
فايز سارة
كاتب وسياسي سوري
مقاربات الحرب الروسية بين أوكرانيا وسوريا
تتواصل تفاعلات الغزو الروسي لأوكرانيا، وتتزايد نتائجه الكارثية سواء في جانبها الإنساني أو في الجانب المادي، وما لم يقيض للغزو ان يتوقف، وتهدأ نيرانه، ويتم الذهاب الى مسار سياسي لحل اشكالاته، فإن نتائجه سوف تتصاعد، ويتسع مداها في ظل إمكانية انخراط دول أخرى فيه، وقد يتحول الى حرب عالمية مدمرة، خاصة في ظل التهديدات الروسية في اللجوء الى استعمال السلاح النووي، وهو خيار تصاعدت احتمالاته بعد قيام القوات الروسية بالهجوم على المحطة النووية الأوكرانية قبل أيام.
وكما هو واضح، فان الحرب في أوكرانيا من حيث محتواها الأساسي باعتبارها غزوا روسيا مسلحاً، تمثل حلقة جديدة من الصراع العسكري الأخطر في العالم الذي بدأت روسيا أول حلقاته بالاستيلاء على القرم عام 2014، وطورته في تدخلها المسلح في سوريا أواخر العام 2015، حولت في خلاله سوريا إلى دولة تحت الاحتلال، وهو هدف غير معلن للغزو الروسي الحالي لأوكرانيا.
ان ذرائع غزو أوكرانيا، تقارب ما ساقته موسكو من ذرائع بررت عبرها تدخلها السافر في سوريا. حيث وصفت حكومة أوكرانيا ب”العمالة للغرب” ووصفت معارضي الغزو من الاوكرانيين ب”القوميين المتشددين” و”النازيين”، وكلاهما قريب مما قاله الروس عندما وصفوا ثورة السوريين بالارتباط ب”الخارج” ووصفوا معارضي النظام بما فيهم دعاة التغيير السلمي ب”الارهابيين” واشاعوا ان كل من يعارض نظام الأسد هو “إرهابي” و”اصولي”، رغم معرفة الروس الاكيدة، ان ما تقدم مجرد أكاذيب هدفها تبرير التدخل الدموي في سوريا وفي أوكرانيا على السواء، وقد يكون من المهم في هذا السياق الإشارة إلى ما نقل عن وزارة الدفاع الروسية في قولها، إن مجموعات “القوميين الأوكرانيين” يستخدمون الأساليب التي اتبعها “الإرهابيين” في القتال خلال الحرب السورية.
ويمثل تقارب ذرائع الحرب الروسية في سوريا وأوكرانيا، واحداً من تشابهات حلقتي الصراع في وحشيته، وبينها موجة الأكاذيب الي يحاط بها الغزو، وتناقضات ما يقال فيه وفي أهدافه على المستويات المختلفة من منصب الرئاسة الروسية الى الوزراء وصولاً الى أجهزة الدعاية والاعلام، وليس لها جميعاً من مهمة سوى تضليل الرأي العام في العالم وقياداته وخصوصاً الشعبين الروسي والأوكراني، وقد اظهرا قدراً كبيراً من معارضة الغزو، تجاوز حدود الاحتجاج الى مقاومته حيث امكن، ورغم ان محيط التدخل الروسي في سوريا لم يكن على هذا القدر من الوضوح، فإنه تضمن أساسيات الحملة الدعاوية في تبريره والتعمية على أهدافه، وشيطنة مناهضي التدخل، وسعي البعض للوقوف المحدود في وجه الروس.
والتشابه الثاني يجسده الهجوم العسكري الواسع في شموليته وتعدد وسائطه، حيث فتحت فيه جبهات من شمال وشرق وجنوب البلاد مدعومة بحشد من مئتي الف جندي وعشرات آلاف الآليات، وتم استخدام مشترك للقوات الجوية والبحرية والبرية، التي هدفت الى انجاز مهماتها بأسرع وقت ممكن لإحكام سيطرتها وحصار المدن والبلدات، وتحويلها الى جزر معزولة لاحول لها ولا قوة تحت القذائف وسط الجوع ومحدودية الخدمات، وهو ما كانت عليه مناطق التدخل الروسي ولاسيما مدينة حلب عاصمة الشمال السوري في خلال التدخل الروسي العام 2015، والتي تم ضربها بالطائرات ومن قطع الأسطول الروسي البعيدة، فيما كانت قوات الإيرانيين ونظام الأسد تهاجمها براً.
لقد كثف الغزو الروسي نيران أسلحته، مركزاً هجماته على الأهداف الاستراتيجية الرئيسية وعلى الأهداف المدنية، وكانت الحجة في الأخيرة، أن “القوميين” و”النازيين” يتجمعون في المناطق السكنية، ويأخذون المدنيين رهائن، وفي واحدة من تطورات الغزو، بينت صور التقطتها الأقمار الصناعية رتل من الدبابات والمدرعات يبلغ طوله نحو ثلاثين كيلو متراً يتجه نحو العاصمة الأوكرانية كييف، التي تعرضت لأعنف كثافة نيران في هجمات مدرعة وصاروخية واسلحة عنقودية، استهدفت اهداف متعددة منها مبنى وبرج التلفزيون الحكومي والمحطة النووية ومنشآت تكنولوجية وأخرى أهلية وعسكرية وأمنية أوكرانية، وسط تأكيد وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، أن هجوم قواته يتواصل “حتى تحقيق كل الأهداف المرسومة”، التي تتمثل حسب قوله في “نزع السلاح واجتثاث النازية” في أوكرانيا، و”حماية روسيا”، وكان أوكرانيا هي من يقوم بالغزو.
ويفسر العدد الكبير للضحايا الاوكرانيين طبيعة الهجمات الروسية وأهدافها، حيث قال المتحدث باسم الجيش الروسي، إيغور كوناشينكوف، خلال مؤتمر صحافي بثه التلفزيون الروسي العام، ان قواته قتلت وجرحت في الأيام الستة الأولى من غزوها قرابة سبعة آلاف جندياً ومدنياً ممن وصفهم ب”القوميين” الاوكرانيين، فيما وصل عدد القتلى والجرحى الروس حسب قوله الى ما يزيد قليلاً عن ألفي عسكري.
لقد تسببت الهجمات إضافة الى القتلى والجرحى الأوكرانيين بموجات نزوح واسعة للمدنيين، وزاد عدد نازحي الموجة الأولى عن مليون نسمة رغم الحصار الروسي المفروض على مدن وبلدان كثيرة، وثمة توقعات بارتفاع عدد النازحين الى أربعة ملايين نحو بلدان الجوار على نحو ما حصل بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا عام 2015 والحرب على مدينة حلب المحاصرة.
ثالث التشابهات السورية الأوكرانية، تمثله البيئة الإقليمية والدولية المحيطة. ففي الحالتين لم يكن الموقف الإقليمي والدولي متوافقاً مع الحاجة لوقف الغزو ومواجهة القوات الروسية، ولو أن موقف بعض الدول الأوروبية، تجاوز الاستنكار والشجب الى توسيع العقوبات وتشديد، وتقديم دعم سياسي ومادي محدود للأوكرانيين، ويرتبط هذا التطور بشروط خاصة ابرزها القرب من هذه الدول أكثر مما يرتبط الموقف بفكرة مواجهة التوسع والعدوانية الروسية، التي هي قاسم مشترك في سوريا وأوكرانيا وقبلهما في القرم.
لقد قضم الروس القرم، وهم يسعون اليوم للاحتفاظ بوجودهم في سوريا لوقت طويل، ويعملون كل ما بإمكانهم وبصورة عاجلة الى تحويل أوكرانيا إلى مستعمرة غير معلنة، تحكمها حكومة عميلة، والمسعى الأخير يواجه برفض واضح وقد يتصاعد، الامر الذي يضع الروس أمام تحديات لم يواجهوها وسيناريوهات، لم تكن مطروحة في حلقات الصراع العسكري الذي تتابعه روسيا منذ الاستيلاء على القرم عام 2014، وفي سوريا منذ عام 2015، والأخطر في هذه السيناريوهات هو حرب طويلة في أوكرانيا او حرب أوروبية مدمرة، الا اذا امكن فتح بوابة لتسوية سياسية، تعيد رسم العلاقات الروسية الأوروبية في إطار جديد.
وأيا كان السيناريو المقبل لما سيؤول اليه الغزو الروسي، فإن ما تمخض عنه من نتائج حتى الآن، يشير الى قرب حدوث تغييرات في الطاقم المحيط بالرئيس الروسي نتيجة عجزه عن تحقيق منجز سريع وحاسم، يرضي طموحات الرئيس، وفي الطاقم أقرب مساعديه وزير الدفاع سيرغي شويغو، ورئيس الأركان فاليري غيراسيموف، ونيكولاي باتروشيف أمين عام مجلس الأمن القومي الروسي، وألكسندر بورتنيكوف رئيس هيئة الأمن الفيدرالي الروسي، وسيرغي ناريشكين رئيس الاستخبارات الخارجية، ثم وزير الخارجية سيرغي لافروف الذين يشكلون هيئة المستشارين المصغرة وأدوات الرئيس لتحقيق طموحاته والتنظير لها وتبريرها.
المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها.