
علي البش
سياسي سوري وعضو مجلس شعب سابق
أطفالنا اكبادنا تمشي على الأرض
الأطفال هم كنز البشرية ونبعها والذي من خلالهم يستمر النسل البشري بالاستمرار في الحياة والتكاثر و هكذا نرى انه منذ بدء البشرية كان الاهتمام بالأطفال كبيرا بل وتم استخدام تربية الأطفال في كثير من الأحيان لتحقيق أهداف سياسية او اقتصادية او عسكرية … وغيرها …. بل حتى الأديان السماوية أكدت على أهمية تربية الأطفال لإعمار الأرض وبناء المجتمعات الصالحة فالنبي يحيى عليه السلام كان طفلا حكيما نبيا(واتيناه الحكم صبيا) في الثالثة من عمره وكذلك النبي عيسى عليه السلام كلم الناس بالمهد … ولا ننسى الطفل الذي شهد وتكلم وبرأ النبي يوسف عليه السلام والامثلة كثيرة.
ثم تطور الاهتمام بالأطفال حتى وصل في عصرنا الحالي إلى مستويات متقدمة جدا في التربية الحديثة بعد تطور علم النفس وتطور الأنظمة المتقدمة في كثير من الدول الغربية والشرقية …الخ.
لكن السؤال أين نحن كسوريين من تربية الأطفال؟
حقيقة ان ما دفعني لكتابة هذا المقال هو الضجة الإعلامية الكبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الإعلامية حول ما يحدث للأطفال في دول اللجوء وخاصة السوريين منهم ولماذا هذا التركيز على دولة السويد؟ وبالتأكيد هذا يثير تساؤل مهم من المسؤول الأول عن الطفل؟ وفي الإجابة على هذا السؤال نكون قد اجبنا على كل التساؤلات الأخرى.
بداية لا بد أن نميز بين الأنظمة الغربية المتطورة والتي بنص دساتيرها تعتبر الدولة هي المسؤول الأول عن الطفل وبناء عليه لا يتكفل الاهل باي مسؤولية مادية تجاه الطفل هم فقط ينجبون ويرعون الطفل حتى يصل سن الرشد المحدد ب 18 عام بينما تتكفل الدولة بكل احتياجات الطفل ورعايته (تعليم صحة غذاء …الخ)!
بينما في الدول العربية وغيرها وبنص الدستور فان الأسرة هي المسؤول الأول عن الطفل وبالتالي فإن الدولة غير مسؤولة عن الطفل بشكل مباشر وهكذا يتعرض الأطفال إلى كثير من الظلم في حال كانت الأسرة غير مؤهلة أصلا لتربية الأطفال وهكذا راينا جرائم كثيرة حصلت من قتل للأطفال لأسباب عدة وجوع او تشرد للأطفال في الشوارع مما يجعلهم عرضة لاستخدامهم في كثير من الجرائم ….الخ.
وعلى هذا بنظرة خاطفة لما عاناه الطفل السوري منذ بداية الثورة كان امرا عظيما يفوق الخيال واصبح وصمة عار على المجتمع الدولي وقد رأينا ملايين الأطفال أصبحوا خارج المدرسة وتم تجنيدهم لأعمال لا تناسب أعمارهم ناهيك عن العدد الكبير الذين قضوا نتيجة القصف والمعارك التي حدثت.
وهنا لابد أن نشير إلى الجهود الجبارة التي بذلها الاف المعلمين لإنقاذ ما امكن من أطفال سوريا وخصوصا في المخيمات ودول اللجوء والذين كافحوا بشكل تطوعي ومجاني وفي ظروف صعبة جدا فكل التحية والتقدير لهم.
وعليه فإن ما يعانيه الأطفال الان سواء في دول اللجوء حول سوريا (تركيا لبنان الأردن مصر …الخ) او في أوروبا ناهيك عن وضعهم السيئ أصلا في الداخل السوري…. وإن وجد بعض الاختلاف في شكل وطبيعة المشكلات الا ان كلهم في وضع لا يحسدون عليه إلا قلة منهم توفر لهم أسرة كريمة ومقتدرة ماديا..
ففي الدول حول سوريا يضيع مستقبل على الأقل 80 بالمئة بسبب حاجة الاهل لعملهم لاستكمال متطلبات العيش والاستمرار بالحياة ناهيك عن تعرضهم لكثير من التنمر والعنصرية لدرجة اننا راينا العديد منهم قضوا قتلا او حرقا لا سباب تافهة.
أما في الدول الغربية نجد بأن الأطفال قد توفر لهم كل الاحتياجات اللازمة للعيش الكريم من سكن وتعليم وغذاء وصحة ….وغيرها لكن أيضا أصبحوا عرضة لتصادم الثقافات والأديان في بيئة تعطيهم الحرية والاختيار لدرجة كبيرة فإن لم يكن الوالدين المصدومين أصلا من الوضع الجديد على درجة عالية من الوعي والصبر على تربية الأبناء يصبحون عرضة للانجرار في متاهات المجتمع والتي لا تخلو من طرق الضياع هذا بالإضافة إلى معاناة الأطفال والكبار من التنمر والعنصرية في أحيان كثيرة.
وهنا لا بد من الإشارة بأنه لا يوجد مجتمع متقدم بالمطلق كما لا يوجد مجتمع متخلف بالمطلق ولكن هي نسبة وتناسب إذ نجد ان مجتمعات تصل درجة التخلف فيها إلى 90بالمئة بينما نجد مجتمعات التقدم فيها يصل إلى 90بالمئة وعليه فإن نسبة اللاجئين الكبيرة يكون منهم نسبة من الأسر التي هي أصلا ليس لديها القدرة على تحمل مسؤولية تربية الأطفال فيصدمون بالقوانين الجديدة ولا يستطيعون تفهمها وبالتالي نرى حالات كثيرة من تدخل الدولة لحماية الأطفال وهذا ينطبق على الجميع السويدي واللاجئ … وبالتأكيد يوجد بعض الموظفين الذين يسيئون التصرف ويتم سحب أطفال دون أسباب موجبة, وللعلم ان بعض الذين فشلوا من المهاجرين في ضبط أبنائهم طلبوا من دائرة الرعاية الاجتماعية اخذ ابنهم ليعتدل حاله وهنا نحن ننظر للأمر بشكل موضوعي وعلمي بعيدا عن التحيز وبكل الأحوال يبقى الضحية الطفل سواء عند الوالدين الفاشلين او عند الأسر الجديدة التي يخسر فيها الكثير من ثقافته الشرقية والدينية, وللعلم ان الأطفال في باقي الدول ليسوا بأحسن حال الا انه لم يسلط عليهم الضوء.
ولكن هذا الزخم الإعلامي الذي توفر للبعض في السويد والذي أعطى نتائج إلى حد ما إيجابية قد سلط الضوء لكل دول العالم بل لكل المجتمعات والأسر عل أهمية حماية الطفل وتوفير البيئة الآمنة لنموه والتربية الحسنة لصلاحه.
وهكذا نحن كسوريين علينا التفكير مليا ومن الان والاستعانة بكل التجارب والخبرات لتوفير بيئة صالحة لتربية أطفالنا في سوريا الجديدة ليكون الإبداع والعطاء من هذا البلد العظيم الذي كما قيل عنه (لكل إنسان في هذا العالم وطنان الوطن الذي ولد فيه وسوريا).
المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها