
ميديا حمدوش
إعلامية سورية
المجلس العسكري الانتقالي ولملمة الجراح والسلاح
لقد شكلت الصدامات المتكررة بين فصائل المعارضة السورية في الشمال السوري إلى جانب الممارسات الإرهابية في المنطقة عامل يأس و تذمر عند كثير من السوريين, وعلى جانب آخر شكل التبني العلني لمنظمة الشبيبة الثورية سيئة الصيت من قبل صاحب أعلى منصب عسكري في قسد الجنرال مظلوم عبدي خيبة أمل كبيرة عند جمهور ليس بقليل من السوريين، كما رمت كثرة الهجمات والهجمات المضادة بين فصائل المعارضة المسلحة وقسد بظلالها على قتامة المشهد السوري لتزيد اليأس يأساً من تحقيق انفراجة ما على المستوى الأمني والعسكري في المناطق الخارجة عن سيطرة منظومة أسد. وما يثير الرعب أكثر هو ارتفاع أصوات الأطراف الإقليمية والدولية المتبنية لإعادة تعويم منظومة أسد الفاشية كسلطة حاكمة في سوريا.
وتأتي بوادر ملاحقة القادة المسيئين ومحاسبتهم لتلقي الأمل في قلوب السوريين لتحقيق ما بات يعرف في الأوساط السورية ب(تصحيح مسار الثورة) ومن هنا عاد الملف القديم الجديد إلى الواجهة، ملف المجلس العسكري السوري.
إذا استعرضنا سريعاً تاريخ الكفاح المسلح في سوريا سنجد الكثير والكثير مما يدعو الشخصية الوطنية السورية للفخر، فمثلاً دموع الشهيد العقيد يوسف الجادر أبو فرات على ما تخسره سوريا من شباب وعتاد عسكري نتيجة حماقة منظومة أسد السياسية، كانت ولا زالت نياشين عز يتغنى بها كل السوريين. و لكن للأسف لم تكن سيرة الكفاح المسلح كله ولا حتى أغلبه كسيرة أبي فرات. فهنالك قائمة طويلة وطويلة جداً من الفصائل التي جانبت في أسمائها وأهدافها وأدائها الروح الوطنية السورية التي جاءت بها الثورة الأمر الذي ترتبت عليه نتائج كارثية للغاية.
غياب مركزية القرار العسكري عن الكفاح المسلح وهلامية الجسم السياسي المظلل لهذا الكفاح كانا أبرز عوامل الفشل العسكري على الأرض. و هذا ما دفع بالكثيرين من السياسيين والناشطين السوريين إلى التفكير الجدي بجسم عسكري وطني سوري من ضباط وعسكريين من جميع القوى العسكرية المنتشرة على الأرض السورية من غير المتورطين بجرائم حرب وانتهاكات حقوقية. و لكن هل الأمر فعلاً بهذه السهولة؟ أم أن هنالك عقبات كثيرة تعترض العاملين على هذا الملف ؟ في الحقيقة هنالك أسئلة كثيرة جداً تواجه الساعين لتشكيل هكذا مجلس. فماذا عن صراع الدول القائمة على الملف السوري؟ ماذا عن العدد الكبير من الميليشيات الإرهابية الراديكالية الأجنبية التي استدعاها أسد في حربه ضد شعبه؟ ماذا عن الاحتياجات المالية الضخمة التي يتطلبها هكذا مشروع؟ ماذا عن عملية الفرز الصعبة بين السوريين القابلين للعمل في صفوف جسم عسكري وطني مؤسساتي و بين من امتهنوا الجهاد في صفوف جماعات راديكالية متطرفة كالنصرة مثلاً؟ كيف يمكن رأب الصدع بين قسد والمعارضة المسلحة لحد يتمكن فيه الطرفان من التشارك لإنجاز هكذا جسم عسكري؟ و ماذا عن انصياع هكذا جسم عسكري، فيما لو تشكل فعلاً، لأوامر هيئة سياسية ما؟
كل هذه الأسئلة وأكثر تتطلب الكثير من اللقاءات والمشاورات الجدية بين مختلف الأطراف السياسية السورية التي كل منها بات يواجه موجات عالية من السخط والتململ الاجتماعي حتى من حاضنته. هذا ما يفتح على السوريين باب طلب فرض وصاية دولية على سورية لمرحلة انتقالية تجبر خلالها كل الأطراف على تبني صيغة عمل مفروضة من الدولة الوصية.
لا يمكن القول أن تأسيس مجلس عسكري فقط وبشكل منفرد، سيكون الضامن لاستقرار سوريا والوصول بها إلى حل حقيقي وناجح، لا بد من وجود مظلة سياسية وطنية وبرعاية ودور فاعل من الدول العربية والعالمية في الانطلاق نحو تفعيل مخرجات القرار الدولي 2254، فإن تشكيل هيئة الحكم الانتقالي سيكون منطلقا حقيقيا لمرحلة استقرار فعلي في سوريا، ومن أجل أن يتم ذلك لا بد من الاتفاق بين الأطراف الفاعلة في الملف السوري على تشكيل هيئات وطنية تُنقل لها جميع الصلاحيات التشريعية والتنفيذية، ويتم تسمية أعضائها وقياداتها.
فيما يكون أحد أهم المجالس المُشكّلة في المرحلة الانتقالية، هو المجلس العسكري المشترك الانتقالي، والذي لا بد من أن يتبع للحكومة الانتقالية المدنية، ويضم في قيادته ضباطا أكفاء لم يرتهنوا للمشاريع التي أغرقت سوريا في وحل الحرب، مؤمنين بالعملية السياسية الديمقراطية، غير تابعين لأجندات سياسية أو عقائدية، وتكون من مهام المجلس العسكري قيادة القطاعات العسكرية المختلفة، إضافة إلى إعادة هيكلة الجيش والأمن بما يحفظ استقرار البلاد وضبط فوضى السلاح بالدرجة الأولى إلى جانب سيطرته على التفلت الأمني والفصائلي في مناطق سيطرة المعارضة المسلحة وعدم الإساءة لأي من قطاعات الدولة السورية، ووضع خطة عمل تنفيذية للقضاء على التنظيمات الإرهابية بكافة جذورها ومن يتحالف معها.
خلاصة القول قد يكون بالفعل المجلس العسكري المطروح حلاً ومنقذاً لما وصلت إليه الأوضاع على الساحة السورية وهذا يعتمد على مدى جدية الأطراف المشاركة في التأسيس ومدى قدرتها على التحرر من التدخل الخارجي فيها وقدرتهم على العمل سوية لضمان استقلالية القرار للوصول لقرارات وطنية تخدم المصلحة السورية بالدرجة الأولى.
المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها