حسن النيفي

باحث وكاتب سوري

الموقف الغربي الجديد من روسيا.. هل يمكن استثماره في المشهد السوري؟

ما من شك بأن أنظار العالم أجمع تتجه نحو ما يجري على الحدود الغربية لروسيا الاتحادية، ليس لأن أوكرانيا تحتلّ جانباً مركزياً من المصالح العالمية من شأنها أن تتعرض للخطر نتيجة الاجتياح الروسي، وليس لسبب أخلاقي يجعل الضمير العالمي يستيقظ من رقاده على هدير طائرات بوتين ودويّ قاذفاته وصواريخه، بل لأن الخطوة الروسية بالاتجاه نحو احتلال أوكرانيا هي خطوة في الوقت ذاته لتغيير خارطة السياسة الدولية برمتها، بل يمكن التأكيد على أن مسعى بوتين استرداد الإرث الشيوعي بغيةَ إعادة إنتاجه من جديد هو ما يخيف الغرب على وجه الخصوص. إذ في الوقت الذي تمضي فيه الولايات المتحدة الأمريكية في الانكفاء نحو الداخل الأمريكي، ساعية إلى الحدّ من تدخلاتها العسكرية المباشرة في بؤر النزاعات التي تجري في العالم، وكذلك في الوقت الذي تعكف أوربا على معالجة اقتصادياتها الشائخة، وترميم ما أحدثته جائحة كورونا من خلخلةٍ في بناها الاقتصادية والتجارية، بينما الأمر كذلك، يظهر الرئيس الروسي فلادمير بوتين، وكأنه يطلق صافرة إنذار توعز للعالم الغربي أن يتوقف، لتغيير حساباته واستراتيجياته، ملوّحاً لهم بأن ( البلطجة الروسية ) ربما لا يمكنها إعادة هندسة العالم، وقيادته نحو المزيد من الإعمار والتقدم وتحقيق الرفاهية للشعوب، ولكنها تستطيع التخريب والإعاقة وتشطيب الخرائط التقليدية للسياسة في العالم، وبهذا تكون ( الزعرنة البوتينية) قد أفلحت في إحراج واشنطن، ومن خلفها أوربا، ووضعتهم أمام خيارين أحلاهما مرُّ، كما يقال، فإمّا الاكتفاء بالإدانة والشجب والتنديد بالزحف الروسي نحو أوكرانيا، وإمّا التدخل العسكري ودخول الناتو في مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا، وهذا ما تتحاشى واشنطن وشركاؤها الأوربيون اللجوء إليه، أمّا مسألة العقوبات الأخرى بمختلف أشكالها، والتي باتت تنهمر على روسيا من كل حدب وصوب، فإنه من المبكّر الحديث بجدواها الحقيقي، لأن التداعيات الميدانية التي تحصل على الأرض هي أسرع بكثير من حصول نتائج مُرتقبة لتلك العقوبات.

ما من ريب على الإطلاق، في أن أنظار السوريين التي ترصد بكل اهتمام ما يجري في أوكرانيا، إنما تُضمِر وراء ذلك الاهتمام سؤالاً لا يفارق الجميع: ما نصيب القضية السورية من ارتدادات المعارك الروسية الأوكرانية أولاً، بل لعلّ الأهم هو: ما طبيعة الآثار التي سيتركها الصراع الجديد بين روسيا والغرب على القضية السورية؟

وبقدر ما يحمل هذا السؤال من مشروعية، إلّا أنه ينطوي من جهة أخرى على مفارقة ربما تبدو مؤلمة، إذ إنه من الطبيعي أن تكون العلاقة بين الروس والغرب بعد أزمة أوكرانيا، ليس كما قبلها، أي سيكون لواشنطن وحلفاؤها الغربيون موقف جديد من روسيا حيال جميع القضايا في العالم، ومن شأن هذا الموقف الغربي المتجدد أن ينعكس بطريقة إيجابية على القضية السورية على وجه الخصوص، ولكن هذا الانعكاس لن يحصل أوتوماتيكياً، أو بطريقة آلية كما يتوهم الكثيرون، بل ربما كان حصوله بحاجة إلى عملية استيلاد جديدة، أو لنقل : حتى يكون الموقف الغربي الجديد مسانداً للقضية السورية أكثر من ذي قبل، فإن هذا يوجب على أصحاب القضية السورية ( قادة المعارضة والكيانات الرسمية) أن تكون لديهم القدرة على التفاعل الجدّي والمؤثر مع المواقف الدولية الجديدة، ما يعني أيضاً أن تستطيع المعارضة السورية امتلاكاً ولو كان نسبياً لقرارها الوطني، بغيةَ التحلّل من القيود والارتهانات السابقة للمواقف والأجندات الخارجية، واعتماد أجندات جديدة تنبثق من المصلحة الوطنية السورية بالدرجة الأولى. وبناء على ذلك، هل تمتلك قيادات المعارضة السورية (الإئتلاف وهيئة التفاوض واللجنة الدستورية) الجرأة الكافية والشجاعة للشروع في إعادة النظر في المسارات السياسية السابقة ( أستانا – اللجنة الدستورية) وتخرج بتقييمات ومراجعات صريحة وغير مداهنة، وتتخذ – بناء على تلك المراجعات – موقفاً يفضي إلى تعليق مشاركتها في المسار العقيم للجنة الدستورية؟ وهل يمكن لها أن تصدر قراراً يؤكّد على رفضها لمجمل الالتفافات الروسية على القرارات الأممية، والتأكيد على تراتبية الحل السياسي كما جاء في القرار الدولي ( 2118 ) الذي يؤكّد بأن ( العملية السياسية تبدأ بإنشاء هيئة حكم انتقالي)، وليس بلجنة دستورية كما أرادها الروس ونظام الأسد، وهل تستطيع قيادة ( الجيش الوطني ) المتواجد في الشمال، والشمال الشرقي من سورية اتخاذ قرار بالردّ على أي عدوان جوي يستهدف المدنيين سواء من الروس أو نظام الأسد؟ وكذلك هل تستطيع قيادات المعارضة السورية أن تعيد النظر في موقفها من قضية الإفراج عن المعتقلين في سجون الأسد – كشرط إنساني فوق تفاوضي – وتجعل من هذه القضية شرطاً ملزم التنفيذ قبل أي خطوة تجاه التفاوض؟

ربما كان الدافع من استحضار تلك التساؤلات السابقة وسواها هو القناعة التامة بأن أهداف الثورات وتطلعات الشعوب لا يمكن لها أن تتحقق بالوكالة، بل لا بدّ أن ينهض بها أصحابها الحقيقيون والمعنيون بها، ولعل حالة الارتهان التي تحيط بالقرار الوطني السوري، وكذلك حالة الاستلاب التي تشل قرار المعارضة السورية، باتت هي العائق الأكبر أمام أي تحوّل في المواقف الدولية، يمكن أن نتوقع حدوثه.

يمكن التأكيد على أن ثمة إمكانية في السعي لاستثمار الموقف الغربي من الغزو الروسي لأوكرانيا، سواء على المستوى السياسي أو العسكري بآن معاً، ولكن بالتأكيد إن انتظار نتائج إيجابية وملموسة لهكذا استثمار مرتقب، أو لهكذا تحوّل في الموقف الدولي، على أصحاب القضية أن يثبتوا للعالم أنهم قادرون على التفاعل بحرية وبدون وصاية مع المواقف التي يرجونها من الآخرين.

المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها

%d مدونون معجبون بهذه: