حسين علي البسيس

محامي سوري-عضو المجلس التأسيسي لحزب بناة سوريا

الفساد القضائي في الميزان

في كل دول العالم التي تتمتع شعوبها بالحرية والديمقراطية واحترام حقوق الانسان نتيجة الفصل الحقيقي بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية التي تدير الدولة بشكل عام وان السلطة القضائية من بين تلك السلطات لها ديناميكية خاصة تمتاز بها من بين السلطات الثلاث عدا انها جزء في هيكل بناء الدولة إلا انها تعتبر ضمانة أساسية لتطبيق القانون وإعطاء كل ذي حق حقه فبدون قضاء عادل يتحول أي بلد في العالم الى غابة يأكل القوي الضعيف فهي السلطة التي يوكل إليها تطبيق نصوص القانون ومحاسبة من يتجاوز تلك النصوص القانونية المكتوبة وكذلك تحقيق رقابة دائمة على مؤسسات الدولة .فالبلاد يقاس تقدمها بعدد مثقفيها وتطبيقها واحترامها للقانون. فالذي يريد بناء بلد حقيقي يسوده العدل يتوجب عليه إيجاد مؤسسة قضائية عادلة صحيحة يديرها رجال قانون أكفاء من أصحاب الايادي النظيفة لا سلطان عليهم الا مخافة الله وتطبيقهم للقانون بوجدان وضمير حي. وهذا هو ما يطمح اليه الشعب في أي دولة كانت. إلا أنه يحدث ان يصاب الجسم بأمراض خطيرة قد تؤدي إلى التهلكة وكذلك الدولة في حال أصابها مرض. وهذا المرض هو الفساد بشكله المعروف وبمفهومه المتداول فنهاية المطاف سيؤدي لانهيار تدريجي للدولة. والأدهى والأمرّ هو ان كان هذا الفساد داخل الجسم القضائي. حيث يعرف الفساد هنا بأنه شكل من أشكال خيانة الأمانة أو الجريمة وهو من أكثر الآفات الخطيرة التي تنخر جسد المجتمعات والدول لأنه يترك آثاراً سلبية مقيتة. ويُلقي بظلاله على عجلة التطور والنمو فيوقفها. مما يسبب شرخاً وتصدعات في بنيان الدولة. وأن توقف انتشار الفساد مبني على محاسبة الفاسدين بشكلٍ صارم ومنعهم من الاستمرار في استغلال سلطاتهم. فالفساد بصورة عامة هو إساءة استخدام السلطة العامة لأجل تحقيق فوائد شخصية والفساد القضائي بمفهومه الضيق المتعارف عليه هو استعمال الصفة والنفوذ لتحقيق مكاسب ومنافع شخصية وفردية سواء مادية أو متعلقة بالوظيفة. وهنا لابد من الإشارة للتمييز بين ثلاثة أصناف من الفساد. وهي الفساد المالي والفساد الإداري أي الذي يتمثل في توجيه القاضي قراره القضائي لخدمة أصحاب النفوذ السياسي وليس تطبيقاً للقانون بل يكون الغاية منه الحصول على منافع وظيفية خاصة كالترقية والترفيع أو الحصول على منصب سياسي وقضائي أعلى وكذلك الفساد الأخلاقي أيضاً. فيؤدي انخراط القاضي في هذا الفساد أياً كان تصنيفه إلى المساس بأحقية انتمائه لمهنة القضاء والمؤسسة القضائية بشكل عام مما يستدعي محاسبته على فساده لأن الفساد القضائي يشير إلى سوء سلوك القاضي المرتبط بالفساد. وذلك من خلال تلقيه الهدايا أو المنح أو الرشاوى مقابل قرارات وأحكام غير صحيحة بحق المتقاضين والمتخاصمين أو التحيز اثناء الاستماع للحجج وإصدار الأحكام والقرارات. فالفساد القضائي ليس وليد اللحظة بل هو يرتبط بالفساد الحكومي العام وعلى نطاق واسع في العديد من البلدان وخاصة تلك الدول التي تمر بمرحلة انتقالية أو تعتبر دول نامية لأن الميزانية تخضع لسيطرة السلطة التنفيذية بالكامل تقريباً وقد يكون من الصعب القضاء على ظاهرة الفساد القضائي بشكل كامل حتى في البلدان المتقدمة حيث يشارك فساد القضاء الحكومة في السلطة من خلال استخدام الذراع القضائية للحكومة لقمع أحزاب المعارضة على حساب الدولة وهو أمر يطرح سؤال حول دور الجهات المشرفة على القضاء في تحقيق المحاسبة. فلابد من دور كبير لمجلس القضاء الأعلى الذي يجب ان يرأسه قاض وليس رئيس الدولة كما هو الحال في سوريا حيث يجمع بيده رئيس الدولة كل السلطات وهذا كرس الاستبداد لأكثر من خمسين عاماً. فلابد من وجود دور لمحاسبة القضاة الذين يثبت عليهم الفساد ولابد من تحقيق رقابة حقيقية على ملف الفساد القضائي ويجب ان يشغل مبدأ الحساب والرقابة حيزا كبير من عمل مجلس القضاء الأعلى في الدولة وذلك من خلال صلاحيات أكبر لجهة عقوبة التأديب القضائي التي يكون منصوص عليها في قانون السلطة القضائية. لأن التعامل مع الفساد القضائي على المستوى التأديبي البسيط فقط لن يُحصن القضاء من الفساد لأسباب عدة. فالفساد لم يعد يقتصر على انحرافات فردية فقط وإنما أصبح ظاهرة ممنهجة شاركت في تفشيها قوى عديدة وأن صلاحيات الحد من هذه الظاهرة ومعالجتها لا تملكه الجهة المكلفة بالتأديب فقط بل هي مسؤولية مشتركة. ولابد من العمل بشكل صحيح وضمن الانتماء الوطني الحقيقي لكل من يتولج مهمة القضاء وان من ميزات القاضي إضافة لنزاهته وعدله فلا بد من تمتعه بتهذيب النفس وتربيتها على الفضيلة لأن النفس تميل دائماً لملذاتها وتسعى لاكتساب المال بأكثر الطرق راحة. وأن يقف القاضي مع نفسه وقفة صدق ويعلم أن فساده يتسبب بطريقة أو بأخرى بدمار مجتمعه لأن الفساد يبقى فساداً لا يتغير باختلاف حجم المناصب والأشخاص. فلابد من استشعار القاضي لمفهوم المواطنة بينه وبين ذاته لأن يكون مواطن صالح وإلا يلحق الأذى ببلده أو أحد المواطنين. فهو مواطن قبل ان يكون قاضي وفي سوريا التي اعتبرها الأسد الاب والابن مزرعة لهم دمروا المؤسسة القضائية التي أصبحت تابعة لأجهزة مخابراتهم  حتى ان القاضي الصالح لا يستطيع ان يرفع رأسه حتى ولو حاول ان يقف وقفة صلبة ضد المجرمين يعلم أنه سيتم النيل منه بل ان كثير من القضاة يتعرضون للضغط مما يجعلهم أسيرين داخل بيوتهم  حيث افرغ نظام عائلة الأسد  المؤسسة القضائية من محتواها بان جلب اليها عدد من الفاسدين سواء من قضاة او موظفين اداريين لكي ينتشر الفساد ويصبح ظاهرة عامة في البلاد بل هو افساد منظم للمجتمع لتبقى العائلة تدير تلك المزرعة .وقد صنفت منظمة الشفافية الدولية سوريا في المرتبة الأولى في شرق المتوسط والثّانية عربياً في انتشار الفساد بشكل عام. لكن الإعلام وبقية الأجهزة لم يمتلكوا الجرأة على مكاشفة المسؤولين أو تسليط الضوء على مناطق وبؤر الفساد في الدولة ومنها الفساد القضائي. ولذلك فأن محاربة الفساد القضائي يجب أن يكون عنوان من عناوين المرحلة القادمة في سوريا الجديدة الخالية من نظام الاستبداد لأن الفساد ليس ظاهرة عابرة تسهل مكافحتها كما يتم تداوله في الخطاب الإعلامي بل أنه يستوجب حلولاً جذرية وعلمية عاجلة للخلاص منه بعد الوقوف على دوافعه الموضوعية والذاتية. والظاهر أيضاً أن بعض الفساد والانحرافات هي نتيجة سوء تقدير لمعنى سلطة القاضي وصلاحياته وخاصة المتعلقة بالحريات لأنه بدون قضاء نزيه مستقل لن يحصل تقدم في سوريا ومن الضروري جداً تفعيل مؤسسة عدم الإفلات من العقاب لكل من يخرق القانون.

المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها.

%d مدونون معجبون بهذه: