المهندس عبد الكريم أغا

رئيس الحركة الديمقراطية السورية

وجهة نظر في الفدرالية

يزداد المطبلون والمزمرون لفكرة الفدرالية في سورية، ولأن هذا الموضوع يجري تناوله غالبا بكثير من السطحية والخفة، تطلب الأمر تقديم ملاحظات ضرورية حول هذه القضية الخطيرة:

يطرح الكثيرون الفدرالية باعتبارها من مدرسة الديمقراطية والنظام الدستوري. ومن المفيد التذكير تاريخيا وعلميا، أن تعبير الفدرالية لا يدرس في أية أكاديمية جامعية أو معهد حقوقي باعتباره معيارا للديمقراطية أو الدكتاتورية. ويميز القاموس العالمي لحقوق الإنسان بينها وبين موضوع الحقوق والحريات بشكل كامل باعتباره لها: شكل من أشكال إدارة المناطق في دولة. فهناك نماذج فيدرالية دكتاتورية مثل اسبانيا فرانكو او ارجنتين العسكر.

لم تقم النظم الفدرالية يوما في دولة موحدة بل تحدث بين دول متفرقة متحاربة وتتصالح وتخلق الوئام والألفة بين المتحاربين وتذهب إلى الفدرالية لتحقق أعلى مصلحة لهذه الدولة ومن أجل الوصول لدولة الوحدة هذا هو الأنموذج الذي تم بالتراضي بين إمارات متعددة في سويسرا وبالحرب في أنموذج الوحدة الألمانية.

ثمة نماذج حاولت إدارة الدولة بإدخال مفهوم الأقاليم والمحاصصة. شاهدنا ذلك في المثلين اللبناني والعراقي، والفشل الذريع المرافق لهكذا تجارب،  كذلك شاهدنا ذلك في السودان حيث كانت النتيجة ليس الانفصال وحسب، بل قيام نزاعات مسلحة بين الأقاليم المنفصلة أعطت دولة فاشلة، وفي هذه الدولة اليوم نزعات للفدرلة أنقل لكم رأي مناضل وطني من جنوب السودان في رسالة مفصلة تعطي السوريين إشارات تنبيه ضرورية لعدم الدخول في هذه المتاهة.

تسعى  الدول لإحداث تجمعات اقتصادية كبيرة وتتعاون من أجل إزالة الحدود الاقتصادية والسياسية من أجل مصالح شعوبها ورفاههم بينما يسعى الجهلة لتجزئة سورية(فرق تسد) وهذا نعلم انه ليست ناتجة من جهلهم فقط  بل بدافع من مشغليهم ومستخدميهم، بهدف تحويل أي إقليم مستقبلا إلى منطقة نفوذ دائمة لهذه الدولة أو تلك.

تكاد سوريا، أن تكون بصغرها مدينة واحدة مقارنة بكثير من الدول وابعد مسافة بين مدينتين فيها 300 كم ويمكن ان تصل لأبعد نقطة فيها بساعة واحدة بطرق ووسائل مواصلات حديثة وعلى  أبعد تقدير  ثلاث ساعات، فهل نريد تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ؟

إن التكامل الاقتصادي في سورية، بين مدن تكاد ان تكون مميتة لكل جزء فيها دون المناطق الأخرى فكل منطقة تملك من المزايا التي تفتقدها المناطق الأخرى فالسياحة لها مناطقها والبترول امتد اليوم إلى البحر المتوسط  والماء في الوسط والقمح في الشمال إلخ.

لا يحتمل التمازج والاختلاط السكاني في سوريا أي فدرالية عرقية ولا دينية ولا مذهبية حيث لا توجد أية أغلبية عرقية أو دينية أو مذهبية في أي جزء منها وأي فدرالية ترجح جهة ستظلم جهات أخرى  وتجعله مواطن من الدرجة الثانية في تلك الفدرالية المصطنعة

بعد أكثر من مئة عام على سايكس بيكو،   صنع السوريون عائلة وطنية سورية واحدة، كل عضو فيها يتأثر بالجزء الآخر وصارت العلاقة بين مختلف أطياف المجتمع من الزواج المشترك والتعايش ومجالات العمل والاستثمار المختلفة تجعل من الفدرالية شكلا مفرقا لا جامعا لشعب واحد فالإثنيات أقرب لبعضها من أقرانها في الدول الأخرى.

إن كل محاولات بناء كيانات أمر واقع كانت مجحفة بحق أطياف سورية وعلى حسابها، فكيف يمكن أن نقبل بالتطهير الإثني والثقافي في منطقة ونشجبه كجريمة حرب في منطقة أخرى. نقول هذا لمن أقام منظومة حزب واحد في شرقي الفرات يدعي أنها ديمقراطية علما بأن الأكراد أول ضحاياها، كذلك في عمليات التهجير السكاني التي تعممت على كل المناطق السورية، والتي تضعنا أمام قضية مركزية سابقة على كل نقاط الاختلاف: إعادة اللحمة الوطنية السورية كمشروع أساس لبناء الديمقراطية والتغيير، ورفض أي منطق مآلاته في مناطق الصراع الوصول إلى ضرب الدولة السورية الواحدة، وليس النظام الدكتاتوري.

سواء كان حكم الأمر الواقع لوحدات حماية الشعب الكردية، أو المنظمات الإرهابية كداعش التي أعلنت دولتها الإرهابية أو إمارة النصرة، يشتركون جميعا في سياسة الإقصاء لمن يختلف عنهم. ولا يمكن بناء دولة مواطنة، دولة ديمقراطية حديثة ببرامج الإسلام السياسي إخوانيا أو سلفيا، كذلك لا يمكن ضمان حقوق كل السورييين بقيادة تأتمر لإمارة قنديل.

إن الأخوة العرب والتركمان والأكراد والأشوريين والشركس والأرمن أبرياء من جرائم ترتكب باسمهم من أية جماعة شوفينية عربية أو كردية أو تركمانية إلخ. وهم يدفعون أغلى الأثمان لما حدث. لذا فهم في أغلبيتهم يعلنون انتماءهم لسوريا موحدة وشعب واحد ودولة مواطنة.

إننا نطالب بسورية موحدة، ودولة مدنية علمانية ديمقراطية، يتساوى فيها كل السوريين والسوريات بالواجبات والمسؤوليات والحقوق وضمان الحريات الدينية والثقافية للجميع ونظام قائم على العدالة والديمقراطية والشفافية  والنمو المتكافئ بين المحافظات، ويضمن الحقوق الاقتصادية والثقافية لكل السوريين دون تمييز.

المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها

%d مدونون معجبون بهذه: