
النقيب المهندس محمود الشيخ علي
باحث في الشؤون الاستراتيجية

الحرب النفسية في التاريخ المعاصر
محاور البحث
أولاً: المقدمة.
ثانياً: مفهوم الحرب النفسية.
ثالثاً: أهمية وأهداف ومبادئ الحرب النفسية.
رابعاً: وسائل الحرب النفسية وكيفية إيصالها وتأثيراتها.
خامساً: تخطيط وتنظيم الحرب النفسية.
سادساً: دور الحرب النفسية وتأثيراتها في تقرير مصير المعارك.
سابعاً: نظرية التأطير وتأثير الحرب النفسية على القرارات الداخلية للدول.
ثامناً: الخاتمة.
أولاً: المقدمة.
في ظل التطورات التكنولوجية والثورة الإعلامية السريعة في عصر العولمة، أصبحت الحرب النفسية والدعاية الإعلامية، تمارس علينا كل يوم وبأشكال مختلفة، وأحيانا تساهم وسائل الإعلام المحلية والإقليمية والعربية والدولية مساهمة فعالة فيها سواء بقصد أو بدون دراية. وإذا كان التاريخ بأحداثه المسجلة والمعروفة يستطيع أن يبين لنا ما حققته الحرب النفسية في شتى الظروف، فإنه يظهر جدوى البحث في الماضي لمعرفة الوجه التاريخي لهذه الحرب، فيكون هذا عاملا مساعدا في فهمها. ومن الطبيعي عند الحديث عن الحرب النفسية البدء بمفهومها بهدف تكوين فكرة أساسية تخدم التعمق بدراستها.
ثانياً: مفهوم الحرب النفسية.
من الصعوبة بمكان تعريف الحرب النفسية تعريفا واحدا، فقد وضعت لها تعريفات متعددة منها: عرف قاموس المصطلحات الحربية لوزارة الدفاع الأمريكية عام 1955 الحرب النفسية بأنها: الاستخدام المخطط للدعاية وغيرها من الوسائل التي تستهدف التأثير على آراء وعواطف ومواقف وسلوك جماعات عدائية، أو محايدة، أو صديقة، بطريقة تساعد على تحقيق أهدافها القومية “.
وصف البريطانيون النشاط الذي يطلق عليه الأمريكيون اسم الحرب النفسية اسما آخر هو الحرب السياسية، وقد وصف السير «روبرت بروس لو كهارت» الحرب النفسية بأنها: «عبارة عن تطبيق الدعاية لتخدم حاجة الحرب فغرضها الرئيسي هو تمهيد الطرق أمام القوات المسلحة وتسهيل مهمتها»، ويرى جون سكوت وهو مؤلف أمريكي ومراسل صحفي في كتابه (الحرب السياسية دليل للتعايش التنافسي) -إن الحرب النفسية تتضمن الأنشطة التي يطلق عليها الجيش حربا غير تقليدية.
ومن خلال دراستنا لمجموعة واسعة من التعاريف يمكننا التوصل إلى تعريف توافقي للحرب النفسية يجمع بين كل تلك التعريفات : الحرب النفسية هي : الاستخدام المخطط والمنظم للدعاية، والتفنن بطرق حيلها وخدعها، وسائر الأساليب والوسائل للتأثير على الآراء والمفاهيم والاتجاهات وسلوك الجماعات المعادية « مدنية وعسكرية » وفرض الإرادة عليها لتحقيق سياسة الدولة والأهداف الوطنية عبر استخدام التقنيات المختلفة وإثارة الفتنة وتأجيج النزاع وزرع التفكك والتفتيت، وهي بالتالي أشد خطرا من الحرب العسكرية لأنها تبرز كالفايروس الذي يتسلل إلى داخل المجتمع مخترقا حدود المكان والزمان.
ملاحظة: هناك من فرق بين العمليات النفسية والحرب النفسية، حيث أن العمليات النفسية توجه إلى الدول والجماعات (معادية – صديقة – محايدة – حليفة)، بينما توجه الحرب النفسية إلى أفراد وجماعات الدول المعادية فقط.
- لمحة عن الحرب النفسية عبر التاريخ:
إذا كانت الحرب النفسية هي الاستخدام المقصود لسائر الأساليب الغير قتالية التي تؤثر على النتائج النهائية للمعارك فإن هذا الاستخدام قديم قدم الجنس البشري نفسه ويمكن التعرف على ملامح الحرب النفسية الأولى مما كتب عن المعارك والحروب القديمة، أو مما استخدمه القدماء من أساليب لتدمير معنويات الأعداء وشل قدراتهم القتالية. فقد استخدم الفراعنة الدعاية منذ سبعة وثلاثين قرنا، ففي أيام رمسيس الثاني وتحوتمس الثالث كانت الخدعة تستخدم على نطاق واسع في معاركهم العسكرية وفي العصر اليوناني استعملت الخطابة بكثافة، وكان لها التأثير الأول في النفوس حتى قال سقراط «كانت الخطابة هي صاحبة الشأن في الجمهوريات القديمة، فقد كان كل شيء في يد الشعب وكان الشعب في أيدي الخطباء». كما اعتمد القادة اليونانيون الحيلة في حروبهم لجعل العدو يتجاذب بين القلق والخوف والأمان مما سهل لهم التغلب عليه أما الرومان فقد اهتموا بالصحافة والإثارة اللفظية مع خطيبهم الشهير شيشرون وأصدروا صحيفة بالحوادث اليومية واعتمدوا بصورة كبيرة على تضخيم عرض قوتهم العسكرية كعامل نفسي مؤثر في السياستين الداخلية والخارجية ويمكن القول إنهم أعطوا العامل النفسي القدر الكبير من الأهمية ومارسوه بشكل واسع في الشأن العسكري. كما استعملوا صرخات الحرب من قبل الجنود في الهجمات مصحوبة بالأبواق حتى قيل إن القادة كانوا يقدرون نتيجة المعركة استناداً إلى ضخامة ونوعية وحجم الصوت المتردد إلى أسماعهم من أفواه الجنود. وفي العهد الإسلامي استخدمت الحرب النفسية على نطاق واسع. ومع بدايات الحرب العالمية الأولى تحولت الحرب النفسية إلى آلة حرب رئيسية حتى قيل فيما بعد إن الحرب النفسية كانت السلاح الذي كسب الحرب حيث أدت إلى تحطيم الروح المعنوية الألمانية في الشهور الأخيرة من العام 1918، وقد أعلن قائد القوات الألمانية “إريك فون لوند ورف” أن الجيوش الألمانية كانت منتصرة ولكنها أوقفت القتال لأن الروح المعنوية للمدنيين قد حطمتها دعاية الحلفاء.
لقد ركز الحلفاء على كسب الأصدقاء الجـدد وإبقـاء المحايدين علـى حيـادهم. واستطاع الإنكليز التفوق والتأثير على المجتمع الأمريكي عن طريق إيصال الأخبار الملائمة وبالتالي حصلوا على تأييد الأمريكيين. ومن أجل هذا افتتحت بريطانيا مكتبا سريا للدعاية السياسية في- ويلنغتون هاوس، واعتمدت الدعاية لترويج نبل أهدافها وكشف فظائع الألمان المرتكبة في بلجيكا والتي تبين بعد الحرب أنها كانت أخباراً كاذبة، (كما جرى أثناء التحضير لغزو العراق) والتي لم يستطع الألمان دحضها بسبب قطع الاتصالات من قبل الإنكليز.
واستطاع الأمريكيون بدورهم التركيز في جهدهم الدعائي خلال الحرب على إطلاق شعار للتهكم «توفير الطعام للجائعين» نظرا لما عاناه جنود الألمان من نقص في المواد الغذائية خلال المعارك. أما في الحرب العالمية الثانية: فقد استخدمت الحرب النفسية على نطاق واسع ومبرمج وعلى نحو علمي ومدروس، وقد نظمت العمليات على أعلى المستويات وتم اختيار الأكفاء للعمل في حقل العمليات الدعائية والاعلامية. وكان هدف العمليات النفسية زعزعة معنويات العدو، والمحافظة على معنويات سكان البلاد التي احتلها الألمان ودعم سكان المناطق الأوروبية المحررة.
ثالثاً: أهمية وأهداف ومبادئ الحرب النفسية.
1ـ أهمية الحرب النفسية: تنبع أهمية الحرب النفسية من كونها أصبحت جزءا من النشاطات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية التي تتم خلال الحرب الفعلية أو الحرب الباردة وليست هذه الأهمية إلا انعكاسا لإحدى الخصائص الواضحة التي تميز المجتمع الدولي وهي خاصية صراع المصالح حيث أن الحرب السياسية والعسكرية والاقتصادية والنفسية تشكل معا ما يسمى الحرب الشاملة ، بحيث يكون النجاح العسكري نصراً شاملا أيضا يمكن المنتصر من الاستيلاء على كميات كبيرة من موارد العدو، ويجعل جنوده مستعدون للخضوع والاستسلام ، ومن جهة أخرى لا فائدة من الانتصار العسكري إذا أدى إلى هزيمة سيكولوجية للمنتصر, فاليابانيون أنزلوا خسائر كبيرة بالأسطول الأمريكي في ميناء بيرل هاربور ١٩٤٢ لكن النتيجة كانت خسارة لليابانيين لأن هذا الهجوم وحد صفوف الأمريكيين ضد اليابان, حيث جاء الرد الأمريكي بعدها في معركة -مدوي -Battle Of Midway وهكذا نستخلص أن أهمية الحرب النفسية تنبع من كون نتائجها لا تقتصر على الجانب العسكري بل تتعداه إلى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وإدراكنا لأهميتها هذه يقودنا للتعرف على أهدافها.
2 – أهداف الحرب النفسية:
يمكن تقسيم أهداف الحرب النفسية إلى قسمين أهداف سياسية وأهداف عسكرية:
أ. الأهداف السياسية:
من أهم الأهداف السياسية للحرب النفسية تحطيم وحدة الجبهة الداخلية للدولة المعادية وخلق التناقضات بين فئاتها وبث الشك واليأس في إمكانياتها للصمود والتصدي وتحقيق النصر. وتشكيك الجبهة المستهدفة في قيادتها السياسية والعسكرية، وزعزعة إيمانها بمبادئها وأهدافها، وإرغامها على التخلي عن الأعمال العسكرية وتحطيم تحالفاتها السياسية ودعم روح المقاومة لدى الفئات المناهضة والمعادية لها في داخلها والعمل على إيجاد مثل تلك الفئات وتحطيم الإرادات المختلفة لفئات المجتمع من حكام وعسكريين ومواطنين
ب. أهداف عسكرية:
من الصعوبة تحديد كافة الأهداف العسكرية التي تبغي الحرب النفسية تحقيقها ولكن يمكن ذكر أهمها:
التأثير في الاستراتيجية والتكتيك العسكري للعدو وتنظيمه واستعماله للقوات، المساعدة على تجميد قوات العدو عندما يتعذر تدميره بالوسائل العسكرية المباشرة، إجبار قادة العدو على التفاوض في شأن الاستسلام، تقليص مقاومة قوات العدو حتى درجة الانهيار، تشجيع العمليات العسكرية للقوات الحليفة والصديقة ودعمها، تحطيم أو تعطيل أجهزة الاستخبارات والأمن المعادية، زيادة فعالية الصدمة النفسية من جراء استعمال الأسلحة القتالية، العمل على نشر الفوضى في صفوف قوات العدو وزرع بذور الشك في نفوس قادته فيما يتعلق بوطنية القوى وتكاتفها، خلق بذور التشكيك بأهداف الحرب المعلنة بين عناصر الشعب وفي صفوف القوات المسلحة.
3 ـ مبادئ الحرب النفسية:
للوصول بالجبهة المعادية المستهدفة إلى حالة الذعر والذهول ولتسهيل عملية تدميرها، اعتمدت الحرب النفسية في تخطيطها على جملة من المبادئ نذكر منها:
أ. المركزية: Centralism أي التخطيط بشكل مركزي وشامل للحرب النفسية ثم وضع الخطط المرحلية التي ستنفذ ووضع كافة الاحتمالات والبدائل المقترحة.
ب. التخصص: Specialism الاعتماد على خبراء متخصصين في كل المجالات كالمجال السياسي والاقتصادي والعسكري والاجتماعي والنفسي.
ج. التركيز: Concentration عند تحديد المستهدف وتحديد الهدف وتحضير الأسلوب المطلوب يجب انتقاء بعض الجوانب لدى الهدف، نقاط الضعف، والتركيز عليها في العمليات النفسية.
د. التوقيت: Timing يجب أن تنطلق العمليات النفسية بالوقت المناسب بعد تهيئة الجو للصديق. فالتوقيت الدقيق يؤمن واقعية الدعاية مما يؤدي إلى إعطاء المردود النفسي المطلوب.
هـ. المصداقية: Credibility الحقائق هي الأساس القوي الذي يترك أثره في المتلقي والمصداقية هي جسر الثقة ما بين المرسل والمستقبل، ويظل استخدام الحقائق الصادقة في الدعاية أمراً نسبياً يخضع لاعتبارات عديدة كظروف الدعاية وظروف الهدف والحالة الراهنة.
و. المرونة: Flexibility تأتي من خلال التعامل مع الواقع ومعطيات المرحلة الراهنة حيث لكل مرحلة أسلوبها ومرتكزاتها وأهدافها وبالتالي يجب توفر المرونة في الانتقال من خطة إلى أخرى ومن هدف إلى آخر بسهولة.
رابعاً: وسائل الحرب النفسية، وكيفية إيصالها وتأثيراتها.
- وسائل الحرب النفسية: تخاض الحرب النفسية بعدة وسائل أهمها:
أ. الدعاية: Propaganda عندما كتب رائد الدعاية – تشاكوتين – كتابه الشهير «اغتصاب الجماهير بالدعاية السياسية»، كان على بينة أن رجل الدعاية لا يرمي إلى الإقناع بقدر ما يهدف إلى الاغتصاب النفساني، من خلال محاولة تغيير السلوكية الفردية والجماعية، وكسب التأييد مهما كان الثمن والوسيلة.
1. تعريف الدعاية: هي فن التأثير على التصرف الإنساني.
والدعاية العسكرية هي: الاستخدام الفني لأي نوع من وسائل الإعلام، بقصد التأثير في عقول وعواطف جماعة معادية معينة أو جماعة محايدة أو جماعة صديقة لغرض استراتيجي، أو تكتيكي معين، وليس للدعاية أداة معينة أو شكل معين فكل شيء في الحياة هو في خدمتها
2. أنواع الدعاية:
أ. الدعاية البيضاء: وهي الصادرة عن مؤسسات رسمية أو مكشوفة المصدر ويكون الهدف منها واضحا.
ب. الدعاية السوداء: وهي غالباً مجهولة المصدر أو تصدر عن دولة معادية ويكون هدفها مخفيا أو غير ظاهرا.
ج. الدعاية الرمادية: وهي مبهمة المصدر والهدف، مثال: (صرحت مصادر…)
3. أقسام الدعاية من حيث شموليتها:
أ. دعاية استراتيجية: لا يكون لها تأثير واضح على المدى القريب ويمكن أن تظهر نتائجها على المدى البعيد، وتوجه ضد السكان في المناطق المعادية، والمناطق الصديقة التي يحتلها العدو.
ب. دعاية تكتيكية: تهدف إلى تحقيق هدف مباشر قصير الأجل وتستخدم ضد مستمعين بذكر أسمائهم إجمالا وتنفذ لدعم عمليات القتال المحلية.
4. أقسام الدعاية من حيث طبيعة النشاطات:
أ. دعاية هجومية، وتوجه ضد القوات المعادية وسكانها.
ب. دعاية دفاعية – مضادة – وتهدف إلى إبطال دعاية العدو ومكافحتها والرد عليها بالوقائع.
واستخدام الدعاية المضادة يجب أن يتم من جراء تحليل النشاط الدعائي المعادي من حيث الإمكانيات والنتائج وإمكانيات نجاح الدعاية المضادة. ويمكن تجاهل حملة العدو الدعائية في حال تبين عجزها عن إثارة الاهتمام أو تحقيق نتائج.
ب. الإشاعة: Rumor
كانت الإشاعة ومازالت من العوامل النفسية الشديدة الخطورة في ميادين الحروب لما لها من أثر عميق في تفتيت الجيوش وتحطيم معنوياتها، ونشر الفوضى وخلق الإرباك في صفوفها، والإشاعة لا تعني بالضرورة بث خبر لا أساس له من الصحة بل ربما قامت على بث خبر صحيح أو إفشاء سر يحرص العدو على إخفائه لحساسيته بالنسبة إلى معنويات جنوده. وأكثر الموضوعات تناولاً في هذا المجال، حياة الملوك والقادة، وأولي الأمر.
ج. الشائعة: Rumour
الشائعة فكرة خاصة يعمل رجل الدعاية على أن يؤمن بها الناس، كما يعمل على أن ينقلها كل شخص إلى الآخر حتى تذاع بين الجماهير، والشائعة أنموذج عن رسالة تسري في شريحة اجتماعية من خلال احتكاكات متواصلة بين الأفراد. هذا الأنمـوذج عبارة عن مقاطع منفصلة من رسائل إعلامية موزعة، على قنوات معينة يتم وصل وتركيب هذه المقاطع من قبل أفراد الكتلة الاجتماعية المذكورة وفق قيم ومقاييس معينة بهدف الحصول على ترابط منطقي ذو معنى والهدف النهائي يتم عن طريق تعمد المبالغة أو التشويه أو التهويل بغية التأثير النفسي في الرأي العام المحلي أو الإقليمي أو العالمي تحقيقاً لأهداف سياسية أو اقتصادية أو عسكرية على نطاق دولة واحدة أو عدة دول.
د. التضليل الإعلامي Information Misleading :
هو الإجراءات التمويهية والخداعية التي تهدف إلى خداع العدو وتضليله حول حقيقة قوات الصديق أو مواقعه أو خططه، ومن ثم دفعه إلى ارتكاب الأخطاء والهفوات وسوء التقدير.
هـ. عرض القوة والأسلحة: Military Exhibitions
إن العروض العسكرية هي مظهر من مظاهر التأثير النفسي، التي استنها الحكام عبر التاريخ لرفع معنويات شعوبهم، وإرهاب أعدائهم في ان واحد، وذلك بغية إرهاب العدو، وتحطيم معنوياته، وزعزعة ثقته بنفسه، وهذه الطريقة في استعراض القوة مازالت مستخدمة كأحد وسائل الردع والحرب النفسية في العصر الحديث.
و. الخدعة: Deception
وهي تلك الإجراءات المصممة لتضليل العدو، من خلال الحيلة وتزييف الأدلة، وذلك لإقناعه بالتصرف بطريقة مغايرة لمفهومه، ويعتبر الخداع في المجال العسكري نشاطاً معقداً يتطلب تنسيقاً مكثفاً لمجموعة واسعة من الأنشطة لتنفيذه بنجاح، كاختيار حادثة لدى العدو وتضخيمها للتأثير على الرأي العام، أو محاولة التقليل من أهمية انتكاسة معينة وقعت فيها قواته.
- وسائل إيصال الحرب النفسية:
إن وسائل الحرب النفسية التي ثبت نجاحها كثيرة، لذا سنتطرق لأهم الوسائل التي استخدمتها مختلف الدول في تـوجـيـه حـروبها النفسية نحو الأهداف المحددة، ويمكن اختصارها بطريقتين هما:
الاتصال المباشر: ويعني وجود ناقل للرسالة النفسية، ينقلها من فمه لإذن الهدف المستمع مباشرة وهذه الطريقة تركز الاهتمام على الشخص المناسب، الذي يملك قوة التأثير على الهدف ليستخدم كناقل للرسالة، أهم ميزات هذا الأسلوب هو وجود التغذية العكسية، التي تسمح للمستقبل بالاستفسار عن كل ما هو غامض من الشخص المرسل، وهذا لا يتوفر عند استخدام الوسائل الأخرى.
استعمال وسائل الإعلام: الإذاعة – التلفزيون – المطبوعات بكافة أنواعها – مكبرات الصوت – عمليات التخريب. وتجدر الإشارة إلى أنها استعملت سابقا وأثبتت فعاليتها في الحرب النفسية، ويبقى الباب مفتوحاً لأية وسائل جديدة أخرى مثل الأنترنت.
- تأثيرات الحرب النفسية:
إن التطور الكبير الحاصل في صناعة الحرب الحديثة أضفى عليها صفة الشمول، وفي خضم هذا الشمول تتعدد الجبهات من الجبهة الداخلية إلى جبهات القتال المتعددة والتي تشمل:
الجبهة العسكرية، والاقتصادية، والسيكولوجية، وتلك الجبهات تشكل معاً ما يعرف بالحرب الشاملة بما أن الحرب النفسية تشن قبل الحرب التقليدية، وفي أثنائها وفي أعقابها، ولا يحدها زمان أو مكان فإذا تم تطبيقها في ميادين الجبهات السابقة، فإن تأثيرها سلباً أو إيجاباً, سيكون بالغا لأن تأثيرها القوي على الإرادة الفردية، وقدرتها على تدمير المجتمعات أمر لاشك فيه لكن نجاح تأثيرها يشترط تزامن العمل الإعلامي وعمل القوة معا فهي تعمل على تكوين الرأي والثبات عليه، أو تعديله وتغييره بصورة كاملة وهنا يدخل علم نفس الجماهير بشكل أساسي على مسرح الحرب النفسية.
وبغية التمكن من فهم كيفية تأثير الحرب النفسية على المعارك العسكرية لا بد من إلقاء الضوء على علاقة هذه الحرب بالحرب الشاملة وكيفية تخطيطها وتنظيمها.
خامساً: تخطيط وتنظيم الحرب النفسية.
1- التخطيط للحرب النفسية:
إن التخطيط الجيد للحرب أو العمليات النفسية هو الأساس الذي يرتكز عليه نجاح أية عملية عسكرية، ويمكننا اختصار المتطلبات الأساسية للتخطيط للعمليات النفسية الناجحة بأن يجري التخطيط في الوقت المناسب مع الاستخدام الأمثل لكل من العوامل التالية: الوقت – الجهد البشري. التمويل. وسائل التوجيه والسيطرة. التدريب الجيد. المعلومات المتوفرة. التعاون والتنسيق والتنظيم، وهنا لا بد من توفر كفاءات وخبرات قادرة على إجراء تلك العمليات.
إن تخطيط العمليات النفسية عملية مستمرة ذات مدى بعيد تتطلب براعة في التخطيط وتصميم على التنفيذ المفصل على جميع المستويات. كما تتطلب نظام تخطيط دقيق بحيث يجب اقتناص الفرص السانحة فور ظهورها، ويجب ألا يحول التقيد بخطة العمليات النفسية دون استغلال نواحي الضعف غير المتوقعة والتي تبرز فجأة في الموقف المعادي فالمرونة في العمل أمر مهم هنا، كأن يجري إعداد خطط للطوارئ لتعنى بمعالجة حوادث ممكنة الوقوع أو توفر الصلاحيات للتصرف الفوري للقائمين بالحرب النفسية، لأن التغيرات في التوازن السياسي والتطورات العسكرية تفرض تغيرات سريعة في مواطن الضعف والأهداف والجماهير المستهدفة والشعارات المستخدمة في العمليات النفسية. لذلك يجب على القائمين بالعمليات النفسية تحديث خططهم باستمرار، وتوقع تطورات المستقبل والتخطيط لها.
2 – تنظيم الحرب النفسية:
لقد واجه تنظيم الحرب النفسية مشاكل كثيرة في معظم الدول التي اهتمت بهذا النوع من الحرب، ولا بد للمهتم، أن يدرس المشكلات التي واجهت تنظيمها، لأن دراسة المنظمات التي عملت للحرب النفسية والصعوبات التي واجهتها توضح لنا إلى أي مدى كان للعوامل البيئية والثقافية والسياسية والأيديولوجية وغيرها …. الأثر الكبير على شكل هذا التنظيم، وإذا أضيفت سلطة الحكومة بمختلف أجهزتها الداخلية والخارجية إلى جهود التنظيم فستزيدها متانة، شريطة المحافظة على التوحيد في التنظيم تجنبا للازدواجية، يقول «هارولد لاسويل» في هذا المجال: «إن عدم التوحيد في تنظيم الحرب النفسية قد يسفر عن أخطار، ويؤدي إلى ازدواج كبير في المجهود، كأن يقوم العسكريون بتوزيع نفس النشرة التي وزعها السلك الدبلوماسي … فهذا العمل يسيء للهدف.
3 – التنظيمات المختصة بالحرب النفسية خلال الحرب العالمية الأولى:
بدراسة وثائق الحرب العالمية الأولى نجد أسسا لتنظيمات مختصة بالحرب النفسية اعتمدتها الدول المتحاربة في ذاك الوقت نذكر منها:
بريطانيا: اعتمدت لجنة عامة، تفرع عنها العديد من فروع الدعاية مثل: الدعاية ضد العدو، والدعاية في البلاد المحايدة والبلاد الحليفة، والدعاية بين القوات المسلحة، والدعاية بين المدنيين، وكل فرع احتوى على عدد كبير من المنفذين.
أما ألمانيا: فقد اعتمدت مؤتمراً عاماً شاركت فيه كل الإدارات العسكرية، وتركت للهيئات المعنية الأخرى مثل وزارة الخارجية، مقر القيادة العامة، وزارة الحرب، ووزارة الداخلية العمل كل ضمن اختصاصه.
وفي فرنسا: اهتمت الهيئات الدبلوماسية والعسكرية بالدعاية وشكلت في عام 1918 لجنة للإشراف على الدعاية خارج البلاد بإشراف وزير التعليم والفنون الرفيعة، حيث كان لهم عملاء ملحقون بسفاراتهم بالخارج.
أما في الولايات المتحدة الأمريكية: أحدثت إدارة واحدة مسؤولة عن جميع اعمال الدعاية داخلياً وخارجياً.
4 ـ التنظيمات المختصة بالحرب النفسية الحرب العالمية الثانية:
تطورت النظرة إلى الحرب النفسية بشكل كبير خلال الحرب العالمية الثانية وأنشأت تنظيمات متخصصة تعنى بالإعداد للحرب النفسية.
أ. التنظيم الألماني:
أنشأت وزارة الدعاية بعد أسبوع واحد من سيطرة النازية في ألمانيا. ووضعت خطة تنظيم للدعاية والتي تنص على: تركيز السيطرة على نشاطات الدعاية، بحيث تستغل هيئة الدعاية كل الفرص، على أن تتساوى مهمة الدعاية مع أية مهمة حكومية أخرى، واحتكار السيطرة على كافة أجهزة الإعلام، بشكل لا تبدو فيه الرقابة مباشرة، وعدم السماح لأية هيئة أخرى بالعمل في هذا الميدان مع التوصية بأن يشغل هذه المسؤولية أكثر الناس إخلاصاً للنازية، واكفاهم تقنياً.
ب. التنظيم الأمريكي:
مع دخول الولايات المتحدة الأمريكية الحرب في 7 كانون الأول ١٩٤١، كان مكتب تنسيق الشؤون الأمريكية يدير مهمة نشر الدعاية الأمريكية في دول العالم، وفي 11 أيلول من العام نفسه أنشأ الرئيس «روزفلت» مكتب تنسيق الاستعلامات، الذي كلف بجمع وتنسيق المعلومات وتحليلها، وإذاعتها في الخارج، ومن ثم أنشأ هيئة الاستعلامات المحلية، التي اعتمدت برنامجا يوميا للدعاية، يقوم على الأخبار اليومية. إلا أن الأمريكيين المسؤولين عن الحرب النفسية، لم يدركوا الأهمية الفعلية لهذه الحرب ضد النازية، إلا بعد إنشاء مكتب معلومات الحرب في حزيران عام ١٩٤٢، الذي اقتصر نشاطه في البداية على المعلومات المحلية، حتى أصدر الرئيس «روزفلت» أمرا في آذار من العام ١٩٤٣ حدد بوضوح مسؤولية هذا المكتب وإحداث فروع له في قيادات ما وراء البحار، وقد ظهر أن التنظيم الأبرز والأنجح للحرب النفسية عند الأمريكيين في الحرب العالمية الثانية، كان في شمال أفريقيا، حيث كانت طبيعة العملية بريطانية، أمريكية وكان مفهوم التنظيم، هو تحقيق التضامن بين الحلفاء، واستخدام موظفين أكفاء، بغض النظر عن كونهم مدنيين أو عسكريين وكذلك عن كونهم أمريكيين أو بريطانيين.
أما حالياً فقد اعتمدت الولايات المتحدة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول أسلوباً جديداً في الحرب النفسية يهدف إلى تحقيق أهداف سياسية وعسكرية فكلنا نذكر القول الشهير« من ليس معنا فهو ضدنا » وهذه أحد طرق الحرب النفسية والترويع، والجميع يعلم كيف استخدمت أسلوب الحرب النفسية للتحضير لغزو أفغانستان والعراق، والآن تحاول استخدامه ضد إيران وهو ( اعتماد حملة دعائية إعلامية مكثفة تتزامن مع تكثيف تواجد القوة العسكرية في منطقة الهدف، وتركز الحملة الدعائية لزعزعة ثقة المسؤولين في البلد بأنفسهم، وزعزعة ثقة المواطنين بهم، وتهيئة الرأي العام أن الضربة العسكرية آتية لاريب فتحضروا لها، وفي المرحلة التالية يتم إيجاد حجج لتبرير العمل العسكري، معتمدة على أنه فيما بعد لن يهتم أحد إذا كانت تلك الحجج واقعية وصادقة أم لا « ألم يعترف العديد من المسؤولين الأمريكيين بالكذب لتبرير الحرب على العراق » ( اعتراف وزير الخارجية السابق كولن باول )، ماذا أفادت تلك الاعترافات بعد حصول الغزو، وتدمير العراق؟.
ج. قيادة قوات الحلفاء:
أسندت مهمة تخطيط واستخدام الحرب النفسية وتنفيذ العمليات في قارة أوروبا إلى قسم الحرب النفسية التابع للقيادة العليا لقوات الحلفاء، وكانت مهماته كالآتي:
شن الحرب النفسية ضد دول المحور، واستخدام كل الأجهزة الممكنة والحفاظ على معنويات دول الحلفاء وتنظيم دعاية متضامنة في المناطق الصديقة المحررة والسيطرة على خدمات المعلومات في الجزء الذي يحتله الحلفاء في ألمانيا، وكان يساعد رئيس قسم الحرب النفسية التابع لقيادة الحلفاء أربعة نواب أسند إليهم الإشراف على عمل الخطط والمنشورات والمخابرات والإذاعة والنشرات والصحافة والأفلام والمطبوعات والعمليات الخاصة. وقد تبادل الأمريكيون والبريطانيون رئاسة هذا القسم.
د. التنظيم السوفييتي:
تميزت النظرية السوفييتية منذ الشيوعيين الأوائل، بأنهم لم يخوضوا المعركة من أجل السيطرة على عقول الرجال عامة، بل اقتصر هدفهم على السيطرة على عقول الزعماء والقادة، لاعتقادهم أن عقول الجماهير تتأثر بهم. لهذا ركز الشيوعيون على الدعاية الموجهة الشاملة على مستوى عقائدي منذ انطلاق الشيوعية كأيديولوجية، واعتمدوا على مدارس التوعية في الحزب منطلقين من قول للينين: « إن للدعاية أهمية قصوي للانتصار النهائي للحزب، وأضاف فيما بعد، لقد حققت ديكتاتورية البروليتاريا نجاحاً لأنها عرفت كيف تقرن بين الإكراه والإلزام والاستحالة والإقناع، وتمت السيطرة على نشاط الدعاية والإثارة في أعلى مراتب ودرجات رئاسة الحزب من خلال قسم الدعاية والإثارة، وعدة أقسام أخرى تهتم بتنظيم برنامج شامل للحرب النفسية تم استخدامه بشكل ناجح جدا في الحرب العالمية الثانية إلى حد أقلق الامريكيين من انتشار النجاح السوفييتي في أوربا الغربية مما جعل الولايات المتحدة تتعامل مع السوفييت بعقلية الخصم في وقت كان التحالف بينهما لازال قائما خلال الحرب.
سادساً: دور الحرب النفسية وتأثيراتها في تقرير مصير المعارك.
1-تأثير استعمال وسائط الحرب النفسية:
أ. تأثير استعمال الإذاعة؛
استعملت الإذاعة في الحرب العالمية الثانية على نطاق واسع داخل المعسكرين كواسطة إيصال لدعاياتهم المختلفة إلى الملايين من الناس، وخصوصاً هؤلاء الذين لا يعرفون القراءة والكتابة. وتنافس المعسكرين لنقل ما يناسبهم من أخبار المعارك، وطمس وتكذيب مالا يناسبهم بهدف التأثير على عقول المستمعين، واستعملت الموجات القصيرة لنقل الدعاية عبر المساحات البعيدة، بحيث استطاعت مكاتب وإدارات الحرب النفسية من خلالها، ربط مكاتبها بمحطات فرعية تبادلية كوسيلة للإرسال المباشر، وأصبح بالإمكان إعداد النشرات والأنباء بعناية، بواسطة محترفين في العواصم، وإرسالها إلى المحطات الأمامية التي تذيعها على الموجات العادية، وهكذا استطاعت المحطة الأمريكية في جزيرة « سيبان في الباسفيك » « المحيط الهادي » أن تذيع إلى الملايين من اليابانيين مباشرة، واعترف اليابانيون أنفسهم بأن الإذاعة لعبت دورا هاما في استسلام اليابان.
ب. تأثير نشرات الأخبار:
استطاع المحاربون من خلال نشرات الأخبار التلاعب بالكلمات، وبعقول الناس وانفعالاتهم، بغية خلق ردود أفعال مناسبة، مستخدمين بمهارة اللغة والأفكار التي يمكن بواسطتها جذب اهتمام المستمعين وكسب ثقتهم. وكان هدف نشرات الأخبار على الموجة القصيرة كما يلي:
تغطية الأخبار التي لا يمكن للمستمع معرفتها بدون الإذاعات، إقناع المستمعين بصحة ودقة الأنباء التي تذاع عليهم، تفسير الأنباء بشيء من الصدق، وبطريقة تعزز موضوع الدعاية، التقليل من شأن العدو من حيث هو مصدر للأنباء، تغطية الأنباء بطريقة تفضح أهداف العدو وأعماله، إبراز الأعمال الطيبة لدى الجانب القائم بالدعاية.
ج. تأثير الإذاعات السرية:
وقد استخدمها الطرفان المتصارعان بعد الحرب العالمية الثانية كأداة للتراشق بالكلمات ولتحريض الشعوب على الثورة ضد حكامها، كما حدث في محاولة غزو كويا عام 1961 من «محطة سوان». وهناك إذاعات تعتبر مزيجا بين السرية والعلنية، ونعني بها الإذاعات التي تمولها الشركات الكبرى أو الدول الأخرى، وتتظاهر هذه الإذاعات بأنها إذاعات خاصة، بالرغم من أنها تتلقى توصيات يومية من الأجهزة المسؤولة في الدول التي تخضع لها. واعتبر راديو أوروبا الحرة أكبر المحطات السرية آنذاك.
د. تأثير نشرات الاستسلام:
اعتمدت هذه النشرات كوسيلة متممة لعمل الإذاعات، إلا أن استعمالها يتطلب كثيراً من الدقة بحيث يجب أن تكون قريبة جدا من الواقع والحقيقة ويجب أن يكون هدفها جعل جنود العدو، يفقدون ثقتهم بقادتهم، بغية حملهم على الاستسلام. وهكذا فإن استعمال هذه النشرات ارتبط بعدة شروط أساسية لنجاحها أهمها:
معرفة دقيقة جداً عن العدو وتحركاته، وحدة الدعاية والقدرة على الاتصال بكافة القوى، استعمال هذه النشرات بالوقت المناسب، وقد تعددت صور النشرات التي استعملت، فمن بيانات حررها جنود أسرى الحرب، إلى تطمينات لكل مستسلم في تطبيق أحكام اتفاقيات جنيف عليه، إلى النشرات الواعدة بالمعاملة الجيدة …. الخ. وقد استعملت النشرات في مجالات أخرى كالدعوة إلى ترك مناطق الخطر في مواعيد محددة، وتوجه إلى العسكريين والمدنيين، والهدف منها هو إحداث الفوضى وإرباك الخصم. (استعملتها إسرائيل في حرب ٢٠٠٦ بشكل واسع لإفراغ الجنوب من سكانه بهدف فرض أمر واقع ومنعهم من العودة لاحقا)
هـ. تأثير النشرات الصحفية:
اعتمدها الحلفاء في أوروبا بشكل واسع، وساعدهم في ذلك السياسة النازية القاضية في حينه بمنع الأخبار عن الجنود الألمان، مما دفعهم إلى تلقف أخبار الحرب من النشرات المعادية، وهدف الحلفاء في نشراتهم إضعاف قدرة المقاومة لدى العدو، وتأكيد فقدان الأمل بالنصر، والتشكيك في القضية والقادة الألمان. وبالنسبة إلى معسكرهم كان الهدف التأكيد على الإسراع في إنهاء الحرب، وإنقاذ حياة جنود الحلفاء.
2- عمليات وحوادث بارزة ساهمت فيها الحرب النفسية بشكل فاعل :
أ. عملية مينسميت:
استطاع الحلفاء في ربيع عام 1943، بتنفيذ هذه العملية أن يخدعوا الألمان فيما يتعلق بالمكان المراد مهاجمته في أوروبا. والخدعة باختصار كانت عبارة عن جثة إنسان بلباس ضابط بريطاني يدعى «ويليام مارتن»، أسقطت بعيداً عن شاطئ إسبانيا، بحيث تجرفها المياه إلى الشاطئ وتركت مستندات في جيوب الجثة تدل على أن الهجوم على صقلية، سيكون هجوماً وهمياً وأن الهجوم الحقيقي سوف يكون ضد سردينيا واليونان وافترضت الخطة أن الإسبان سيخيرون الألمان عن الأوراق التي عثر عليها في جيوب الضابط القتيل، وهكذا كان وكانت المستندات المستعملة بتوقيع “اللورد لويس مونتباتن” وموجهة إلى شمال أفريقيا، بين أوراق أخرى موقعة من بعض كبار الضباط. وانطلت الحيلة على الألمان واقتنعت المخابرات الألمانية بالمستندات المضبوطة، حتى أن هتلر نفسه آمن بصحتها، وأرسل المارشال “رومل” فعلا إلى اليونان، بدلا من صقلية التي كان يتوقع الهجوم الحقيقي عليها، وهكذا نقلت قوات المحور من الجنوب إلى الشمال “من صقلية إلى اليونان” مما أدى إلى إفراغ الجبهة أمام قوات الحلفاء في صقلية ودخلتها بيسر وسهولة بدون خسائر تذكر.
ب. عملية إيطاليا كومبات:
تعتبر من أهم العمليات التي تم تنفيذها في منطقة البحر المتوسط في أثناء الحرب العالمية الثانية، وتتلخص هذه العملية بإلقاء النشرات، وبث البيانات الإذاعية التي تهدف إلى إسداء النصائح، ورفع الروح المعنوية لوحدات المقاومة الإيطالية الموالية للحلفاء، والتي كانت تقوم بعمليات وراء خطوط الأعداء. وكانت قوات الحلفاء تسقط النشرات والجرائد والتعليمات بصورة دورية، وذلك منذ نزول الحلفاء على الأرض الإيطالية، وحتى نهاية القتال في إيطاليا، ولما كان من غير الممكن تغطية كافة المناطق بالنشرات، فقد استخدمت الإذاعة على الموجات القصيرة والمتوسطة لاستكمال العملية. في آذار سنة ١٩٤٤ وضعت عملية إيطاليا كومبات تحت إشراف «ألبرت سبالدنج» عازف الكمان الأمريكي المشهور لاستقطاب المستمعين، وكانت توجه إلى روما قبل تحريرها، وإلى جماعات المقاومة في شمال إيطاليا، وتذكر في أخبارها أسماء الجواسيس والمتعاملين مع العدو، فتعمل المقاومة على تصفيتهم.
وذكر التقرير الرسمي للحرب النفسية للحلفاء في منطقة البحر المتوسط والذي أعد خصيصاً لوزارة الحرب الأمريكية لاحقاً، أنه لا شك في أن عملية «إيطاليا كومبات» كان لها أثر هائل على النظام والسلوك العام الذي أظهرته جماعات المقاومة، قبل وبعد اختراق الحلفاء للبلاد.
ج. عملية برادوك:
خلال الحرب العالمية الثانية، قامت هيئة الحرب النفسية للحلفاء بعملية عسكرية نفسية أسمتها «عملية برادوك» وكان الهدف منها زيادة خطر ملايين العمال الأجانب في ألمانيا على هيئة الأمن الداخلي الألماني شملت العملية إسقاط حوالي خمسة ملايين رزمة من المتفجرات المحرقة الموقوتة بأحجام صغيرة على مناطق ألمانيا والنمسا، حيث كان العمال الأجانب يتجمعون، وكانت كل رزمة تتضمن بطاقة تعليمات، تشرح طريقة – استعمالها، ومكتوبة بتسع لغات، إضافة إلى دليل يشير إلى الأهداف المحتملة. رافق عملية الإسقاط هذه حملة إذاعية واسعة، تدعو إلى حمل السلاح، وكان هدف عملية برادوك الاستفادة من أعمال التخريب الفعلية التي دعت العمال الأجانب للقيام بها بأكبر قدر ممكن لتحطيم أعصاب قوى الأمن الألمانية إلى أقصى درجة ممكنة.
وأفادت التقارير التي وردت إلى الحلفاء في حينه، من العواصم المحايدة مثل استوكهولم، إلى أن النداء الإذاعي أقلق المسؤولين الألمان، وشغل إدارة الأمن الألمانية وجعلها في حالة مستمرة من الخوف والترقب، حتى شهر نيسان سنة 1945، عندما اتضح أن نهاية الحرب أصبحت قريبة.
د. عملية الدولار الأمريكي:
في السادس عشر من نيسان سنة 1953، وقبل توقف القتال كوريا بخمسة عشر أسبوعا، استخدم سلاح الجو الأمريكي سلاحاً جديداً أثبت فاعليته وكنتيجة مباشرة لاستخدام هذا السلاح ظلت جميع طائرات الميغ التابعة للجانب الكوري على الأرض لا تحلق لمدة ثمانية أيام، وحتى بعد أن بدأت الطائرات في التحليق من جديد كان أقل بكثير من ذي قبل. ولم يكن السلاح الجديد سلاحا الكترونيا جديدا ولم يكن مادة متفجرة ذات قوة فائقة ، ولم يكن جهازاً فنياً من أي نوع، ولكنه كان فكرة في العمل وهجوماً نفسياً على الطرف الآخر، ولقد أطلق على السلاح الجديد اسم «عملية مولاه»، والسلاح هو عرض مكافأة قدرها خمسون ألف دولار لأي طيار كوري يسلم طائرة ميغ إلى قوات الأمم المتحدة إضافة إلى خمسون ألف دولار لأول طيار يقوم بهذا العمل، وهكذا استطاع الأمريكيون تحجيم خسائرهم لفترة، بعد أن ضغطوا بهذه العملية النفسية على عقول القادة الكوريين اضطرهم لإعادة تقييم طياريهم من جديد خوفاً من وجود بعض ضعاف النفوس بينهم.
3 – حروب حسمتها الوسائل النفسية أو ساهمت بقيامها:
أ. حرب السوديت: 25/11/ 1937طلب هتلر في اجتماع سري مع كبار المسؤولين عن الجيش والدبلوماسية الألمانية إعداد الخطط للعمل على توسيع المدى الحيوي لألمانيا، وتحديداً لضم النمسا ومناطق السوديت في تشيكوسلوفاكيا، معتبراً أن الوقت مناسب أوروبيا. وشعرت الحكومة التشيكية بالخطر، فاستنجدت بحلفائها الفرنسيين والروس والإنكليز، حيث قام وزير خارجية فرنسا في حينه ديلبوس، بزيارة براغ في 15 كانون الأول عام 1937، وأكد على تعهدات فرنسا تجاه تشيكوسلوفاكيا إلا أنه استبدل في نيسان ۱۹۳۸ بـ ” جورج بونيت “، الذي طالب مع وزير خارجية بريطانيا “شامبرلين ” تشيكوسلوفاكيا بالاعتماد على المفاوضات. وأعلنت تشيكوسلوفاكيا التعبئة في ٢٠ أيار ١٩٣٨، لشعورها بدنو الهجوم الألماني، وأعلنت بريطانيا أنها لن تتدخل، إلا إذا تعرضت فرنسا لهجوم، وطالب وزير الخارجية الروسي ” ليتفينوف”، بحق المرور في بولونيا، كي تتدخل روسيا وتم الاتفاق أخيرا على إيفاد مبعوث مستقل في مهمة استعلام ودراسة إلى براغ، وكان اللورد “رانسيمان”.
رفضت ألمانيا أي اتصال معه، بحجة أن المسألة داخلية ولا شأن لها بها. وعدلت حكومة التشيك الدستور تحت الضغط، وأعطت الألمان في السوديت الحكم الذاتي، غير أن حزب الألمان السوديت، وبتحريض من الألمان تابع إثارة الاضطرابات والحوادث في المنطقة، وطلب هتلر ضم السوديت إلى ألمانيا. وفي اجتماع في لندن بين الحكومة البريطانية والحكومة الفرنسية تم الإذعان لضغوط هتلر والموافقة على ضم أراضي السوديت إلى ألمانيا. وأفهمت تشيكوسلوفاكيا على أنه عليها التخلي عن جزء من أراضيها إلى ألمانيا. اعترضت تشيكوسلوفاكيا على هذه الخطوة ولكنها أدركت أنه عليها الاعتماد على نفسها في حال رفضها الاقتراح. وفي ٢٦ أيلول ۱۹۳۸ وفي مهرجان ضخم أعلن هتلر من برلين في خطاب عنيف فقدان صبر ألمانيا واستعدادها للقتال. ونتيجة لذلك، عقد مؤتمر في “ميونيج” حضره كل من ممثلي: ألمانيا. إيطاليا. بريطانيا. وتمت الموافقة على انسحاب تشيكوسلوفاكيا من أراضيها في السوديت، دون أي تعويض. ووافقت تشيكوسلوفاكيا مرغمة لكثرة ما تعرضت له من ضغوط نفسية نتيجة التجاذب بين القلق من الحرب وإرادة السلام، وكنتيجة حتمية لاستعمال ألمانيا علوم الحرب النفسية ببراعة، وهكذا ربحت ألمانيا معركة السوديت، ودخلت جيوشها هذه المنطقة في 10 تشرين الأول ١٩٣٨، دون أن تطلق رصاصة واحدة.
ب. حرب جزر الفوكلاند «المالوين»:
دعاها بعض المؤرخين بالحرب الخيالية أو الوهمية، نسبة للثمن الذي دفعته كل من بريطانيا والأرجنتين في سبيلها، قياساً على قلة الأهمية الاستراتيجية للجزر. تقع جزر المالوين في الجنوب الغربي للمحيط الأطلسي، على مسافة 400 كم من الشواطئ الأرجنتينية، بعد مطالبة دائمة من الأرجنتين بالجزر، ورفض بريطانيا. احتلت القوات الأرجنتينية هذه الجزر في 2/4/1982 بعد أسر القوة البريطانية الصغيرة الموجودة فيها دون أية إصابة.
تعمدت وسائل الإعلام البريطانية بإيعاز من الحكومة، إبراز صورة الجنود الرافعي الأيدي، أو المنبطحين أرضاً على وجوههم، لإثارة حماسة القتال لدى الشعب، وثابرت الوسائل الإعلامية، بطريقة مدروسة، على الدعوة إلى إزالة الإهانة التي لحقت بالأمة الإنكليزية جمعاء، مما دفع بحكومة مارغريت تاتشر «المرأة الحديدية» إلى اتخاذ القرار بطرد الأرجنتينيين بالقوة، وإذا تأملنا كلفة تحرك القوات فقط، فإنها تفوق بقيمتها المردود الاقتصادي للجزر لمئات الأعوام، ومع هذا، فإن الشعب الإنكليزي أيد الحكومة في قرارها. هذا الشعب الذي كان يطالب بتخفيض النفقات الملكية، وبمراقبة الإنفاق الحكومي، هو نفسه دعم الإنفاق العسكري، دون شرط أو انتقاد، نتيجة توظيف الدعاية لصالح تجييش الشعب، وإذا ما استطلعنا الخسائر الجسيمة التي تكبدتها البحرية الإنكليزية، والتي لم تعلن قيمتها.
كل ذلك يدل على أن الحكومة البريطانية، قد استعملت ببراعة علم الحرب النفسية لإطلاق يدها في حرب فعلية بعيدة كل البعد عن الأراضي الوطنية، ودون أي تهديد فعلي لأمنها القومي. وخاضت هذه الحرب بكلفة مرتفعة وغير مبررة، ولم يكن هناك من يحاسبها، أو لم يتجرأ، لأن المناخ الذي أوجدته الوسائل النفسية لم يكن ليسمح بأي انتقاد، لئلا يخالف الرأي المهيمن، ويصنف كخائن، وهكذا كانت الحرب الدعائية النفسية السبب المباشر لموافقة الشعب على الحرب.
ج. معركة المسلمين في فتح مكة:
يعتبر الرسول محمد (ص) أول قائد عسكري في التاريخ يكسب معركة كاملة بالحرب النفسية وحدها، وذلك في معركة مكة، فقد كان حريصا في فتح مكة بالذات ألا يريق نقطة دم وألا يستعمل السلاح في هذا الحرم المقدس. حتى لا تكون تلك سابقة لانتهاك حرمة الكعبة، وقد اتبع الرسول (ص) في ذلك أسلوبا فريدا:
– فقد جعل الفتح سراً لا يعرفه أحد سوى الخاصة من القادة حتى يضمن عنصر المفاجأة.
– وقطع المسافة بين المدينة ومكة مرحلة واحدة دون راحة حتى يصل قبل أن تعرف بأمره استخبارات قريش.
– ووصل في الليل فحاصر مكة من كل جانب بعشرة آلاف جندي رابط بهم على سفوح الجبال.
– وأمر الجنود أن يشعل كل واحد منهم ناراً عالية وأوهمهم السكان بأن عدد الجند أكبر من ذلك بكثير لأن العرف جرى أن النار الواحدة تكفي عشرة جنود.
وعندما حضر أبو سفيان للتفاوض مع الرسول (ص) انتظر في خيمة دون أن يكلمه أحد، ثم طلب من عمه العباس أن يصطحبه ليرى استعراض جيش المسلمين وهم يهتفون هتافاتهم الإسلامية التي تشق عنان السماء، ورأى الكتيبة الخضراء من أصحاب الرسول (ص) في ملابسهم المتناسقة ونظامهم الدقيق حتى قال للعباس “والله يا عباس… إنه لا قدرة لأحد على هؤلاء”.
وأخيرا بعد أن بلغ به الانبهار والانهيار النفسي مبلغه، أكرمه الرسول (ص) بأن جعل كل من دخل بيته آمنا. وبذلك سلمت مكة دون قتال.
كل هذا التكتيك الحربي كان بمثابة دروس يلقيها الرسول (ص) على القادة من اتباع أمته، حتى يعملوا بالحرب النفسية على كسب المعارك بأقل قدر من الخسائر سواء من بين جنودهم أو جنود عدوهم، لأن رسالة الاسلام ليست في القتل والخراب، ولكنها في الهداية وكسب القلوب.
سابعاً: نظرية “التأطير” وتأثير الحرب النفسية على القرارات الداخلية للدول.
أدى تطور وسائل الإعلام والاتصال إلى جعل العالم قرية صغيرة، فإن كانت السياسة تمكن السياسيين من التحكم في الدول التي انتخبوا فيها، فإن الإعلام السياسي وسع من رقعة تحكمهم لتشمل العالم أجمع وهذا ما يسمى بعولمة الإعلام السياسي.
ويرى ابن خلدون في مقدمته المشهورة أن السياسة قد تكون رديئة وظالمة أو تكون جدية وعادلة وشرعية، فتكون ظالمة إذا كانت تستخدم كوسيلة للظلم والاستبداد ولتحقيق المصلحة الخاصة على حساب المصلحة العامة وتكون شرعية إذا كانت قائمة على العدل وتعمل للمصلحة العامة.
ويعتبر فرع الإعلام السياسي POLITICAL COMMUNICATION من الفروع الراسخة في مجال الإعلام منذ بدء العلاقة ما بين الجمهور بفئاته المختلفة ووسائل الاتصال المتعددة.
ويعتقد البعض خطأ أن العلاقة ما بين السياسة والإعلام هي علاقة تبعية أي أن السياسيين يقومون بإعداد برامجهم وخططهم الحزبية وتقديمها في شكل خطابات وتجمعات جماهيرية يغطيها الإعلام بكل بساطة. إلا أن السياسة حاليا لم تعد بتلك البساطة حيث أنها تبدأ وتنتهي في العديد من الأحيان في الخفاء بعيدا عن أعين الجماهير والإعلام ويغلفها التكتم ويحيط بها الصمت وهي أمور لا تعني الشعب حسب السياسيين.
في هذا المجال يمكن أن نذكر نظرية غوبلز (وزير الدعاية الألماني إبان حكم هتلر)، وهي نظرية التأطير حيث كان هذا الأخير يقول مقولته الشهيرة (اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس)،
كما أن هتلر كان يقول “لو كان لدي مائة دولار لصرفت جلها على الدعاية وأبقيت القليل منها للأمور الأخرى”.
وتعتمد نظرية التأطير على وضع الأحداث والأشخاص في إطار معين مع تغييب العوامل التي لا تخدم مصلحة الطرف المتحكم في الإعلام وتحوير المعلومات التي تصله مما يقود الطرف المتلقي إلى اتخاذ أحكام وفق ما تصنعه نظرية التأطير.
مثال: ﺗﺸﺮﺏ ﺷﺎﻱ ﺃﻭ ﻗﻬﻮﺓ؟
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺰﻭﺭ ﺻﺪﻳﻘﺎ ﻟﻚ ﻓﻲ ﺑﻴﺘﻪ ﻭﻳﺴﺄﻟﻚ هذا السؤال ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ ﺃﻥ ﻳﺨﻄﺮ ﺑﺒﺎﻟﻚ ﺃﻥ ﺗﻄﻠﺐ ﻋﺼﻴﺮﺍ ـ مثلا ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﻳﺴﻤﻰ: ﺃﺳﻠﻮﺏ ﺍﻟﺘﺄﻃﻴﺮ، ﻓﻬﻮ ﻗﺪ ﺟﻌﻞ ﻋﻘﻠﻚ ﻳﻨﺤﺼﺮ ﻓﻲ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭﺍﺕ ﻣﺤﺪﺩﺓ ﻓﺮﺿﺖ ﻋﻠﻴﻚ ﻻ ﺇﺭﺍﺩﻳا ﻭﻣﻨﻌﺖ ﻋﻘﻠﻚ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻻﺧﺘﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻤﺘﺎﺣﺔ.
ﺑﻌﻀﻨﺎ ﻳﻤﺎﺭﺱ ﺫﻟﻚ ﺑﺪﻭﻥ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﻭﺑﻌﻀﻨﺎ ﻳﻔﻌﻠﻪ ﺑﻬﻨﺪﺳﺔ ﻭﺫﻛﺎﺀ ﻭﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﻤﺎﺭﺱ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﺳﻠﻮﺏ ﺑﻘﺼﺪ ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺃﺟﻌﻠﻚ ﺗﺨﺘﺎﺭ ﻣﺎ ﺃﺭﻳﺪ ﺃﻧﺎ ﺑﺪﻭﻥ ﺃﻥ ﺗﺸﻌﺮ ﺃﻧﺖ.
ﻭﻧﻔﺲ ﺍﻷﺳﻠﻮﺏ ﻳﺴﺘﺨﺪﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻭﺍﻹﻋﻼﻡ، ﻓﻔﻲ ﺣﺎﺩﺙ ﺗﺤﻄﻢ ﻃﺎﺋﺮﺓ ﺗﺠﺴﺲ ﺃﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻷﺟﻮﺍﺀ ﺍﻟﺼﻴﻨﻴﺔ ﻭﺑﻌﺪ ﺗﻮﺗﺮ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺒﻠﺪﻳﻦ ﺧﺮﺝ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻲ ﻭﻗﺎﻝ: ﺇﻥ ﺍﻹﺩﺍﺭﺓ ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﺗﺴﺘﻨﻜﺮ ﺗﺄﺧﺮ ﺍﻟﺼﻴﻦ ﻓﻲ ﺗﺴﻠﻴﻢ ﺍﻟﻄﺎﺋﺮﺓ ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ، ﺟﺎﺀ ﺍﻟﺮﺩ ﻗﺎﺳﻲ ﻣﻦ ﺍﻹﺩﺍﺭﺓ ﺍﻟﺼﻴﻨﻴﺔ ﺑﺄﻧﻬﻢ ﺳﻮﻑ ﻳﻘﻮﻣﻮﻥ ﺑﺘﻔﺘﻴﺶ ﺍﻟﻄﺎﺋﺮﺓ ﻟﻠﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺃﺟﻬﺰﺓ ﺗﺼﻨﺖ ﻗﺒﻞ ﺗﺴﻠﻴﻤﻬﺎ!
ثامناً: الخاتمة.
لقد تبين من خلال البحث، أن نجاح الحرب النفسية ضد الطرف المعادي، يقتضي دراسته دراسة عميقة موضوعية، لمعرفة مقوماته الشخصية، من دين ولغة وتاريخ وأهداف وأسلوب حياة، ونظام اجتماعي وتركيب اقتصادي، وميراث ثقافي وحضاري. وكذلك معرفة المبادئ النفسية، والمقدرة على تطبيقها، وبدون هذه المعرفة والدراسة لا يمكن التأثير على العدو، أو كسب الحرب النفسية ضده، والعكس صحيح، عند التخطيط ضد الحرب النفسية، من حيث إخفاء كل ما يفيده. وهي بهذا المعنى «حرب هجومية دفاعية يخوضها الجيش بأسلحة فكرية، وعاطفية، وسيكولوجية من أجل تحطيم معنويات جيش العدو».
يمكن أحيانا التصدي لعمليات الحرب النفسية التي يشنها الخصم بسهولة من خلال إجراءات تقليدية، لكن إذا ما كانت هذه العمليات على قدر عال من الكفاءة، حيث تكون الأساليب المستخدمة في غاية التعقيد والتمويه، فستكون مقاومتها في غاية الصعوبة، وتتطلب كفاءات دفاعية تضاهي العمليات الهجومية التي يشنها العدو لاختراق الصفوف المعنوية.
————————————————
مصادر ومراجع البحث:
- الحرب النفسية ترجمة لبيب الهيمة. دار الثقافة الجديد. القاهرة.
- الحرب النفسية، معركة الكلمة والمعتقد، صلاح نصر – مطبعة الوطن العربي، الطبعة الثانية.
- الاعلام الدولي والدعاية، فتحي الإبياري، القاهرة.
- أعلام نهضة العرب – القرن العشرين، جميل عويدات.
- الاتصال بالجماهير والدعاية الدولية، أحمد بدر، الكويت، دار القلم.
- الاتصال والإعلام في المجتمعات المعاصرة، د. صالح ابو أصبع، دار آرام، الأردن.
- السلم المسلح، غاستون بوتول، ترجمة أكرم ديري، محمد المعري.
- حرب الجاسوسية، د. حمدي مصطفى، دار الوثبة.
- التجسس العالمي الجديد عبر القضاء والأقمار الصناعية، غراهام بوست، ترجمة دار الرشيد، سورية.
- الحرب بين الماضي والحاضر، محمد عبد الفتاح إبراهيم، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة.
- أشهر الجمعيات السرية في التاريخ، دار الكاتب العربي، لبنان.