فايز سارة

كاتب وسياسي سوري

مختصرات الوجود الأجنبي في سوريا

ليس من باب المبالغة قول، أن الوجود الأجنبي في سوريا، عصي على الحصر، وأن أطرافه أكثر من أن تعد، والأسباب في ذلك كثيرة، لعل الأبرز فيها استدعاء نظام الأسد لقوى تمنع سقوطه وتحافظ على بقائه بينها ايران ومليشياتها وروسيا، ولا في حالة افلات المراكز الحدودية، التي قام بها النظام في سياق سعيه لتوسيع الصراع وتعدد اطرافه، ثم تابعتها التشكيلات المسلحة، بحيث صار بإمكان من رغب من مليشيات وأجهزة مخابرات بالدخول والخروج الكيفي، وثمة سبب ثالث، تمثله رغبة بعض الأطراف الإقليمية والدولية في ان يكون لها موطئ قدم على الأرض، ويكون لها صوت في تقرير مستقبل سوريا، ونيل حصة من الكعكة حين يتحلق الحاضرون لاقتسامها، وقد ترتب على دخول قوى فاعلة ومؤثرة في القضية السورية مثل الولايات المتحدة، أن صارت مظلة دخلت تحت جناحها أكثر من عشرين دولة بينها دول عربية واوربية، انتظمت عام 2014 فيما سمي التحالف الدولي لمحاربة داعش، وكان ذلك احد أسباب زيادة عدد المتدخلين الأجانب في سوريا.

وسط تنوع وتعدد حالات التدخل الأجنبي، يمكن ملاحظة نوعين منها، أولهما الوجود العميق، وهو ما تتصف به أربعة من الحالات، يمثلها وجود روسيا وايران وتركيا والولايات المتحدة، والثاني وجود شكلي، أبرز تعبير عنه وجود الدول المشاركة في تحالف محاربة “داعش”، وفي حين ان الأول له تأثير قوي وفعال على واقع ومستقبل سوريا، فإن الثاني ليس لأطرافه تأثير إلا في موضوع وجود ونشاط “داعش” وانطلاق نشاطاته من سوريا، لكن يمكن لبعض دوله، ان تذهب لاحقاً الى ممارسة دور أكبر في مستقبل سوريا بسبب ما تتمتع به من قدرات وإمكانيات، ونتيجة ما يربطها بسوريا من روابط وعلاقات والاشارة هنا الى دول بينها المملكة العربية السعودية وفرنسا.

ويستحق واقع الوجود العميق للأطراف الأجنبية في سوريا التوقف عند توصيف مختصر لها، خاصة في ظل عوامل تحيط بوجودها ابرزها اثنان، الأول ان لها وجود عسكري مسلح مدعوم بقدرات وامكانيات استراتيجية سواء في المستوى الإقليمي او العالمي، والثاني انها أسست وربطت جماعات محلية بوجودها، ونظمتها في أطر متعددة متنوعة للاستفادة منها في فصول الصراع السوري وحول سوريا.

وسط المشتركات العامة للوجود الأجنبي العميق في سوريا، لابد من توقف سريع عند مختصرات كل واحد منها في توافقاتها وتمايزاتها وبالتالي رؤية احتمالاتها في مستقبل سوريا.

اول قوى الوجود الأجنبي في سوريا، هي روسيا المحسوبة بين القوى العظمى في العالم، والتي شكل تدخلها في سوريا عامل حسم في منع سقوط نظام الأسد، وتعمل على إعادة تأهيله وتسويق عودته الى المجتمع الدولي، ويشكل دعمها لنظام الأسد بالتشارك مع إيران بوابة مصالح استراتيجية كبرى ابرز أهدافها تأمين وجود مباشر في شرق المتوسط سواء عبر قواعد بحرية وجوية في الساحل السوري إضافة الى قواعد برية موزعة في مناطق سيطرة نظام الأسد، كما ان وجود روسيا في سوريا، يوفر لها مدخل الى علاقات مختلفة في المحيط العربي – الإسلامي، ولا شك أن علاقات روسيا مع اغلب البلدان العربية، أصبحت مختلفة عما كانت عليه قبل ذلك، وفي جانب المصالح الروسية المباشرة، فان روسيا حصلت على اتفاقات ومزايا وتسهيلات كثيرة، تشمل المجالات السياسية والعسكرية والاستثمارية، تضمن لها عدا الوجود المؤثر مكاسب متعددة وحاضنة شعبية وسط مؤيدي النظام.

ويحتل وجود إيران العميق في سوريا أهمية كبيرة بالنسبة لطهران، ليس بسبب ما يعطيه لها من قوة ومكانتها في الإقليم، بل أيضا بما يمثله في أهداف استراتيجيتها التمدد والسيطرة عبر مختلف الوسائل، وتعتبر سوريا أحد أهم واقدم حلقات استراتيجية إيران، وهي تكمل “الهلال الشيعي” وفي قلبه انطلاقاً من طهران الى بغداد مروراً بدمشق وصولاً الى لبنان على ساحل المتوسط.

ولان سوريا بمثل هذه الأهمية، فقد وفرت ايران كل الاحتياجات من اجل تكريس وجودها هناك بكل الأشكال الممكنة، فجلبت مليشيات من لبنان والعراق وأفغانستان، وقواتها للقتال ضد الشعب السوري، وكثفت حضورها في كل مجالات الحياة وفي المستويين الرسمي والشعبي، حيث خلقت لنفسها امتدادات في السلطة والمجتمع، لا تجعلها تؤثر على قرارات النظام حالياً، بل تبني قواعد تأثير راهنة ومستقبلية وسط السوريين عبر عمليات التشييع من جهة وإقامة التنظيمات الأيديولوجية المسلحة التابعة لها من جهة ثانية، وامتد اثر الوجود الإيراني العميق الى توقيع إيران على اتفاقات مع نظام الأسد، شملت مختلف الأنشطة لدرجة بات بمقدورها العمل بصورة مستقلة او بأدنى درجات التنسيق والتواصل مع مؤسسات النظام وأجهزته، وصارت سوريا، وكأنها ولاية ايرانية، كما جاء في تصريحات مسؤولين إيرانيين مرات كثيرة.

وإذا كان الروس والايرانيون حلفاء النظام بوصفهما قوى تأثير عميق في سوريا، فان تأثير طرفين آخرين مصنفين في عداد خصوم النظام وهما تركيا والولايات المتحدة، يقارب  ما للروس والإيرانيين من تأثير في مستقبل سوريا إضافة لما يملكانه من تأثير في الواقع الحالي لشمال سوريا حيث مناطق سيطرة واشنطن وحلفائها في شرق الفرات، ومناطق سيطرة تركيا وحلفائها في الشمال الغربي.

تمتد الحدود التركية – السورية لأكثر من ثمانمائة كيلو متر، وتحيط بها من الجانبين أكثر قضايا البلدين حساسية وفيها ثلاث ملفات، يتعلق اولها بموضوع المياه والثاني بالأرض المختلف عليها، والثالث بالسكان الموزعين على جانبي الحدود وابرزهم الاكراد، وقد شكلوا هاجساً سياسياً وامنياً للسلطات على مدار عقود، وصعدت التطورات الميدانية في السنوات الأخيرة من الهواجس التركية بفعل تحركات حزب العمال التركي(PKK) وشقه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD)، التي جعلت من شمال سوريا خطراً على تركيا، وقد صارت الأخيرة اكثر قدرة في تأثيرها السوري المعزز أولا بموقفها المناهض لسياسات الأسد، ودعم معارضيه، ثم في تدخلها العسكري المتكرر وخاصة في عملية درع الفرات، التي استهدفت تحجيم وقف تمدد كرد (PYD) وتحالفه السوري.

وباستثناء حضور تركيا في القضية السورية كقوة إقليمية ناهضة ومجاورة، فقد كرستها السنوات الأخيرة واحدة من قوى الوجود العسكري العميق، قبل ان يضاف الى ما سبق حضور سياسي – اقتصادي، وثقافي -اجتماعي في الشمال الغربي وفي مجمل القضية السورية حالياً وفي المدى المنظور.

اخر اطراف الوجود العميق واهمها هو الولايات المتحدة، التي وان كان وجودها العسكري المباشر محدوداً بمئات من الجنود، فانه يستند الى مكانتها وقدراتها من جهة والى تحالفاتها في سوريا سواء عبر قيادة التحالف الدولي ضد “داعش” او في ادارتها لتحالف محلي مع قوى وجماعات مسلحة سورية أكبرها واهمها تحالف قوات سوريا الديمقراطية الذي يقوده كرد(PYD)، مما جعل السيادة الأميركية غير المباشرة، تمتد عبر حلفاء محليين الى نحو ثلث مساحة سوريا، وتتحكم بأكبر كمية من المياه والأراضي الزراعية وفيها العدد الأكبر من حقول النفط والغاز.

واقع الوجود الأميركي في سوريا، يجعلها الدولة الأكثر تأثيراً في القضية، لكن عزوفها عن القيام بدور نشط وفاعل اعطى روسيا هذه المكانة، دون ان يعطي الأخيرة قدرة على حل وحسم في القضية، التي لابد ان تقول واشنطن فيها كلمة الارجحية، ان لم نقل كلمة اقرب الى الحسم، خاصة وانها ستكون مدعومة من قوى  حليفة عربية وغربية كثيرة.

خلاصة الامر في الوجود الأجنبي، انه بات صاحب التأثير الحاسم في القصية السورية، ولان الاختلاف والخلاف قائم بين اطرافه، فان يحتاج الى وقت، تتغير فيه بعض وقائع ميدانية او سياسية تحيط به سواء بفعل صراعات وصدامات، او عبر تسويات وتوافقات، قبل الانتقال الى فرص حل القضية السورية، وحتى يحين ذلك الوقت، فان السوريين سيظلون في محيط المعاناة من أثار الكارثة التي دفعهم الى أتونها نظام الأسد، ثم انضم اليه الإيرانيون والروس، وسط صمت العالم وعدم اهتمامه الكافي.

المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها.

%d مدونون معجبون بهذه: