ كثير التشكك والافتراضات ويظن أن الآخرين يضمرون غير الذي يقولون ويفعلون وأن هناك خطة مضادة أو مؤامرة تحدث بالخفاء ضده وهذا النمط من الارتياب الأقلوي الذي يسكن في عقل بشار الأسد وعائلته يضغط على محيطه وعلى المتعاملين معه ليصبح من حولهم مجرد آلات حية تتحدث بالكلام نفسه.

ـــ الفرصة الأخيرة لطبيب العيون :

قامت الثورة السورية عام 2011 وكانت الفرصة الأكثر نجاحاً لبشار الأسد في تصحيح المسار وإغلاق صفحة الماضي بكل أشكالها وكانت عيون الشعب السوري شاخصة نحو الرئيس الطبيب الذي سمي بــ (الأمل) وكانت أفئدة المتظاهرين الساهرين في الميادين تترقب منتظرين رد فعله على الاحتجاجات في أنحاء سورية كلها كانت وقتها لحظته وفرصته التي ستمكنه من إثبات وعوده الإصلاحية وشخصيته الاستثنائية وسلطته وشرعيته لدى شعبه أولاً ثم لدى العالم ثانياً فإما أن يختار مسار الإصلاحات والتنازلات و إما أن يختار مسار القمع والعنف والقتل والإجرام بكل ما يحمله المساران من تبعات تاريخية إيجابية وسلبية على السواء لم يكن الخيار سهلاً وكان الاضطراب كبيراً جداً داخل العائلة الحاكمة وداخل منظومة النظام الفاسد نفسه وانعكس على شكل مسودات مختلفة تم إعدادها قبل الخطاب بساعة واحدة فقط بحسب الشخصيات التي كانت حاضرة حينها تم اعتماد النسخة الإصلاحية والوعود بكل مطالب الشعب الذي يعم الساحات في سورية وتم إيصال نسخة من الخطاب إلى (الصحفي الأمريكي ذائع الصيت ديفيد إيغناتيوس)  وذلك لينشرها في الواشنطن بوست بوصفه تمهيداً واحتفالاً بمسار تاريخي جديد ينتظره السوريون والعالم رداً على ما يحصل في سورية ولكن مع الأسف لم ينشر إيغناتيوس المقال إذ لم تكن المسودة التي أرسلت له هي الخطاب المرتقب بل حلت مكانها النسخة التقليدية المليئة بالمؤامرات الخارجية والكونية والتغرير وتوعد المحرضين بأنهم الذين يكذبون ويكذبون حتى يصدقوا كذبتهم ثم بدأ  يدخل حوصلة إنكار الواقع بقوله : (سورية ليست مصر وليست تونس) هنا بدأت شخصية الطبيب الأهبل بشار الأسد تظهر على حقيقتها شخصية الرئيس الطاغية المستبد المجرم الوحشي المتصلب إنها الصفة الوراثية الإجرامية التي ورثها من أبيه المقبور ومن عمه رفعت عائلة الإجرام والقتل بل تجاوز هذا المعتوه أبعد حدود الوحشية والإجرام للحفاظ على الكرسي والتي لم يكن أقلها استخدام الأسلحة الكيميائية في ما لا يقل عن 335 هجمة أدت إلى مقتل آلاف المدنيين ثم قوله بكل هدوء ووقاحة إنها مفبركة فباع سورية إلى الاحتلال الروسي والاحتلال الإيراني وأصبح لا يملك من الأمر شيء سوى خادم  مطيع عند هؤلاء المحتلين إن مثل هؤلاء الشياطين في هذا العصر موجودون ولكنهم نادرون جداً جداً جداً وخاصة الشيطان الذي يحكم سورية ليس له مثيل في العالم الماضي  ولا الحاضر ولا يمكن أن يأتي مثله في المستقبل ويعجز اللسان  والقاموس عن وصفه  إن الطبيب الأهبل طاغية الشام المجرم السفاح المستبد القاتل بشار بن حافظ الأســـد, والذي سيذكره التاريخ والشعب السوري بالذات بهذه الصفات القليلة عليه.

المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها.

%d مدونون معجبون بهذه: