
محمد أمين كركوكلي
سياسي سوري – ماجستير اقتصاد- رئيس حزب بناة سوريا
حقيقة العمق الوطني للجبل الأشم
لا يخفى على أي سوري اليوم المواقف الوطنية التي خاضها دروز سوريا والممتدة لزمن طويل فمن جبل العرب انطلقت الثورة السورية ضد الفرنسيين عام 1925 واحتضنتها باقي مكونات الشعب السوري في الجنوب وفي دمشق وغوطتها وعموم سوريا ، واشترك الجميع دروز وسنة ومسيحيين في مشروع وطني تحرري، ولم ينظروا وقتها لطائفة مفجريها أو انتمائهم بل نظروا إليهم كسوريين فقط يجمعهم المصير المشترك والوطن المشترك، فلقد حظيت هذه الثورة باهتمام الوطنيين الذين قدموا لها سبل الدعم وفتحوا أمامها الآفاق لتنتشر في مختلف ارجاء الوطن السوري. وأصر زعماء سوريا من كافة الاطياف والأديان على تسمية سلطان باشا الأطرش قائداً عاماً للثورة السورية دون النظر لطائفته ليصبح رمز وطني لكل السوريين.
كان البائد حافظ الأسد مدركاً لهذه العقبة الكبيرة في وجه مشروعه الدكتاتوري الطائفي فقام بتدبير المكائد والمؤامرات للتخلص من أبناء الجبل وإزاحتهم نهائيا وتهميش دورهم كما تم تهميش كل مكونات المجتمع السوري وإقصاء الجميع فلم يبق في المشهد إلا من يقبل الإذعان لإرادته وسلطته الديكتاتورية الجديدة وفي انقلاب 23 من شباط 1965 تم إزاحة القادة التاريخيين لحزب البعث وتأكيد السيطرة شبه التامة للمشروع الديكتاتوري الأسدي الطائفي تحت شعارات العروبة و التقدم والوحدة والاشتراكية. كان الرائد سليم حاطوم أبرز عناصر الانقلاب الأخير والذي أدرك فيما بعد أنه تم توريطه من قبل الأسد، وشعر بالخداع فالقيادة المدنية والعسكرية أصبحت حقيقة في أيدي الأسد وأعوانه، مما دفعه للتخطيط لانقلاب عسكري, وفي أيلول عام 1966 قام حاطوم بمحاولته الانقلابية لكنه فشل، حيث تجنب سفك الدماء وفضل الهروب إلى الأردن لينادي من اذاعتها أن حافظ اسد وأعوانه يقودون سوريا إلى حرب أهلية بعد تصفية الجيش السوري من مكوناته الوطنية.
كانت محاولة الانقلاب التي قادها حاطوم ضد الأسد فرصة تاريخية للأسد وأعوانه للتخلص من باقي الشرقاء في الجيش السوري وخاصة من الدروز وفعلاً تم إلقاء القبض على معظم الضباط الدروز والزج بهم في المعتقلات بحجة المشاركة في “مؤامرة حاطوم” والكثير من بينهم ليس له أية صلة أو معرفة بما يدور.
عمل النظام السوري منذ اغتصابه للسلطة في سوريا على شيطنة الشرفاء وتخوينهم وكانت الشماعة دائما العمالة والخيانة والتعامل مع العدو وكانت غايته الأساسية هي التخلص ممن يقف في وجه ديكتاتوريته الجديدة وجعل من الدروز دائماً الحلقة الأضعف والشماعة التي يعلق عليها الخيانة والهزائم وذلك بدا واضحاً منذ هزيمة حرب تشرين التي أمر بها حافظ الأسد واتهم الضباط الدروز بالخيانة والهزيمة, تلك الهزائم التي كان يقودها النظام في الخفاء بموجب صفقات دولية لاستمرار حكمه في سوريا.
ولم يتوقف نظام الهزيمة والاجرام عن اثارة الفتن الطائفية طوال خمسين عاماً حيث عمد للكثير من المحاولات لإثارة الفتن الطائفية بين الدروز وجيرانهم وعمل على تغذية هذه الفتن بلهجة طائفية بغيضة لإثارة الخلاف والبغضاء بين مكونات الشعب السوري وذلك لأنه نظام أسس على الطائفية والكراهية ويدرك تماما نهايته عندما يتكاتف أبناء الوطن السوري لإنقاذ سوريا من براثن احتلاله.
من هنا يمكن أن نفهم إن طبيعة العلاقة بين الدروز والنظام الأسدي ليست كما يشاع أو يذكر في وسائل النظام وماكيناته الإعلامية والصحفية على أنها علاقة ولاء للنظام وخضوع له، بل على العكس من ذلك فهي في العمق علاقة صراع مستمر ويجب عدم السقوط في الوهم وسوء التقدير فالقوى التي تطفو على السطح والتي ترتبط عضوياً بالنظام مثلها مثل غيرها على امتداد الوطن السوري حيث نجح النظام بكل ما يملكه من إمكانات مادية وأمنية وإعلامية من ربط بعض الفئات ربطاً عضوياً به والتي ربطت مصيرها بمصيره ولن تبرح المكان إلا برحيله، فالعمق الشعبي في السويداء يرفض الخضوع لنظام الأسد نظام القتل والفساد والاستبداد والذي اقصى الجميع, ويبقى دروز الجبل جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني السوري ويتوقون كما غيرهم من السوريين لإقامة دولة العدالة والحرية والمساواة.
المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها