حسين علي البسيس

محامي سوري-عضو المجلس التأسيسي لحزب بناة سوريا

تجار الحروب والأزمات

ان كارثة الحروب وحالة الاقتتال موجودة منذ قيام ونشوء الحياة الإنسانية على وجه الأرض إلا أنه مع اندلاع تلك الحروب والأزمات التي تواجه العديد من الشعوب يبرز على السطح نوع خاص من البشر. يتصفون بانعدام الضمير الذي باعوه بثمن بخس لتحقيق مكاسب مادية ومصالح خاصة لهم مقابل قيامهم بأعمال وممارسات سياسية أو تجارية غير أخلاقية وغير شرعية أو إنسانية. أذ تعتمد هذه الفئة على منهجية استغلال الأحداث والظروف السيئة والصعبة التي تواجه الشعب في أوقات الحروب والأزمات. فأثناء تلك المأساة تظهر بداخل تلك البلاد شريحة جشعة جداً من البشر تتسلق على اكتاف ضحايا تلك الحروب والأزمات وان هؤلاء المتسلقين هم حديثي النعمة وأصحاب الأموال مجهولة المصدر. فهم مصاصي دماء الشعوب نتيجة جشعهم وحبهم للمال. ويتبعون سياسة التعتيم على مصادر أموالهم وثرواتهم في حال تم سؤالهم عن ذلك فيعطون إجابات لا تتوافق مع العقل والمنطق كي لا يفضحون مصدر ثرائهم المفاجئ وهم يجمعون أموالهم من مناطق الحرب التي تنشط فيها تجارة السلاح والمخدرات والطاقة وتجارة المواد الغذائية والاستهلاكية واحتكارها. ولهذه الفئة من تجار الحروب فريق كبير من مروجي الاشاعات الكاذبة التي تساهم في مضاعفة ارباحهم المالية. فقسم منهم ينشطون بتجارة الممنوعات والمخدرات بالاتفاق مع مسؤولين متنفذين مرتشين في مناطق تواجدهم وأماكن نشاطاتهم. فمع بداية أي حرب تظهر تلك الشرائح. فمنهم قادة عسكريين او مدنيين ومن جميع الأطراف المتناحرة فقسم كبير من هؤلاء القادة بمختلف مناطق الصراع حالتهم تكاد تكون ما قبل الحرب حالة عادية بل منهم لا يمتلكون أية ثروات تذكر غير أن الوضع يتغير تدريجياً بعد اندلاع الحرب. فمعظمهم يصبحوا أصحاب ثروات كبيرة فالكثير منهم في مناطق السيطرة والنفوذ وفرض الامر الواقع ينخرطوا في عمليات الاستيلاء على الأراضي والعقارات والأملاك والمنشآت والمعامل والمعابر متجاوزين القوانين والأنظمة والأعراف الدولية. أو يعملون بالاستئثار بأموال عامة من ضرائب وعائدات أو إتاوات خارج القانون أو الاستحواذ على ممتلكات تخص الدولة والشعب بشكل عام وتسخيرها للإثراء الشخصي مستغلين مراكزهم العسكرية أو مواقع نفوذهم الوظيفية وبقوة السلاح لحصد المزيد من المكاسب والإثراء غير المشروع بوسائل غير مشروعة. حيث ان بعض تجار الحروب كما هو واقع الحال في سوريا قد هيمنوا على عدد واسع من الشركات والمعامل والعقارات والأموال المنقولة وغير المنقولة مستغلين حالة الحرب وطول امد الازمة الحالية فعملوا على نسج علاقات محلية ومنها إقليمية ودولية لاستمرار مصالحهم وهمهم الوحيد هو زيادة الأرصدة البنكية لهم ولذلك فان استمرار حالة الحرب تساهم في تقويض الاقتصاد والمعيشة للغالبية العظمى من الشعب يرافقها تزايد في أرصدة زمرة من القيادات والأثرياء الجدد وتجار الحروب الذين اصبحوا يملكون المزيد من الأموال والعقارات والمباني والشركات بينما يرقب الفقراء ذلك بأسى وسخط فقد أصبحت الحرب نعمة لشريحة من الأثرياء الجدد وتجار الحروب في مختلف مناطق الصراع وبات استمرار الحرب مصلحة لهذه الطبقة التي لا تعرف الاخلاق مطلقاً وقد زاد ذلك من فقر الفقراء .حيث تعد فئة التجار وصناع الازمات اشد خطراً على أبناء المجتمع بحكم تأثير ممارسات هؤلاء بشكل مباشر على حياة الناس ومعيشتهم في ظل الظروف الصعبة والسيئة التي تواجههم في حياتهم اليومية .ولا يغيب عن البال ان هناك فئة خطرة أيضا من الذين يتاجرون بالبشر فهم الذين يخطفون الأطفال أو الرجال أو النساء من أجل الفدية المادية وقسم يخطفون البشر للاتجار بالأعضاء البشرية وكذلك تجار الجنس الذين يخطفون النساء والأطفال والشبان ويقومون ببيعهم لبيوت ومؤسسات خاصة بالدعارة .من خلال تلك السردية فأن الحد من تجار الحروب والأزمات يتوقف على إيقاف الحرب لأن وقف الحرب يمثل النهاية لمشاريع تجار الحروب والأزمات . وان ما يجري في سوريا منذ أكثر من عشر سنوات أوصل المواطن السوري الى الحضيض في ظل بقاء النظام الدكتاتوري وظهور طبقة من تجار الحروب .وهذا لن ينتهي الا بحل شامل للقضية السورية على أساس تحقيق الانتقال السياسي وفق القرارات الدولية المتمثلة بالقرار 2118والقرار 2254 والتي بتطبيقها ستنتقل البلاد لحالة الاستقرار بدل الحرب وبالتالي الخلاص من تجار الحروب والأزمات ولكن يبدو ان تطبيق تلك القرارات يحتاج تحقيق توافقات دولية وإقليمية وداخلية وهذا ما يجب ان تعمل عليه النخب الوطنية لأن الوضع في سوريا لن يستقر طالما نظام الأسد على رأس السلطة.

المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها.

%d مدونون معجبون بهذه: