الأستاذ بشير عليطو

كتلة العمل الوطني

لماذا لم تنتصر الثورة السورية حتى الآن؟

توفُّرت كل دوافع انطلاق الثورة السورية، المتمثلة في طائفية النظام السوري المجرم، وإقصاء الشعب عن المشاركة السياسية وصناعة القرار، وتقييد الحريات لأقصى حد، والفساد الذي كان ينخر عظام كل مؤسَّسات الدولة، وإفسادِ التعليم المُمَنهج، ومحاربةِ الابداع، وسرقة الموارد وتدمير الاقتصاد، والدافع الأهم الذي كان يحمي هذا النهج ويمنع أي محاولة لإصلاح هذه السياسة الخبيثة، وهو القبضة الأمنية التي كانت فوق القانون، وتُحصي على السوري أنفاسه وحركاته وسكناته وتحاسبه على النيَّة التي هي غالباً ملفَّقة وتهدفً لإرهاب كلِّ من تسوِّل له نفسه أن يكون إنساناً أو مواطناً له حقوق مقابل ما يطالبه به النظام من واجبات الطاعة والتقديس.

ومن المؤكَّد أيضاً أن هذه الثورة المباركة ملكت غالبية مقوِّمات النجاح التي أدت لنجاح غالبية ثورات الشعوب ضد الاستبداد والفساد والظلم مثل:

كسر حاجز الخوف: الذي كان حصن أي حكم استبدادي وقمعي، وقد نجح النظام المجرم على مدى أربعين عاماً في بناء هذا الحاجز من خلال الاعتقال والتغييب القسري والتضييق الغير محدود للحريات، وجعله شاهقاً ومنيعاً في نهاية السبعينات والثمانينات من خلال تدمير مدينة حماة وأحياء كاملة في مدن عديدة والمجازر الإرهابية التي ارتكبها بحقدٍ دفين وطائفية منقطعة النظير، وأزهقت أرواح عشرات الآلاف وغيَّبت قسرياً وهجَّرت أضعافهم، وقد كسر السوريون هذا الحاجز وعلت أصواتهم للمطالبة بالحرية والكرامة والعدالة.

– المشاركة الشعبية والاضرابات: بعد انطلاق شرارة الثورة في شهر آذار من عام 2011م، استجابت غالبية المحافظات وانضمَّت للثورة وخرجت مظاهرات أسبوعية وُصف بعضها بالمليونيات تنادي بإسقاط النظام وتطالب بالحقوق المشروعة، وشهدت غالبية المدن إضرابات عامة تأييدا للثورة ورفضاً للعنف الذي يمارسه النظام المجرم ومنظومته الأمنية وجيشه الذي لم يحارب إلاَّ ضد الشعب السوري.

– الإجماع الشعبي على المطالب: فقد كانت المطالب واحدة وتهم كامل الشعب السوري، فلم تكن مطالب مناطقية أو حزبية أو مذهبية، بل كانت الحرية لسورية وشعبها من تسلُّط حكم منظومة فاسدة، وبناء دولة العدالة والحرية والكرامة.

إذاً ما هو سبب عدم تحقيق النصر حتى الآن؟؟؟؟

في الحقيقة يوجد العديد من الأسباب التي تتحمًّل هذه المسؤولية، منها التدخل الخارجي وتضارب المصالح الذي جعل من سورية ساحة للصراع وتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، والفوضى والمال القذر واقصاء أصحاب القدرات السياسية والاجتماعية والعسكرية، وتجاهل بعض الأخطاء التي أصبحت لاحقاً عصية على الإصلاح.

 ولكن غالبية هذه الأسباب تتفرع من سببٍ رئيسي واحد، لو توفَّر لما سمح لتلك الأسباب بالوجود وهو:

=عدم إيجاد قيادة ثورية واحدة

  العفوية الثورية في البداية أمر ضروري، وقد مارسته الثورة السورية بشكلٍ رائع، لكن لهذه العفوية حدود، إن طالت فسوف تصبُّ في مصلحة النظام، وهذا ما حصل، فقد استطاع النظام الخبيث بمشاركة حلفائه أن يشوِّه صورة الثوار و الثورة، وأن يستعيد زمام المبادرة ويجعل العديد من دول العالم تعيد حساباتها وتُراجع مواقفها، ولم يكن ذلك ليحصل لو وُجدت قيادة  لديها وضوحٌ بشأن الأهداف وآلية بشأن المرحلة اللاحقة لإسقاط النظام، وقدرة على بناء التحالفات والشراكات، وتقديم التطمينات والضمانات وفي ظلِّ التمسك بالمبادئ والحقوق وعدم تقديم التنازلات المجانية، وتمثيل الثورة ومن قام بها وقدَّم في سبيل نجاحها التضحيات الجسيمة.

 المعارضة التي تتصدَّر المشهد السياسي الآن (الإئتلاف) وُلدت بشكلٍ مقلوب، فهي رغم أنَّ جذورها ترجع إلى إعلان دمشق لكنَّها وفي وقت قياسي غلبت عليها صفة عدم التناغم، وكانت النتيجة خليطاً من المنفيين، والمثقفين والمعارضين العلمانيين والقوميين الذين يفتقرون إلى قاعدة سياسية حقيقية، ولا يملكون قاعدة شعبية داعمة، ولا صلات بالمتظاهرين والثوار، إضافة لضعف خبرتهم السياسية، ممَّا جعل الإئتلاف ساحة صراع وتنافس على الكراسي والمصالح الخاصة والتكتلات.

    ورغم محاولات الإصلاح المتعدِّدة لهذا الكيان فقد باءت كلها بالفشل لأنها لا تخرجُ من إطارِ المحافظة على البنية المشوَّهة، ولا تمسُّ إلاًّ الهوامش من مكوِّناته، ففقد احترام الداخل والخارج، ولا يمكن أن تملك الثورة تمثيلاً حقيقياً إن لم ينبع من صميمها، وممَّن قدّم التضحيات ومازال، فإن افتقروا للخبرة السياسية كمن يمارسها الآن، فهم يملكون الإرادة الصلبة التي لا تراجع عنها لأنهم أحرقوا مراكبهم، فلا خيار ولا بديل عندهم إلاَّ التمسَّك بمبادئ الثورة وأهدافها.

  على الثوار أن يعوا أنَّ الثورة لن تنتصر بهكذا حال وأنَّ طول الزمن في صالح النظام فقط، وأنَّ دماء الشهداء ومعاناة النازحين وعذاب المعتقلين مسؤولية تستدعي استعادة القرار وروح الثورة وحماسها فالقرارات الدولية والمفاوضات لم تُنصف المظلوم على مرِّ التاريخ، ولا احترام إلا للقوي المتماسك المصرُّ على نيل حقوقه ويعرف السبيل لتحقيق ذلك.

المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها.

%d مدونون معجبون بهذه: