ياسر بدوي

كاتب وصحفي سوري

الإعلام وصناعة السلام

إن زوايا النظر إلى الإعلام متعددة ومختلفة لدرجة التباين والتضاد، الشيء الذي يحتم ضرورة المراجعة الكاملة لجميع المسارات الإعلامية التي كانت ولا زالت قائمة حتى اليوم، إذ انها تفتقر الى الحدود الدنيا من المهنية، ولعل اعتبار الاعلام ليس مهنة انعكس على التغطيات الإعلامية من جميع الأطراف السورية والمتدخلة في الشأن السوري, بالنظر إليها كمهنة دون النظر الى قضية الحق والباطل وإن كانت تشكل لب وجوهر الرسالة الإعلامية وجوهر رسالة الصحفي.

قبل الدخول في دور الاعلام في المرحلة الانتقالية المنتظرة، ودوره في بناء وصناعة السلام، لا بد من القاء الضوء على الاعلام القائم في سوريا حتى يتسنى لنا عرض الأفكار التي تساعد في تغيير الخطاب الإعلامي بنقده ونقض منتجاته.

الخطاب الإعلامي لوسائل الاعلام الخاصة والحكومية التابعة للنظام بقى كما هو منذ اليوم لانطلاقة الثورة السورية، إذ لم يخرج عن الرواية التي وضعها النظام والقائمة على التضليل وتشويه حركة شعب وضرب السلم الأهلي، ولم يكن أي صحفي ليستطيع الخروج عن هذه الرواية التي برمجت وجود مشاغبين ومخربين ثم إرهابيين وقتلة.

 وعن دور الاعلام لم يكن هنا مجرد ناقل لرواية النظام بل ساهم في صناعتها، إذ وظف رهط من الصحفيين خبراتهم لتشكيل هذه الرواية التضليلية القاتلة، وماتزال حاضرة تلك الأفلام التي تم تصنيعها وانتاجها من قبل محترفين، ومع ذلك وقعوا في أخطاء ليس صعب على محترف كشفها, مثل المسلحون في درعا، فيلم دوما القناص الشبح، ومجزرة جسر الشغور والتي كانت فاضحة للإعلام، وتورط فيها صحفيون متمرسون، ثم تورط فيها مفكرون في إطار كتاباتهم عن الثورة مثل الدكتور عزمي بشارة في كتابه درب الالام حيث اعتمد على روايات ممن اشتركوا في التضليل حول هذه المجزرة, والصحفي انس ازرق فهو كان من المشاركين في الأفلام التي روجت أن شباب الثورة قاموا بمجزرة بينما هي من تدبير النظام كاملة، وعندما تجرأت مراسلة قناة روسيا اليوم بذكر جملة واحدة تم عزلها، فقد عرضت كل هذه الأفلام المزيفة والكاذبة وقالت نهاية التقرير ( تلك هي رواية النظام ولا رواية غيرها).

أما إعلام الثورة والمعارضة والإعلام المشارك معه من الاعلام الخارجي فله ازماته واخطائه ومشاكله التي لا تحصى، يعفيه أنه ليس في حالة سليمة من جميع النواحي، ولا تعفيه الأخطاء المهنية الكبيرة التي وقع فيها ضمن الإمكانيات المتاحة النابعة أساسا من الاعتداء على المهنة إذ أصبح المصور محررا وشاهد العيان خبيرا ومن قرأ جملة عرضية على صفحات الفيس بوك أو مجموعات الوتس اب محللا استراتيجيا.

اللا مهنية هذه جعلت الولاء لشخصيات وليس للحقيقة، وتكرر المشهد امامنا ففي حين كنا نقاتل في الاعلام الحكومي من أجل التخصص، وجدنا هذا الأمر في الضفة المقابلة والتي تنشد التغيير، وانا ما زلت استغرب كيف لشخص لم يحصل على شهادية ابتدائية أن يأخذ مكانا متقدما في التحرير الصحفي والظهور الإعلامي، بينما أهل الاختصاص عاطلون عن العمل والمبررات أن هؤلاء لهم متابعون، فباتت المعايير ليست المهنة والحقيقة والكذب والموضوعية والتحييز والدقة والفوضى، بل عدد المتابعين وأصبحت الشتائم والتعرض للخصوصيات وسيلة هؤلاء لكسب المتابعين, فضاعت المهنة وضاعت معها معاييرها لذلك لا بد لنا من إعادة التذكير بدور الاعلام وضوابطه المهنية والقانونية والأخلاقية في عملية بناء السلام، وعرض الأفكار الكلية والعامة للتأكيد على خطاب اعلامي يقوم على :

– نبذ الأفكار المسيئة والمعيقة للسلام مثل الطائفية والإرهاب والعنف والتمييز بجميع مستوياته.

– الإقرار بأن وظيفة الاعلام ومهمته نقل الحقيقة وأن حق المعرفة مهمة مقدسة للصحفي وهذه مهمة كبيرة تحتاج لتفصيل وتفصيل، والاقرار بنبذ الكذب والتضليل تحت اية مسميات.

– المهنية هي الالتزام بقواعد ومعايير الصحافة، الخبر هو صناعة تحتاج لجراح متخصص، لضمان صحته ودقته وموضوعيته، من أجل ضمان أن يقدم معرفة للناس، وهناك ضرورة للتمييز بين الخبر والرأي والتحليل والترفيه.

– النظر الى العلاقة الجدلية بين وسائل الاعلام المنضبطة بمرجعية وبرامج التواصل الاجتماعي المنفلتة وهنا يمكن وضع منشورات برامج التواصل بعد إخضاعها لقوانين النشر  وحرية المعلومات والتعبير ووضعها كمساعد ومصدر و ناقل لوسائل الاعلام الجماهيرية، وجعلها مصدر بعد إخضاعها للتحري الاخباري، وهذا فيم يتعلق بالقضايا العامة أما الخاصة المتعلقة بالأفراد فلها ضوابطها.

– ضرورة وجود وسيلة إعلامية في المرحلة الانتقالية ممولة من دافع الضريبة ومساهمين أشبه بالوقف للتخلص من سلطة الممول أو النظام السياسي، يديرها صحفيون متمرسون مؤمنون بأن الصحافة مهنة وليست تسول واسترزاق.

المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها.

%d مدونون معجبون بهذه: